اتسم عام 2023 بالديناميكية الشديدة في الكثير من القضايا والنزاعات السياسية والعمليات العسكرية، والتي كان لها تأثير مباشر على تغير العديد من الثوابت على مستوى صفقات السلاح بمختلف أنواعها، ولكن الأبرز على الإطلاق كان التوسع في تصنيع أو امتلاك المسيرات والطائرات المقاتلة بالمقارنة مع المنظومات الأرضية، مما يبرز النزعة الهجومية الجديدة الموجودة في دول الشرق الأوسط بدلًا من الاكتفاء بالعملية الدفاعية فقط مثل السنين السابقة، مع ظهور العديد من الشركات المصنعة للسلاح الجديدة، التي لم تكن ظاهرة بشكل واضح من قبل، والبدء بحصاد نتائج الكثير من المجهودات في مجال البحث والتطوير في الأعوام السابقة.
أبرز التغيرات في الشرق الأوسط:
يرصد التقرير عدة تغيرات مؤثرة على الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط، من أبرزها:
- أعادت المملكة العربية السعودية وإيران العلاقات الدبلوماسية في ظل اتفاق توسطت فيه الصين، مما يشير إلى بكين واهتمامها المتزايد بتشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. وقد كان لهذا الاتفاق تأثير مباشر على وتيرة العمليات العسكرية في اليمن، حيث تناقص عدد الضربات الجوية السعودية بشكل ملحوظ مع تقليل عمليات الاستهداف اليمنية للداخل السعودي. بالإضافة إلى أن الوساطة الصينية تدل على مدى قوة العلاقات بينها وبين الجانب الإيراني وحرصهما على تكوين تحالف قوي يستطيع الوقوف ضد المساعي الأمريكية والأوروبية في الشرق الأوسط.
- عادت الجمهورية السورية إلى جامعة الدول العربية، بعد 12 عامًا بسبب عدم التفاهم مع القيادة السياسية أثناء الحرب الأهلية في البلاد لم تتغير خطوط القتال داخل البلاد إلا قليلًا عن العام الماضي، والحكومة لم تظهر سوى قليل من الاهتمام بإغراء اللاجئين بالعودة من الخارج.
- سجلت الجزائر أكبر إنفاق دفاعي في المنطقة زيادة في العام الماضي، تضاعفت تقريبًا عن عام 2022؛ نتيجة لما تنفقه بكثافة على تحديث المنظومات القتالية، ولكن مع ارتفاع التضخم وعوامل أخرى يمكن أن تجعل من الصعب على الجزائر الحفاظ على المستويات نفسها للإنفاق على الدفاع.
- صادرات الدفاع الإسرائيلية وصلت إلى مستوى قياسي في عام 2022 وكانت تتجه لمزيد من الارتفاع خلال عام 2023، وبالأخص مع دول مثل ألمانيا، ولكن الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية يمكن أن تؤثر على إمكانات التصدير لتل أبيب، والاحتياجات المحلية للجيش الإسرائيلي يمكن أن تغلب على الفائدة التصديرية وقد كان هناك توتر في العلاقات مع بعض المشترين القدامى للأسلحة الإسرائيلية، مثل كولومبيا.
- عملت الولايات المتحدة للحد من نشر القوات في الشرق الأوسط للتركيز أكثر على منطقة المحيطين الهندي والهادئ بعد انتكاسة بسبب المضايقات البحرية الإيرانية في المنطقة والتنسيق مع الجانب الروسي في سوريا والحرب بين حماس وإسرائيل. وعلى الرغم من ذلك عمل البنتاغون على القيام بمهمات الدفاع الصاروخي بواسطة الطائرات المقاتلة وحاملتي طائرات، وتوجهت مجموعات إلى المنطقة لتعزيز وجودها.
أهم الصفقات التسليحية في الشرق الأوسط عام 2023:
يمكن رصد أهم هذه الصفقات فيما يلي:
- الصفقات العسكرية بين تركيا والإمارات والسعودية: زار الرئيس رجب طيب إردوغان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في جولة تهدف إلى إصلاح العلاقات وتنمية الاستثمار الخارجي الذي تحتاجه تركيا بسبب الاقتصاد المتعثر، وتم عقد عدد من الاتفاقيات والصفقات كجزء من الزيارات، بما في ذلك أكبر صفقة دفاعية لتركيا على الإطلاق تبلغ قيمتها أكثر من 3 مليارات دولار، لتوريد الطائرات من دون طيار من شركة بيرقدار للقوات الجوية والبحرية السعودية من طراز “أكينجي” المسلحة من دون طيار مع نسبة تصنيع محلي في المملكة.
- وفي سياق مماثل، أسفرت الزيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة عن الإعلان عن صفقات بقيمة 50.7 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك مذكرة تفاهم بين مجلس “توازن” الإماراتي ومجلس الصناعات الدفاعية في تركيا. في وقت لاحق من العام، أعلنت مجموعة “إيدج” الإماراتية أنها وقعت اتفاقيات أولية مع شركات الإلكترونيات التركية أسيلسان وبيرقدار وأنشأت شركة جديدة لقيادة عملها في تركيا. وبيع طائرات “أكينجي” إلى المملكة العربية السعودية يمثل طفرة كبيرة للصناعة التركية، التي لم تحقق نجاحًا كبيرًا في سوق “المسيرات كبيرة وثقيلة الوزن” حتى ذلك الحين.
- من يناير إلى نهاية سبتمبر، أعلنت شركة إلبيت الإسرائيلية ELBIT عن عقود مع أوروبا تزيد قيمتها عن 91 مليارات دولار أمريكي يتضمن ذلك عقدًا بقيمة 305 ملايين دولار أمريكي لتزويد نظام قاذفة الصواريخ المتعددة الموجهة “بولس” إلى هولندا وصفقة بقيمة 252 مليون دولار أمريكي لتزويد الدنمارك بنظام ”بولس” ومدافع هاوتزر أتموس 2000. الشركة أعلنت أن أوروبا كانت أكبر سوق لها في الربع الثانية من السنة وتوقعت استمرار ارتفاع الطلب على الذخائر التي من شأنها -من المحتمل- أن يتم تسليمها من خلال عدد كبير من الشركات التابعة للشركة في أوروبا.
- صناعات الفضاء الإسرائيلية، أعلنت شركة إلبيت الإسرائيلية أن النصف الأول من 2023 كان الأكثر ربحية في تاريخ الشركة. لم تفرج عن تفاصيل حول الصفقات الإقليمية، ولكن إبرام صفقة بقيمة 3.5 مليارات دولار أمريكي مع ألمانيا لنظام الدفاع الصاروخي” أرو3 “، من المحتمل أن يعني أن النصف الثانية من العام سيكون أفضل. كما قامت الشركة بتأمين مبيعات المسيرات الانتحارية إلى أربع دول من الناتو، بما في ذلك إستونيا.
- وقعت شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة المزيد من العقود لتصدير سلسلة من الصواريخ المضادة للدبابات “سبايك”، بما في ذلك صفقة مع اليونان بقيمة 370 مليون يورو (402.68 مليون دولار أمريكي) والاستمرار في عقد الدعم الفني لبولندا بقيمة 400 ملايين زلوتي بولندي (96.28 مليون دولار أمريكي) لصواريخ سبايك- إل آر التي ستصنعها شركة محلية “ميسكو”. مع هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر، قد تحتاج الشركات الإسرائيلية إلى إعادة توجيه الإنتاج على المدى القصير لتلبية المتطلبات المحلية، ولكن من المتوقع أن يظل الطلب طويل الأجل من أوروبا قويًا في الوقت نفسه الذي تسعى فيه إسرائيل إلى تأمين مبيعات جديدة في آسيا والشرق الأوسط.
- على مدار عام 2023، أكملت مجموعة إيدج الإماراتية: العديد من عمليات الاندماج والاستحواذ على شركات أخرى محلية أو أجنبية كجزء من استراتيجية لتطوير كفاءات قوية في أنظمة غير مأهولة أو مستقلة، والحرب الإلكترونية والذخائر الموجهة. وفي فبراير- 2023، استحوذت إيدج على حصة الأغلبية في شركة المركبات الإستونية غير المأهولة ميلريم روبوتيكس. وهذا يضيف إلى عرض أنظمة إيدج غير المأهولة في مجال المنظومات الأرضية. وقد اشتهرت مثل مركبة ثيميس، التي تم الحصول عليها بأعداد صغيرة من قبل العديد من القوات المسلحة الأوروبية، عادة للاختبار. وفي سبتمبر- 2023، تم الاستحواذ على حصة 50٪ في شركة الذخائر الموجهة البرازيلية سيات، والتي تنتج صاروخ إم إس إس- 1.2 إيه سي المضاد للدبابات ومانسوب المضاد للسفن.
- كما وقعت إيدج اتفاقيات شراكة مع شركات الإلكترونيات البلغارية “تي بي أس” و”سامل 90″ لتوسيع بصمة الشركة في ذلك البلد وأوروبا على نطاق أوسع. شهدت الشركة الإماراتية نموًا كبيرًا في الإيرادات منذ تأسيس الشركة في أواخر عام 2019، ولكن لا تزال هناك أسئلة حول مدى استدامة هذا النمو الذي يتجاوز المبيعات للقوات المسلحة الإماراتية. تهدف عمليات الاستحواذ الدولية إلى مساعدة الشركة الإماراتية من اختراق أسواق جديدة.
ختامًا، كان واضحًا جدًا أن الدول الخليجية كانت الأوفر حظًا في عام 2023 على مستوى النهوض بالصناعات العسكرية المحلية، وبالأخص الأنظمة غير المأهولة الجوية والأرضية لتثبيت الأقدام في الأسواق العسكرية العالمية في خلال الأعوام القادمة، على الجانب الآخر كانت دول شمال أفريقيا تعمل على شراء المنظومات التسليحية وتطوير المنظومات الموجودة، كما أبرز التقرير التحديات التي تواجهها الشركات الإسرائيلية والتي من المتوقع أن تقل صادراتها من الأسلحة في ظل استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة.