بعد سنوات من الصراع الخفى إلى حد ما بين إسرائيل وإيران، شنت طهران، لأول مرة، هجوما مباشرا على إسرائيل، ليلة السبت الماضي. تم إرسال أزيد من 300 من المسيرات والصواريخ من الأراضى الإيرانية ومن دول أخرى فى المنطقة موالية لطهران. قطعت الطائرات التى تم إطلاقها من إيران 1500 كلم واستغرقت عدة ساعات قبل الاقتراب من هدفها، مما منح وقتا للقبة الحديدية وباقى أنظمة الدفاع الجوى الإسرائيلية من تدميرها. وتشير تصريحات مسئولين إسرائيليين انه تم إسقاط 99% من الطائرات الايرانية، مما أثار العديد من الأسئلة حول الاستراتيجية الإيرانية ومآلات الأحداث بعد هذا الهجوم غير المسبوق.
خلال الأسبوعين الماضيين، زادت حدة التوترات بين البلدين، بعد استهداف القنصلية الإيرانية فى دمشق، مما أدى الى وفاة أحد كبار المسئولين فى الحرس الثورى الإيرانى وستة آخرين، فيما نسب الهجوم الى إسرائيل. ردا على ذلك، وعد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله على خامنئي، بـ معاقبة إسرائيل، وقد كان.
من ناحية، أعلنت إيران ان الهجوم كان محدودا وأنها لم تستهدف تجمعات إنسانية ولا مواقع اقتصادية، فقط استهدفت بنجاح مواقع عسكرية، وان أهم قاعدة جوية فى النقب فى جنوب اسرائيل تعرضت لأضرار جسيمة بعدما أصابتها صواريخ إيرانية. اما إسرائيل فأكدت انها استطاعت إسقاط المسيرات قبل ان تصل إلى أهدافها ولم تسجل أى خسائر نتيجة هذا الهجوم.
بغض النظر عن مدى صحة هذه الرواية او تلك، يبدو ان الهجوم الإيرانى حقق احد أهدافه وهو إعلان ان إيران لم تعد تتردد فى ضرب إسرائيل مباشرة، وأنها ربما ستغير من سياستها، مستقبلا، التى تعتمد على الاختباء وراء حلفائها وميليشياتها فى المنطقة. فى المقابل، اسقط هذا الهجوم، مرة أخري، ورقة التوت عن قوة إسرائيل العسكرية الخارقة، وأثبت إن إسرائيل بدون دعم حلفائها غير قادرة على الدفاع عن نفسها. أيضا، أظهر هذا الهجوم للإسرائيليين أنفسهم ان بلادهم لم تعد فى مأمن وان الخوف الذى اختبروه يوم 7 أكتوبر الماضى لايزال مستمرا ومتناميا.
طهران بالتأكيد لا ترغب فى إشعال حرب إقليمية فى المنطقة. لهذا السبب أبلغت واشنطن بالهجوم التى اعتبرت انه سيكون منحصرا فى الرد على العدوان الإسرائيلى على القنصلية الإيرانية فى دمشق، ويتناسب معه. وفى رسالة على موقع(X) اعتبر مندوب ايران لدى الأمم المتحدة ان العملية العسكرية تم تنفيذها بناء على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع عن النفس، وأضاف أنه يمكن اعتبار القضية مغلقة. واعتبر مسئولون ايرانيون انه ليس لدى طهران أى نية لمواصلة هذه العملية، ولكن إذا اتخذ النظام الإسرائيلى اى إجراء ضد ايران، سواء على أراضيها، أو اذا تم استهداف مصالحها فى سوريا أو فى أى مكان آخر، فستكون العملية التالية أكثر حدة.
من جهتها، لم تتخذ إسرائيل، لحدود كتابة هذا المقال، أى قرار بشأن حجم الانتقام والوقت المناسب للرد على الهجوم الإيراني. بعض الوزراء الإسرائيليين طالبوا برد قوى لإعادة الاعتبار للردع الاسرائيلي، فيما طالب عضوان من مجلس الحرب بهجوم فورى على ايران. اما نيتانياهو فيبدو، لحدود الآن، خاضعا لإرادة بايدن الذى طالب بالتفكير مرتين قبل شن أى هجوم موسع ضد ايران. فيما دعت فرنسا وبريطانيا ودول اوروبية أخرى إسرائيل الى ضبط النفس والاعتدال فى ردة الفعل.
فى قراءة لتاريخ الصراع بين البلدين، يبدو من المستبعد ألا ترد تل أبيب على الهجوم الإيراني. من المنطقى ووفق المعطيات الراهنة ان يكون الرد الإسرائيلى وفق نفس المعايير التى اعتمدتها طهران وهى استخدام المسيرات الإسرائيلية التى تستطيع الوصول إلى العمق الإيراني. ويمكن استهداف مواقع عسكرية، بما فى ذلك المواقع التى أطلقت منها الصواريخ او مصانع طائرات مسيرة، مع تجنب استهداف المدنيين او استهداف مواقع اقتصادية، كما فعلت ايران.
اما اذا اختارت إسرائيل التصعيد والرد بقوة، فذلك يعنى اندلاع حرب إقليمية ستكون عواقبها وخيمة. لا أعتقد ان إسرائيل وحلفاءها مستعدون لهذا النوع من الحروب بسبب تكلفتها الاقتصادية والعسكرية والإنسانية العالية. أيضا، ليس من مصلحة إسرائيل فتح جبهة مباشرة جديدة مع إيران فى وقت لم تنته حربها على غزة، وفى وقت يواجه المسئولون الإسرائيليون انتقادات شديدة ومتزايدة بسبب الكارثة الإنسانية المستمرة فى القطاع.
فى جميع الحالات، ستبذل إسرائيل قصارى جهدها للاستفادة من الهجمة الإيرانية وكسب المزيد من التعاطف والتأييد والدعم لصالحها وبما يخدم أجندتها فى المنطقة.