ساهم الهجوم الذي وقع على قاعة “كروكوس سيتي هول” للحفلات الموسيقية بموسكو في الثاني والعشرين من مارس 2024، والذي أودى بحياة أكثر من 140 شخصًا، وأعلن تنظيم “داعش- خرسان” مسئوليته عنه، في تنامي المخاوف الفرنسية بشأن احتمالية التعرض لهجمات إرهابية مماثلة، وخاصة أنه يشبه الهجوم الذي تعرض له مسرح “باتاكلان” في نوفمبر 2015 والذي أسفر عن حوالي 90 قتيلًا. ومن المعروف أن الألعاب الأولمبية تعد هدفًا مهمًا للتنظيمات الإرهابية ولحركات الاحتجاج نظرًا للصدى العالمي لأي عملية أو تحرك يصيبان الألعاب أو المدينة المنظمة لها.
من المعروف أن باريس تستعد لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، لأول مرة منذ عام 1924، التي من المُقرر أن تُعقد خلال الفترة ما بين السادس والعشرين من يوليو 2024، وحتى الحادي عشر من أغسطس من العام نفسه، ويريد الفرنسيون أن يكون الافتتاح حدثًا استثنائيًا غير مُسبوق؛ يقام على نهر السين مُتضمنًا عرضًا بحريًا سيشارك فيه الفرق الأولمبية الـ 206 على متن ما يقرب من 90 قارب على طريق يبلغ طوله 6 كيلومترات (3.7 ميل)، وفقًا لما أوضحه وزير الداخلية في الخامس من مارس 2024 أمام البعثة الإعلامية بمجلس الشيوخ بشأن مراقبة تأمين الألعاب الأولمبية.
وقد تزامن هجوم موسكو مع الإجراءات الأمنية المتتالية التي تتخذها السلطات الفرنسية، لتعزيز قدراتها واستجاباتها للمخاطر القائمة والمُحتملة، كما دفع الحكومة للجوء إلى رفع مستوى التهديد الأمني إلى أعلى مستوى بعد نحو يومين، وهي المرة الأولى خلال هذ العام بعد خفضه إلى المستوى الثاني في يناير 2024، فقد تم رفعه على خلفية عملية طعن مدرس في منطقة “أراس”، التي وقعت في أكتوبر 2023.
استجابة عاجلة:
بالرغم من أن الهجوم الذي تعرضت له موسكو لم يكن الحافز الأول للمخاوف الأمنية الفرنسية، إلا أن سياقه وتوقيته فرض المزيد من التحديات الأمنية على السلطات الفرنسية، لذلك حاولت السلطات احتواء الوضع الراهن من خلال بعض الإجراءات التكميلية على النحو التالي:
- إجراءات احترازية: كنتيجة للهجوم، أعلن رئيس الوزراء “جابريال أتال” عن رفع حالة التأهب الأمني إلى المستوى الثالث والذي يُعرف باسم “Vigipirate” ويُفعّل مع وقوع هجوم داخلي أو خارجي أو عندما يعد التهديد وشيكًا، ويتم بموجبه تكثيف الوجود الأمني للقوات في كافة أنحاء البلاد وأمام مؤسسات الدولة، والبنية التحتية الحيوية، والمدارس، والأماكن التي تكون أهدافًا مُحتملة يمكن استهدافها، وذلك بعد اجتماع مجلس الدفاع برئاسة الرئيس “إيمانويل ماكرون” بقصر الإليزيه في الرابع والعشرين من مارس 2024.
بجانب تخصيص نحو 4 آلاف عسكري إضافي “في حالة تأهب” علاوة على نشر نحو 3 آلاف جندي كجزء من عملية مكافحة الإرهاب “Sentinelle” التي بدأت في يناير عام 2015، لضمان تأمين الفرنسيين. وخاصة أن السلطات قامت بإحباط مؤامرتين من قبل متطرفين مشتبه بهم خلال عام 2024، بحسب تصريح السيد “أتال” للصحفيين في الخامس والعشرين من مارس، مُوضحًا أن “التهديد الإرهابي حقيقي وقوي”.
- توضيح الموقف: سعى وزير الداخلية “جيرالد دارمانين” إلى تقييم واحتواء المخاوف التي أحياها الهجوم؛ حيث التقى بأجهزة المخابرات للوقوف على أبعاد الوضع الراهن، وللتأكيد على قدرة وفاعلية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على إحباط المؤامرات التي تتعرض لها البلاد، ووعد بأن “الشرطة الفرنسية وأجهزة المخابرات ستكون جاهزة للعملية الأمنية غير العادية، وقال: إنه على الرغم من أن الألعاب كانت هدفًا مستقبليًا واضحًا للهجمات، فقد تم تخصيص جهود وموارد ضخمة للعمليات الأمنية والاستخباراتية واسعة النطاق”.
كما صرح للصحافيين أن سبب تعرض فرنسا لتهديد يرجع إلى دفاعها عن القيم العالمية وتأييدها للعلمانية، قائلًا: “فرنسا، لأننا ندافع عن القيم العالمية ونؤيد العلمانية.. تتعرض للتهديد بشكل خاص، لا سيما خلال الأحداث الاستثنائية مثل الألعاب الأولمبية”، وفقًا لما نشرته لـ “جارديان“.
- تعزيزات خارجية: في سياق الجهود التي تبذلها السلطات الأمنية لضمان سلامة وتأمين الحدث من المقرر أن تستعين فرنسا بتعزيزات خارجية من عدة دول مثل: بولندا التي أعلنت في الثامن والعشرين من مارس 2024، أنها سترسل فرقة عمل من جنودها بما في ذلك مدربو الكلاب البوليسية، وستكون مهمتها الرئيسية مكافحة الإرهاب والكشف عن المتفجرات، هذا بجانب ألمانيا التي من المُقرر أيضًا أن ترسل بعضًا من أفراد الشرطة.
وبالنظر إلى هذه الخطوة فإنها ذات أهمية من حيث التوقيت رغم أنه نهج مُعتاد تقوم به الدول المستضيفة للفعاليات الرياضية الكبرى، فعلى سبيل المثال، أرسل الحلفاء الأوروبيون حوالي 160 ضابطًا شرطيًا لتأمين كأس العالم للرجبي الذي انعقد في سبتمبر 2023 بفرنسا، وفقًا لمسئول في وزارة الداخلية الفرنسية.
فيما أرسلت باريس نحو 200 فردًا من قوات الدرك للمشاركة في كأس العالم لكرة القدم الذي انعقد في قطر عام 2022، كما سبق وأن تقدمت فرنسا في بداية هذا العام بطلب لما يقرب من 45 دولة للمساعدة في كافة المهام الشرطية والعسكرية، ومتخصصين في تزوير الوثائق، وإزالة الألغام، ومكافحة الطائرات بدون طيار، وفرق خاصة للكلاب، وذلك بحسب الحكومة الفرنسية ومصدر بوزارة الداخلية.
- خطط احتياطية: أعلن الرئيس “ماكرون” خلال حديثه مع وسائل إعلام الفرنسية: BFM-TV وRMC، في الخامس عشر من أبريل أي قبل نحو 100 يوم من انطلاق الفعاليات عن أنه سيتم حشد قوات إنفاذ القانون بشكل استثنائي لتأمين الحدث، مُوضحًا احتمالية اللجوء إلى خطط بديلة احتياطية بالاعتماد على تقييم السياق؛ إذ من الممكن تقليل مسار الاحتفال، أو إقامة الحفل من ستاد فرنسا، أو في محيط برج إيفل وفقًا لما سيقرره المنظمون. وبالرغم من ذلك لا تزال ترتيبات حفل الافتتاح كما هي قائلًا: “إنه الأول من نوعه في العالم. “يمكننا أن نفعل ذلك وسنفعله”.
ويأتي ذلك في إطار التدابير المُقرر اتخاذها؛ إذ سيتم نشر حوالي 45 ألف فرد من الشرطة والدرك الفرنسي، مع احتمالية جمع نحو 18 ألف جندي، كما سيوجد ما يقرب من 18 ألف إلى 22 ألف حارس أمن خاص على أرض الملعب، بالإضافة إلى استبعاد نحو 715 شخصًا في إطار عمليات الفحص المستمرة لملفات المتطوعين أو الموظفين أو مقدمي الخدمات خلال الحدث؛ حيث كشفت وزارة الداخلية أن “عمليات الاستبعاد لا تعني أنهم يخططون بالضرورة لاتخاذ إجراءات، لكننا لا نتحمل أي مخاطر”. كما تم خفض عدد المتفرجين إلى نحو 326 ألف متفرج بدلًا من 600 ألف متفرج.
مخاوف مُحفزة
تخشى السلطات الأمنية الفرنسية من أن تتعرض البلاد خلال الفعاليات الرياضية المُقبلة لهجمات إرهابية قد يقوم بها ما يُعرف باسم “الذئاب المُنفردة”، أو من خلال طائرات بدون طيار، أو تتعرض لاعتداءات سيبرانية، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب منها:
- استهداف مُتكرر: يتمثل السبب الرئيسي في تخوف السلطات من أن تتعرض البلاد لهجمات مماثلة لما حدث في نوفمبر 2015، أو عملية دهس للمارة على غرار ما حادث “نيس” في يوليو 2016، أو احتمالية حدوث اعتداءات بالسكين مثل عملية طعن مدرس بمدينة “أراس” في أكتوبر 2023، فضلًا عن تعرضها لمحاولات إرهابية أخرى تم التصدي لها وفقًا لما صرح به رئيس الوزراء قائلًا: إنه تم إحباط 45 مؤامرة إرهابية في فرنسا خلال الفترة من 2017 وحتى الآن منهم حادثان خلال عام 2024.
واتصالًا بذلك تخشى فرنسا أيضًا احتمالية التعرض لهجمات سيبرانية خلال الفعاليات؛ إذ قالت “فنسنت ستروبيل” المدير العام لوكالة الأمن السيبراني الفرنسية، في السادس والعشرين من مارس 2024، إنهم يستعدون لجميع الاحتمالات، بما في ذلك “الهجمات من الدول التي تريد تعطيل الألعاب لأنها غير سعيدة لسبب أو لآخر، والتي قد تحاول تعطيل حفل الافتتاح أو التسبب في مشاكل في وسائل النقل العام”.
وبالفعل فقد سبق وأن تعرضت بعض المؤسسات التعليمية لهجمات إلكترونية في الثاني والعشرين من مارس 2024، عندما أعلنت وزارة التعليم بأن نحو 130 مدرسة ثانوية وكلية تم استهدافهما في الشهر نفسه عبر تلقيهم رسائل تُهدد بشن هجوم بالقنابل، مع شريط فيديو لقطع الرءوس.
- اختراق روسي: ينصرف السبب الآخر إلى احتمالية استهداف الفعاليات من قبل روسيا، وهو ما أشار إليه الرئيس “ماكرون” في الرابع من أبريل الجاري في إطار رده على أحد الصحافيين حول اعتقاده بأن روسيا ستحاول استهداف الحدث قائلًا: “ليس لدي أي شك على الإطلاق، بما في ذلك فيما يتعلق بالمعلومات”. إذ سبق أن تعرضت الأولمبياد التي عُقدت في كوريا الجنوبية في عام 2018 إلى هجوم إلكتروني نتج عنه تعطيل أنظمة البث، وإغلاق الموقع الإلكتروني للأولمبياد، أما في فعاليات ريو دي جانيرو عام 2016 فقد تم تسريب معلومات عن الوضع الصحي للرياضيين، كان يشتبه في أن موسكو كانت وراء كليهما، وفقًا لما أوردته واشنطن بوست.
والجدير بالذكر أن اللجنة الأولمبية الدولية قد قررت في التاسع عشر من مارس 2024، السماح للرياضيين البيلاروس والروس –غير المؤيدين للحرب- المشاركة في الحدث كـ “محايدين” بمعنى عدم حضور حفل الافتتاح، كما سيكون لهم علمهم ونشيدهم الخاص، بجانب عدم الإشارة إلى الميداليات التي سيفوز بها الرياضيون الروس والبيلاروس في جدول الميداليات، وذلك بعد أن تم استبعاد روسيا وبيلاروسيا من المشاركة بسبب الحرب وذلك من قبل اللجنة في ديسمبر 2023.
- تهديد مُوجه: يُرجح أن تكون الدعوات الأخيرة التي أصدرها التنظيم لأتباعه لاستهداف الفعاليات الرياضية الكبرى والأكثر مشاهدة -بعد هجماته الأخيرة في روسيا ومن قبلها إيران- مصدر تهديد مُحتمل من الممكن أن ينصرف إلى دورة الألعاب الأولمبية؛ إذ حث أتباعه على مهاجمة الملاعب التي تُقام عليها مباريات ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا – أكبر مسابقة للأندية الأوروبية لكرة القدم- التي انطلقت في التاسع من أبريل 2024، عبر ذراعه الإعلامي مؤسسة “العزايم”، مُوجهًا إياهم بإعادة محاكاة الهجوم الذي تعرض له ستاد فرنسا في نوفمبر 2015، كما احتوى المنشور على صورة لـ “ستاد بارك دي برانس” الخاص بباريس سان جيرمان، وفقًا لـ Site Intelligence group .
وفي منشور آخر -أطلع عليه الموقع- دعا المقاتلون إلى استخدام المُسيرات لمهاجمة الملاعب إذا لم يتمكنوا من الوصول فعليًا إلى الموقع، كما كتب فيه “فإذا ضاقوا وظلموا في الأرض فاضربوهم من السماء”، واحتوى أيضًا على طائرة من طراز “كوادكوبتر” تحلق فوق ملعب سانتياجو برنابيو الخاص بنادي ريال مدريد. وذلك نقلًا عن وكالة رويترز. وردًا على ذلك قال وزير الداخلية إنه سيتم “تعزيز الإجراءات الأمنية بشكل كبير” حول مباراة دوري أبطال أوروبا بين باريس سان جيرمان وبرشلونة في باريس.
- تخوف مُحتمل: بالرغم من أن استجابة فرنسا تجاه الحرب في غزة جاءت في إطار الموقف التاريخي لباريس الداعم لإسرائيل في حق الدفاع عن نفسها، بما بتوافق مع القانون الدولي، بجانب التأكيد على أهمية حل الدولتين، واستئناف العملية السياسية بين الفلسطينيين، كما أن انخراطها في أزمات المنطقة مُرتكز بالأساس على أهمية تحقيق الاستقرار والأمن واحتواء الوضع الراهن، إلا أنه من المُحتمل أن تؤدي الاضطرابات المتلاحقة إلى زيادة المخاطر الأمنية، المتعلقة بمسألة ضمان وسلامة وأمن الوفود الرياضية المشاركة في الحدث مثل الوفد الإسرائيلي -الذي سيشارك تحت علم بلاده بالرغم من الحرب- أو وفود الدول الداعمة لإسرائيل، والتي من الممكن أن تكون أهدافًا مُحتملة لبعض التنظيمات.
وذلك ردًا على التصعيد المستمر على القطاع، على غرار ما حدث خلال دورة الألعاب الأولمبية التي عقدت في ميونيخ في أغسطس 1972 لأول مرة منذ عام 1936 من قبل جماعة “أيلول الأسود” الفلسطينية التي قامت باحتجاز عدد من الرياضيين الإسرائيليين كرهائن، مقابل التفاوض حول الإفراج عن أكثر من 200 معتقل فلسطيني في إسرائيل، وتحرير ألمانيين (أندرياس بادر، وأولريك ماينهوف من الجيش الأحمر)، وقد أسفر الهجوم عن مقتل نحو أحد عشر إسرائيليًا وشرطي ألماني.
وليس هذا هو الحادث الوحيد فقد شهدت دورة الألعاب الأولمبية التي عقدت في عاصمة ولاية جورجيا الأمريكية “أتلانتا” في عام 1996، تفجيرًا بواسطة قنبلة أنبوبية أسفر عن إصابة أكثر من مائة مُصاب ومقتل شخصين.
- تنامي الكراهية: وقد يكون هناك مخاوف محتملة لدى السلطات الأمنية نابعة من التحديات التي يواجهها المجتمع الفرنسي في ضوء سياسة الدولة المتعلقة بالحفاظ على القيم العلمانية للجمهورية بالتوازي مع عملية دمج الأجانب في المجتمع، وأيضًا محاولة الرئيس “ماكرون” القضاء على ما يعرف بـ “الانفصالية الإسلاموية” التي تستهدف قيم الجمهورية من خلال خلق مجتمعات أكثر انعزالية بديلة، عبر تبني مقاربة شاملة طرحها في خطابه الذي ألقاه بضواحي باريس في الثاني من أكتوبر 2020.
وقد جاء هذا التوجه مع تنامي الاعتداءات التي تواجهها البلاد، التي كانت أحد أسبابها فشل سياسات الدولة لدعم وتطوير الأحياء الفقيرة وحل قضايا البطالة والجريمة وتجارة المخدرات فيها، ومتابعة ما تحتاجه من خدمات اجتماعية، وثقافية، وتعليمية، وصحية، فضلًا عن تأثير الإرث الاستعماري الذي قد يكون أحد محفزات الكراهية. بحسب وزارة الداخلية الفرنسية فقد زادت الجرائم “ذات الطبيعة العنصرية” بنسبة 32% من عام 2022 إلى عام 2023. وتضاعفت في الربع الأخير من عام 2023 بعد الحرب وفقًا لـ “بوليتيكو“.
وهو ما يعني احتمالية وقوع جرائم مُشابهة خلال الفعاليات، وخاصة وأن أكبر جالية يهودية وأكبر جالية مسلمة على المستوى الأوروبي موجودة في البلاد، كما أن تبعات الحرب في غزة ساهمت في تعرض المزيد من المسلمين واليهود على مستوى العالم لخطر الإرهاب. وذلك بالتوازي مع ارتفاع مستوى التهديد الإرهابي وفقًا لـ ” نيكولا ليرنر” رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي، والذي قال إنه “مرتفع للغاية” في يوليو 2023، مُوضحًا -في مقابلة مع صحيفة لوموند- أن “التهديد الأساسي” يأتي من “الذئاب المنفردة”.
- توظيف سياسي: من المُرجح أن أحد دوافع التخوف الفرنسي يُكمن في حرص فرنسا على ضمان أمن وسلامة الفعاليات، رغبةً من الرئيس “ماكرون” في الاستفادة من “الهدنة الأولمبية” للتوصل إلى هدنة بشأن الصراعات في أوكرانيا، والسودان، وغزة، وهو ما صرح به خلال مقابلته مع بعض وسائل الإعلامية الفرنسية قائلًا: “إنها فرصة سأحاول فيها إشراك العديد من شركائنا. الرئيس الصيني سيأتي إلى باريس في غضون أسابيع قليلة، وسأطلب منه مساعدتي”. في المقابل أبدت روسيا عدم ترحيبها للدعوة؛ حيث ادعى المتحدث باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” أن هذه الدعوة ستكون بمثابة فرصة لأوكرانيا لإعادة تسليحها وتوحيد صفوفها.
والجدير بالذكر أن “الهدنة الأولمبية” تُعد تقليدًا إغريقيًا، تم إحياؤه منذ التسعينيات على أن تبدأ قبل الحدث بسبعة أيام وتنتهي في اليوم السابع من اختتامه، وعليه تقوم الدولة المُستضيفة كل عامين بصياغة قرار يحمل عنوان: “بناء عالم سلمي وأفضل من خلال الرياضة والمثل الأعلى الأولمبي”، ويتم التصويت عليه في الجمعية العامة.
واتصالًا بذلك؛ ستكون الهدنة الأولمبية لعام 2024، في الفترة من التاسع عشر من يوليو وحتى الخامس عشر من سبتمبر، وذلك بعد أن تم التصويت على قرار الهدنة الذي قدمه “توني استانجيه” رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد 2024 نيابةً عن الحكومة الفرنسية في نوفمبر 2023، وحصل على أغلبية بلغت نحو 118 مُؤيدًا مقابل امتناع روسيا وسوريا عن التصويت، مع عدم وجود أي أصوات معارضة.
وقد جاء الموقف الروسي نتيجة الاعتراض على قرار اللجنة الأولمبية بمنع الرياضيين الروس من المشاركة، والفصل على أساس الجنسية الذي اعتبره مندوب موسكو بأنه انتهاك لحقوق الإنسان. وقد سبق وأن انتهكت روسيا “الهدنة الأولمبية” بعد نحو أربعة أيام من اختتام الفعالية التي عقدت في الصين، وذلك على خلفية الحرب في أوكرانيا.
ملاحظات ختامية
تعكس التهديدات الإرهابية المتتالية التي تعرضت لها فرنسا خاصةً وأوروبا بصفة عامة سواء التي وقعت بالفعل أو تم إحباطها عددًا من الدلالات التي تتمثل في:
- لا تزال المجتمعات الأوروبية تواجه بعض التحديات الاجتماعية النابعة من عدم القدرة على إدارة عمليات دمج الأجانب ذي الاختلافات الثقافية، الأمر الذي أضحى إحدى الآليات التي يتم توظيفها من قبل بعض التنظيمات أو الجماعات السياسية ذي التوجهات المتشددة ضد الحكومات الأوروبية، الأمر الذي جعل مستوى التهديد في بعض الدول مرتفعًا برغم من الإجراءات الأمنية المُتخذة والرامية لتقليل حدة المخاطر.
- أوضحت هذه التهديدات أن فرنسا لم تعد هدفًا للتنظيمات الإرهابية في حد ذاتها، على خلفية مشاركتها في التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم “داعش”، بل أضحت كافة أوروبا أهدافًا مُحتملة للتنظيمات الإرهابية، بالرغم من التراجع النسبي لتأثير الإرهاب؛ إذ وقعت سبع وفيات إثر 24 حادثًا في عام 2023، مُقارنةً بـ 736 حالة وفاة من 362 حادثًا في ذروة النشاط الإرهابي في عام 2016، وفيما يتعلق بفرنسا فقد شهدت أكبر تحسن مُسجلة أقل عدد من الوفيات والحوادث منذ عام 2013، وبرغم من أن الوضع الأمني لا يزال هشًا، إلا أن البلاد لم تسجل عشرة وفيات أو أكثر بسبب الإرهاب في السنوات الخمس الماضية، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام.
- أما فيما يتعلق بتهديدات التنظيم المتتالية لاستهداف الملاعب الأوروبية خلال الفعاليات الرياضية الكبرى، والتي تحظى بأكبر نسب مشاهدة، فقد سبق بالفعل وأن استهدف تنظيم “داعش” مُشجعي كرة قدم سويديين في هجوم ببلجيكا أسفر عنه مقتل شخصين في عام 2023، لأول مرة منذ عدة سنوات، لذا من الممكن أن يقوم بذلك مستغلًا الأحداث الرياضية الراهنة التي تستضيفها بعض العواصم الأوروبية، وبرغم من ذلك لا يزال الأمر مُتوقفًا على بعض المحددات مثل: كيفية تنفيذ الهجمات، وتوقيتها، والهدف منها، وخاصة بعد هجوم موسكو وطهران.
- وأخيرًا: قد يكون الهدف الرئيسي لتنظيم “داعش” -الجماعة الإرهابية الأكثر دموية في عام 2023 وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي- أو الجماعات التابعة له لاستهداف أوروبا نابعًا أولًا من أيديولوجيته المناهضة للقوى الغربية، بجانب الرغبة في توسيع نفوذه واستعادة عالميته، بمعنى ألا تكون قاصرة على تجنيد أتباع جدد، أو تنامي الجماعات المبايعة له فحسب، بل تنامي حجم عملياته والتي تعد من أهم العوامل التي يوظفها لزيادة عدد الموالين له، في ضوء الزخم الذي حظيت به بعض وكلاء إيران في المنطقة، وعليه فإن احتمالية استهدافه للعواصم الأوروبية لا تزال واردة.