انعقدت القمة الأفريقية رفيعة المستوى لمكافحة الإرهاب بدعم من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNOCT) في العاصمة النيجيرية “أبوجا” على مدار يومي 22و23 أبريل 2024، بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي “موسى فكي محمد”، ورئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) “عمر توراي”، ورئيسي غانا “نانا أكوفو أدو”، وتوجو “فور غناسينغبي”، وقد تمحورت القمة تحت شعار “تعزيز التعاون الإقليمي وبناء المؤسسات لمواجهة تهديدات الإرهاب”، وسعت لمعالجة هذه التهديدات، ومُناقشة طرق الوقاية وبناء القدرات وتعزيز التعاون الدولي من أجل إعادة تشكيل الجهود الجماعية للحرب على الإرهاب في أفريقيا.
سياقات حاكمة
انطلاقًا من رغبة القادة الأفارقة وأصحاب المصلحة والمنظمات متعددة الجنسيات ذات الصلة في مواجهة التحديات التي يُسببها الإرهاب للمجتمعات والشعوب الأفريقية والعالم على نطاق واسع، فيما يتعلق بتجارة الأسلحة الدولية، وحركة تنقل الإرهابيين العابرين للحدود، يمكن توضيح أبرز السياقات الحاكمة لانعقاد القمة في ضوء تفاقم نشاط الإرهاب والظواهر ذات الصلة في مختلف ربوع القارة الأفريقية على النحو التالي:
1- تشابك سردية الإرهاب والانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي: سادت سمة مُشتركة في الانقلابات العسكرية الأخيرة (2020-2023) في تحالف دول الساحل (مالي، النيجر، وبوركينافاسو)، وهي تصاعد وتيرة الهجمات والعمليات الإرهابية في هذه الدول؛ مما خلق حوافز للنخب العسكرية للاستيلاء على السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية، وهو ما قُوبل بالترحيب الشعبي، في ظل تفضيل المواطنين أولويات الأمن على الديمقراطية، في ضوء تنامي الجماعات الإرهابية النشطة في هذه المنطقة أبرزها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، وجماعة بوكو حرام، وتنظيمي داعش ولاية غرب أفريقيا، وداعش ولاية الساحل.
2- تهديدات عدوى انتقال الإرهاب للدول الساحلية في خليج غينيا: بدأت العديد من القوى الدولية والغربية الانتباه لمخاطر عدوى الإرهاب من منطقة الساحل إلى الدول الساحلية الأربع في خليج غينيا المطلة على المحيط الأطلسي؛ بنين، وكوت ديفوار (ساحل العاج)، وغانا، وتوجو، ولمنع هذا الخطر من التمدد والانتشار الذي أصبحت انعكاساته في المناطق الشمالية من هذه الدول، أعلنت نائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، “كامالا هاريس”، في عام 2023 عن التزام أمريكي على مدى عقد من الزمن بتقديم 100مليون دولار للمساعدة في التصدي لتهديدات التطرف العنيف وعدم الاستقرار في الدول الساحلية. من جانبه، تعهد الاتحاد الأوروبي بمواصلة الدعم لمواجهة انتشار انعدام الأمن من منطقة الساحل، وقام بتسليم أكثر من 105 مركبات مدرعة إلى القوات المسلحة الغانية في أكتوبر 2023، من أجل تعزيز قدرة البلاد على الاستجابة للتهديدات المحتملة، وجمع المعلومات الاستخبارية، ومراقبة الحدود، والحفاظ على الاستقرار في هذه المنطقة.
3- تفاقم حدة انعدام الأمن المستدام في نيجيريا: تُواجه البلاد مجموعة من التحديات الأمنية المُتشابكة والمزمنة في مقدمتها تصاعد نشاط جماعة بوكو حرام، وتنظيم داعش ولاية غرب أفريقيا في الشمال الشرقي، ومطالب الجماعات الانفصالية في الجنوب الشرقي، وتنامي عمليات قطاع الطرق والعصابات الإجرامية في دلتا النيجر، وكذلك تفاقم حدة الصراعات بين الرعاة والمزارعين في المناطق الشمالية الغربية والشمالية الوسطى، وخلال الفترة الأخيرة، ارتفعت عمليات الاختطاف الجماعي في البلاد؛ إذ اختطفت الجماعات الإرهابية 200 تلميذ في بلدة كوريجا الشمالية بولاية كادونا في مارس 2024، في أكبر عملية اختطاف جماعي منذ عام 2021.
4- تدهور الوضع الأمني والإنساني في شرق الكونغو الديمقراطية: تشهد هذه المنطقة تحديات إنسانية وأمنية غير مسبوقة، حيث أحرزت حركة 23 مارس المتمردة تقدمًا كبيرًا، مع توسع مساحات سيطرتها على الأراضي، كما تصاعد حجم الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها القوات الديمقراطية المتحالفة، وتنظيم داعش ولاية وسط أفريقيا، في ظل تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع مستويات المجاعة، وارتدادات هذه الأوضاع على المجتمعات الحدودية المعرضة بشكل خاص للهجمات والتجنيد من قبل الجماعات الإرهابية. بجانب ذلك، تنامي التوترات الإقليمية الأخيرة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا على خلفية صلات كيجالي وبعض الجماعات المسلحة في شرق البلاد.
5- تصاعد هجمات حركة الشباب في الصومال: تواصل الحركة تنفيذ هجمات متفرقة في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك الأماكن العامة، ولا تزال تُسيطر على نصف أراضي الصومال، وخاصة ولايتي جوبالاند الجنوبية والجنوب الغربي. وفي حين أدت النجاحات العسكرية للعملية التي شنتها الحكومة الصومالية في عام 2022، إلى أعمال انتقامية دموية من قبل حركة الشباب، ويُشكل الانسحاب النهائي لبعثة “أتميس” بحلول ديسمبر 2024، مخاطر على البلاد فمن ناحية، قد يؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط على حركة الشباب، ومن ناحيةٍ أخرى قد تكون القوات الصومالية المتمركزة في قواعد العمليات السابقة لبعثة “أتميس” معرضة بشكل خاص لهجوم حركة الشباب، ويظل التحدي في ضمان الأمن في المناطق التي ستتركها هذه القوات.
6- استعادة زخم عمليات تنظيم داعش-موزمبيق: لا يزال نشاط التنظيم يُشكل تحديًا للأمن والاستقرار الإقليمي، في ظل تصعيد الهجمات الإرهابية في فبراير 2024 وتحديدًا في منطقتي تشيوري وماكوميا بمقاطعة كابو ديلجادو في شمال البلاد. وقد تسبب تجدد أعمال العنف في إصابة العديد من المدنيين وقوات الأمن على سواء، وتدمير البنية التحتية؛ مما يؤثر على خطط الاستثمار ومشاريع الطاقة الكبرى، لا سيما في قطاع الغاز الطبيعي المسال، وتفاقم مُعضلة أمن الطاقة في السوق العالمية بالتزامن مع تداعيات الحرب الأوكرانية، وقد جاءت هجمات التنظيم الأخيرة ردًا على حملة أطلقها المتحدث الرسمي باسم تنظيم داعش “أبو حذيفة الأنصاري” في رسالة صوتية في بداية شهر فبراير 2024، كرد فعل على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتسليط الضوء على قوة التنظيم والقدرات العملياتية والهيكلية الذي استعاد الزخم في عملياته بعد فترة من تراجع نشاطه.
مُخرجات عدة
قدمت القمة منصة لمراجعة طبيعة وحجم تهديدات الإرهاب في أفريقيا، بهدف الاتفاق على أولويات وتدابير استراتيجية ملموسة لمعالجة هذه الظاهرة، ودعا “موسى فكي”، لوضع خطة عمل استراتيجية قارية شاملة لمكافحة الإرهاب من خلال إيجاد نهج جديد، وتعزيز التعاون الإقليمي، وبناء القدرات المؤسسية، وتحسين تبادل المعلومات، وزيادة التعاون متعدد الأطراف، وحشد الموارد المالية، وسيتم تفصيل أهم مخرجات القمة تاليًا:
1- إنشاء مركز إقليمي لمكافحة الإرهاب: دعا الرئيس النيجيري “بولا أحمد تينوبو” لإنشاء المركز ليكون بمثابة مركز لتبادل المعلومات الاستخبارية والتنسيق العملياتي وبناء القدرات في جميع أنحاء القارة الأفريقية، مع تأكيده على أن أفريقيا يجب أن تتخذ نهجًا شاملًا لمكافحة الإرهاب، ليس فقط من خلال القوة العسكرية، ولكن من خلال مُعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، والتي تشمل الفقر، وعدم المساواة، والمظالم الاجتماعية، وضرورة تعزيز الهياكل القائمة لمكافحة الإرهاب مثل وحدة الاستخبارات الإقليمية في أبوجا ((RIFU، والمركز الأفريقي لدراسة وأبحاث الإرهاب في الجزائر (ACSRT)، ومنظمة أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية في أديس أبابا (CISSA).
2- أهمية تشكيل قوة إقليمية احتياطية: كرر الرئيس “تينوبو” الدعوة لتكون هذه القوة بمثابة أداة للانتشار السريع في مكافحة التهديدات القائمة والناشئة، وفي الوقت نفسه بمثابة ردع لتهريب الأسلحة على نطاق واسع، لكن توجد مجموعة من التعقيدات التمويلية والقانونية واللوجستية التي تُواجه إنشاؤها. مع ذلك، فمن خلال تفويض حكيم ومحدد يتوافق مع القانون الدولي ويحترم السيادة الوطنية، يمكن لمثل هذه القوة أن تكون بمثابة آلية للانتشار السريع للاستجابة للتهديدات وتعزيز الأمن في المنطقة. كما شدّد على أولوية إنشاء لجنة وزارية شاملة للاتحاد الأفريقي لمكافحة الإرهاب مثلما جاء في إعلان القمة الاستثنائية السادسة عشرة لجمعية الاتحاد الأفريقي حول الإرهاب والتغييرات غير الدستورية للحكومات في مالابو بغينيا الاستوائية في مايو 2022.
3 – دعم بعثات السلام الأفريقية: أكد “موسى فكي” على أهمية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2719 بشأن بعثات السلام بقيادة أفريقية الذي تم اعتماده في ديسمبر 2023، ويأتي ذلك وسط تراجع في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي حققت نجاحًا محدودًا في كبح جماع الجماعات الإرهابية، وضمان حماية المدنيين، وتحقيق السلام المستدام، وانسحب البعض الآخر بعد طلب من الدول المُضيفة، ومثّلت نهاية اثنتين من أطول بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام؛ “مينوسما” في مالي، و”مونوسكو ” في جمهورية الكونغو الديمقراطية، نقطة تحول بالنسبة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا لصالح المبادرات الإقليمية الأفريقية.
4 – إدانة عمليات تمويل الإرهاب في أفريقيا: اتهم الرئيس “تينوبو” المجتمع الدولي بالمسئولية عن الارتفاع المقلق في التعدين غير القانوني وتدفق الأموال غير المشروعة وتمويل الإرهاب في القارة الأفريقية، والحاجة المستمرة لوقف انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة في القارة، ولا يمكن لأي دولة أن تحل هذه المشكلة بمفردها. كما أكد أن نيجيريا ملتزمة بالعمل مع الشركاء الإقليميين لتعزيز تدابير الحد من الأسلحة، وتعزيز أمن الحدود وتعطيل شبكات الاتجار غير المشروع التي تُغذي الإرهاب والجريمة المنظمة، وحث على اتخاذ إجراءات حازمة وسريعة ضد انعدام الأمن السائد في القارة.
حاصل ما تقدم، تتطلب مكافحة الإرهاب تبني آليات شاملة، وتنسيق الجهود الإقليمية والقارية، ومُعالجة الأسباب الجذرية لظاهرة الإرهاب، وأهمية تكامل الاستراتيجيات الأمنية على كافة المستويات، في ظل المخاوف الأمنية والتهديدات العديدة التي تشكلها الجماعات الإرهابية وتحديات أمن الحدود في كافة ربوع القارة الأفريقية؛ مما يصعب من مهام جمع وتبادل المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتتبع نشاط وتحركات هذه الجماعات.