في السنوات الماضية، أخذ التعامل مع الدافع لتقليل معدل الأثر الكربوني منحى متعمقًا وجديًا، حيث أعلنت شركات عالمية عدة عن استراتيجياتها لتحقيق أهداف خفض معدلات الكربون أو الحياد الكربوني، مما يتطلب استخدام أنواع وقود بديلة ونظيفة. حيث تُظهر الأمونيا خيارًا آخر قد يصبح أكثر أهمية من الهيدروجين الأخضر، الذي يُنظر إليه بوصفه الوقود النظيف الأمثل في تحول الطاقة من الوقود الأحفوري إلى المصادر المتجددة والنظيفة، إذ يبحث العالم عن الطريق الأسرع للوصول إلى الحياد الكربوني.
وبشكل عام، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة أكثر من حوالي 50% وذلك من 3950 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى أكثر من حوالي 5920 مليار متر مكعب وذلك بحلول عام 2050، وبالتالي سيتنامى دور الهيدروجين في تحقيق هدف خفض معدلات الانبعاثات. إذ يُشكل الهيدروجين وقودًا أساسيًا لإزالة الكربون بشكل مستدام عالميًا، وفي هذا السياق، ظهرت الأهمية الكبيرة في إنتاج الأمونيا الزرقاء وذلك بوصفها مواد وسيطة لتعزيز اقتصاد منخفض الكربون، ولأنها من الممكن أن تلعب دورًا محوريًا في عملية انتقال الطاقة البديلة وتعزيز مفهوم أمن الطاقة.
مدخل:
أزمة الطاقة التي يشهدها العالم حاليًا تؤكد صحة رؤية مصر واستراتيجيتها بشأن الطاقة وتنويع مصادرها، وأن لديها قدرة على استقراء مستقبل الطاقة في العالم بما يعزز مكانتها عالميًا ونفوذها الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى سعي مصر الحثيث للمشاركة في معالجة مشكلات التغيرات المناخية. وعلى النقيض من الحكومات المصرية السابقة، والتي لم يكن سعيها نحو تعزيز مفهوم أمن الطاقة في الدولة المصرية كافيًا، تبنت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي استراتيجية طموحة متعددة الأوجه للوصول إلى معادلة طاقة متزنة والسعي نحو تحقيق التوازن بين الإنتاج ومعدلات الطلب الداخلي، وانعكاس ذلك على تعزيز النمو الاقتصادي.
الأمونيا الزرقاء وطاقة بنسبة كربون منخفضة
تُشكل الأمونيا خيارًا وحلًا آخر قد يصبح أكثر أهمية من الهيدروجين، والذي يُنظر إليه بوصفه الوقود النظيف الأمثل في عملية تحول الطاقة من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، إذ يبحث العالم عن الطريق الأمثل والأسرع للوصول إلى الحياد الكربوني. حيث إن الأمونيا في حد ذاتها ليست جديدة على العالم؛ إذ يتم إنتاجها بكميات هائلة في جميع دول العالم لاستخدامها في الأسمدة الزراعية، ولكن عملية إنتاجها تعتمد على الغاز الطبيعي في المقام الأول أو أنواع الوقود الأحفوري الأخرى في عمليات الإنتاج، مما يجعلها تسهم بنحو حوالي 1.6% من معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.
بصفة عامة، تُعرف الأمونيا بأنها مركب كيميائي يستخدم في حالة غازية، إذ يُعدّ غازًا ليس به لون ولاذعًا، ولكن يكون له رائحة قوية، كما أنه يتكون بطريقة أساسية من عنصرين؛ هما الهيدروجين والنيتروجين، وبالنسبة للصيغة الكيميائية الخاصة به فهو (NH3)، وهو غاز ذو خصائص قلوية، وفي حالة تم ضغطه يمكن أن يتحول إلى سائل، بالإضافة إلى أن غاز الأمونيا غير قابل للاشتعال، ولكن في حين تم الضغط بشكل كبير على الحاويات الخاصة التي يُخزن فيها يمكن أن يؤدي ذلك إلى انفجاره. بصفة خاصة تُعرف الأمونيا الزرقاء بأنها عبارة عن مادة أولية تُنتج من الهيدروجين الأزرق، والذي هو نسخة من الوقود المُصنع من الوقود الأحفوري من خلال عملية تحفظ وتخزن الانبعاثات الصادرة عن ثاني أكسيد الكربون، في حين أن الهيدروجين الذي يكون من الطاقة المتجددة التي لا تُصدر انبعاثات يعرف باسم الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى إنتاجها من خلال تحويل الهيدروكربونات إلى هيدروجين ثم تحويله إلى أمونيا، ومن أهميتها أنها تستخدم في محطات توليد الطاقة دون أن تتسبب في انبعاثات كربونية، وذلك الأمر يشير إلى سهولة إنتاج الطاقة بنسب كربون منخفضة وبتكلفة ليست عالية.
ووفقًا لما سبق، تُصنف الأمونيا على أنها زرقاء عندما تُنتج من المواد الأولية للغاز الطبيعي ويُحتجز ثاني أكسيد الكربون المنطلق بواسطة تقنيات حجز الكربون وتخزينه أو حجز الكربون وتخزينه واستخدامه، كما يمكن تصنيف الأمونيا على أنها خضراء، عندما تُشتق من الهيدروجين الكهربائي التي تنتجها الموارد المتجددة، كما هو موضح في الشكل التالي.
وعليه، أتاح النمو المستمر في إنتاج الغاز وتدفق الغاز الطبيعي المسال، في الماضي القريب، لمنتجي الغاز والصناعات توسيع إنتاج الأمونيا الزرقاء، وبهذا يتماشى النمو في إنتاج الأمونيا وانخفاض كثافة الكربون مع الأهداف العالمية للاستغناء عن الوقود الكربوني، حيث تقترب مستويات إنتاج الأمونيا حاليًا نحو حوالي أكثر من 200 مليون طن سنويًا، إذ يُتداول نحو حوالي 11% منها في السوق العالمية، حيث يُشكل الوقود الأحفوري مصدرًا لما يقرب من حوالي أكثر من 95% من المواد الأولية للإنتاج العالمي للأمونيا، وتستخدم حوالي أكثر من 72% منها الغاز الطبيعي مادة وسيطة.
واستكمالًا لما سبق، وصلت مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًا إلى مستوى قياسي جديد خلال 2022، حيث بلغت حوالي 36.8 جيجا طن، وارتفعت بنسبة حوالي 0.9% وذلك على أساس سنوي. وبشكل عام، من الممكن تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري بحلول 2050، ولكن يتطلب مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة حوالي ثلاث مرات، كما هو موضح في الشكل التالي.
وبشكل عام، توجد أنواع عديدة من الأمونيا، وتختلف على حسب طريقة تصنيعها، مثل الأمونيا الخضراء والأمونيا الزرقاء والأمونيا الفيروزية والأمونيا الرمادية.
- الأمونيا الخضراء؛ والتي تنتج عن طريق تفاعل الهيدروجين والنيتروجين معًا عند درجات حرارة مرتفعة وضغط عالٍ، وينتج عن عملية تصنيع الأمونيا الخضراء الماء والنيتروجين منتجات ثانوية فقط؛ وتُعرف العملية بعملية هابر-بوش، وهي التي تُعد الطريقة الرئيسية في إنتاج الأمونيا الخضراء، إذ تعتمد في المقام الأول على الهيدروجين الأخضر أو المُصنع، وذلك من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
- الأمونيا الرمادية؛ تاريخيًا، وحتى الآن في الغالب، تُنتج الأمونيا بطرق من شأنها إطلاق انبعاثات كربونية؛ وبشكل أكثر تفصيلًا، تشهد عملية إنتاج الأمونيا تفاعل غاز الميثان مع البخار لإنتاج الهيدروجين، والذي يتفاعل مع النيتروجين لصناعة الأمونيا، وهنا تُسمى بالأمونيا الرمادية، أو التقليدية، وتنتج هذه العملية حوالي 2% من انبعاثات الكربون عالميًا، ويتفق ذلك مع الحقيقة السائدة بأن الأمونيا الرمادية تُنتج في الغالب من الغاز الطبيعي، وتستخدم سمادًا للزراعة، وكذلك في العمليات الصناعية المختلفة.
- الأمونيا الزرقاء؛ والتي تُنتج بطريقة إنتاج الأمونيا الرمادية نفسها، لكنها تستخدم تقنية التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، لذلك يُنظر إلى الأمونيا الزرقاء على أنها منخفضة الكربون، وذلك لأن تأثيرها على المناخ يكون بمعدل أقل مقارنة بالأمونيا الرمادية، وفي سبتمبر من عام 2020.
- الأمونيا الفيروزية؛ والتي لها أهمية كبيرة في الصناعة أيضًا (والتي تُشكل نسخة بين الأخضر والأزرق)، إذ تستخدم تلك العملية التحلل الحراري لتحويل الميثان إلى كربون نقي وهيدروجين، والذي يتفاعل مع النيتروجين لإنتاج الأمونيا، وأمام ذلك، تُعد أفضل عملية إنتاج أمونيا خالية من الكربون إنتاجها من الهيدروجين الأخضر والناتج عن التحليل الكهربائي للماء، باستخدام الكهرباء المتجددة.
الأهمية الرئيسية من توطين صناعة الأمونيا
بشكل عام، تتمتع الأمونيا بالعديد من المميزات والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- لا تتطلب الأمونيا التبريد لدرجات حرارة كبيرة، وذلك بالمقارنة مع الهيدروجين.
- يتمثل التحدي الكبير الذي يواجه الهيدروجين في التكلفة العالية لأنظمة التخزين ومتطلبات النقاء والنقل، لذلك تتميز الأمونيا بكثافة طاقة أعلى من الهيدروجين السائل، مما يجعلها أكثر كفاءة في عمليات النقل والتخزين.
- من الممكن أن تكون خيارًا تنافسيًا بوصفها حلًا لإزالة الكربون من الصناعة الكثيفة الاستخدام للطاقة، لا سيما في قطاعي توليد الكهرباء والنقل.
- تسهم الأمونيا في مواجهة تحديات ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة بطريقة موثوقة ومستدامة وأسعار معقولة.
- تُشكل مساهمة كبيرة في مستقبل الطاقة النظيفة.
- أدت التطورات الحديثة في تقنيات محركات التوربينات إلى زيادة استخدام الأمونيا، إما بشكل مباشر للاحتراق وإما بشكل غير مباشر عن طريق إعادة تشكيلها مرة أخرى إلى النيتروجين والهيدروجين كمادة وسيطة صناعية.
- من المتوقع أن تُسهم في مواجهة تحديات ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة.
- تتمتع الأمونيا حاليًا بأنها مطلوبة على نطاق واسع، بصفتها أساس إنتاج الأسمدة، إضافة إلى توفير البنية التحتية المتطورة ومرافق إنتاج الأمونيا على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، مما يجعل إنتاجها أكثر جدوى.
- تحتوي الأمونيا على حوالي 18% من الهيدروجين من حيث الوزن، مما يمنحها ميزة على الوقود الأحفوري، فهي لا تطلق ثاني أكسيد الكربون عند احتراقها، مما يجعلها آمنة بيئيًا.
- حيث إنه في اقتصاد الأمونيا الناشئ، تعتبر الزرقاء وقودًا من الجيل الأول، والأمونيا الخضراء من الجيل الثاني ومن أبرز استخدامات الأمونيا الزرقاء:
- تستخدم في المحطات التي تولد الطاقة.
- تحافظ على التوازن بين الاقتصاد والبيئة لأنها تخفض الانبعاثات الكربونية.
- ستساهم في مستقبل الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة خلال الفترة القادمة.
- تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في المحطات وإعادة تدويرها.
- يمكن أن تستخلص الأمونيا من الهيدروجين وتستخدم كوقود للسيارات صديقة للبيئة.
- يمكن أن تستخدم كوقود للكهرباء دون انبعاثات كربونية.
- بالإضافة إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر يُعد على المستوى التجاري في الوقت الحالي مكلفًا، نظرًا إلى التكاليف الرأسمالية لمصنع المحلل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين، ومن هنا يأتي دور الأمونيا في إزالة الكربون، مما يجعلها تهيمن على الموجة الحالية من مشروعات تصدير الهيدروجين، ولكن لتحقيق تلك الخطوة، سيحتاج عدد كبير من الموردين المحتملين إلى فهم أفضل للنطاق الحقيقي لسوق الأمونيا منخفضة الكربون في المستقبل.
تحديات استخدام الأمونيا الزرقاء
تواجه الأمونيا العديد من التحديات، والتي من أهمها سُميتها وقابليتها للتآكل، وذلك بسبب إنتاج أكسيد النيتروجين، وقابلية الاشتعال، والاحتراق في المحرك والتوربين التقليديين، وهي درجة حرارة الاشتعال العالية وسرعة اللهب المنخفضة.
الأمونيا التي أنتجت قبل نحو 100 عام من قبل عالمي الكيمياء الألمانيين فريتز هابر وكارل بوش، ساعدت البشرية في تفادي أزمة غذاء كبيرة بعد أن استخدمت كسماد للتربة، يعول عليها في الوقت الحاضر العديد من القطاعات خاصةً المتجددة منها (الزرقاء والخضراء)، لأن تكون مصدرًا مستدامًا ونظيفًا للطاقة، حيث تسهم في تقليل البصمة الكربونية.
الوضع العالمي في إنتاج الأمونيا الزرقاء
برز مؤخرًا الدور الذي من الممكن أن تلعبه الأمونيا الزرقاء بوصفها أحد أنواع الوقود البديلة، بهدف دعم إزالة الكربون في صناعة الشحن، وقد اضطرت صناعة الشحن إلى الحد من محتوى الكبريت في الوقود البحري، وذلك بدءًا من يناير من عام 2020، وحددت المنظمة البحرية الدولية (آي إم أو) هدفًا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة حوالي 40% وذلك بحلول عام 2030، وما يصل إلى حوالي 70% وذلك بحلول عام 2050، مقارنة بمستويات عام 2008، والتخلص نهائيًا من جميع الانبعاثات الضارة. ولذلك ارتفع الطلب على أنواع الوقود البديلة، بهدف تلبية طموحات المنظمة البحرية الدولية بشأن الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وعلى الرغم من أن الغاز الطبيعي المسال يبدو اليوم واحدًا من أفضل الخيارات لتحقيق أهداف المنظمة البحرية الدولية، فإن الأمونيا الزرقاء تُشكل أحد أهم الحلول الرئيسية في صناعة الشحن نحو أهداف إزالة الكربون التي حددتها المنظمة البحرية الدولية في القطاع البحري. ومن المتوقع أن تلعب الأمونيا الزرقاء دورًا مهمًا في إزالة الكربون من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، ولهذا تسعى اليابان لزيادة استخدام الأمونيا لتحقيق الحياد الكربوني في عام 2050، وفي هذا السياق، في سبتمبر من عام 2020، أنتجت شركة أرامكو السعودية ومعهد اقتصادات الطاقة في اليابان بالشراكة مع سابك أول شحنة من الأمونيا الزرقاء وصدرتها إلى اليابان وتألفت تلك الشحنة من حوالي 40 طنًا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة لاستخدامها في توليد الكهرباء دون انبعاثات كربونية، كما هو موضح في الشكل التالي.
الأمونيا اليوم هي الوسيط الرئيسي لإنتاج الأسمدة، إلا أن الأمونيا الزرقاء منخفضة الكربون تُقدم وعدًا بأن تكون وقودًا منخفض الانبعاثات للمركبات النفاثة وخلايا الوقود، ومن المرجح أن تهيمن بشكل كبير على سوق الوقود البحري منخفض الانبعاثات. إلى جانب ذلك، تسعى العديد من الشركات العالمية على تطوير توربينات الغاز منخفضة الكربون التي تعمل بالأمونيا لتوليد الطاقة، والتي من المتوقع أن تُسهم بشكل كبير في نمو الطلب عليها وذلك باعتبارها وسيلة مساعدة في دعم اقتصادات منخفضة الكربون.
وكانت هذه التجربة هي الأولى على مستوى العالم لسلسلة إمداد الأمونيا الزرقاء، وتُعد التجربة إنجازًا مهمًا من ضمن عدة مسارات لتحقيق الاقتصاد القائم على تدوير الكربون في العالم، حيث تمت مواجهة التحديات المرتبطة بشحن الأمونيا الزرقاء إلى اليابان، وذلك لاستخدامها في محطات توليد الطاقة، حيث تم احتجاز حوالي 40 طنًا من ثاني أكسيد الكربون أثناء العملية المخصصة للاستخدام في إنتاج الميثانول في منشأة ابن سينا التابعة لشركة سابك، واستخدام حوالي 20 طنًا أخرى من ثاني أكسيد الكربون المحتجز لتحسين عملية استخراج النفط (EOR) في حقل العثمانية، حيث يسلط هذا الإنجاز الضوء على أحد المسارات العديدة، وذلك ضمن مفهوم اقتصاد الكربون الدائري، وهو يُشكل إطارًا يتم فيه خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وإزالتها وإعادة تدويرها، وذلك بدلًا من إطلاقها في الغلاف الجوي، حيث إن هناك دولًا مثل اليابان لا يمكنها بالضرورة الاستفادة من احتجاز الكربون واستغلاله وتخزينه أو عملية استعادة النفط، وذلك بسبب ظروفها الجيولوجية، ولكن سيساعد غاز الأمونيا / الهيدروجين الأزرق الكربوني المحايد في التغلب على هذا العائق.
التنمية الاقتصادية في مصر تعتمد على قطاع الطاقة، والذي يمثل حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أدركت مصر الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الهيدروجين والأمونيا في قطاع الطاقة المصري.
الجهود المصرية لإنتاج الأمونيا الزرقاء
مصر ليست ببعيدة عن المشهد العالمي للطاقة، بل ينعكس فيها الموقف العالمي بواقعية شديدة، يتعمق فيها هذا المأزق عينه على نحو بالغ الخطورة، فمصر من أكبر بلدان المنطقة من حيث عدد السكان، وبالتالي فإنها تواجه زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة نتيجة تسارع وتيرة النمو السكاني والتوسع الاقتصادي. وعليه يفرض ذلك طموحات وتحديات كبيرة لضمان الحفاظ على إمدادات الطاقة بشكل آمن ومستقر، ويمكن لمصر الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة ليس لتلبية حاجتها من الطاقة وحسب، وإنما لضمان نمو اقتصادي مستدام، وتوفير فرص عمل جديدة، والمساهمة في تحقيق الأهداف العالمية بخصوص المناخ والتنمية المستدامة. ولذلك أدركت الدولة المصرية الدور المهم الذي من الممكن أن يلعبه الهيدروجين والأمونيا في قطاع الطاقة المصري، وقطعت على نفسها عهدًا بالمضي قدمًا لتحقيق التنمية وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والنظيف، بما يسهم في تحسين معيشة المواطن المصري، حيث أعلنت العديد من الشركات العالمية رغبتها في تنفيذ العديد من مشروعات الهيدروجين والأمونيا في مصر، حيث هناك فرص واعدة لتنفيذ مثل هذه المشروعات، لا سيما وأنها تأتي على رأس اهتمامات الحكومة خلال المرحلة الراهنة، وفي سبتمبر من عام 2021، وقعت الحكومة المصرية، مذكرة تفاهم مع شركة تويوتا تسوشو اليابانية، وذلك بهدف تقييم فرص إنتاج الأمونيا الزرقاء في مصر.
هناك توقعات طويلة الأمد تشير إلى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال وارتفاع أسعار الكربون بحلول 2050، مما سيصب في صالح الأمونيا الزرقاء المرشحة لخلافة الغاز في عالم الطاقة المتجددة والحياد الكربوني.
المقومات المصرية في صناعة الأمونيا الزرقاء
بشكل عام، سيستفيد مشروع الأمونيا الزرقاء من الميزات التنافسية التي تمتلكها الدولة المصرية كمنتج رئيس للغاز الطبيعي في المنطقة حيث احتلت مصر المركز رقم 14 عالميًا، والمركز الثاني في القارة الأفريقية، والخامس إقليميًا، في إنتاج الغاز الطبيعي وذلك في عام 2020 بحجم إنتاج سنوي وصل إلى 58.5 مليار متر مكعب، وفي عام 2021 وصل حجم الإنتاج إلى حوالي 66 مليار متر مكعب.
بالإضافة إلى امتلاكها احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، حيث تمتلك حوالي 63 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة وذلك في عام 2021، وارتفع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بشكل ملحوظ وذلك نتيجة الاكتشافات الكبيرة للغاز الطبيعي، كما هو موضح في الشكل التالي. بالإضافة إلى أن مصر تُعد دولة رائدة في منطقة الشرق الأوسط في مجال إنتاج الطاقة المتجددة، حيث تمتلك مقومات وإمكانات هائلة من مصادر الطاقة المتجددة، كطاقة الرياح والطاقة الشمسية، ومما يؤهلها لاستقطاب العديد من الصناعات المختلفة والمستهدفة عالميًا.
ولذلك، نجد أن مصر تتصدر قائمة الدول العربية في عدد مشروعات تصدير الهيدروجين والأمونيا، بإجمالي حوالي 30 مشروعًا وذلك في بداية العام الحالي، حيث صدرت مصر أول شحنة أمونيا إلى الهند من خلال مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء في منطقة قناة السويس، وذلك في إطار خطة الدولة المصرية للاستحواذ على حصة حوالي 8% من السوق العالمية للهيدروجين. حيث تُشكل تلك الخطوة عاملًا مهمًا ورئيسًا في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى تلك الصناعة الواعدة ومجالات الطاقة المتجددة المرتبطة بها. وذلك بالرغم من التحديات الكبيرة في تلك الصناعة، حيث تُشكل تكلفة الإنتاج الضخمة هي العقبة الرئيسة أمام تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر، فالتكلفة التي يتطلبها إنتاج الهيدروجين الأخضر لا تزال تحد من تنافسيته في الأسواق العالمية، كما موضح في الشكل التالي.
أزمة تخزين الطاقة رقم صعب في معادلة الانتقال إلى الطاقة الخضراء، لذلك تُمثل الأمونيا الزرقاء حلًا فاعلًا اقتصاديًا ومناسبًا تقنيًا لمواجهة هذا التحدي الأكبر في عملية التحول.
مقترحات للتطوير
وفقًا لما سبق، قطعت الدولة المصرية بالفعل شوطًا كبيرًا في صناعة وإنتاج الأمونيا الزرقاء، حيث قطعت العديد من الخطوات الجادة والتي تهدف إلى توطين مشروعات الأمونيا، ولكن لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات العالمية والتي تقف أمام عمليات التوسع في إنتاج الأمونيا بصفة عامة، وصناعة الأمونيا الزرقاء بصفة خاصة، ومن هنا يمكن إيضاح بعض المقترحات التي من الممكن أن تسهم في تذليل تلك العقبات ومنها:
- يُشكل الاستثمار في البحث والتطوير أمرًا حيويًا، وذلك بهدف لتعزيز التقدم التكنولوجي والابتكار في صناعة الهيدروجين، فمن دون بذل جهود كافية في مجال البحث والتطوير، لن تكون مصر مستعدة لمواجهة التحديات الفنية والتشغيلية الصعبة.
- العمل على ضرورة ربط البحث العلمي والتطوير بمجال صناعة وإنتاج الأمونيا، وذلك من خلال الاستفادة من التجارب الناجحة، سواء العربية أو الدولية (التجربة السعودية)، خاصة في ظل التغيرات المناخية.
- لا يستطيع العالم الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة والنظيفة وحدها في التحول إلى مستقبل أخضر حيادي الكربون، كونها تتأثر بالظروف الجوية في المقام الأول، وتحتاج إلى التخزين عندما لا يحتاج الناس إليها، وتُشكل الأمونيا حلًا واعدًا لمسألة تخزين الطاقة، فمع إمكانية دمج عناصر مختلفة من نظام الطاقة، يمكن أن يصبح عنصرًا حاسمًا في الجهود العالمية لخفض انبعاثات الكربون وتعزيز استراتيجيات الحياد الكربوني الشاملة، ولكن في المرحلة الحالية من التطور التكنولوجي.
- ضرورة تطوير السبل اللازمة لتحويل نسبة أعلى من الطاقة الهيدروكربونية إلى هيدروجين، وكذلك ضرورة إنشاء سلاسل إمداد وبنى تحتية لتوليد الكهرباء وللمركبات التي تعمل بوقود الهيدروجين.
- ضرورة ضخ المزيد من الاستثمارات في البحث والتطوير بهذه المجالات بما يتماشى مع أهداف وخطط الدولة المصرية للحد من الانبعاثات الكربونية وإنتاج مواد صديقة للبيئة وأنواع وقود متجددة، مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والزرقاء.
- نظرًا إلى أن استخدام الأمونيا وقودًا للسفن، بالإضافة إلى دخولها في الكثير من التطبيقات الواعدة، فإن إقامة سلاسل قيمة نظيفة ينبغي أن تكون ملازمة للتوسع في استعمالها.
- يجب أن تشمل عملية خلق سلاسل القيمة النظيفة زيادة كفاءة جميع سلاسل التوريد وضبط ممارسات الإنتاج وتعزيز أساليب الاستهلاك، الذي يمكن أن يكون بدوره سببًا في زيادة الانبعاثات الكربونية.
- وللتغلب على عوائق التمويل في صناعة وإنتاج الأمونيا، لا بد من وجود خطط دعم مالي قادرة على جذب هذه الاستثمارات، وينبغي للحكومة مع البرلمان المصري أن يعملا معًا بهدف لتطوير آليات الحوافز المناسبة لنشر استعمال الأمونيا كوقود للسفن.
- ترسخ مفهوم الصناعات الخضراء وإظهار دورها الفعال في خلق فرص عمل ومكافحة الفقر، وذلك من خلال تنظيم برامج التوعية وبناء القدرات على كافة المستويات.
- خلق صناعات جديدة خضراء، تهدف إلى التوسع في تطبيق التكنولوجيات البيئية مثل، المصانع التي تعمل على إنتاج وحدات الاستفادة من الطاقة البيئية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية، وذلك بالإضافة إلى الخدمات البيئية مثل، الاستشارات في مجال ترشيد الطاقة وتحسين نظم تداول المواد الكيميائية.
وبشكل عام، هناك عوامل أخرى يمكن أن تسهل تطوير صناعة وإنتاج الأمونيا في المستقبل، وبصرف النظر عن النمو المحتمل في الطلب العالمي على الأمونيا، فإن الحوافز الحكومية لإزالة الكربون من خلال فرض قيود على الانبعاثات أو ضرائب الكربون أو الإعانات أو الإعفاءات الضريبية للمستثمرين يمكن أن تعزز إنتاج الأمونيا، وينبغي أن يكون هناك زيادة في عوامل الدعم الحكومي والتنظيمي، وذلك بهدف تشجيع النشر على نطاق واسع لحل التخزين، كما تحتاج القواعد المرتبطة بتخزين الطاقة، بالإضافة إلى تعريفها ذاته، إلى التطوير والتحديث والتوضيح، بحيث يجب تحفيز الابتكار، ونشر تكنولوجيا الأمونيا، ورفع الحواجز التي تعترض نموها.
مجمل القول، تُعد الأمونيا الزرقاء أحد أهم الحلول الجديدة لتوفير طاقة منخفضة الكربون علاوة على كونها حلًا جزئيًا لمواجهة التحديات العالمية لزيادة الطلب على الطاقة، كما تستخدم باعتبارها مصدرًا لتوليد الكهرباء منخفضة الكربون. وعليه يمكن القول، إنها تُشكل دفعة كبيرة في طريق التحول التدريجي للطاقة وذلك من خلال إتاحة مصادر منخفضة الكربون تعتمد على الهيدروجين. ولذلك يأتي المشروع المصري كخطوة مهمة في مجال إنتاج الهيدروجين والأمونيا الزرقاء وتعزيز مكانة الدولة المصرية كمنتج للغاز الطبيعي منخفض التكلفة والكربون والاستفادة من مواردها الطبيعية. وفي الأخير، إن الهيدروجين وأنواع الوقود الحاملة له، مثل الأمونيا الزرقاء، توفر إمكانات واعدة كمصادر للطاقة الخالية من الكربون. حيث تشمل خطة الحكومة المصرية لمشروعات الطاقة على العديد من المحاور المهمة، والتي ترتكن إليها في سعيها نحو التحول الكامل إلى الطاقة النظيفة والمستدامة وذلك من خلال تعظيم الاستفادة الكاملة من قدراتها الطبيعية الهائلة.