أعلن تنظيم “داعش” مساء الجمعة الموافق 22 مارس 2024 مسئوليته عن الهجوم الذي استهدف قاعة حفلات موسيقية بالمركز التجاري “كروكوس سيتي” الواقع بالقرب من موسكو. وأفادت لجنة التحقيق الروسية بارتفاع عدد قتلى الهجوم إلى 93 شخصًا، وهو الرقم القابل للزيادة، فيما أوضح “أندريه فوروبيوف “حاكم منطقة موسكو، أنه لا يزال هناك 115 مصابًا. وقد صرح الكرملين باعتقال 11 شخصًا، بينهم ” الإرهابيون الأربعة المتورطون بشكل مباشر في الهجوم”، فيما أكدت واشنطن ضلوع “داعش –خراسان ” في الهجوم. ومن ثَمّ يُشير هذا المشهد إلى جملة من الدلالات، يمكن تناولها على النحو التالي:
خصوصية التوقيت: تحرص التنظيمات الإرهابية على تصعيد عملياتها بالتزامن مع المناسبات الدينية، ومن ثَمّ يحمل شهر رمضان أهمية بالغة لها، وذلك في ضوء اعتقادهم بزيادة الثواب خلال الشهر الكريم حال قيامهم بالعمليات الإرهابية، على خلفية الجمع بين ثواب الصيام والجهاد طبقًا لقناعتهم، ناهيك عن خصوصية الشهر الكريم بالنسبة لتنظيم “داعش”، إذ قام “أبو بكر البغدادي” (زعيم تنظيم داعش الأسبق) بتدشين الخلافة المزعومة في 29 يونيو عام 2014، الموافق 1 رمضان عام 1435.
أما بالنسبة لروسيا، تأتي هذه العملية في أعقاب فوز الرئيس الروسي” فلاديمير بوتين” في الانتخابات بفترة ولاية جديدة مدتها ست سنوات، ومن ثَمّ يحمل الهجوم رسالة مفادها تأكيد قدرة التنظيم على الوصول للأراضي الروسية وتنفيذ عمليات إرهابية ضد المدنيين، حتى لو كان الاستهداف يركز على الأهداف السهلة كالمسارح والأسواق والأماكن العامة، وبالتالي يمثل هذا المشهد ضغطًا أمنيًا على إدارة الرئيس “بوتين” لا سيما مع دخول الحرب في أوكرانيا في عامها الثالث.
تأكيد العداء لروسيا: ثمة جملة من العوامل يمكن أن تفسر العداء الذي يكنه تنظيم “داعش” لروسيا، يتعلق أولها بالموروث التاريخي، إذ تتمتع روسيا بموروث سيئ لدى كافة التنظيمات الإرهابية نتيجة الغزو السوفيتي لأفغانستان، والحرب الروسية في الشيشان. وينصرف ثانيها إلى العداء الأيديولوجي، حيث تعد روسيا دولة ملحدة في ضوء قناعات التنظيمات الإرهابية المتعلقة بالفكر الشيوعي، وذلك على الرغم من اعتناقها المذهب الأرثوذكسي. ويتصل ثالثها بالتدخل العسكري الروسي في سوريا في عام 2015من أجل محاربته، حيث يعتبرها التنظيم فاعلًا رئيسيًا في القضاء على خلافته المزعومة.
وفي ضوء تلك المعطيات، اعتبر التنظيم أن روسيا عدوًا صريحًا له، إذ تبنت قياداته خطابًا تحريضيًا ضد الدولة الروسية، وقام عناصره باستهداف القوات الروسية في سوريا من ناحية، فضلًا عن تنفيذ عمليات إرهابية في القوقاز من ناحية أخرى. ومن ثَمّ تأتي هذه العملية في إطار تأكيد العداء الصريح تجاه روسيا.
تأكيد نفوذ داعش – خراسان: تأتي هذه العملية بهدف تأكيد نفوذ داعش- خراسان في الساحة الآسيوية، إذ يعمل التنظيم على توسيع نطاق عملياته خارج أفغانستان، مما يعيد إلى الأذهان استهدافه لقبر “قاسم سليماني” (القائد السابق لفيلق القدس الإيراني) في مدينة “كرمان” الإيرانية في يناير الماضي، وفي هذا السياق، حذر الجنرال “مايكل إريك كوريلا”، (رئيس القيادة المركزية الأمريكية) في مارس 2023، من أن “داعش- خراسان” يمتلك القدرة على مهاجمة المصالح الأمريكية والغربية في الخارج.
كذلك أفاد تقرير مجلس الأمن الثالث والثلاثون لفريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات المعني بتنظيمي “داعش” و”القاعدة” الصادر عن الأمم المتحدة في يناير 2024، بأنه على الرغم من الضغط الأمني الذي تمارسه “طالبان” تجاه “داعش- خراسان” لكن لا يزال الأخير يشكل تهديدًا كبيرًا في أفغانستان والمنطقة، وذلك في ضوء قدرته على تطوير هجماته ضد حركة “طالبان”من ناحية، والأهداف الدولية من ناحية أخرى، فضلًا عن اعتماده على استراتيجية أكثر شمولًا في التجنيد، إذ رحب بانضمام غير السلفيين، وعمل على جذب مقاتلي حركة “طالبان”.
استعادة الدعاية الإعلامية: ثمة هدف أساسي ورئيسي يسعى تنظيم “داعش” إلى تحققيه من هذه العملية، ويتمثل في استعادة الزخم الإعلامي له، لا سيما مع تحول وسائل الاعلام إلى التركيز على الأحداث في قطاع غزة من ناحية، والتركيز على العمليات التي ينفذها وكلاء إيران من ناحية أخرى. وبالتالي تحقق هذه العملية الزخم الذي ينشده التنظيم، إذ حظيت بإدانات موسعة على المستويين الإقليمي والدولي، الأمر الذي يمثل تعزيزًا لوجوده على ساحة الإرهاب العالمي، ويزيد من جاذبيته وقدرته على استقطاب عناصر جديدة، ويساعد على تجاوز هزائمه في معاقله الرئيسية الممثلة في العراق وسوريا.
مجمل القول، تحمل عملية استهداف المركز التجاري “كروكوس سيتي” العديد من الرسائل والدلالات لكافة الأطراف الفاعلة في الساحة الإقليمية والدولية، يتعلق أولها باستمرار قدرة تنظيم “داعش” على تهديد السلم والأمن الدوليين، وينصرف ثانيها إلى إثبات نفوذ “داعش خراسان ” كفاعل رئيسي في الساحة الأفغانية والآسيوية وقادر على شن هجمات خارجية تمتد إلى الداخل الروسي، ويتصل ثالثها بأن التنظيم حريص على الحفاظ على صورته الجهادية بوصفه مسيطرًا على ساحة الإرهاب المعولم.