مصطلح أمن الطاقة العالمي ليس أمرًا جديدًا في السياسة الدولية، فالصراعات حول موارد الطاقة العالمية كانت منذ فترة طويلة -ولا تزال- تُشكل عنصرًا مهمًا في الأزقة الدولية للدول الكبرى. لكن هذا المصطلح أصبح اليوم يمثل واحدًا من أهم عناصر أمن العالم، وذلك بسبب محدودية موارد الطاقة غير المتجددة واختلال مناطق توزيعها عالميًا. بالإضافة إلى أن حركة أسعار النفط تتأثر بالأحداث التي لا تتعلق بصورة مباشرة بعمليات العرض، بدءًا من الأحداث الجيوسياسية، مثل حالات عدم الاستقرار الإقليمي أو الجيوسياسي. وعليه تسعى جميع دول العالم إلى تنويع مصادر الطاقة والعمل على تأمين إمدادات مستدامة.
مدخل
بشكل عام، يعرف تنويع مصادر الطاقة بأنه استخدام مصادر مختلفة لتوليد الطاقة وذلك من أجل تلبية الطلب عليها، واستنادًا إلى مفهوم أمن الطاقة من حيث ضمان الحصول على الطاقة دون انقطاعات مفاجئة. وعليه تسعى جميع دول العالم إلى الوصول إلى أفضل مزيج متوفر من مصادر الطاقة المتنوعة لتقي بلادها من اضطراب إمدادات الطاقة ولتحظى بالمرونة الكافية لتلبية الطلب المتغير عليها خلال ساعات النهار والليل. حيث شهدت مصادر الطاقة خلال الأعوام القليلة الماضية تحولًا عالميًا كبيرًا واضحًا نحو الاستفادة من مصادر الطاقة، بالإضافة إلى أن أزمة الطاقة جعلت العالم بأسره يبحث عن مصادر جديدة ومستدامة، إحداها هي الطاقة الحرارية الأرضية: الحرارة المنبعثة من باطن الأرض والموجودة باستمرار وفي كل مكان تحت أقدامنا، ويمكن استخدامها لتوليد الحرارة والكهرباء.
رغم أن الطاقة الحرارية الجوفية تمتلك العديد من المزايا، إلا أن استغلالها لا يزال محدودًا. فهل تؤدي أزمة الطاقة الحالية إلى تعزيز الاستفادة من الطاقة الأرضية؟ وما هي فوائدها؟ والتحديات التي تواجه فرص انتشارها؟.
ما الطاقة الحرارية الأرضية؟
الطاقة الحرارية الأرضية هي حرارة مخزنة في القشرة الأرضية، تُستخرج عن طريق الحفر في الأرض ونقلها إلى السطح عن طريق السوائل، ومن ثَمّ تحويلها إلى الكهرباء أو لأغراض التدفئة. حيث يُعثر على الطاقة الحرارية الجوفية في أعماق ودرجات حرارة مختلفة، وأكثرها تطورًا الموجودة في الأنظمة الحرارية المائية، وهي الماء الساخن المنتشر في الصخور العميقة.
علاوة على ذلك، يعتمد استغلال الطاقة الحرارية الأرضية إلى حد كبير على درجة حرارة المصدر، التي تنقسم إلى 3 أنواع رئيسية، وهي: درجة حرارة عالية، أي أعلى من حوالي 150 درجة مئوية، ومتوسطة ما بين حوالي 90 و150 درجة مئوية، ومنخفضة أقل من حوالي 90 درجة مئوية. حيث تُعد درجات الحرارة المتوسطة إلى العالية الأكثر ملاءمة لإنتاج الكهرباء من موارد الحرارة الجوفية، كما إن الطاقة المستخرجة عند درجة الحرارة المتوسطة نفسها يُمكن استغلالها في العديد من التطبيقات، كالتدفئة والتبريد والعمليات الصناعية والأغذية الزراعية، كما موضح في الشكل التالي.
واستكمالًا لما سبق، توجد معظم موارد الطاقة الحرارية الأرضية ذات درجات الحرارة المرتفعة في المناطق ذات النشاط البركاني، كالموجودة في المحيط الهادئ ووسط المحيط الأطلسي وأجزاء من أوروبا وشرق أفريقيا. بينما توجد درجات الحرارة المنخفضة والمتوسطة على نطاق أوسع جغرافيًا، سواء في المناطق النشطة تكتونيًا (أي التي يكثر بها حدوث الزلازل والبراكين)، وأعماق الأحواض الرسوبية.
تبرز الطاقة الحرارية الأرضية مؤخرًا بصفتها مساهمًا مهمًا في تنوع الطاقة ولاعبًا رئيسًا في معالجة أزمة المناخ، فهي تجذب الجهات الفاعلة بقطاع الطاقة العالمي، خصوصًا من صناعة النفط والغاز التي تتجه إلى تنويع استثماراتها في الطاقة النظيفة.
الوضع العالمي ومستويات إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية
تؤكد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، ضرورة أن تلعب الطاقة الحرارية الأرضية دورًا أكبر في تلبية احتياجات العالم من الطاقة، سواء لتوليد الكهرباء أو التدفئة والتبريد، بهدف المساهمة في استقرار شبكات الكهرباء وذلك بالتوازي مع طاقة الرياح والطاقة الشمسية. حيث ينمو توليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الأرضية بوتيرة متواضعة وبنسبة حوالي 3.5% سنويًا، ليصل إجمالي القدرة المركبة إلى حوالي 15.96 جيجاوات، وذلك في عام 2022، موزعة على 5 مناطق رئيسة، وتُعد آسيا ومنطقة أوقيانوسيا ذات أكبر قدرة مركبة من الطاقة الحرارية الأرضية تبلغ حوالي 5.9 جيجاوات، تليها أمريكا الشمالية بقدرة حوالي 3.7 جيجاوات، وأوراسيا بقدرة حوالي 3.5 جيجاوات، كما يوضح الشكل التالي ملامح الطاقة الحرارية الأرضية في العالم.
مع التحسينات التكنولوجية، يمكن أن يرتفع توليد الكهرباء من خلال الطاقة الحرارية الأرضية إلى حوالي 65 جيجاوات من السعة المركبة وذلك بحلول عام 2050.
وهنا تجب الإشارة إلى أن الطاقة الحرارية الأرضية تُستخدم منذ عقود في دولة إندونيسيا وتركيا ونيوزيلندا والفلبين والولايات المتحدة الأمريكية، في حين بدأت دول أخرى مؤخرًا –ومنها المجر وبلجيكا وكرواتيا وتشيلي وكولومبيا وهندوراس- بتوليد الكهرباء الحرارية الأرضية. وعلى صعيد القارة الأفريقية، تسعى كينيا إلى مضاعفة القدرة الكهربائية الناتجة من الطاقة الحرارية الأرضية إلى حوالي 1.6 جيجاوات بحلول عام 2030، ويوضح الشكل التالي أبرز منتجي الطاقة الحرارية الأرضية في العالم.
ولا يزال هذا المصدر يستحوذ على حوالي 0.5% فقط من القدرة المركبة القائمة على المصادر النظيفة لتوليد الكهرباء والتدفئة والتبريد عالميًا (نمو محدود).
وأمام ما تقدم، بشكل عام هناك 3 تقنيات أولية تُستخدم لتحويل الطاقة الحرارية الأرضية إلى كهرباء، تتمثل في محطات البخار الكهرباء ذات الدورة الثنائية. حيث تعمل معظم محطات توليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الأرضية حاليًا بتقنية البخار الجاف أو البخار السريع، والتي تعمل عند درجات حرارة تزيد على حوالي 150 درجة مئوية، في حين هناك جهود لاستغلال درجات الحرارة الأرضية المنخفضة بتوليد الكهرباء، باستعمال تقنية الدورة الثنائية. وتقوم تقنية البخار الجاف على ضخ البخار مباشرة من الخزان الحراري بباطن الأرض، وتوجيهه إلى التوربينات البخارية بمحطات توليد الكهرباء. وفي المقابل، تُعد تقنية البخار السريع الأكثر شيوعًا في محطات الطاقة الحرارية الأرضية الحالية، حيث تستعمل هذه التقنية سوائل حرارية ذات ضغط عال ودرجة حرارة عالية لتوليد الكهرباء عن طريق تبخيرها عند ضغط منخفض، ثم فصل البخار عن السائل لتشغيل توربينات المولد الكهربائي. أما محطات توليد الكهرباء ذات الدورة الثنائية، فهي تعمل على نقل الحرارة من الماء الساخن تحت سطح الأرض إلى سائل آخر، يكون أقلّ من درجة حرارة غليان الماء، ليتحول السائل الثاني إلى بخار يكون كافيًا لتشغيل توربين المولد الكهربائي، كما يوضح الشكل التالي توليد الكهرباء من الطاقة الحرارية.
التحديات التي تواجه إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية
وفقًا لما سبق، نجد أن الطاقة الحرارية الأرضية تُسهم (بشكل محدود) في جهود الانتقال العالمي بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري وذلك مشاركةً مع المصادر المتجددة الأخرى، بصفتها مصدرًا نظيفًا وموثوقًا للتدفئة والكهرباء، لكن هناك العديد من العقبات على الطريق. حيث توجد الموارد الحرارية الأرضية على نطاق واسع في المناطق ذات النشاط البركاني والأحواض الرسوبية (منخفض أرضي يحتوي على رواسب سميكة في الداخل وأخرى رقيقة عند حوافه)، مما يجعلها ذات تكلفة أقل ومستقلة عن ظروف الطقس، مقارنةً بالمصادر الأخرى من الطاقة المتجددة.
خلال السنوات الماضية، باتت مصادر الكهرباء المتجددة ذات تكلفة تنافسية بصورة ملحوظة، إذ أدى انخفاض تكاليف التكنولوجيا إلى خفض التكلفة المستوية للكهرباء. ورغم أن تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة الحرارية الأرضية أقل من تكلفة الوقود الأحفوري، فإن التكلفة المستوية الفعلية تعتمد على الظروف الخاصة بالموقع لمحطة الكهرباء، كعمق الآبار المحفورة ونوعها ومتوسط إنتاجها والتكنولوجيا المستعملة.
وعن تكلفة استغلال وتوليد الطاقة من الطاقة الحرارية الأرضية، أكدت معاهد بحثية في برلين أن توليد الحرارة أو التدفئة باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية يكلف أقل من حوالي ثلاثة سنتات يورو للكيلو وات ساعة. والجدير بالذكر أنه قبل الحرب الروسية الأوكرانية، كان استخدام الغاز الطبيعي للتدفئة في ألمانيا بسعر أرخص وذلك مقارنة بمناطق أخرى في أوروبا، وهو الأمر الذي جعل ضخ استثمارات في مجال بناء محطات طاقة حرارية جوفية بالأمر الصعب. بيد أنه عقب الحرب الروسية، ارتفع سعر الغاز إلى أكثر من حوالي 14 سنتًا للكيلو وات ساعة، وهو الأمر الذي دفع إلى التركيز مجددًا على استغلال الطاقة الحرارية الأرضية.
وعليه نجد أن انخفاض نشر الطاقة الحرارية الأرضية، مقارنةً بمثيلتها من الطاقة الشمسية والرياح، إلى ارتفاع تكاليف رأس المال والجداول الزمنية الأطول لتطوير المشروع. ولكن هناك إمكانية لخفض تكاليف مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية وذلك بهدف الحفاظ على قدرتها التنافسية، وذلك عن طريق خفض تكاليف الحفر التي تُشكل حصة كبيرة من إجمالي التكلفة للمشروع.
واستكمالًا لما سبق، إن توسيع عمليات استغلال الطاقة الحرارية الأرضية قد يؤدي إلى العديد من المخاطر المحتملة مثل حدوث هزات أرضية (محدودة التأثير)، وبالأخص في المناطق ذات النشاط الزلزالي. إذ يمكن أن يؤدي استغلال الطاقة الحرارية الأرضية إلى حدوث هزات أرضية صغيرة عندما يتم حقن المياه في باطن الأرض عند معدلات ضغط مرتفعة، حيث يمكن أن ينجم عن ذلك ضغط عامودي، وقد أدت بالفعل مثل هذه الهزات إلى تصدعات في بعض الدول، وهذا ما أدى إلى معارضة من السكان ضد تسخير الطاقة الحرارية الجوفية.
ولكن وبشكل عام، لم ترد تقارير حيال حدوث هزات أرضية في مناطق لم تتعرض في السابق لإجهادات وضغوط أرضية، بالإضافة إلى أنه جرى تحسين تقنيات استغلال واستكشاف الطاقة الحرارية الأرضية. وبالنظر إلى المخاطر الناجمة (العديدة) عن استخراج مصادر الوقود الأحفوري المختلفة، فإن الطاقة الحرارية الأرضية تُعد أقل خطورة بكثير.
علاقة الطاقة الحرارية الأرضية بالآبار النفطية
منذ عام 1970، كان لشركات النفط الخام والغاز الطبيعي دور كبير في النهوض بالطاقة الحرارية الأرضية، حيث دفعت أزمات النفط المتتالية إلى ضرورة تنويع الاستثمارات في مصادر الطاقة البديلة ومنها الطاقة الحرارية الأرضية، إذ لدى شركات النفط العالمية الكبرى مجموعة كبيرة من البيانات الفنية وتقارير الاحتياطيات الممكنة من النفط الخام والغاز الطبيعي، وبالأخص المتعلقة بالأحواض والمكامن الرسوبية والتي توجد فيها الموارد الحرارية الأرضية (بشكل محتمل).
وبناءً على ذلك، يمكن أن يؤدي الاعتماد على تلك البيانات الجيولوجية التي حصلت عليها الشركات وذلك خلال عمليات البحث والتنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي في خفض تكاليف الاستكشاف والحفر فيما يتعلق بالطاقة الحرارية الأرضية (من أهم التحديات التي تواجه الطاقة الحرارية الأرضية).
ومن هنا كان المقترح بضرورة إعادة استغلال الآبار المهجورة وغير المنتجة للنفط الخام أو الغاز الطبيعي، وذلك بهدف التغلب على تحديات إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية، ومن الممكن أن يتم إنتاج الطاقة الحرارية الجوفية بشكل مشترك من آبار النفط الخام والغاز الطبيعي النشطة والتي تحتوي على كميات كافية من المياه ذات درجات الحرارة العالية، ولكن بشرط التغلب على بعض التحديات المتعلقة والتي من أبرزها أنها غير مصممة عمومًا لإنتاج كميات كبيرة من السوائل اللازمة في مشروع الطاقة الحرارية الأرضية.
واستكمالًا لما سبق، إن هناك إمكانية لإنتاج الهيدروجين الأخضر وذلك عن طريق استخدام الطاقة الحرارية الأرضية، إذ يمكن الاعتماد على الكهرباء الناتجة منها في تشغيل المحلل الكهربائي، مما يوفر فرصًا هائلة للتصدير.
هل يمكن أن تستغل مصر الطاقة الحرارية الجوفية؟ لطالما كانت مصر رائدة إقليمية في إنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية، حيث هناك توجه عالمي الآن إلى التقنيات الناشئة مثل الهيدروجين الأخضر كأدوات جديدة لطموحات أكبر في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة. ولكن هناك نوع آخر من الطاقة المتجددة موجودًا منذ فترة ويبدو أننا قد أغفلناه كثيرًا وهو الطاقة الحرارية الأرضية.
الجهود المصرية في ملف إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية
بشكل عام، لا تمتلك مصر طاقة حرارية أرضية في الوقت الحالي (بشكل ملموس)، ولكن هذا ليس بالوضع المفاجئ، وذلك لأن اعتماد التكنولوجيا كان بطيئًا ومحدودًا في جميع دول العالم. وبالرغم من أن تقنية التقاط الحرارة الأرضية لتوليد الطاقة موجودة منذ أكثر من قرن، ولكن هناك حوالي 27 دولة فقط تستخدم حاليًا الطاقة الحرارية الأرضية. حيث تُعد آيسلندا نموذجًا لمصدر الطاقة المتجددة، حيث تستخدمه لتوليد نحو ربع احتياجاتها من الكهرباء وحوالي 92% من متطلبات التدفئة الخاصة بها.
لا تزال قدرات الطاقة الحرارية الأرضية في مصر في المراحل الأولى من التطوير، ولكن هناك مناطق واعدة ذات إمكانات كبيرة لإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية.
وعليه، يمكن تصنيف غالبية موارد الطاقة الحرارية الأرضية في مصر على أنها ذات إمكانيات متوسطة إلى منخفضة (استنادًا على حقائق ودراسات علمية) إن الأصول ذات درجات الحرارة المرتفعة اللازمة للإنتاج على نطاق صناعي قليلة ومتباعدة، بينما تُمثل الموارد المنخفضة الدرجة الجزء الأكبر من أصول السويس والصحراء الغربية ولا يمكن استغلالها لتوليد الطاقة بشكل كبير (محدودة). حيث يقدر إجمالي إمكانات الطاقة الحرارية الجوفية في نطاق حوالي 95-221 مليون كيلووات ساعة، وذلك بالمقارنة، فإن حوالي 166 مليار كيلووات ساعة من الكهرباء المولدة لدينا تُنتج حاليًا من خلال مصادر الوقود الأحفوري.
ولكن هناك مواقع عديدة واعدة، ومن ضمنها منطقة الينابيع الحرارية في حمام فرعون في خليج السويس والتي تُعد من أفضل المواقع والتي تقع في نطاق مناسب لتركيب محطة لتوليد الطاقة الجوفية في مصر، وذلك وفقًا للإمكانيات العالية التي تتمتع بها المنطقة، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات درجة حرارة الأرض. حيث تقع المنطقة على بعد حوالي 45 كم خارج السويس، والتي من الممكن أن تستوعب حوالي 15 ميجاوات من الطاقة الحرارية (وفقًا لدراسات عديدة في هذا المجال). هنا تجب الإشارة إلى أن أصغر محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق صناعي تميل إلى إنتاج حوالي 9 ميجاوات، بينما تنتج محطة بنبان الشمسية العملاقة لدينا حوالي 1.5 جيجاوات (نطاق سنوي).
وأمام ما تقدم، اتخذت مصر مؤخرًا العديد من الخطوات الجادة، والتي تهدف إلى استغلال موارد مصر الطبيعية والتي تُساهم بشكل كبير في إمكانية إنتاج الطاقة الحرارية ضمن خطوات تهدف إلى الوصول لمعادلة طاقة متزنة، ومن ضمن تلك الخطوات:
- مبادرة تأهيل كوادر في مجال إنتاج الطاقة الحرارية:
حيث تتطلع المبادرات المتعددة الأطراف إلى بناء الخبرة اللازمة لإنطلاق هذا القطاع الاستراتيجي في مصر، حيث يهدف مشروع بناء قدرات الطاقة الحرارية الجوفية في مصر، الذي جرى إطلاقه العام الماضي 2023، إلى تقديم أول دبلومة محلية للخريجين في هندسة الطاقة الحرارية الأرضية (مهندسين متخصصين من قطاع البترول والثروة المعدنية)، بالإضافة إلى الاستعداد لإطلاق أول محطة تجريبية تعليمية، ومختبرات الطاقة الحرارية الأرضية في الجامعات المصرية، وإنشاء جمعية وطنية للطاقة الحرارية الجوفية.
- توقيع مذكرة تفاهم بين جنوب الوادي وشلمبرجير لاستغلال الطاقة الحرارية:
في فبراير الماضي، شهد المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، توقيع مذكرة تفاهم لإجراء دراسة عن استغلال الطاقة الحرارية الأرضية لتوليد الطاقة الكهربائية وذلك بين شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول وشركة شلمبرجير العالمية. حيث اتفق الطرفان على دراسة الجدوى التقنية والاقتصادية للتعاون فيما يتعلق بإنشاء محطات الطاقة الحرارية الأرضية وتقديم الخدمات ذات الصلة. في هذه الاتفاقية، يتفق الطرفان على استكشاف أفضل المواقع وجدوى استخدام الطاقة الحرارية الأرضية لتوليد الطاقة في مصر.
توقعات وانعكاسات إيجابية على الاقتصاد المصري
تاريخيًا، لا تمتلك مصر طاقة حرارية أرضية بمفهوم تجاري أو اقتصادي، وتُعد حاليًا ضمن الدول التي تسعى إلى إنتاج واستغلالها، وذلك بسبب أن الطاقة الحرارية الأرضية تُقدم حلولًا عديدة للتغلب على أزمة الطاقة في العالم، بالإضافة إلى جاذبيتها الواضحة والتجارية كمصدر مهم لتوليد الكهرباء. حيث تحظى الطاقة الحرارية الأرضية باهتمام كبير ومتزايد، لما له من أهمية استراتيجية للدولة والانعكاسات المباشرة على الاقتصاد، وذلك لمجموعة من الاعتبارات الرئيسة، والتي من الممكن تلخيصها في النقاط التالية:
- تحقيق تنوع مصادر الطاقة للدولة، وهو الاتجاه الذي بدأ منذ عام 2014 في مصر، وذلك ضمن استراتيجية الدولة والتي تعتمد حاليًا على مزيج الطاقة، وذلك من خلال تنويع مصادر الطاقة ووجود معادلة متزنة من الطاقة لمصر لأول مرة.
- تُسهم مشروعات إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية في تعزيز الجهود المصرية نحو هدفها لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة في المنطقة، وذلك من خلال زيادة نفوذها الإقليمي والعالمي كنقطة عبور للطاقة المتجددة في العالم. بالإضافة إلى أنه سوف يمهد الطريق أمام مصر لتكون مركزًا مهمًا لمصادر الطاقة النظيفة.
- حماية الاقتصاد المصري من حالة التذبذب والتقلب في أسعار النفط العالمية، وذلك عن طريق سرعة استغلال وإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية إلى مزيج الطاقة المصري واستخدامه في الصناعات المختلفة.
- تمتلك محطات الطاقة الحرارية الأرضية بصمات فيزيائية صغيرة نسبيًا، وذلك مقارنة بتقنيات الطاقة المتجددة الأخرى، وأنها تتطلب مساحة أرض أقل نسبيًا لتوليد الطاقة، مما يسمح باستخدام أكثر كفاءة للأراضي.
- ستوفر مشروعات إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية في مصر الفرصة لبناء أساس معرفي هندسي، نظريًا وعمليًا، للاستخدام المستقبلي للطاقة الحرارية الأرضية بشكل موسع داخل الدولة.
- تُشكل الطاقة الحرارية الأرضية مصدرًا مهمًا للطاقة وبشكل مستدام، وذلك على عكس طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي تكون متقطعة بسبب اعتمادها على الظروف الجوية، ولكن يمكن لمحطات الطاقة الحرارية الأرضية أن تعمل بشكل مستمر ومستدام، حيث إنها توفر مصدرًا للكهرباء ثابتًا وموثوقًا. تُمثل الطاقة الحرارية الأرضية مصدرًا لطاقة منخفضة الكربون، حيث يتم استخلاص الحرارة من حرارة الأرض الطبيعية دون الحاجة إلى الاحتراق. وعليه فإن الطاقة الحرارية الأرضية لها انبعاثات أقل بشكل ملموس وذلك مقارنةً بالطاقة الأحفورية، مما يسُاهم في الحد من مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وبالتالي التخفيف من التغيرات المناخية.
- تُساهم صناعة وإنتاج الطاقة الحرارية في تعزيز النمو الاقتصادي، والعمل على خلق فرص عمل في الدولة المصرية، ومن الممكن أن تساعد على توفير أكثر من حوالي 500 ألف فرصة عمل مختلفة (اعتمادًا على عدد المحطات وفرص استغلال تلك الصناعة محليًا).
- توفر مشروعات إنتاج واستغلال الطاقة الحرارية الأرضية فوائد إضافية كبيرة للصناعات المحلية، وخفض تكاليف الطاقة للمستهلكين والشركات، وبالإضافة إلى فرص نمو التصنيع المحلي.
- محطات توليد الطاقة الحرارية الأرضية بشكل عام تتمتع باستهلاك منخفض نسبيًا للمياه وذلك مقارنةً بمحطات الطاقة التقليدية (خاصةً التي تعمل عن طريق مصادر الطاقة الأحفورية)، حيث تقوم محطات الطاقة الحرارية الأرضية بإعادة تدوير السائل الحراري الأرضي المستخدم في عملية توليد الطاقة، مما يقلل من الحاجة إلى موارد مائية إضافية.
مقترحات للتطوير
وفقًا لما سبق، قطعت الدولة المصرية بالفعل شوطًا كبيرًا في إنتاج الطاقة الحرارية وكيفة استغلالها، حيث قطعت العديد من الخطوات الجادة من خلال عدة محاور لتعزيز تنمية الطاقة الحرارية الأرضية وجذب الاستثمارات، والتي تهدف إلى توطين مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية، ولكن لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات العالمية والتي تقف أمام عمليات الإنتاج بشكل اقتصادي كبير وملموس. ومن هنا يمكن إيضاح بعض المقترحات التي من الممكن أن تسهم في تذليل تلك العقبات ومنها:
- ضرورة وضع إطار محدد لدور الطاقة الحرارية الأرضية في مزيج الطاقة في مصر وذلك في رؤية مصر 2035، إذا تم استغلال موارد الطاقة الحرارية الأرضية داخل الدولة وتطويرها بنجاح على نطاق أوسع، فإن لديها القدرة على المساهمة في إنتاج الكهرباء وإمكانية التصدير.
- هناك ضرورة ملحة إلى إطار تنظيمي شامل، وذلك من خلال وضع إطار تنظيمي لإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية، حيث إن غياب اللوائح التنظيمية وتحديد السياسات الداعمة (المصممة خصيصًا للطاقة الحرارية الأرضية) من الممكن أن يعيق فرص استغلالها.
- ضرورة الاهتمام بالبنية التحتية، وذلك لأن مشروعات إنتاج الطاقة الحرارية (من محطات وأجهزة ذات طبيعية فنية محددة) تتطلب تطوير وتعزيز البنية التحتية في الدولة، بما في ذلك خطوط النقل وربط محطات الطاقة الحرارية الأرضية بشبكات الكهرباء داخل الدولة.
- ضرورة تعزيز مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية، والعمل على بناء القدرات والبحث والتطوير والتعاون الدولي.
- وضعت الحكومة المصرية استراتيجية وطنية للطاقة المتجددة تهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة في مصر، ومع ذلك، لم يتم وضع أو إطار محدد للطاقة الحرارية الأرضية كأحد مصادر الطاقة المتجددة الرئيسية.
- ضرورة العمل على تقييم الموارد المتاحة، فيما يتعلق بإمكانية إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية وجمع البيانات الفنية وذلك بشكل سريع وشامل، لأن ذلك سيؤدي إلى إجراء تقييمات شاملة لموارد الطاقة الحرارية الأرضية، بالإضافة إلى توفير معلومات دقيقة عن إمكانات الطاقة الحرارية الأرضية داخل مصر وفرص استغلالها.
- العمل على ضرورة ربط البحث العلمي والتطوير بمجال صناعة وإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية، وذلك من خلال الاستفادة من التجارب الناجحة (الأفريقية والدولية). لأنه من الممكن أن يلعب التعاون الإقليمي والدولي دورًا مهمًا في دعم جهود مصر لتعزيز استغلال الطاقة الحرارية الأرضية.
- ضرورة نشر ثقافة وأهمية الطاقة الحرارية الأرضية، حيث إن لها استخدامات مختلفة ومتعددة، ومدى تنفيذها داخل الدولة محدود للغاية، وذلك بسبب عدم وجود مبادرات جادة لجذب المستثمرين إلى تطوير قطاع الطاقة الحرارية الأرضية. ولكن مع حدوث تطورات في تكنولوجيات الطاقة الحرارية الأرضية والبنية التحتية، قد تتوسع إمكانات التطبيقات المتنوعة للطاقة الحرارية الأرضية.
- من أجل الوصول إلى الاستفادة الكاملة من إمكانات مصر في ملف الطاقة الحرارية الأرضية، يجب ضرورة ضخ وجذب استثمارات ضخمة في أنشطة الاستكشاف وتطوير التكنولوجيا والبنية التحتية. حيث يشمل ذلك التوسع في إنشاء محطات الطاقة الحرارية الأرضية، مع ضرورة تنفيذ السياسات واللوائح الداعمة، وتطوير الخبرات والقدرات المحلية في مجال الطاقة الحرارية الأرضية.
مجمل القول، هناك توجه عالمي واضح نحو تعزيز استغلال وإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية، حيث برزت مؤخرًا الطاقة الحرارية الأرضية بوصفها مصدرًا نظيفًا وموثوقًا لتوليد الكهرباء والحرارة في جميع دول العالم، وذلك لأنها من الممكن أن تؤدي دورًا مهمًا في عمليات الانتقال نحو الطاقة المتجددة، جنبًا إلى جنب مع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى. حيث يوفر الوضع الحالي -الذي يتميز بتقلب شديد في أسعار النفط والغاز- فرصًا هائلة لنمو وتعزيز نسب مشاركة الطاقة الحرارية الأرضية في منظومة الطاقة، وذلك بهدف استمرار تطويرها بوصفها بديلًا استراتيجيًا لتوليد الكهرباء والتدفئة والتبريد في جميع أنحاء العالم.
وفي الأخير، مصر تقوم في الآونة الأخيرة بزيادة تعظيم الاستفادة من مواردها الطبيعية، والاهتمام بملف التنمية في جميع ما تملكه مصر من هبات طبيعية لم تستخدم، وظلت مشروعاتها حبيسة الأدراج فترات طويلة دون اهتمام أو تخطيط، لتتسابق الآن مع الزمن، لتعويض تلك الملفات مع ما تستحقه من اهتمام، حيث يهدف ذلك إلى تعزيز مكانة مرموقة يكون عليه وضع الاقتصاد بشكل قوي.