أصدرت مؤسسة الملاحم (الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في اليمن)، الأحد الموافق 10 مارس 2024، إصدارًا مرئيًا لنعي زعيم التنظيم “خالد باطرفي”، دون الخوض في أي تفاصيل حول سبب وفاته، وأعلن “إبراهيم القوصي” (المسئول الشرعي في التنظيم) أن “سعد بن عاطف العولقي” هو الزعيم الجديد للتنظيم. وفي ختام الإصدار ظهر “باطرفي” ملفوفًا بكفن يحمل علم “تنظيم القاعدة” باللونين الأبيض والأسود. ومن ثَمّ يُثير هذا المشهد جملة من الملاحظات الأساسية التي يمكن تناولها على النحو التالي:
الملاحظة الأولى: تُشير إلى الوضع الحالي لتنظيم “القاعدة في اليمن”، إذ يعاني من حالة من التراجع العملياتي نتيجة للضغوط الأمنية التي تُمارس عليه في إطار مكافحة الإرهاب، هذا فضلًا عن فقدانه عددًا كبيرًا من قياداته، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، فقد التنظيم في الآونة الأخيرة عددًا من قيادات الصف الأول منهم: “ناصر الوحيشي” (زعيم التنظيم) (يونيو 2015)، “جلال بلعيدي” (زعيم التنظيم في أبين) (فبراير 2016)، “قاسم الريمي” (زعيم التنظيم) (فبراير2020)، “أبو عمير الحضرمي” (القائد العام العسكري للتنظيم) (يناير 2022)، “حمد بن حمود التميمي” (كبار قادة التنظيم) (فبراير 2023)، وأسماء أخرى مهمة للتنظيم تم تحييدها خلال بضع سنوات.
وعلى الرغم من هذا التحدي العملياتي، إلا أن التنظيم أعاد إحياء إنتاجه الإعلامي مؤخرًا مستفيدًا من الأحداث على الصعيد الدولي بما في ذلك هجمات 7 أكتوبر من أجل تحريض ذئابه المنفردة. وعلى صعيد التمركز الميداني، تُعدّ محافظة مأرب ولا سيما منطقة حصون آل جلال، ملاذًا آمنًا لقادة التنظيم، كذلك يوجد عناصره في محافظة أبين، فضلًا عن أن محافظة شبوة أصبحت واحدة من الملاذات الأساسية لأعضائه وقادته. ويؤكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة، في يناير الماضي، أنه لا يزال أكثر التنظيمات الإرهابية فعالية في اليمن، مُقدرًا عدد عناصره في الوقت الحالي بنحو 3000 إرهابي.
الملاحظة الثانية: تنصرف إلى الغموض المحيط بوفاة “خالد باطرفي”، إذ إن التنظيم لم يكشف عن ملابسات وفاة زعيمه. الأمر الذي يفتح الباب للعديد من التساؤلات حول الوفاة: هل كانت طبيعية؟ أم أنها حدثت نتيجة لتصفية داخلية؟ أم أنها حدثت بسبب ضربة أمنية؟ ويعزز من هذه التكهنات السياق الداخلي المضطرب الذي يعاني منه التنظيم في الوقت الحالي لا سيما مع تصاعد الاتهامات المتبادلة تحت مسميات العمالة والجاسوسية. هذا فضلًا عن أن “باطرفي” لم يكن يحظى بقبول من كل قيادات التنظيم رغم قيادته للجناح العسكري في فترة زعامة “قاسم الريمي”، وذلك على خلفية قناعات بعض القيادات بافتقاره إلى الكفاءة والقدرة على توفير الوسائل المالية واللوجستية للتنظيم من ناحية، بجانب تصاعد اتهامات متعلقة بولائه في أعقاب عمليات الإعدام التي أقرها في ضوء تهم التجسس من ناحية أخرى.
الملاحظة الثالثة: تتصل بخليفة “خالد باطرفي”، فطبقًا لإعلان التنظيم فإن “سعد بن عاطف العولقي” هو الذي سيخلفه، والأخير يمني يتمتع بشبكة علاقات واسعة في شمال وجنوب اليمن، بما في ذلك في المناطق القبلية، حيث ينحدر من قبيلة العوالق الكبيرة وهي ذات القبيلة التي ينحدر منها “أنور العولقي” (الأب الروحي لتنظيم القاعدة) والذي قُتِل بمُسيَّرة أمريكية في عام 2011.
وقد شغل “سعد العولقي” منصب أمير محافظة شبوة في اليمن، ثم أصبح عضوًا في مجلس شورى التنظيم، ودعا علنًا إلى شن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها. وقد رصد “برنامج مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، ستة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه في نوفمبر 2019. وفي هذا السياق، يجدر الإشارة إلى أن التنظيم على المدى القريب سوف يواجه أزمة حاسمة متعلقة بالقيادة لا سيما مع تصاعد استهداف قياداته في ضوء ندرة أصحاب الخبرة العسكرية والخلفية الشرعية الذين يمكن أن يقودوا التنظيم في المراحل القادمة.
الملاحظة الرابعة: تُشير إلى مستقبل تنظيم “القاعدة في اليمن”، إذ أثبت نجاحه في التكيف مع التحديات التي واجهها على مدار سنوات طويلة، والمتابع لتاريخ تنظيم “القاعدة في اليمن” يكتشف قدرته على تجاوز مقتل قاداته، لكن ما يتطلب تدقيق النظر فيه هو التحولات التي قد تطرأ عليه في ظل قيادة “سعد العولقي”، في حين تجادل بعض الاتجاهات بأنه سيتبع النهج ذاته الذي اتبعه سلفه فيما يتعلق بالامتثال لأجندة “سيف العدل” (زعيم تنظيم القاعدة) المتمثلة في استهداف الولايات المتحدة وحلفائها، بجانب التنسيق مع “الحوثي”. تذهب اتجاهات أخرى إلى التأكيد على أن “العولقي” سيتبع نهجًا مغايرًا عن “باطرفي” بما يعني التركيز على الاستهداف المحلى بجانب عدم إجراء ترتيبات مع “الحوثي”.
الملاحظة الخامسة: وهي مرتبطة بالملاحظة السابقة، وتنصرف إلى احتمالية التعاون بين الحوثي و”القاعدة” حال غلب “العولقي” البرجماتية على حساب الأيديولوجية، وبالتالي قد ينعكس هذا التعاون على استهداف الملاحة في البحر الأحمر، وما يدعم هذا التصور جملة من العوامل؛ يتعلق أولها: بوجود مؤشرات تقارب بينهما، على رأسها تجنب التنظيم توجيه ضربات في مناطق سيطرة “الحوثي”، فضلًا عن إنشائه وحدة متخصصة للطائرات بدون طيار، وذلك بدعم وتدريب عملياتي من “الحوثي”.
وينصرف ثانيها: إلى أن تنظيم “القاعدة في اليمن” يحاول استعادة نفوذه بعد التحديات التي واجهها خلال السنوات الماضية، وبالتالي فإنه في حاجة إلى شن هجوم دولي يحتل العناوين الرئيسية من أجل تعزيز سمعته الجهادية. ويتصل
ثالثها: بتمتع التنظيم في اليمن بخبرة قيمة في هذا المجال، حيث شن هجمات بحرية ضد المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول USS Cole” في عام 2000، وناقلة النفط الفرنسية “ليمبورغ Limburg ” في عام 2002. ويدور
رابعها: إلى الضغوط الكبرى التي يواجهها التنظيم في إطار مكافحة الإرهاب، والتي دفعته إلى تغليب الاعتبارات السياسية والمالية على حساب المعتقدات الدينية، فالحاجة إلى البقاء جعلت البرجماتية تطغى على الأيديولوجية.
مجمل القول، على الرغم من كثافة التحديات التي يواجهها تنظيم “القاعدة في اليمن”، إلا أنه لا يزال قادرًا على البقاء، إذ أثبت التنظيم قدرة على الصمود في مواجهة المتغيرات العنيفة التي عصفت به، هذا فضلًا عن أن الساحة اليمنية توفر بيئة حاضنة لنشاطه على خلفية حالة عدم الاستقرار السياسي، ناهيك عن ضعف سيطرة الدولة وتعثر مسارات التسوية وما يتبعها من تعثر خطوات التنمية.