وضع المغرب على مدار الأعوام الماضية استراتيجيات صناعية تكاملية تستهدف النهوض بصناعة السيارات باعتباره قطاعًا استراتيجيًا من الممكن أن يقود التنمية الصناعية في البلاد، كما اتخذ عددًا من الخطوات لمعالجة المعوقات التي تواجه الاستثمارات الأجنبية، كمواجهة الفساد والبيروقراطية وتطوير قطاع البنية التحتية، مما جعلها وجهة للشركات الأوروبية والآسيوية العاملة بهذا القطاع.
وهكذا، بات المغرب يعتمد على صناعات السيارات لتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق عائدات تصديرية يُمكن استغلالها في عملية التنمية الاقتصادية، وخفض عجز الميزان التجاري مع خلق شراكات اقتصادية جديدة، وتوفير فرص عمل جديدة.
وفي هذا السياق، يستهدف المقال استعراض مظاهر الريادة الإقليمية للمغرب في صناعة السيارات، وتحليل أهم العوامل التي ساعدتها لبلوغ تلك المكانة، إلى جانب تناول الفرص والتحديات الماثلة أمام قطاع السيارات في المغرب.
ريادة إقليمية
استطاع المغرب أن يصبح رائدًا إقليميًا في صناعة السيارات بفضل النمو المتسارع لهذا القطاع مما مكنه من ترسيخ مكانته كأكبر منتج للسيارات في شمال أفريقيا، حيث يتكون نسيج قطاع صناعة السيارات الوطني مما يتجاوز 250 موردًا لأجزاء السيارات ومصنعين اثنين للسيارات هما شركتي “رينو”، و”ستيلانتس”، وفيما يلي أبرز مظاهر الريادة الإقليمية لقطاع السيارات المغربي:
1. قطاع تصديري واعد: أطاح قطاع السيارات بقطاع الفوسفات ليصبح أكبر صناعة تصديرية في البلاد، حيث بلغت الصادرات المرتبطة بهذا القطاع نحو 141.7 مليار درهم (13.9 مليار دولار) في نهاية عام 2023، ارتفاعًا من 111.2 مليار درهم (11 مليار دولار) في العام السابق، وهي زيادة تبلغ 27% على أساس سنوي. ويوجه المغرب أربعة أخماس صادراته من السيارات إلى سوق الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وهو ما يجعله مركزًا جذابًا وتنافسيًا يربط أفريقيا وأوروبا في سلسلة توريد السيارات.
واتصالًا بذلك، يحتل المغرب المرتبة الأولى على مستوى شمال أفريقيا، والمرتبة الثانية على مستوى القارة بأكملها، والمرتبة الثالثة في قائمة الدول العربية الأكثر بيعًا للسيارات حتى عام 2023. ويُبين الرسم الآتي مبيعات السيارات المغربية خلال السنوات الماضية:
الشكل 1- مبيعات السيارات في السوق المغربية (ألف سيارة)
Source- International Organization of Motor Vehicle Manufacturers.
وقد ساعدت الطاقة الإنتاجية والتجميعية البالغة 700 ألف سيارة، البلاد على الوصول لتلك المكانة التصديرية مع وجود خطط بأن تصل إلى إنتاج سنوي قدره مليون سيارة بحلول عام 2025، ورفع نسب توطين صناعة السيارات محليًا عبر توسيع الأنشطة الصناعية، ورفع مستوى سلاسل القيمة والتوريد، والتطوير التكنولوجي، وتنويع أسواق التصدير حيث يوجد في المغرب 10 منظومات صناعية مرتبطة بصناعة السيارات، تتعلق بالأسلاك الكهربائية والبطاريات والمقاعد وإطارات السيارات، في محاولة لتحقيق منظومة متكاملة لتصنيع سيارة مغربية بنسبة 100%.
2. نقطة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر: تُعد صناعة السيارات في المغرب من الوجهات المفضلة للاستثمار الأجنبي المباشر حيث استطاعت جذب العديد من شركات السيارات العالمية للعمل في الاقتصاد المغربي، فعلى سبيل المثال، تدير الشركة الأمريكية “لير”، أحد عشر موقع إنتاج في المغرب لتصنيع مقاعد السيارات والأنظمة الكهربائية، فيما قامت المجموعة الصينية ” CITIC Dicastal” ببناء مصنعها في المغرب باستثمار قدره 400 مليون دولار وبطاقة إنتاجية تبلغ 6 ملايين قطعة سنويًا، ومن ناحية أخرى، أعلنت “سوميتومو” اليابانية عن إنشاء 9 مصانع جديدة حتى 2028، باستثمار إجمالي يبلغ 190 مليون دولار لإنتاج الأجهزة الإلكترونية للسيارات.
في حين، تمتلك “رينو” مصنعين في المملكة؛ الأول يقع في طنجة شمال البلاد حيث تمّ إنتاج 287 ألف سيارة ليكون بذلك أكبر مصنع سيارات في القارة الأفريقية. إضافةً إلى مصنع “صوماكا” في الدار البيضاء الذي أنتج 94 ألف سيارة، مع مستهدفات لرفع القدرة الإنتاجية إلى نصف مليون سيارة سنويًا بحلول عام 2025.
إلى جانب ذلك، افتتحت “ستيلانتيس” مصنعها بالمغرب في يونيو 2019، ويُشغّل حاليًا أكثر من 3 آلاف شخص، لتعلن في نوفمبر 2022 عن استثمار بقيمة 300 مليون دولار في منشآتها التصنيعية لمضاعفة الطاقة الإنتاجية إلى 400 ألف وحدة للتصدير إلى سوق الشرق الأوسط وأفريقيا. وهكذا، وضع المغرب نفسه كمركز إنتاج بارز في القارة الأفريقية. وخلال عام 2023، احتلت العلامة التجارية “داسيا” المركز الأول من حيث مبيعات السيارات الجديدة في المغرب تليها “رينو”، و”هيونداي”، و”بيجو”، و”فولكس فاجن”، و” سيتروين”، و”تويوتا”، و”كيا”.
3. توطين صناعة السيارات: يحاول المغرب أن يكون موطنًا لصناعة السيارات مع الاتجاه بالتصنيع نحو المكونات المعقدة ذات القيمة المضافة المرتفعة، حيث تتطلع البلاد إلى أن تكون نسبة المكوّن المحلي بصناعة السيارات في المغرب 80% بحلول عام 2030 مقارنة بنحو 69% المسجلة في عام 2024. وقد تمكن المغرب من إنتاج أول سيارة محلية الصنع في مايو 2023، تحت اسم “نيو موتورز” ويتراوح سعرها ما بين 170 ألف درهم (16.83 ألف دولار)، و190 ألف درهم (18.81 ألف دولار)، إلى جانب الكشف عن نموذج أولي لمركبة تعمل بالهيدروجين، وذلك في إطار تعزيز علامة “صنع في المغرب”، وتكريس مكانة المملكة كاقتصاد تنافسي لصناعة السيارات. كما حدثت شركة “نيو موتورز” وحدة صناعية بعين عودة -جنوب الرباط- لتصنيع سيارات موجهة للسوق المحلية والتصدير للخارج، مع توقعات بأن تبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية 27 ألف وحدة، باستثمارات تبلغ 156 مليون درهم (15.45 مليون دولار)، وتوفير 580 فرصة عمل.
4. مواكبة المستقبل: يواكب المغرب مستقبل صناعة السيارات العالمية مع مساعيه ليصبح لاعبًا بارزًا في صناعة السيارات الكهربائية وذاتية القيادة؛ إذ تمتلك البلاد قدرة إنتاجية تبلغ 40 ألف سيارة كهربائية سنويًا. وتهدف إلى زيادتها إلى 100 ألف بحلول عام 2025 مع وصول نسبة السيارات الكهربائية المصنوعة محليًا ما يصل إلى 60% من إجمالي السيارات المصدرة بحلول عام 2030، فيما تبلغ مبيعات السيارات الكهربائية في المغرب نحو 1164 سيارة كهربائية خلال عام 2023 مع توقعات بأن تصل إلى 2674 سيارة كهربائية بحلول عام 2028، كما يُبين الشكل أدناه:
الشكل 2- مبيعات السيارات الكهربائية في المغرب
Source- Statista, Electric Vehicles – Morocco.
وفي منتصف 8 عام 2020، أعلنت الشركة الفرنسية “ستروين” عن تصنيع أول سيارة كهربائية بمصنعها في مدينة القنيطرة، وفي ديسمبر من العام نفسه، كشف المغرب عن نموذج محطة لشحن السيارات الكهربائية، لتكشف “رينو” بعد ذلك في عام 2022 عن بدء تصنيع أول سيارة كهربائية بمصنعها في طنجة بقدرة إنتاجية في حدود 17 ألف سيارة، مع احتمالية تصديرها إلى السوق الأوروبية. كما يتم تصنيع سيارتين كهربائيتين من مجموعة “ستيلانتس” في مصنعها بالقنيطرة، وهما؛ “سيتروين إمي”، و”أوبل روكس إي”، بقدرة إنتاج تبلغ 50 ألف سيارة كهربائية صغيرة الحجم. إلى جانب ذلك، ركبت شركة “تسلا” أولى محطات الشحن في مدينة طنجة، وأخرى في الدار البيضاء، إضافة إلى 4 محطات للشحن السريع بقوة 150 كيلووات.
ولا يقتصر الأمر على صناعة السيارات الكهربائية، بل يتجاوز ذلك إلى صناعة البطاريات نظرًا لتوفر المواد التي تدخل في تصنيعها لديها، مثل الكوبالت والفوسفات الذي يستحوذ المغرب وحده على 70% من احتياطاته حول العالم.
وتعتبر الصين من أكبر البلاد المستثمرة في صناعة البطاريات المغربية، حيث قررت ثلاثة شركات صينية ضخ استثمارات تبلغ 9.5 مليارات دولار في تلك الصناعة، منها، مجموعة “غوشن هاي تك” التي قررت إنشاء منظومة صناعية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة باستثمارات تُقدّر بحوالي 65 مليار درهم مغربي (6.3 مليارات دولار)، و“سي إن جي أر أدفانسد ماتريال” التي تعتزم بناء قاعدة صناعية في المغرب بكلفة 20 مليار درهم مغربي (ملياري دولار). و“بي تي آر نيو ماتيريال” التي تخطط لاستثمار 13 مليار درهم (1.2 مليار دولار) في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، والتي أعلنت أيضًا عن بناء أول مصنع لها في الخارج بالقرب من طنجة لإنتاج الأقطاب الكهربائية السالبة، وهي أحد المكونات الرئيسية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، وذلك بتكلفة ثلاثة مليارات درهم (300 مليون دولار) وستبلغ طاقته الإنتاجية 50 ألف طن سنويًا. وكذلك، أعلنت شركة “إل جي” الكورية الجنوبية أواخر 2023 عزمها بناء مصنع مشترك لمواد بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، بالتعاون مع نظيرتها الصينية “هوايو”.
ومن الممكن تفسير تزايد إقبال شركات صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات الصينية إلى السوق المغربية بكونها أول دولة في شمال أفريقيا توقع على مبادرة الحزام والطريق إضافة إلى تميز البلاد بموقع جغرافي يتيح وصولًا إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية، ودعم الدولة المغربية لتلك الصناعة حيث أعلنت في مارس 2024 عن تأسيس منطقة صناعية جديدة لصناعة البطاريات بإجمالي استثمارات تبلغ 24 مليار درهم (2.3 مليار دولار)، وتوفر 4 آلاف فرصة عمل، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تأسيس منطقة صناعية في المملكة مخصصة لصناعة البطاريات الكهربائية، فضلًا عن الرغبة الصينية في مواجهة السياسات الحمائية الغربية.
عوامل محفزة
تضافرت العديد من العوامل التي ساعدت المغرب على تحقيق ريادة في قطاع السيارات وخلق قيمة مضافة تؤهلها ليس فقط لتغطية الطلب المحلي وإنما للتصدير للعالم الخارجي، كإطلاق استراتيجيات صناعية متكاملة، والنجاح في مكافحة الفساد والإرهاب والتطرف، وعقد شراكات اقتصادية متنوعة مع الدول الكبرى، وغيرها من العوامل التي يُمكن استعراضها على النحو التالي:
1. استراتيجيات معمقة: جاءت انطلاقة قطاع السيارات المغربي على مرحلتين؛ بدأت الأولى عام 1959 بإنشاء شركة “صوماكا – SOMACA” التي تركز نشاطها على تجميع الأجزاء الميكانيكية وأجسام سيارات الركاب لصالح العلامات التجارية “فيات”، و”سيتروين” و”رينو”، والذي تمت خصخصته بحلول عام 2003 بعد توقيع الدولة المغربية اتفاقية تسمح لشركة “رينو” بأن تصبح المساهم الرئيسي فيها، لتستحوذ الشركة عقب ذلك بحلول 2005 على غالبية أسهم الشركة. فيما تمثلت الثانية في تطوير صناعة المكونات الصناعية للسيارات التي بدأت سنة 1995 مع إبرام اتفاقية مع شركة “فيات أوتو سبا “حول مشروع للسيارات الاقتصادية، والتوقيع عام 1996 على اتفاقيتين مع شركتي “رينو” و”ستريون” لتجميع المركبات التجارية الخفيفة الاقتصادية.
ومنذ ذلك الوقت، برزت صناعة السيارات كقطاع استراتيجي في السياسة الصناعية المغربية على مستوى التصدير والإنتاج وتوفير مناصب عمل جديدة والمساهمة في خلق القيمة المضافة، وتبين ذلك في إطلاق مخطط الإقلاع الصناعي عام 2005، وبرنامج الإقلاع الصناعي الوطني “PNEI” عام (2009- 2015)، ومخطط تسريع التنمية الصناعية (2014-2020)، الذي يستهدف تحسين القدرة على استيعاب الطاقات الجديدة، وزيادة نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز مؤهلات التصدير كمًا وكيفًا، وقدرات استقبال المستثمرين إلى جانب تطوير الإنتاجية بدعم مستهدف للنسيج الصناعي، وفي الوقت الحالي، تستكمل البلاد مخططها الثاني للتنمية الصناعية (2021-2025) الهادف إلى البناء على التقدم المحرز في المخطط السابق، وتوسيع التنمية الصناعية في جميع المناطق المغربية؛ مما مكن الدولة من إرساء قواعد قطاع السيارات بشكل دائم داخل النشاط الاقتصادي.
2. استقرار المناخ الاستثماري: يتمتع المغرب ببيئة استثمارية مستقرة ساهمت في تسارع النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويُمكن تفسير ذلك بتوفير الحكومة المغربية العديد من الحوافز الاستثمارية خاصة في المناطق التجارية والصناعية الحرة والتي تقدمها للمستثمرين الأجانب والمحليين في جميع القطاعات (عدا الزراعة والفوسفات)، وتيسير الحصول على الأراضي في مناطق صناعية مرفقة بأسعار تفضيلية، والإعفاءات الجمركية والضريبية وحرية تحويل رءوس الأموال؛ حيث تمنح الدولة إعفاء ضريبيًا لمدة خمس سنوات لشركات السيارات التي تنشئ متجرًا في البلاد.
وفي هذا السياق، قفز ترتيب المغرب في “تقرير سهولة ممارسة أنشطة الأعمال” بنحو 75 مركزًا خلال عقدٍ زمني من المرتبة 128 عام 2010 إلى المرتبة 53 عام 2020. عطفًا على ذلك، تبذل الحكومة جهودًا مكثفة في مجال مكافحة الفساد؛ إذ أدخلت في عام 2022 سلسلة من الإصلاحات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال تعزيز البيئة التشريعية وتشديد العقوبات الجنائية، وذلك من أجل معالجة نقاط الضعف التي تم تحديدها من قِبل مجموعة العمل المالي “فاتف” حين أدرجت المغرب عام 2021 ضمن القائمة الرمادية الخاصة بالدول التي تستجيب جزئيًا للمعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ونتيجة لتلك الجهود، حذفت “فاتف” البلاد من تلك القائمة بحلول فبراير 2023 مما يعزز قدرة المملكة على تأمين احتياجاتها التمويلية، ويساهم في تحسين مناخ الأعمال.
3. شراكات متنوعة: انعكست الشراكات المنعقدة بين المغرب وغالبية القوى الاقتصادية العالمية إيجابيًا على صناعة السيارات، حيث صادق المغرب على 72 معاهدة استثمارية لتشجيع وحماية الاستثمارات و62 اتفاقية اقتصادية، ووقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 1996، وحصل على مكانة “الشريك المميز” في أكتوبر 2008 في ظل الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، إلى جانب توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين في مايو 2017، بالإضافة إلى ذلك، أقام المغرب شراكات تجارية واستثمارية مع كثير من الدول العربية والأفريقية.
وقد ساهمت تلك الاتفاقيات في اندماج المغرب في الاقتصاد العالمي، وانفتاحه على السوق العالمية، وتعزيز أنشطة التصدير، إلى جانب تزايد اهتمام المستثمرين الأجانب بصناعة السيارات المغربية، واتجاه عدد من الشركات الأوروبية والصينية نحو ضخ المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، كما إنها ساعدت على نقل خبرات الشركاء الأجانب إلى الاقتصاد المحلي عبر زيادة قدرات البحث والتطوير الهندسي في البلاد؛ مما جعل المغرب مركزًا رائدًا لاختبار السيارات في أفريقيا، وتجلى ذلك في إعلان مجموعة “Fev” الألمانية وشريكتها الفرنسي “Utac” عن افتتاح أول مركز لاختبارات السيارات في القارة الأفريقية.
4. تطوير البنية التحتية: يتميز المغرب بوجود البنية التحتية المناسبة واللازمة لصناعة السيارات، ويشمل ذلك امتلاك مناطق اقتصادية حرة كالمنطقة الحرة الأطلسية والمنطقة الحرة بطنجة والمنطقة الحرة “تكنوبوليس” بالرباط، بالتوازي مع توفير مناطق صناعية مؤهلة إلى جانب تشييد الموانئ والمطارات وخطوط السكك الحديدية، والقطارات السريعة والطرق الحديثة التي يحتاجها هذا القطاع. وفي هذا الشأن، يمتلك المغرب ميناء “طنجة”، الذي يقع على مضيق جبل طارق شمالي المغرب، ويضم مناطق اقتصادية على مساحة 5 آلاف هكتار، ويمثل مركزًا لوجستيًا مرتبطًا مع أكثر من 180 ميناءً حول العالم، وبقدرة استيعابية تصل لـ 9 ملايين حاوية، مما يجعله أكبر ميناء في البحر المتوسط من حيث حجم الحاويات. كما احتل الميناء المركز الرابع في مؤشر أداء موانئ الحاويات (CPPI) لعام 2022، كما يتبين تاليًا:
واستكمالًا لتلك الجهود؛ رفع المغرب حجم المشروعات الحكومية الخاصة بالبنية التحتية لعام 2024 بنسبة 42% على أساس سنوي لتصل إلى 64 مليار درهم (6.3 مليارات دولار)، كما أطلقت الحكومة العديد من خطط البنية التحتية القائمة على القطاعات، بما في ذلك استراتيجية السكك الحديدية 2040، والخطة الوطنية 2030 الخاصة بالموانئ.
5. الاستثمار في رأس المال البشري: يُنظر للموارد البشرية التنافسية في المغرب، والقوى العاملة منخفضة التكلفة كعامل رئيسي يجذب مصنعي السيارات الدوليين؛ إذ كشف برنامج الإقلاع الصناعي الوطني عن تزايد الطلب على العمال المهرة في مجموعة من الصناعات كالنقل والمنسوجات والطيران والسيارات، ولهذا اتجهت الدولة للاستثمار في الموارد البشرية، عبر فتح مئات مراكز التدريب والتأهيل التقني والعلمي في تخصصات ما تعرف بالمهن العالمية أو مهن المستقبل كمعهد التدريب على صناعة السيارات في مدن الدار البيضاء والقنيطرة وطنجة، لتركز تلك المراكز على تصنيع أجزاء العربات والطائرات والأقمار الصناعية والطاقات المتجددة والذكاء الاصطناعي. كما أطلق المجلس الثقافي البريطاني في المغرب برنامج المهارات الحياتية “تقدم” بالشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بهدف تعزيز مهارات العُمال المغاربة في العديد من الصناعات وفي محاولة لربط مستهدفات التعليم بمتطلبات سوق العمل.
6. مكافحة الإرهاب والتطرف: نجحت الأجهزة الأمنية المغربية على مدار السنوات الماضية في الحد من التهديد الأمني الذي تشكله التنظيمات المتطرفة والإرهابية، نتيجة لاعتمادها مقاربة شاملة لمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، ولهذا؛ أصبحت الهجمات الإرهابية “المؤثرة” أقل تواترًا في المملكة نظرًا لتكيف الأجهزة الأمنية مع الأنماط المتغيرة للتهديدات الإرهابية، وتعزيز الانفتاح السياسي على القوى المعارضة مما يفسر قدرته على احتواء تأثير الحركات الثورية العربية إلى جانب محاولاته للقضاء على التطرف الديني من خلال معالجة العوامل الكامنة التي تدفع الأفراد للانضمام إلى الجماعات المتطرفة والإرهابية، مع توفير الرعاية اللازمة للسجناء من خلال إطلاق برنامج “مصالحة” عام 2017، الخاص بسجناء التطرف والإرهاب والرامي إلى إعادة تأهيل المدانين في قضايا الإرهاب خلال قضائهم للعقوبة داخل مؤسسات الإصلاح.
كما يقدم المغرب نفسه أمام مختلف الأطراف الدولية والإقليمية –سواء في منطقة الساحل أو دول شمال أفريقيا المجاورة أو الشركاء المتوسطيين في أوروبا– كحليف محوري في الحرب ضد الإرهاب والهجرة غير الشرعية. ونتيجة لذلك، تراجع ترتيب المغرب في مؤشر الإرهاب العالمي، إلى المركز 89 لعام 2024.
وانطلاقًا من وجود علاقة ترابطية موجبة بين الاستقرار الأمني والاستثمار الأجنبي المباشر، فإن البيئة السياسية والأمنية المستقرة تساهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الإنتاجية المغربية، والتي يأتي قطاع السيارات على رأسها؛ حيث يُعد الاستقرار ضمانًا للحفاظ على رأس مال المستثمر الأجنبي بما يضمن تيسير عمل الشركات بدون أي اضطرابات.
استنتاجات ختامية
• يُمكن تفسير نجاح المغرب في ترك بصمتها على خريطة قطاع السيارات العالمي بالتركيز الشديد على عدد محدود من الصناعات (من بينها السيارات) في وضع استراتيجيتها التنموية الصناعية مما جعلها عنصرًا محوريًا في سلاسل القيمة العالمية لصناعة السيارات.
• يتمتع المغرب بميزة فريدة عندما يتعلق الأمر بسوق السيارات؛ نظرًا لموقعها الاستراتيجي بين أوروبا وأفريقيا، مما يجعلها مركزًا مثاليًا لتصنيع وتصدير السيارات، إلى جانب تهيئة المناخ الاستثماري وسهولة ممارسة الأعمال، واتخاذ خطوات لمكافحة الفساد والبيروقراطية، وبناء قاعدة شبابية من العمالة الماهرة.
• يحاول المغرب جاهدًا أن يؤمن حصة في سوق السيارات الكهربائية خاصة في ظل اشتداد المنافسة الإقليمية والعالمية من خلال توفير البيئة المناسبة لشركات صناعة السيارات الكهربائية وتوفير عدد من محطات الشحن اللازمة لها؛ حيث تسعى البلاد لزيادة عدد نقاط الشحن في البلاد إلى 2500 محطة.
• توضح خريطة الشركات الأجنبية المستثمرة في قطاع السيارات الكهربائية والبطاريات وتنوعها ما بين الشرق والغرب، أن المغرب قد يكون أحد أبرز المستفيدين من احتدام التنافس الصيني-الغربي في سوق السيارات الكهربائية؛ نظرًا لتمتعه بمزايا تؤهله لاستقطاب الشركات الصينية والغربية في آن واحد.
• تشهد مبيعات السيارات الكهربائية بالمملكة نموًا مطردًا منذ عام 2019 حتى عام 2023 من 45 سيارة كهربائية إلى 1164 سيارة كهربائية بنسبة زيادة تتعدى 2000%، كما يتبين من الشكل (2)، إلا إنها لا تزال تمثل نسبة 0.7% من إجمالي مبيعات السيارات.
• تواجه صناعة السيارات الكهربائية عددًا من التحديات التي تتمثل في محدودية الحوافز الحكومية، وارتفاع أسعارها، وقلة محطات الشحن التي تصل إلى 178 محطة خلال عام 2023، كما يتبين من الرسم الآتي:
الشكل 3- عدد محطات شحن السيارات الكهربائية في المغرب
Source- Statista, Electric Vehicles – Morocco.
• يتبين من الشكل (3) أن هدف الوصول بعدد محطات الشحن إلى 2500 محطة، وزيادة القدرة الإنتاجية للسيارات الكهربائية إلى 100 ألف سيارة بحلول 2025 هدف طموح يحتاج إلى فترة زمنية أطول من أجل تحقيقه.
• إلى جانب ذلك، تواجه صناعة السيارات المغربية تحديًا يتعلق بقرار الاتحاد الأوروبي بحظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل اعتبارًا من عام 2035، بهدف تسريع التحول إلى المركبات الكهربائية ومكافحة الظواهر المناخية المتطرفة، وهو الأمر الذي قد يثقل كاهل صناعة السيارات بالمغرب نظرًا لاحتمالية فقدانها إحدى الأسواق المهمة لصادراتها.