عُقد خلال يومي 29 – 30 مارس الماضي (2019) مؤتمر “سيتي سكيب“، أحد أهم مؤتمرات القطاع العقاري في مصر، تحت عنوان “خارطة طريق نحو الابتكار: معالجة تمويل المشاريع وتسويقها وتصميمها لتحقيق الازدهار“، والذي شمل العديد من الجلسات التي ركزت على مناقشة عدد من القضايا المهمة ذات الصلة بهذا القطاع، شملت الملامح العامة للقطاع، والجوانب المتعلقة بحجم وطبيعة الطلب في هذا القطاع، وآليات التمويل، والفرص المتاحة أمام نمو هذا القطاع.
وبالنظر إلى أهمية هذا القطاع والنقاشات التي دارت خلال جلسات المؤتمر، نعرض فيما يلي الاتجاهات العامة لهذه النقاشات من خلال المحاور الثلاثة التالية.
ملامح القطاع العقاري المصري
أشارت جلسات المؤتمر إلى أن القطاع العقاري المصري يساهم بحوالي 16% من الناتج المحلي الإجمالي. وتمثل الكتلة العمرانية الحالية 7% فقط من إجمالي مساحة مصر، لكنّ المستهدف الوصول بهذه النسبة إلى 12% بحلول عام 2030. وقد ارتفعت أسعار العقارات في مصر بما يعادل 7 مرات منذ عام 2008 حتى الآن. ويُشكل معدل النمو السكاني المرتفع في البلاد، وارتفاع عدد الزيجات السنوية التي تقدر بمليون زيجة؛ أهم الدوافع الأساسية لخلق طلب كبير على القطاع العقاري بغرض السكن.
وقد انخفضت نسب مساهمة المطورين العقاريين صغار الحجم في سوق الوحدات المعروضة لأغراض سكنية خلال السنوات السابقة، وذلك نظرًا للارتفاع الكبير في تكاليف البناء، وصعوبة الحصول على تمويل (أحد الآثار المؤقتة لتطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي وتعويم الجنيه في 4 نوفمبر 2016). أما عن عدد الوحدات السكنية المعروضة بالسوق، فمن الملاحظ أن شرق القاهرة تسبق مناطق غرب القاهرة، وذلك بالنظر إلى الاستثمارات الكبيرة في القطاع العقاري في العاصمة الإدارية الجديدة. أما عن الوحدات الساحلية فقد جاء عدد الوحدات المعروضة أقل من المتوقع، بينما ازدادت العروض للوحدات المطلة على البحر الأحمر والعين السخنة.
وفيما يتعلق بحجم الطلب الخارجي على القطاع العقاري في مصر، أشار النقاش إلى أنه يتركز على الوحدات السكنية التي تتراوح أسعارها بين الفئات السعرية 2 – 5 ملايين جنيه للوحدة، وتمثل دول الخليج وروسيا والمملكة المتحدة أكبر المشترين الأجانب في سوق العقارات المصري، لكن الجزء الأكبر من الطلب الأجنبي على العقارات لا يزال يأتي من المصريين العاملين في الخارج.
آليات التمويل
تبلغ نسبة البنوك العاملة في سوق الرهن العقاري في مصر 20 بنكًا، وهي تقترب من نصف عدد البنوك العاملة بالقطاع المصرفي المصري. وعلى الرغم من ذلك يُعد سوق الرهن العقاري في مصر غير فعال بشكل كبير. وقد أرجع العديد من الخبراء المشاركين في أعمال المؤتمر ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وضعف الثقة في منظومة الرهن العقاري، بالإضافة إلى أن النموذج الذي تعمل به شركات القطاع العقاري في مصر التي تعتمد على سياسة البيع قبل الشروع في البناء أو ما يُسمى off plan sales يُعد غير مناسب للبنوك لتوفير الرهن العقاري للمشروع، وهو الأمر الذي يدفع البنوك إلى اعتبار المشروع غير جدير بالحصول على الائتمان، مقابل الاتجاه إلى تمويل المشروعات غير السكنية الأخرى، مثل بناء المدارس والمستشفيات، التي تدر تدفقات نقدية دورية، فضلًا عن وجود نقص كبير في البيانات. وقد ساهمت البنوك في عام 2018 في توفير حوالي 27.7 مليار جنيه لسوق الرهن العقاري المصري، بينما ساهم القطاع العقاري بحوالي 10.7 مليارات جنيه (منها 8.7 مليارات جنيه في عام 2017)، وهي مبالغ أكبر من سوق الرهن العقاري المصري إبان أزمة العقارات العالمية في عام 2008 الذي كان يبلغ أقل من مليار جنيه.
أما عن السياسات الترويجية من داخل القطاع، فقد أشار المشاركون إلى أن هذه السياسات تشمل الخصومات الكبيرة على الأسعار، وزيادة مدد السداد التي تصل إلى 10 سنوات في بعض الحالات، وانخفاض المقدمات بالسوق العقاري لتبدأ من 0% وحتى 12%، وبمتوسط مقدم سداد 7%. وقد تسبب ذلك في تغيير قاعدة بيانات العملاء خلال الفترة الأخيرة لتضمين عملاء جدد ذوي جدارة مالية أقل. وساهمت شروط الدفع الطويلة المعلن عنها في الوقت الحالي في تقييد قدرة المطورين العقاريين، ومن ثم فإنها قد تؤدي إلى تأخير مواعيد تسليم المشروع ككل.
الفرص المتاحة للقطاع العقاري في مصر
يعتبر القطاع العقاري المصري أحد القطاعات المهمة في مصر، وتوليه الحكومة أهمية خاصة، فقد اتخذت في هذا الإطار خطوات مهمة لتفعيل دور القطاع الخاص في الاستثمار بالقطاع، مثل دخول هيئة المجتمعات العمرانية في اتفاقيات شراكة مع القطاع الخاص بنموذج أعمال يتيح للهيئة الحصول على نسبة 40% من الإيرادات الخاصة بالمشروع، بالإضافة إلى شروع الدولة في بناء العاصمة الإدارية الجديدة على مساحة 40 ألف فدان والتي تتضمن مشروع النهر الأخضر الذي يعتبر أكبر متنزه في العالم بمساحة 1000 فدان، بالإضافة إلى منطقة أعمال بحوالي 1.7 مليون متر مربع، بالإضافة إلى مشروعات أخرى مثل مدينة العلمين الجديدة بحوالي 48 ألف فدان من ضمنها 14 كلم ممتدة على الشاطئ، تتضمن مساحة 10 – 12 ألف وحدة فندقية، بالإضافة إلى إنشاء مطار العلمين، وكذلك مدينه المنصورة التي تبلغ مساحتها 6000 فدان.
وعلى الرغم من أن العديد من اللاعبين في السوق يرون أن دخول الحكومة في القطاع العقاري لأغراض سكنية (الخاص بالشريحة فوق المتوسطة والفاخرة) يُمثل تهديدًا للشركات العاملة في ذلك القطاع، حيث إن الحكومة دخلت كمنافس قوي لهم؛ إلا أن أحد أكبر مالكي الشركات العاملة في القطاع العقاري في مصر المشاركين في المؤتمر رأى أن دخول الحكومة في هذا القطاع كان أمرًا مهمًّا لتحفيزه، مشيرًا إلى أن هذا الدور سيتقلص في نهاية المطاف، وستترك الحكومة في لحظة ما المساحة الأكبر للقطاع الخاص. وتعتمد الاستراتيجية الأساسية للحكومة في القطاع العقاري المصري على أمرين أساسيين، هما: التوجه نحو جذب المستثمرين الأجانب إلى القطاع كممولين للشركات العاملة، أو كمستثمرين بالقطاع العقاري من خلال صناديق الاستثمار العقارية.
وتوجد العديد من المبادرات محل الدراسة في الوقت الحالي لتطوير القطاع العقاري تتمثل في دراسة الحكومة إنشاء صندوق لدعم الرهن العقاري لمشتري المنازل متوسطة الدخل، بالإضافة إلى قرب الإعلان عن صندوق تنظيم العقارات الذي سيساعد في تنظيم قدرات المطورين العقاريين.