دولة فلسطين هي دولة غير عضو لها صفة المراقب بالأمم المتحدة، وقد حصلت على هذا الوضع بعد قرار اعتمدته الجمعية العامة بأغلبية كبيرة في 29 نوفمبر 2012 بتأييد 138 دولة ومعارضة 9 وامتناع 41 عن التصويت.
أرسلت الدولة الفلسطينية 2 أبريل 2024 إلى الأمين العام للأمم المتحدة رسالة تطلب فيها تجديد النظر في طلبها للانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة، وهو طلب كانت قد قدمته عام 2011. وبعد استلام الطلب، أحاله الأمين العام إلى مجلس الأمن، الذي تناول هذه المسألة في أبريل في جلسة مفتوحة، ويوم 19 أبريل اجتمع مجلس الأمن الدولي للتصويت على مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول دولة فلسطين عضوًا في المنظمة.
وقد صوت لصالح القرار 12 عضوًا من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، وعارضته الولايات المتحدة، وامتنع عن التصويت المملكة المتحدة وسويسرا.
وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو كونها من الدول الخمس دائمة العضوية بالمجلس، وهو الأمر الذي حال دون اعتماد مشروع القرار رغم تصويت غالبية أعضاء المجلس لصالحه. ومن الجدير بالذكر أن هذه هي المرة الخامسة الذي تستخدم فيها الولايات المتحدة حق الفيتو ضد أي قرار لصالح الدولة الفلسطينية منذ اندلاع “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023.
وبعد استخدام الفيتو الأمريكي ضد مشروع القرار الجزائري، قال روبرت وود، نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، إنه لم يكن هناك إجماع بين أعضاء لجنة قبول الأعضاء الجدد حول ما إذا كان مقدم الطلب يستوفي معايير العضوية، على النحو المنصوص عليه في المادة الرابعة من مـيثاق الأمم المتحدة. وهو ما يخالف الحقيقة ويعصف بقرارات الشرعية الدولية في أي مسألة تتعلق بالقضية الفلسطينية.
وبالعودة إلى الميثاق يتضح أنه تضمن في المادة الرابعة أن العضوية في الأمم المتحدة مباحة لجميع الدول المحبة للسلام والتي تأخذ بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق. وهي أن تكون الدولة مستوفية العناصر التعارف عليها في القانون الدولي وتتكون من (شعب – إقليم – سلطة سياسية) ومعترف بها في المجتمع الدولي. والاعتراف هنا ليس المقصود به أن تكون الدولة معترفًا بها من جميع أعضاء الأمم المتحدة، وكذلك أن تكون الدولة قادرة على تنفيذ ما تعهدت به من التزامات في ذلك.
ولا بد من مرور طلب الدولة التي تريد الانضمام بمرحلتين إجرائيتين هما:
– توصية من مجلس الأمن بقبول تلك الدولة. ولصدور تلك التوصية لا بد من موافقة تسعة أعضاء، من بينهم الدول الخمس الكبرى مجتمعة، فإذا اعترضت واحدة من الدول الخمس الكبرى فإن اعتراضها يحول دون صدور توصية إيجابية بقبول الدولة في عضوية المنظمة حتى لو وافق باقي أعضاء المجلس. ويُلاحظ أن ذلك الاختصاص لم يكن موجودًا في عصبة الأمم التي منح ميثاقها شروط قبول الدول للجمعية العامة فقط دون توصية مجلس الأمن.
– أما المرحلة الثانية فتتمثل في صدور قرار من الجمعية العامة بقبول الدولة، ويعتبر قبول الأعضاء الجدد من المسائل الهامة التي تتطلب موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت على طلب الانضمام.
ومما سبق يتضح أن الشروط الموضوعية لاكتساب العضوية في الأمم المتحدة تنطبق على دولة فلسطين بموجب ميثاق الأمم المتحدة، التي تعتبر عضوية الأمم المتحدة مفتوحة أمام جميع الدول المحبة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في ميثاقها، والتي ترى المنظمة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، فالدولة الفلسطينية دولة معترف بها دوليًا، فوفقًا للسلطة الفلسطينية فإنّ 137 من الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة البالغ عددها 193 دولة اعترفت حتى اليوم بدولة فلسطين، وهي دولة محبه للسلام، وملتزمة بالمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، ولديها القدرة على تنفيذ التزاماتها. وكذلك فإن حصول دولة فلسطين على صفة مراقب خطوة لتعزيز العضوية الكاملة، واستقرار دولي على حق فلسطين في الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
وعقب رفض الولايات المتحدة طلب عضوية فلسطين ندد المجتمع الدولي بذلك، حيث عبرت الدولة المصرية عن أسفها لعجز مجلس الأمن عن إصدار قرار يُمكن دولة فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وأكدت في بيان صدر عن وزارة الخارجية أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإقرار عضويتها الكاملة بالأمم المتحدة هو حق أصيل للشعب الفلسطيني الذي عانى من الاحتلال الإسرائيلي على مدار أكثر من 70 عامًا، وخطوة هامة على مسار تنفيذ أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية المُتعارَف عليها لإرساء حل الدولتين، والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
وكذلك عبر مندوب الجزائر عن أن قبول فلسطين في الأمم المتحدة من شأنه أن يعزز ولا يقوض حل الدولتين، الذي تواصل سلطات الاحتلال الوقوف ضده علنًا، وسيشكل رفضًا لمحاولتها محو الشعب الفلسطيني وتدمير الدولة الفلسطينية وكل آفاق السلام، وأن دولة فلسطين تستحق مكانها المستحق بين أعضاء الأمم المتحدة.
وذهب مندوب روسيا إلى أن واشنطن نفسها ستخرج نهائيًا من قائمة الدول المحبة للسلام والمحترمة له، بعد أن تقاسمت المسئولية الكاملة مع حلفائها الإسرائيليين عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين. حيث يمكن لدولة واحدة من الدول الكبرى أن تعرقل بإرادتها المنفردة صدور أي قرر باستخدام حق الفيتو، فرفض الولايات المتحدة طلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة لا يعني عدم تكرار المحاولات فيما بعد والتي يمكن أن تعزز قوة الطلب، وهو ما أكدته دولة الجزائر بأن التأييد الساحق في المجلس للطلب يبعث برسالة واضحة مفادها أن دولة فلسطين تستحق مكانها المستحق بين أعضاء الأمم المتحدة، ووعد بأن تعود بلاده إلى المجلس أقوى وبصوت أعلى بدعم من الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة، وأعرب عن أمله في أن أولئك الذين لم يتمكنوا من دعم قبول دولة فلسطين اليوم سيُضطرون لذلك في المرة القادمة.
ولا بد من حركة دبلوماسية دائبة داخل أروقة مجلس الأمن لمحاولات التوفيق بين الدول الكبرى لإصدار قرار العضوية، فتعثر العضوية قضية واجهت الكثير من الدول سلكت خلالها الدول الطرق المختلفة للوصول إلى العضوية في الأمم المتحدة.
الاتحاد من أجل السلام
هناك بدائل قانونية منها القرار رقم 377، وهو الاتحاد من أجل السلام، ويُستخدم في حالة شلل وعجز مجلس الأمن عن أداء مهامه نتيجة تعسف عضو دائم بمجلس الأمن واستخدام حق الفيتو، فبموجب هذا القرار تحال القضية محل الخلاف التي عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار إيجابي فيها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ليتم التصويت عليها في مجلسها، واتخاذ قرار نافذ بشأنها باعتبار أن الجمعية العامة برلمان دولي يمثل إرادة كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
والولايات المتحدة لا تستطيع إنكار ذلك الحق على الجانب الفلسطيني، فهي نفسها طلبت إدراج مشروع ذلك القرار في الدورة الخامسة للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1950، وكذلك لجأت إليها لحسم العديد من القضايا الدولية لتجاوز فيتو مجلس الأمن تارة، ولترحيل القضايا الخلافية من مجلس الأمن تارة أخرى لعدم التباحث فيها داخل مجلس الأمن لضمان صدور قرارات تتماشى مع توجهات سياستها الخارجية بتكوين تحالفات في التصويت بعيدًا عن فيتو مجلس الأمن. واللجوء للجمعية العامة على اعتبار أن تعطيل قبول عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة يهدد السلم والأمن في الشرق الأوسط مما ينعكس بالسلب على السلم والأمن الدوليين.
وهناك نماذج عديدة لاستخدام قرار الاتحاد من أجل السلام، منها أربع مرات جميعها متعلقة بالاحتلال الإسرائيلي، فقد استخدم في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص تشييد الجدار العازل في فلسطين سنة 2003، واستُخدم في إدانة الموقف الأمريكي تجاه القدس 2017 نتيجة فشل مجلس الأمن في إصدار قرار يدين الموقف الأمريكي تجاه القدس بسبب الفيتو الأمريكي، فتم التوجه للجمعية العامة وإصدار قرار يستند لقرار الاتحاد من أجل السلام، وصوتت الجمعية العامة لصالح القرار الذي يطالب الجميع بعدم تغيير طابع مدينة القدس الشرقية أو مركزها أو تركيبها الجغرافي.
وختامًا، فإن إعاقة قبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة يسهم في تكريس تعنت الاحتلال الإسرائيلي واستمرار انتهاكاته لقواعد القانون الدولي دون رادع، ولن يُقرب من السلام المنشود، رغم تأكيد الولايات المتحدة سعيها وبذلها الكثير من المساعي والجهود لتخفيف حدة الصراع في غزة، إلا أنها من الناحية الفعلية قامت بعكس ذلك، فمنذ إعلان إسرائيل حربها على غزة سخرت الولايات المتحدة كافة الوسائل لتقديم المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل، بالإضافة إلى دعم الموقف الإسرائيلي في كافة المحافل الدولية والإقليمية واستخدامها حق الفيتو خمس مرات في وجه أي قرار يدعم الدولة الفلسطينية ويحول دون وقوع المزيد من الضحايا الفلسطينيين منذ اندلاع “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023 حتى الأن، فهذه السلطة المتمثلة في هيمنة الولايات المتحدة بحق الفيتو على مجلس الأمن تؤدي إلى الإخلال بمبدأ المساواة بين الدول، والتعسف في استخدامها يضر بأحوال السلم والأمن في العالم، ويساعد على ازدواجية المعاملات في العلاقات الدولية، وهو ما يحدث الآن متمثلًا في عدم صدور أي قرار ضد إسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني، وهو ما يؤدي إلى إصابة مجلس الأمن بالشلل والعجز التام عن القيام بوظائفه، وذلك سوف يؤدي إلى انصراف الدول إلى تكوين أحلاف، أو الالتجاء إلى الجمعية العامة لإصدار قرارات كان من المفروض أنها من اختصاص مجلس الأمن، كقرار الاتحاد من أجل السلام.