تناولت الأجزاء الأربعة السابقة عرضًا تفصيليًّا لمضمون النسخة الحادية عشرة من مُؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024 الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام الدولي، والذي يُقدم من خلاله مُلخصًا شاملًا للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسة لظاهرة الإرهاب، ويحلل عددًا من الأبعاد المهمة المُرتبطة بها، مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث فيها، وطبيعتها الديناميكية التي تتغير بمرور الوقت. وعليه، يُقدم هذا الجزء الخامس والأخير رؤية نقدية للمؤشر تتضمن الوقوف على عناصر القوة وأبرز المآخذ والثغرات المتعلقة به، بما يُعطي للقارئ مفاتيح لقراءة موضوعية لمضمون المؤشر.
عناصر القوة
يُعَدّ مؤشر الإرهاب العالمي مرجعًا مُهمًا للباحثين والدارسين المهتمين بقضايا الإرهاب والتطرف، وكذلك للدول والمنظومات المعنية، لما يُقدمه من قراءة بانورامية للمشهد الإرهابي العالمي، واتجاهات النشاط الإرهابي في أقاليم العالم المُختلفة، ونطاقات تمركزاته الجغرافية، وعليه، يُمكن استعراض أبرز المُلاحظات الإيجابية بشأن مؤشر الإرهاب العالمي في نسخته الأخيرة لعام 2024 على النحو التالي:
1. يُعد المُؤشر أحد التقارير الرئيسة التي تُمثل مرجعًا يتم الاستناد إليه في تحديد أبعاد الظاهرة الإرهابية في العالم؛ حيثُ يُقدم في نُسخه السنوية مادة إحصائية واسعة حول تعداد الهجمات الإرهابية والوفيات الناجمة عنها والتكتيكات الأكثر استخدامًا من قبل التنظيمات الإرهابية النشطة في العالم. وتكون تلك الإحصاءات مصحوبة ببعض النقاط التحليلية التي تشرح أبرز الملامح العامة التي اتسم بها النشاط الإرهابي خلال العام السابق لسنة إصدار المُؤشر، والتأثيرات والتداعيات المُرتبطة بهذا النشاط ودرجة تباينها من منطقة جغرافية لأخرى، وكذا الجماعات الإرهابية الأشد فتكًا، وقائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا، والسمات والخصائص التي تُميز النشاط الإرهابي عن غيره من أشكال العنف الأخرى كالصراع المسلح والقتل والانتحار، وجميعها مُخرجات مهمة تُمكن الباحثين والأكاديميين المُتخصصين في دراسة وتحليل الإرهاب من النظر بعدسة “الطائر المُحلق” على المشهد الإرهابي العالمي، والوقوف على أبزر خصائصه، واستشراف مآلاته المُحتملة.
2. في ضوء ما تتسم به الظاهرة الإرهابية من حيث كونها ظاهرة معولمة عابرة للحدود، ولا يقتصر خطرها ومداها على حدود دولة بعينها، بل تمتد كذلك لتشمل نطاقات جغرافية عديدة، يُقدم المؤشر مادة مُعتبرة لصنّاع القرار وراسمي السياسات الأمنية تمكنهم من صياغة مُقاربات مُكافحة الإرهاب سواء على المستوى الوطني أو المُستويين الإقليمي والدولي، وتقييم فاعلية الإجراءات التي تنتهجها الحكومات المُختلفة لمحاربة الإرهاب، ومعرفة البؤر النشطة التي يُمكن أن تنتقل منها العدوى الإرهابية، واتخاذ الإجراءات الاستباقية لمواجهتها. ويُمكن أن يعمل المؤشر بمثابة بوصلة للحكومات والمواطنين في تحديد وجهاتهم الاستثمارية والسياحية، لا سيَّما أن مستوى ودرجة الخطر الإرهابي في دولة ما يُعد أحد العوامل المهمة المؤثرة التي تحدد ما إذا كانت هذه الدولة جاذبة أم طاردة للاستثمارات.
3. في ضوء الارتباطات والعلاقات الوثيقة بين الإرهاب والجريمة المُنظمة في العديد من دول العالم، وتعقد واختلاف تلك العلاقات باختلاف المناطق والسياقات، يكون من الضروري الاستمرار في تحديد هذه الروابط وتفكيكها وفهمها بشكل أفضل وبيان مظاهرها ودرجاتها وتأثيراتها الإقليمية، لا سيما من خلال جمع البيانات وإعداد البحوث المُتخصصة في هذا الشأن، لإنشاء قاعدة معلوماتية وتحليلية تُسهم في صياغة استجابات إقليمية ووطنية لمواجهة تلك الظاهرة. ويُعد مُؤشر الإرهاب العالمي إحدى الخطوات الرئيسة لدعم هكذا جهود؛ إذ سلطت نُسخته الأخيرة لعام 2024 الضوء على العلاقة المُتزايدة بين الإرهاب والجريمة المنظمة التي تم تحديدها خلال عام 2023، وأنماط هذه العلاقة التي تتنوع ما بين التعايش والتعاون والتقارب، وكيفية استفادة الجماعات الإرهابية –لا سيما تلك النشطة في منطقة الساحل الأفريقي– من ممارسة أنشطة الجريمة المنظمة في تمويل نشاطها، وبناء علاقات وشركات في المنطقة لتعزيز سيطرتها.
4. يشتبك المُؤشر مع مُعضلة المُقاتلين الإرهابيين الأجانب في صفوف تنظيم داعش؛ إذ يُؤكد على أهمية أن تُركز سياسات مُكافحة الإرهاب على إعادة هؤلاء من مخيم الهول وغيره من المُخيمات التي تأوي عشرات الآلاف من نساء وأطفال داعش بشمال شرق سوريا إلى بلدانهم، والاهتمام بإعادة تأهيلهم ودمجهم في مُجتمعاتهم لضمان عدم عودتهم للتطرف مرة ثانية. وتأتي أهمية تسليط المُؤشر للضوء على تلك المُعضلة كونها تُعَدّ أحد الأسباب الرئيسة المُحفزة لاستمرار الخطر الإرهابي رغم ما تُحققه الجهود الوطنية والإقليمية والدولية من نجاحات في ملف مُحاربة الإرهاب؛ حيثُ تُمثل مُخيمات المُقاتلين الدواعش قُنبلة موقوتة تُهدد بالانفجار في أي لحظة في ظل غياب التحركات الإقليمية والدولية للتعامل مع الخطر الأمني الذي تحتضنه هذه المُخيمات بشكل جاد حتى الآن، ما يستوجب صياغة استراتيجية موحدة ومدروسة وقابلة للتطبيق بشكل عاجل للتعاطي مع هذا الخطر، وخصوصًا الأطفال القاطنين داخل المُخيمات والذين يشكلون “مخزونًا استراتيجيًّا” يضمن لداعش بقاءه واستمرار خطره في المُستقبل، ويُسهم في تحقيق أهدافه المزعومة في إقامة “دولة خلافة باقية ومُمتدة”.
5. يُقدّم المُؤشر ضمن أحد فصوله تقييمًا لجهود مُكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي لبيان مدى نجاعتها في تطويق خطر الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المُنظمة النشطة في المنطقة. ويطرح جملة من التوصيات المهمة لقطع الإمدادات المالية واللوجستية عن تلك الجماعات على نحو أكثر فعالية، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
– تطوير خطة عمل استراتيجية إقليمية تهدف إلى تعطيل شبكات الجريمة المُنظمة العابرة للحدود الوطنية في منطقة الساحل الأفريقي، وإدخال إصلاحات جديدة لإعادة تنظيم التشريعات واللوائح المعنية بالعلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة، لإنشاء إطار أكثر شمولًا يُمكن تنفيذه بسهولة.
– إيجاد آليات لتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في إدارة الحدود بين دول منطقة الساحل الأفريقي. وزيادة تخصيص الموارد الحكومية لبناء القدرات في مجال المراقبة وجمع المعلومات وتبادلها بين وكالات إنفاذ القانون لتعزيز الكشف عن قضايا الجريمة المُنظمة عبر الوطنية ومُحاكمتها؛ حيثُ أظهرت الطبيعة العابرة للحدود الوطنية للاقتصادات غير المشروعة وتمويل الإرهاب في منطقة الساحل الحاجة إلى استجابة متعددة الأبعاد تعتمد على زيادة التعاون بين دول المنطقة بدعم من شركائها الإقليميين والدوليين.
– إعادة النظر في جهود مُكافحة الإرهاب في منطقة الساحل لتتضمن إجراءات لمُراقبة الأنظمة المصرفية غير الرسمية بما يُساعد على قطع مصادر التمويل عن الجماعات الإرهابية؛ إذ أظهرت خصوصية منطقة الساحل أن العديد من أنشطة العمليات الإرهابية الجماعية، والتحويلات النقدية، وقنوات تمويل الإرهاب تقع خارج الأنظمة المالية والمصرفية الرسمية.
– الاستمرار في إعطاء الأولوية لكشف ومكافحة تمويل الإرهاب لتحديد ومكافحة الروابط مع الأشكال الأخرى من الإجرام، بما في ذلك إجراء تقييمات لمخاطر التمويل، وتعزيز دور وحدات الاستخبارات المالية وبناء التعاون مع مُحققي محاربة الإرهاب.
– من المُهم التصدّي بشكل شامل لكافة أشكال الاتجار بالبشر التي تُمارسها الجماعات الإرهابية، ومُعالجة الاستغلال والاتجار غير المشروعين بالموارد الطبيعية والسلع الأخرى التي يُمكن أن تستفيد منها تلك الجماعات. كما ينبغي العمل على مُواصلة مُعالجة الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة وتصنيعها وحيازتها والتي يُمكن أن تُفيد الجماعات الإرهابية ماليًا، وتُسهل من ممارسة أنشطتها.
– بناء القُدرات في مجال أمن الحدود والجريمة البحرية لكشف ومنع العبور غير المشروع للسلع والأشخاص التي يمكن استخدامها لتمويل الجماعات الإرهابية وتسهيل سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب من خلال أدوات جمع البيانات وأنظمة المراقبة والسيطرة وتعزيز التعاون بين الوكالات بما في ذلك بين الجمارك والمحققين ومسئولي المخابرات.
مآخذ وانتقادات
رغم النقاط الإيجابية العديدة المذكورة سلفًا لكن تظهر بعض المآخذ والانتقادات التي يُمكن توجيهها لمؤشر الإرهاب العالمي كونها قد تطال دقة الإحصاءات الواردة به من ناحية، ومدى التزامه بمعايير الحياد والمصداقية من ناحية أخرى، وهو ما يُمكن استعراضه على النحو التالي:
• عدم تبنّي مفهوم مُحدد للإرهاب: على النقيض من الإصدارات السابقة للمُؤشر كنسخ أعوام 2023، و2022، و2020 على سبيل المثال، لم يعتمد الإصدار الأخير لعام 2024 تعريفًا مُحددًا للإرهاب يُحدد على أساسه الآلية التي يُمكن من خلالها اعتبار عمل عنف ما إرهابي من عدمه، وما إذا كان يندرج ضمن الإحصاءات الواردة بالمؤشر أم لا. وكذا لم يُحدد التقرير مرجعية القوائم التي يسترشد بها في إطلاق لفظة (إرهابي) على جماعة معنية. وهو ما يُثير بعض الشكوك حول دقة الإحصاءات الواردة بالمُؤشر وحياديته في تناول الظاهرة الإرهابية بأبعادها الحقيقية دونما الخضوع لتأثير جهات أو دول خارجية، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن إحدى الإشكاليات الرئيسة المُتعلقة بالتعاطي مع الظاهرة الإرهابية هي “التوظيف السياسي لمفهوم الإرهاب” مما يعني إطلاق الوصف الإرهابي على بعض الدول أو الجماعات بما يتوافق مع مصالح بعض القوى الإقليمية والدولية، بغض النظر عن حقيقة سياسات هذه الدول أو الجماعات. وهو ما يستدعي ضرورة إعادة النظر في منهاجية المُؤشر لأجل تبني مفهوم مُحدد في تعريف الإرهاب، يتماشى مع معايير الحياد والمصداقية والموضوعية الواجب توفرها في تقرير دولي مهم معني بدارسة الإرهاب.
• الخلط بين المُقاومة المشروعة والإرهاب: ترتب على عدم تبني التقرير لمفهوم مُحدد للإرهاب –كما سبق الإشارة– الخلط بين أعمال المُقاومة المشروعة والنشاط الإرهابي، وهو ما يتبدى في تعاطي المُؤشر مع حركة حماس الفلسطينية بوصفها “جماعة إرهابية”، بل وإدراجها في المرتبة الثانية بقائمة الجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا على مستوى العالم خلال 2023؛ في حين أغفل التقرير حقيقة أن أعمال المُقاومة المُسلحة ضد المحتل مشروعة بموجب القانون الدولي، الذي يُؤكد على أن “المُقاومة بكافة أشكالها هي حق مشروع للشعب الواقع تحت طائلة الاحتلال، وأن سلاحه يتمتع بالمشروعية القانونية ولا يُمكن نزعه”.
وثمّة عدد من المواثيق والقرارات والإعلانات الدولية التي تدعم حق الشعب الواقع تحت الاحتلال في الدفاع عن نفسه، منها على سبيل المثال وليس الحصر: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 لسنة 1974 بشأن تعريف العدوان، والقرار رقم 3246 للعام ذاته بشأن حماية السكان المدنيين تحت الاحتلال الأجنبي، والقرار رقم 2625 لسنة 1970 بشأن إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، والبروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 بشأن النزاعات المسلحة الدولية، وإعلان الاتحاد الأفريقي بشأن حق الشعوب في تقرير المصير، وميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق منظمة التعاون الإسلامي. كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة صراحةً على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي على أراضيه، حيثُ أكد قرارها رقم 37/43 لسنة 1982 على “الحق غير القابل للتصرف للشعب الفلسطيني وجميع الشعوب الخاضعة للسيطرة الأجنبية والاستعمارية في تقرير المصير بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح”.
وتدحض كافة القرارات الدولية والقواعد الإنسانية المذكورة سابقًا وصف المُؤشر لحركة حماس على أنها جماعة إرهابية، وتُؤكد على أن الفلسطينيين شعب خاضع للاحتلال الإسرائيلي ويسعى للتحرر مُستخدمًا حقه في كافة الأدوات التي يُقرها القانون الدولي وفي القلب منها المقاومة المُسلحة. ومن ثَمّ فإن تصنيف المُؤشر لحركة حماس كجماعة إرهابية -وتعمد إغفال الإشارة إلى أنه لولا مُمارسات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة لما كنا لنشهد دورة العنف الحالية- يضعنا مُجددًا أمام مسألة تسييس مفهوم الإرهاب وتعمد الخلط بينه وبين بعض المفاهيم الأخرى كالمقاومة المشروعة، لتحقيق أغراض ومصالح بعض الدول. وبعبارة أخرى، من شأن تصنيف المُؤشر لحركة حماس كجماعة إرهابية، بما يتماشى مع بعض التصنيفات الغربية المُماثلة، وإغفاله لقواعد القانون الدولي ذات الصلة بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في التحرر، أن يُثبت الخروج عن معايير الحياد والدقة المطلوب توفرها في تقرير رفيع مثل هذا.
• إغفال نمط “إرهاب الدولة”: يتغافل المؤشر عن تناول أنماط الإرهاب المرتكبة من قبل الفاعلين الحكوميين، أو ما يُسمى “إرهاب الدولة” الذي يعني “استعمال السلطة القائمة في دولة ما للقوة غير المشروعة بقصد خلق حالة من الرعب والتهديد العام ضد مواطنيها، سواء على أساس التمييز السياسي، أو الاجتماعي، أو العرقي، أو الديني، أو الثقافي، أو بحق المواطنين في أراضٍ قامت باحتلالها أو ضمها، لتحقيق أهداف سياسية”. ويتبدى هذا الإغفال في عدم تناول المُؤشر المُمارسات الإسرائيلية الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني منذ نشأة دولة إسرائيل، وصولًا إلى حرب غزة الأخيرة التي تُمارس فيها قوات الاحتلال كافة مظاهر “إرهاب الدولة” ضد الفلسطينيين من قتل المدنيين خاصة الأطفال والنساء، ورفض التمييز بين المدني والعسكري داخل قطاع غزة، واستهداف المباني السكنية، والمنشآت المدنية ومنها المستشفيات والمدارس التابعة للأونروا، وممارسة العقاب الجماعي، وقطع كل الوسائل الضرورية للحياة كالماء والطعام والأدوية والكهرباء، ناهيك عن تسبب العدوان في سقوط 31 ألفًا و645 شهيدًا، و73 ألفًا و676 مُصابًا منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 17 مارس 2024.
وبالمثل، لم تتضمن الإحصاءات الواردة بالمُؤشر للعام الثاني على التوالي أعمال العنف المُرتبكة من قبل حركة طالبان في أفغانستان باعتبارها الجهة الفاعلة للدولة بعد سيطرتها على كابول في أغسطس عام 2021، وذلك رغم إقرار التقرير بممارسة الحركة لأعمال قمع وعنف واسعة النطاق ضد المدنيين ووسائل الإعلام والمسئولين الحكوميين السابقين ومسئولي حقوق الإنسان. ومن المفارقات أن التقرير لا يتعاطى مع طالبان كجماعة إرهابية رغم استشهاده في أحد أجزائه بقيامها بتمويل عملياتها من خلال زراعة وتصدير خشخاش الأفيون، كمثال على تعامل جماعة إرهابية مع جماعات الجريمة المنظمة لتمويل أنشطتها الإرهابية.
• تجاهل الأنماط غير التقليدية للإرهاب: لم تتضمن أنماط الإرهاب التي أوردها المؤشر ما يُطلق عليه “الإرهاب البيئي” أو “الإرهاب المناخي”، والذي يُمارسه بعض الفواعل المعنيين بالدفاع عن البيئة الذين يلجأون أحيانًا إلى ممارسة أعمال العنف والتخريب دفاعًا عن مبادئهم وسياساتهم حول حماية البيئة. ورغم أن الهجمات المدفوعة بمخاوف بيئية نادرًا ما تُؤدي إلى وقوع وفيات مثل غيرها من الهجمات ذات الدوافع الدينية أو السياسة، إلا أنها غالبًا ما تتسبب في أضرار جسيمة للاقتصاد والممتلكات والبنى التحتية. فعلى سبيل المثال، شهدت كندا خلال عام 2023 أكبر حرائق غابات مُقارنةً بالأعوام السابقة، مع احتراق أكثر من 3 ملايين هكتار وإجلاء عشرات الأشخاص، وتشير التكهنات إلى أن غالبية هذه الحوادث وراءها “إرهابيون بيئيون”. وعليه، يكون من المهم مُتابعة المُؤشر لأعمال العنف التي تندرج ضمن نمط الإرهاب البيئي، مع الأخذ بالاعتبار ما قد تُسببه من خسائر مادية وبشرية، خصوصًا أن تفاقم وتعقد الأزمات المرتبطة بالمناخ مُؤخرًا وتقاعس دول العالم عن اتخاذ الخطوات اللازمة بهذا الشأن، يُعزز من نمو النشاط الإرهابي البيئي خلال العقد المُقبل.
• غلبة الطابع الكمي على الكيفي: رغم أهمية المادة الإحصائية الضخمة التي يُقدمها المُؤشر في فهم ملامح واتجاهات النشاط الإرهابي على مستوى العالم؛ إلا أنه أثناء الاطلاع على متون نسخ التقرير خلال السنوات الأخيرة لُوحظ الاهتمام الكبير بالطابع الكمي مُقابل حصة قليلة لنظيره الكيفي. بعبارة أخرى، لا يُفرد المُؤشر مساحة كافية لتسليط الضوء على بعض النقاط المهمة من قبيل أسباب تباين التأثيرات المُرتبطة بالنشاط الإرهابي من منطقة جغرافية لأخرى، ولماذا تُظهر دولة ما تحسنًا في درجات المُؤشر مقابل تدهور بعض الدول الأخرى؟ وما العوامل الُمحفزة لتفوق جماعة إرهابية على غيرها من الجماعات؟ كما لا يتوقف كثيرًا عند تقييم سياسات مُكافحة الإرهاب المتبعة على الصعد الوطنية والإقليمية والدولية. وكلها نقاط مهمة يحتاجها المتخصصون في دراسات الإرهاب والجهات المعنية بصياغة وتنفيذ سياسات مُكافحة الإرهاب؛ لفهم وتفسير النشاط الإرهابي، ورسم السياسات الموضوعية للحيلولة دون أو لمكافحة هذا الخطر.
فعلى سبيل المثال، لم يُقدم المُؤشر تفسيرًا للتحسن الكبير الذي شهده العراق خلال 2023 مُقارنةً بالأعوام السابقة، والذي أفضى إلى خروجه من قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا في نسخة المؤشر لعام 2024 لأول مرة منذ انطلاق نسخته الأولى بعد أن سجل انخفاضًا بنسبة 99% في تعداد الوفيات الناجمة عن الإرهاب منذ بلوغها ذروتها عام 2007، كما لم يقف عند أبرز العوامل التي أسهمت في تراجع التأثيرات المرتبطة بالإرهاب على الجغرافيا العراقية من قبيل التطور الحادث والمُلفت في قدرات واستجابة القوات العراقية للتهديدات الأمنية خلال العامين الماضيين، واتخاذ الحكومة العراقية خلال 2023 مجموعة من الإجراءات التي تُعزز من قدرتها على مجابهة الإرهاب في البلاد. وفي حين اكتفى التقرير بالإشارة المُختصرة إلى التحسن الذي شهده العراق، لم يُشر كذلك إلى المخاطر والتحديات القائمة المرتبطة بنشاط تنظيم داعش في البلاد، وفي مقدمتها استمرار البيئة الجيوسياسية المضطربة على خلفية حرب غزة الأخيرة، وتصاعد المؤشرات الدالة على مساعي التنظيم لتوظيفها والاستثمار فيما خلفته من مشهد أمني إقليمي مُعقد لإثبات حضوره وتأثيره.