تؤكد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما تمخض عنها من احتمالات لصراع إقليمي ممتد، ما تؤكده دومًا القيادة المصرية بشأن ضرورة التوصل الفوري إلى تسوية عادلة وشاملة ونهائية للقضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، على أساس حل الدولتين المستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وذلك إذا ما أُريد تحقيق الاستقرار لهذه المنطقة.
تتصل هذه الرؤية بدور مصر التاريخي الممتد على مدار العقود الماضية في تبني القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق شعبه في أرضه ووطنه. فلطالما أكدت مصر -ولاتزال تؤكد- في كافة المحافل الدولية على أن المنطقة لن يتحقق بها الاستقرار دون إيجاد حل مرضي وفاعل للقضية الفلسطينية، وأن كافة المحاولات الراهنة لتصفية القضية وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم لن تؤدي إلا إلى توسع دائرة الصراع بما يتسبب في زعزعة الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. ومن هنا، فلابد من تكثيف الجهود المشتركة، ليس فقط لإنهاء الحرب، وإنما لإحياء مسار عملية السلام الشاملة، والوصول به هذه المرة إلى حل نهائي لا رجعة فيه، ليكون بذلك قوة الدفع التي تستند عليها مساعي السلام في المنطقة.
وبناءً على ما تقدم، يسلط كتاب “مصر والقضية الفلسطينية.. بين الماضي والحاضر”، الصادر عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يناير 2024، الضوء على الدور المحوري لمصر في القضية الفلسطينية، بدءًا من وعد “بلفور” في عام 1917 حتى عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، انطلاقًا من الثوابت التاريخية للسياسة المصرية إزاء القضية الفلسطينية، وما تمثله فلسطين من أهمية جغرافية واستراتيجية في المنطقة.
يناقش الفصل الأول من الكتاب المراحل الأولى لإنشاء “دولة إسرائيلية” على أرض فلسطين، وذلك من خلال استعراض ما مرت به القضية الفلسطينية من تطور منذ إصدار الحكومة البريطانية لوعد بلفور عام 1917، وصولًا إلى القرار الأممي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، والذي أسفر عن اندلاع حرب فلسطين، في مايو 1948، وذلك مع تسليط الضوء على الموقف المصري الرسمي والشعبي إزاء التطورات المرتبطة بهذه الفترة.
فيما يتناول الفصل الثاني ما أحدثته ثورة 23 يوليو 1952 من تأثير على الموقف المصري إزاء القضية. فعلى الرغم من اهتمام قيادة الثورة بالقضية الوطنية وعملية المفاوضات الهادفة إلى جلاء المحتل البريطاني عن الأراضي المصرية، فقد استمرت الدولة المصرية في نهجها المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، بل وقد امتد الأمر إلى تحديد الرئيس “جمال عبد الناصر” علاقات مصر بعد الثورة بدول العالم بناءً على موقف كل دولة من القضية الفلسطينية وإسرائيل. كما يتطرق الفصل الثاني إلى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وما أحدثه من تداعيات على القضية الفلسطينية، هذا إلى جانب توضيح الدور المصري في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، واعتمادها كممثل عن الشعب الفلسطيني عام 1964.
وارتباطًا بما تقدم، يقدم الفصل الثالث من الكتاب ملف القضية الفلسطينية من منظور العلاقات المصرية الأمريكية، وذلك عبر توضيح موقف إدارات الرؤساء الأمريكيين “دوايت د. أيزنهاور، وجون كينيدي، وليندون جونسون” من الصراع العربي الإسرائيلي، ومدى انعكاس ذلك على العلاقات مع مصر، وصولًا إلى نكسة الخامس من يونيو 1967، حين شنت إسرائيل هجومها على الدول العربية وتمكنت من احتلال شبه جزيرة سيناء في مصر، وهضبة الجولان في سوريا، والضفة الغربية والقدس الشرقية. وفي هذا الإطار، يناقش الفصل الرابع الدور المصري بالقضية الفلسطينية خلال الفترة من يونيو 1967 حتى انتصار أكتوبر 1973، وزيارة الرئيس “محمد أنور السادات” إلى القدس في نوفمبر 1977. فبالرغم من أولوية تحرير الأراضي المصرية من الاحتلال الإسرائيلي، ظلت القضية الفلسطينية حاضرة ومؤثرة في كافة تفاعلات السياسة الخارجية المصرية.
ثم ينتقل الفصل الخامس إلى مناقشة تاريخ الأطماع الصهيونية في سيناء وموقف مصر الرافض لمشروعات التوطين المطروحة من الجانب الإسرائيلي على مدار السنوات الماضية.
فيما يهتم الفصل السادس بتوضيح تطور مسار المساعي المصرية للتوصل إلى حل القضية الفلسطينية، من خلال توضيح الموقع المركزي الذي شغلته القضية خلال المفاوضات المصرية الإسرائيلية السابقة على توقيع الجانبين لمعاهدة السلام في مارس 1979، وطبيعة الدور المصري الفاعل خلال الفترة اللاحقة للمعاهدة، والتي أسهمت في دفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي نحو إجراء حوار مباشر، مما مهد الطريق أمام توصلهما إلى مجموعة من الاتفاقات المشتركة كاتفاق أوسلو (1) 1993، واتفاق الحكم الذاتي غزة –أريحا 1994، واتفاق أوسلو (2) 1995، ولينتهي هذا الفصل ببيان الجهود المصرية المبذولة منذ عام 2007 في سبيل إنهاء الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني.
واتصالًا بما تقدم، يستعرض الفصل السابع الجهود المصرية المبذولة لدعم القضية الفلسطينية منذ يونيو 2014، مع تولي الرئيس “عبد الفتاح السيسي” سُدة الحكم، حيث ظل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ودعم جهود التهدئة للتوصل إلى حلول شاملة وعادلة على رأس أولويات اهتمام القيادة السياسية في كافة المحافل الدولية. وفي هذا الصدد، يناقش الكتاب المسارات المتوازية التي تتبعها الدولة المصرية بغية الوصول إلى حل مستدام للقضية. فمن ناحية، تنخرط مصر في جهود حل الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، بالتوازي مع القيام بدور الوسيط ما بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وبجانب الدور السياسي، تشارك مصر إنسانيًا في جهود تخفيف الوطأة الاقتصادية والإنسانية على الشعب الفلسطيني.
ويعتبر الموقف المصري بصفة خاصة من تطورات الأوضاع في غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى إصدار هذا الكتاب، موقفًا تاريخيًا يندرج في سجل المواقف القومية لمصر، ومدى حرصها على القضية الفلسطينية، وذلك، حتى تبقى القضية هي القضية الرئيسية، وأن يبقى الفلسطينيون في أراضيهم ولا يتحقق الهدف الإسرائيلي الرامي إلى تصفية القضية ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.