تمثل القنابل النووية خطرًا يهدد أمن واستقرار العالم خاصة مع وجود ترسانات نووية لتسع دول. تستحوذ كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على الحصة الأكبر من الرءوس النووية في العالم إلا أن هذا لم يعطل استمرار جهود البحث والتطوير في معاملهما العسكرية من أجل الوصول إلى قنابل نووية موجهة أقل حجمًا وأشد تدميرًا وأكثر اختراقًا وبينما يحدث هذا السباق؛ تتهاوى الاتفاقيات النووية بينهما من حين لآخر وتتساقط أوراقها واحدة تلو الأخرى في ظل وجود تشابكات سياسية لقضايا عالمية تطل بوجهها على سيادة وهيمنة كلا البلدين. ونظرًا لأن التسلح النووي هو إحدى الأدوات المهمة لفرض الرؤية والهيمنة على القضايا الدولية فلا تدخر أي من البلدين وسعًا من أجل تطوير إمكانات ثالوثهما النووي في البر والبحر والجو واستعراض قدراته من حين لآخر وتحسين أنظمة الإيصال للرءوس النووية من أجل تحقيق دقة أفضل ومدى أكبر. وفي هذا السياق، أعلن ” روس جومير” مدير برنامج “إف-35” في 8 مارس 2024 أنه قد تم اعتماد مقاتلات “إف-35” الأمريكية بشكل رسمي لحمل قنابل نووية من طراز “بي61-12” كأول طائرة من الجيل الخامس الشبحية.
الدول الحائزة على السلاح النووي
يوجد تسع دول في العالم حائزة للسلاح النووي؛ هي روسيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية، وإسرائيل. يوجد بالعالم 12512 رأسًا نوويًا وفقًا لآخر إحصاء لمخزونات العالم من الرءوس النووية حسب ما أعلنه معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في الكتاب السنوي لعام 2023. تمتلك كل من روسيا والولايات المتحدة 88.98% من الترسانة النووية العالمية حيث تستحوذ روسيا على 5889 رأسًا نوويًا متفوقة في العدد عن الولايات المتحدة والتي تستحوذ على 5244 رأسًا نوويًا. تمتلك إسرائيل 90 رأسًا نوويًا إلا أن بعض التقارير تشير إلى أن لديها مخزونًا من المواد النووية يكفي لتصنيع 200 رأس نووي. ويشير الجدول رقم (1) إلى التقديرات من الرءوس النووية في الدول التسع المشار إليها، وتاريخ أول إختبار نووي.
جدول (1): مخزونات الدول من الرءوس النووية.
الدولة | تاريخ أول اختبار نووي | إجمالي المخزون من الرءوس النووية |
الولايات المتحدة | 1945 | 5244 |
روسيا | 1949 | 5889 |
المملكة المتحدة | 1952 | 225 |
فرنسا | 1960 | 290 |
الصين | 1964 | 410 |
الهند | 1974 | 164 |
باكستان | 1998 | 170 |
كوريا الشمالية | 2006 | 30 |
إسرائيل | غير معلوم | 90 |
تطورات نووية:
على الرغم من وجود اتفاقات لتقليل الترسانة النووية بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية إلا أن المعاهدة التي بقت صامدة في هذا الصدد هي تلك التي قام الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بإعلان تعليق بلاده مشاركتها فيها وهي “معاهدة ستارت الجديدة“، وهي معاهدة بين الولايات المتحدة وروسيا لتخفيض الأسلحة الاستراتيجية وقد جاء هذا الإعلان كنتيجة للتوترات التي طفت على السطح بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. تشير المعلومات إلى أنه لم يتوقف تطوير السلاح النووي بتوقيع الاتفاقيات بين الطرفين، بل استمر العمل في المنشآت النووية والمعامل الأمريكية على تطوير التسلح النووي، ويُذكر أن بعضًا من هذه المعامل كان لها الدور الأبرز في تطوير القنبلة النووية الأولى (15 كيلوطن تي إن تي مكافئ) والثانية (21 كيلو طن تي إن تي مكافئ) اللتين تم إلقاؤهما على مدينتي هيروشيما ونجازاكي في الحرب العالمية الثانية، ومن أمثلة هذه المعامل؛ مختبر لوس ألاموس الوطني بنيو مكسيكو، مختبرات سانديا الوطنية بنيو مكسيكو، مختبر لورانس ليفرمور الوطني بكاليفورنيا، مختبر أوك ريدج الوطني في تينيسي، مختبر ماوند بأوهايو.
النووي الأمريكي وخطط التطوير
تمتلك الولايات المتحدة أنواعًا مختلفة من القنابل النووية ذات تصميمات متعددة ومتطورة عما كانت عليه في السابق كتصميم المدفع (البندقية) مثل قنبلة “الصبي الصغير”، وتصميم الانفجار الداخلي “الرجل البدين” لتكون تصميمات أكثر تقدمًا مثل تصميم “الانشطار المعزز” والذي يتم فيه استخدام خليط من مواد اندماجية كمصدر للنيترونات لإحداث انشطار نووي بمعدل كبير أعلى مما يمكن تحقيقه بالانشطار التقليدي. تمتلك الولايات المتحدة قنابل حرارية والتي يطلق عليها في بعض الأحيان القنابل الهيدروجينية أو القنابل الاندماجية والتي تفوق قدرتها التدميرية من 100 إلى 1000 مرة القدرة التدميرية للقنابل الانشطارية وبالتالي فإن القوة التدميرية لها تقاس بالميجا طن. سعت الولايات المتحدة بشكل دءوب منذ التسعينيات لحصول قواتها الجوية على سلاح نووي منخفض القوة وموجه بدقة من خلال تطوير برامج لترقية القنابل الحرارية لديها، وهذا السعي ليس وليد اللحظة وإنما كانت أولى خطواته الحقيقية منذ أن وافقت إدارة أوباما على ترقية القنبلة النووية “بي-61” من خلال استخدام مجموعة أدوات ذيل جديدة، وقنبلة نووية موجهة وقد عرفت هذه الترقية -بالتعديل الثاني عشر للتصميم الأصلي “بي-61” (أعلى إعداد لقوة القنبلة الجديدة يبلغ 50 كيلو طن). يُستخدم النوع الجديد، المعروف باسم “بي61-12″، مجموعة أدوات ذيل جديدة لتحويل “بي 61-4” إلى قنبلة نووية موجهة لزيادة دقة السلاح، ويمكن استخدام الرأس الحربي 50 كيلو طن من “بي 61-4” لتعريض الأهداف نفسها للخطر التي تتطلب اليوم “بي 61-7” ذات القدرة الأعلى. وقد قامت المقاتلة “إف-35” في نوفمبر 2020 بتنفيذ مهمات هجومية تدريبية من خلال إلقاء القنبلة النووية “بي 61-12” من ارتفاع 25 ألف قدم (7620) مترًا، وبسرعة 1 ماخ (1234.8) كم/ ساعة في الميدان التدريبي “Tonopah”، كما تم دمج هذه القنابل المطورة على الطائرات الهولندية مما سيؤدي إلى إمكانية دمجها بأي طائرات تعمل في مسرح عمليات المحيط الهادي أو أي مسرح عمليات آخر.
مخاطر مؤكدة وتهديدات مستقبلية
يشكل دمج القنابل النووية على هذا الطراز تحديدًا من الطائرات المقاتلة قليلة البصمة الرداراية- LO خطرًا كبيرًا في العمليات الهجومية لسببين؛ الأول: يعود إلى قدرتها العالية على اختراق الدفاعات الجوية سواء باستغلال التصميم الخاص بها الذي يصعب من مهمة تعقب الطائرة بواسطة الرادار بشكل مستمر (Tracking)، والسبب الثاني: يعود إلى استخدامها لمفهوم التخفي الرقمي (Digital Stealth)، وهو استخدام قدرات الطائرة للحرب الإلكترونية من خلال منظومة “AN/ ASQ- 239” للتشويش على/تجنب رادارات الدفاع الجوي أو الطائرات المقاتلة وبالأخص من طراز “X- band” التي تقوم بتوجيه الصواريخ مع امتلاك كومبيوتر مهام ثوري يعمل بنمط مشابه لـ “Raid Assessment Mode”، وبشكل موسع يقترب من غرف العمليات ولكن بشكل مصغر كوحدة قيادة وسيطرة وربط اتصال بين منظومات مختلفة.
وتشير معظم التقديرات العلمية إلى أن هذا النوع من القنابل بالإضافة إلى عملية الدمج المشار إليها سيزيد من احتمالية استخدام السلاح النووي، أي يمكن أن يتحول السلاح النووي مما يعرف “بسياسة الردع” إلى “سياسة الاستخدام المباشر” وسيزداد سعي القوى الكبرى لتطوير الأسلحة النووية الحالية وهو بالفعل ما أعلن عنه الجيش الأمريكي من خطط لتطوير فئة جديدة من قنابل الجاذبية النووية “بي 61-13″، لتعوض الجيل الأقدم من”بي 61-12″، والتي لا تحتوي على حمولة كافية لتدمير الأهداف الصلبة تحت الأرض.
تأثيرات استخدام قنبلة نووية
لا توجد طريقة واضحة لتقدير تأثير قنبلة نووية واحدة، إذ إن هذا يعتمد على عدة عوامل مثل حالة الطقس في يوم إسقاطها، والوقت الذي يتم فيه تفجيرها، والطبيعة الجغرافية لمكان سقوطها، وهل تنفجر على الأرض أم في الهواء أم تحت الأرض إلا أن هناك مجموعة من التأثيرات الأولية واللاحقة التي يتم التعرض لها وكمثال لذلك يمكن تمثيل الأنماط العامة للأضرار الناجمة عن انفجار نووي بقوة 10 كيلوطن على الأرض كما في الشكل رقم (1) كما يلي:
- يتوسع الدمار الناتج عن التأثيرات الأولية؛ موجات الصدمة، والطاقة الحرارية، والإشعاع الأولي في نمط دائري، ويمكن أن يمتد الضرر الشديد الناتج عن موجة الصدمة إلى حوالي نصف ميل، ويمتد الضرر الحراري الشديد لمسافة ميل تقريبًا، ويمكن أن يمتد الحطام المتطاير إلى بضعة أميال، ويمكن للإشعاع النووي الأولي (الفوري) لانفجار بقوة 10 كيلوطن أن يعرض الأشخاص غير المحميين على بعد حوالي 3/4 ميل من موقع الانفجار لجرعة إشعاعية مميتة.
- يحدث التساقط الإشعاعي في نمط بيضاوي غير منتظم في اتجاه هبوب الرياح، ويمكن أن يمتد الإشعاع القاتل إلى مسافة تصل إلى 6 أميال.
شكل (1): تمثيل الأنماط العامة للأضرار الناجمة عن انفجار نووي بقوة 10 كيلوطن على الأرض
المصدر: الأكاديميات الوطنية ووزارة الأمن الداخلي الأمريكية.
تشير المعلومات إلى أنه يتم إطلاق ما يقرب من 35% من طاقة الانفجار النووي على هيئة إشعاع حراري. نظرًا لأن الإشعاع الحراري ينتقل بسرعة الضوء تقريبًا، فإن أول ما يقوم بالتأثير هو وميض من الضوء والحرارة المسبب للعمى. الضوء بحد ذاته كافٍ للتسبب فيما يسمى “بالعمى الخاطف”، وهو عادة شكل مؤقت من فقدان البصر يمكن أن يستمر لبضع دقائق. وكمثال للتوضيح فإنه حال انفجار قنبلة بقوة 1 ميجا طن، وهي أكبر بحوالي 80 مرة من القنبلة التي انفجرت فوق هيروشيما، فإن الأشخاص الذين يبعدون مسافة تصل إلى 21 كيلومترًا (13 ميلًا) سيصابون بالعمى الخاطف في يوم صافٍ، والأشخاص الذين يبعدون مسافة تصل إلى 85 كيلومترًا (52.8 ميلًا) سيصابون بالعمى المؤقت في ليلة صافية.
تعتبر الحرارة مشكلة بالنسبة لأولئك الأقرب إلى الانفجار حيث يمكن أن تحدث حروقًا خفيفة من الدرجة الأولى على مسافة تصل إلى 11 كيلومترًا (6.8 ميلًا)، أما حروق الدرجة الثالثة -وهو النوع الذي يدمر أنسجة الجلد وتقرحها- فيمكن أن تؤثر على أي شخص على مسافة تصل إلى 8 كيلومترات (5 أميال). ومن المحتمل أن تكون الحروق من الدرجة الثالثة التي تغطي أكثر من 24% من الجسم قاتلة إذا لم يتلق الأشخاص رعاية طبية على الفور.
الخاتمة
تُعد الأسلحة النووية أحد أنواع أسلحة الدمار الشامل التي ينطوي استخدامها على مخاطر جمة لا تنحصر أضرارها فقط على الدولة المستخدمة أو الدولة المستخدم ضدها، بل يمتد أثرها إلى المحيط الإقليمي أو العالم بأسره، ونظرًا لأن العالم يعي تلك المخاطر جيدًا وخاصة الدول الحائزة للأسلحة النووية، فقد صيغت المعاهدات والاتفاقيات وكان على رأسها معاهدة منع الانتشار النووي التي لم تفلح في الإبقاء على عدد الدول الحائزة للسلاح النووي كما هو؛ إذ نجحت أربع دول في الانضمام إلى الدول الخمس الكبرى في النادي النووي العسكري، كذلك فإن الاتفاقات النووية الأخرى الخاصة بالتعامل مع الرءوس النووية بين الدول الكبرى وخاصة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لم تفلح سوى في خفض الأعداد فقط، لكن لا يزال المخزون النووي العسكري الحالي يمثل خطورة بالغة على السلم والاستقرار في العالم خاصة وأنه قد تم تطويره ليكون أكثر كفاءة وأشد فتكًا.
وما بين جهود لتخفيض أعداد الرءوس النووية وجهود أخرى لتطوير الترسانات النووية للدول الكبرى وتنويع الأسلحة النووية بين الاستراتيجي والتكتيكي وتطوير طرق إيصال الأسلحة، تظل التخوفات مطروحة والتساؤلات مشروعة وخاصة هذا التساؤل؛ هل يمكن أن تتحول السياسة النووية في المستقبل من سياسة الردع إلى سياسة الاستخدام المباشر في ظل الإفراط بالتلويح باستخدام الورقة النووية أو الضغط على الذر النووي؟ إن الإجابة على مثل هذا التساؤل لا يمكن أن يُقدم في مقال أو في معمل، وإنما ستصيغه غرف السياسة المغلقة ليشاهده العالم في أحداثه المقبلة.