طُرحت قضية إعادة إعمار قطاع غزة ضمن الملفات السياسية المرتبطة باليوم التالي لانتهاء الحرب، وقد برزت مصر كأحد الفاعلين مع دول أخرى لتولي تنفيذ إعادة الإعمار لاعتبارات فنية وسياسية ولوجستية، ترتبط بقوى عاملة مؤهلة وشركات مدربة وخبرات سابقة، وقرب المسافة الجغرافية، وتقديم أسعار منخفضة عن الشركات العالمية، بخلاف القبول الدولي والإقليمي لتوليها هذا الأمر الذي يستند إلى المصالح الحيوية والعقلانية السياسية ودواعي الأمن القومي، رغم العديد من المعوقات التي قد تُهدد مسار عملية إعادة الإعمار لأنها مرتبطة بالأساس بحرب عسكرية وقضية سياسية مستمرة منذ عقود لم يتمّ حسمها بعد، بخلاف التوازنات الإقليمية والدولية وحتى داخل القطاع ذاته.
مفاتيح خاصة
تحظى مصر بخبرات متراكمة في إعادة الإعمار بالعديد من مناطق الصراعات في المنطقة العربية وأفريقيا كالتالي:
– العراق: برز دور مصر بشكل كبير في إعادة إعمار العراق بعد تحرير مدنه من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي إثر إعلان الحكومة العراقية في ديسمبر 2017 القضاء على ذلك التنظيم، فقد عُقد مؤتمر دولي بالكويت في فبراير 2018 لدعم إعادة إعمار العراق الذي يتطلب 88 مليار دولار، وشاركت القاهرة وقتها في المؤتمر، ومن هنا بدأت العمل على لعب دور مهم في إعادة الإعمار من خلال الشركات التابعة لها وإدخال مواد البناء اللازمة، مثل الحديد والأسمنت، إذ تملك مصر مصانع كبيرة ساهمت في توفير المواد اللازمة لعمليات البناء.
ولا يقتصر دور مصر على الإعمار في البنية التحتية ولكن أيضًا ترميم وإصلاح المناطق الأثرية، فقد اختيرت شركة مصرية لتنفيذ مشروع ترميم أجزاء من مدينة الموصل القديمة، وفي القلب منها المسجد النوري الكبير الأثري، فقد نجحت مصر من خلال تحسين علاقاتها مع بغداد في اقتناص العديد من مشروعات إعادة الإعمار، خاصة في ظل حكومة مصطفى الكاظمي ضمن الآلية العراقية الأردنية المصرية الثلاثية “تحالف الشام الجديد”.
وساهمت المرونة المصرية في الحضور الواسع بالعراق ضمن آلية “النفط مقابل إعادة الإعمار”، حيث حصلت مصر على النفط مقابل تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار، خاصة في ظل حكومة الكاظمي، فقد توصل البلدان عام 2019 إلى اتفاق تُصدر بموجبه مصر مواد بناء إلى العراق بنحو مليار دولار سنويًا بجانب عمل الشركات المصرية في العراق بمناطق مثل صلاح الدين والأنبار ونينوى وسامراء، رغم تأثر الكثير من المشروعات حاليًا بسبب الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، التي أكدت في بداية توليها المسئولية الاستمرار في مشروعات إعادة الإعمار مع مصر، وخلال زيارته لمصر في يونيو 2023 وقّع السوداني مع الرئيس السيسي 11 اتفاقية من بينها أمور خاصة بإعادة الإعمار.
– ليبيا: نجحت مصر في المشاركة في إعادة الإعمار في ليبيا خاصة في مناطق الشرق، ففي سبتمبر 2021، قدر وزير الشئون الاقتصادية بحكومة الوحدة الوطنية، سلامة الغويل، وقتها فاتورة إعادة الإعمار بـ111 مليار دولار، موضحًا أن الشركات المصرية ستحظى بنصيب الأسد من المشروعات، بنسبة 70 في المائة، بمجموع 77.7 مليار دولار تقريبًا. وفي مارس 2023 وقّع تحالف شركات مصرية عقد استئناف العمل بمشروع الطريق الدائري الثالث في العاصمة طرابلس المتوقف منذ عام 2008، بتكلفة بلغت 4.263 مليارات دينار ليبي، فيما بلغ حجم مشروعات شركات المقاولات المصرية في ليبيا حوالي 15 مليار دولار، وفقًا لأحد التقديرات، الأمر الذي جعلها مصدر ثقة في مشروعات إعادة الإعمار.
ولا يزال التنسيق مستمرًا، فقد بحثت جمعية رجال الأعمال المصريين مع مجلس أصحاب الأعمال الليبي في 19 نوفمبر 2023 فرص إتاحة المجال أمام الشركات المصرية في إعمار ليبيا، وبالفعل تم تشكيل لجنة بين الطرفين لبحث هذا الأمر. وفي 25 ديسمبر 2023 بحث الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية مع اتحاد الغرف الليبية فرص التعاون بين الجانبين، ومساهمة الشركات المصرية في إعادة إعمار ليبيا، وقد عبّر الوفد الليبي عن تفضيله التعاون مع الشركات المصرية بشكل خاص.
وتتركز مساهمات مصر في الشرق الليبي حيث العلاقات القوية مع البرلمان والجيش الوطني، بخلاف المنطقة الغربية حيث سيطرة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، وسيطرة تركيا وإيطاليا على مشروعات إعادة الإعمار هناك، رغم توقيع اتفاقيات ضخمة مع مجيء حكومة الدبيبة في يوليو 2021 بقيمة 4.1 مليارات دولار بين البلدين، وبسبب الخلافات السياسية لم يُنفذ الكثير من هذه المشروعات المصرية في الغرب، لكن الأعمال مستمرة سواء في الغرب أو بالشرق وإن كانت بشكل أكبر في الشرق، مثل: إنشاء طريق “أجدابيا – جالو” بطول 250 كم، والطريق الدائري الثالث في طرابلس. وفي 15 مارس 2023، وقّعت لجنة إعادة إعمار بنغازي عقدًا مع شركة “وادي النيل” المصرية لتنفيذ أربعة جسور ونفق بالمدينة بمدة تنفيذ ستة أشهر، ما يؤكد الثقة في الشركات المصرية ومعدلات التنفيذ.
– سوريا: شاركت مصر في مارس 2023 في مؤتمر المانحين الدولي المنعقد في بروكسل، تحت عنوان: “معًا من أجل الشعبين التركي والسوري”، عقب تعرض البلدين لزلزال مدمر في 6 فبراير 2023، وأكدت مصر أنها تُولِي أهمية كبيرة لتسريع عملية إعادة الإعمار في سوريا وتركيا، لكن فعليًا لم تبدأ مشروعات في سوريا لاعتبارات سياسية سواء في سوريا أو دولية نتيجة العقوبات والحظر المفروض على سوريا رغم عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. وبالفعل، سبق وكشف رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسية، سيرجي نارشكين، في مايو 2023، أن السعودية والإمارات ومصر “تستعد للعب دور بارز” في عملية إعادة إعمار سوريا، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من التغييرات في الشرق الأوسط تتعارض مع رغبات الولايات المتحدة، بما في ذلك دعم روسيا والأغلبية العربية لإعادة الإعمار في سوريا.
وبسبب العقوبات الأوروبية الأمريكية ضد سوريا يتم فرض أي عقوبات على أي تعامل مع النظام السوري، بما في ذلك مؤسساته الحكومية والخاصة وكبار الشخصيات السياسية والعسكرية ورجال الأعمال المقربين منه، وهذا ما يعرقل سواء مصر أو غيرها من المشاركة في عمليات إعادة الإعمار، وأكد ذلك الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي في مايو 2023، موضحًا أن ملف إعادة إعمار سوريا به تعقيدات ضخمة نتيجة العقوبات الأمريكية والأوروبية، لأن رفع العقوبات ليس سهلًا، ويحتاج إلى قدر من التدبر والاتصالات الدولية للوقوف على الوضع الحالي وسبل الحل.
– لبنان: لم تشارك مصر بقدر كبير في عمليات إعادة إعمار لبنان من خلال شركاتها رغم أنها شاركت في بعض المشروعات الاستراتيجية وعلى نفقتها عقب حرب 2006، مثل تنفيذها جميع الأعمال الكهربائية اللازمة لإعادة التيار إلى الشبكة الكهربائية بالأماكن المتضررة بلبنان جراء القصف الإسرائيلي، ومع انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في “المؤتمر الدولي لدعم لبنان”، استعداد مصر التام لتسخير إمكاناتها لمساعدة لبنان في جهود إعادة إعمار المناطق المتضررة، حيث تقدر تكلفة إعادة الإعمار في لبنان بقيمة ٣٠ مليار دولار لإعادة البناء وحل المشاكل الاقتصادية التي لديها، وسبق ورصد البنك الدولي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة 2,5 مليار دولار كجزء من إعادة إعمار لبنان.
لكن عمليات إعادة الإعمار في لبنان متوقفة بسبب الظروف السياسية في لبنان بجانب الرفض الخليجي -خاصة السعودي- لدعم لبنان بسبب حزب الله، وهو ما عرقل تمويل إعادة الإعمار سواء بمشاركة مصر أو غيرها من الدول، وما زال هذا الأمر مستمرًا وسط مخاوف من حرب إسرائيلية على لبنان بسبب انخراط حزب الله في حرب غزة.
مؤهلات متنوعة
تملك مصر مؤهلات وأدوات متنوعة تدعم دورها في إعادة الإعمار خاصة في الدول العربية على النحو التالي:
- توفّر العمالة الماهرة: تتميز مصر بتوفر العمالة الماهرة لديها وقله تكلفتها في مجالات البناء والتشييد مما يمنحها ميزة نسبية مقارنة بدول أخرى، ويساهم ذلك في خفض تكلفة عمليات إعادة الإعمار حيث تحتاج مثل هذه المشروعات لعمالة كثيفة مما يرفع حجم عمليات التكلفة إلى جانب الوقت اللازم لإنجازها، حيث إنها تتطلب مدى زمنيًا قصيرًا من أجل احتواء وتسكين وتقديم الخدمات الأساسية والحيوية لسكان المناطق المتضررة، سواء نتيجة لحرب خارجية أو صراعات داخلية.
- امتلاك الخبرات الفنية المتقدمة: تمتلك مصر خبرات فنية متقدمة وكبيرة في مجالات البنية التحتية والتشييد والبناء مقارنة بدول المنطقة مما يساعد في تحسين فرصها، خاصة وأنها لا تعتمد على الخبرات الأجنبية في العديد من مشروعات البنية التحتية، مثل الكهرباء والمياه والإسكان والصرف الصحي والجسور والطرق، وعزّز هذه الخبرات تاريخ مصر الممتد نسبيًا بباقي دول المنطقة في البناء الحديث مقارنة بدول المنطقة مما أوجد كفاءات بشرية قادرة على تنفيذ هذه المشروعات، هذا بجانب توافر كوادر بشرية مدربة ومتعلمة في كليات ومعاهد متخصصة موجودة منذ عقود، علاوةً على وجود وحدة داخل اتحاد الغرف التجارية مختصة فقط بمتابعة مشاريع إعمار العراق مثلًا.
- قوة العلاقات مع الدول العربية: لا تتبع مصر سياسة التدخل في صراعات دول المنطقة بل ترفض مثل هذا النهج باعتباره خطرًا على وحدة الدولة الوطنية واستقرارها في المنطقة، وهو ما أوجد لديها قدرًا من العلاقات السياسية المقبولة من معظم الأطراف، الأمر الذي يدعم فرصها في مشروعات إعادة الإعمار التي يتم البدء فيها عقب انتهاء الحروب الأهلية أو تهدئة الصراعات الداخلية. وفي هذا السياق، أصدر رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، في أغسطس 2018، قرارًا بتشكيل مجموعة عمل من خبراء مختصين بإعادة الإعمار في كلٍّ من العراق وسوريا وليبيا واليمن وفلسطين، مما يعكس الوعي الحكومي بأهمية العمل في إعادة إعمار الدول المدمرة.
- انخفاض التكلفة المالية مقارنة بالعروض المناظرة: تساهم العوامل السابقة بجانب عوامل أخرى في خفض تكلفة المشروعات التي تشارك فيها مصر ضمن عمليات إعادة الإعمار وهو ما يكسبها ميزة نسبية قوية، خاصة أن الدول التي تخرج من حروب تكون ضعيفة ماليًا واقتصاديًا، هذا بجانب اعتماد الكثير من مثل هذه الحالات على الدعم والتمويل الخارجي في عمليات إعادة الإعمار والذي يكون بدوره محدودًا ومشروطًا وهو ما يتطلب خفض تكاليف عمليات إعادة الإعمار.
- حاجة الشركات المصرية إلى العمل خارج الحدود: تحظى العديد من شركات البناء والتشييد والمقاولات وإنتاج مواد البناء في مصر بخبرات وإمكانيات متقدمة، خصوصًا بعد التوسع في نشاطها خلال السنوات الماضية بالداخل نتيجة تركيز مصر على مشروعات البنية التحتية وعمليات بناء الطرق والجسور والمنشآت السكنية وشبكات القطارات ومترو الأنفاق ومحطات الكهرباء، بخلاف بناء العاصمة الإدارية الجديدة، والعديد من مدن الجيل الرابع، وسيكون لدى تلك الشركات رغبة في تحقيق أرباح من خلال التوجه للخارج والمشاركة في أي مشروعات إعادة إعمار بدول الجوار.
- ضعف المنافسين لمصر في المنطقة العربية: بدرجة كبيرة لا توجد دول عربية تحظى بإمكانيات مصر في عمليات البناء والتشييد، سواء البنية التحتية أو المنشآت السكنية، مما يعزز من فرصها، فدول الخليج العربي لديها قدرات ووفرة مالية توظفها في هذا الأمر، وحتى شركاتها المتخصصة في عمليات البناء تركز على المناطق السياحية والمدن الجديدة وليس المشاركة في مناطق النزاعات، هذا بخلاف اعتمادها ذاتها على العنصر الأجنبي والعمالة الوافدة في عمليات البناء، مما يرفع تكلفة المشروعات، أما باقي الدول العربية فليس لديها لا إمكانيات مالية أو فنية أو بشرية تؤهلها لمثل هذا الدور لكن توجد دول من خارج المنطقة منافسة مثل تركيا وإيران وباكستان هذا بخلاف الدول الغربية رغم ارتفاع تكلفة الأخيرة بدرجة كبيرة.
خصوصية غزة
تُعتبر مصر أكثر الأطراف العربية المؤهلة لتولي إعادة الإعمار في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الحالية أيًا كانت التسويات والاتفاقيات التي ستتم من أجل إنهاء هذه الحرب، وذلك للاعتبارات الآتية:
- قوّة وحضور مصر في الملف الفلسطيني: تحظى مصر بحضور قوي في الملف الفلسطيني وخاصة فيما يتعلق بالحرب الحالية، سواء علاقاتها بالفصائل الفلسطينية أو إسرائيل أو الأطراف الدولية الفاعلة، واتّضح ذلك في ملف الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، كما أعادت طرح ملف إعادة الإعمار بشكل أوسع في مبادرات جديدة ضمن تسوية الحرب والإفراج عن الأسرى، وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال الأمريكية”، في تقرير لها يوم 21 يناير 2024، هذا الأمر من خلال إجراء مصر مفاوضات مع قطر والولايات المتحدة وإسرائيل بهذا الشأن، تشمل تشكيل صندوق لإعادة إعمار غزة مع ضمانات أمنية لقادة حماس ضمن مسارات الحل وإنهاء الحرب على فترة زمنية تصل إلى 90 يومًا يعقبها البدء في عملية إعادة الإعمار. وفي حال إنهاء الحرب سيتم إسناد إعادة الإعمار لمصر ليس فقط سياسيًا ولكن من خلال تولي تنفيذه فعليًا على الأرض عبر شركاتها ومؤسساتها، سواء بمفردها أو بالشراكة مع آخرين مع تمويل دولي وعربي لهذا الأمر، وقد تساهم مصر في تحمل جزء من التكلفة أو تقديم جزء من عمليات الإعمار دون مقابل.
- الجوار الجغرافي المباشر بين مصر وقطاع غزة: بحكم الجوار الجغرافي المباشر بين مصر وغزة فهي المنفذ الوحيد لدخول المواد اللازمة لإعادة الإعمار لأنه من المتوقع رفض إسرائيل دخولها عبر البحر أو عبر معبر كرم أبو سالم مع القطاع، وإن سمحت فسيكون بشكل محدود وبطيء للغاية، لذا سيسمح الجوار الجغرافي لمصر بتوليها الجزء الأكبر من تنفيذ إعادة الإعمار لأنه يتيح بسهولة إدخال المواد اللازمة بجانب انخفاض التكلفة.
- قوة علاقة مصر مع إسرائيل: رغم التوترات بين مصر وإسرائيل بسبب حرب غزة إلا أن القاهرة من بين الدول العربية القليلة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وساعد ذلك في تخطي الكثير من تداعيات حرب غزة، وتجنب الصدام المباشر بين البلدين، وموافقة إسرائيل على إدخال قدر من المساعدات لغزة عبر مصر وخروج المصابين للعلاج. وبالتأكيد فإن عملية إعادة الإعمار ستتطلب موافقة إسرائيل، وهذا الأمر تقدر مصر على التفاوض بشأنه بفضل العلاقات بين الجانبين، وإن كانت أمنية بالأساس لكنها قائمة وفاعلة، هذا بخلاف امتلاك مصر ورقةَ الضغط بملف الغاز الإسرائيلي الذي يتم تصديره لمصر ثم لأوروبا، بجانب معاهدة السلام بين البلدين.
– علاقة مصر القوية مع الأطراف العربية المموِّلة لإعادة الإعمار: تحظى مصر بعلاقات استراتيجية وقوية مع الدول العربية، وتحديدًا الخليجية التي من المتوقّع أن تساهم في تمويل إعادة إعمار غزة، وهذا الأمر يسهل من مهمة توليها مسألة الإعمار.
- القبول الدولي لدور مصر في غزة: يوجد قبول دولي من معظم الأطراف الدولية الفاعلة في الملف الفلسطيني بدور مصر في غزة والقضية الفلسطينية، وهو ما يسهل مهمتها في تنفيذ إعادة الإعمار والضغط على كافة الأطراف لضمان هذا الأمر، ويدعم هذا الأمر استحداث الأمم المتحدة منصب كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشئون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، والتي تولتها سيجريد كاخ بناء على قرار مجلس الأمن الدولي بشأن إدخال المساعدات وإعمار القطاع، وبالفعل أجرت أول زيارة لها لمصر يوم 17 يناير 2024 وزارت رفح والتقت المسئولين المصريين لبحث هذا الملف.
- الخبرات الفنية والأعمال السابقة في غزة: تمتلك مصر خبرات فنية تؤهلها لتولي تنفيذ عملية إعادة الإعمار بشكل عام، بخلاف امتلاكها خبرات خاصة في غزة، ففي مايو 2021، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تخصيص ٥٠٠ مليون دولار كمبادرة مصرية لصالح عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة عقب حرب إسرائيلية على القطاع، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة الإعمار، وقد نفذت مصر بالفعل معظم المشروعات المعلن عنها في القطاع، هذا بخلاف مشاركات سابقة قبل هذا الأمر، لكن كان اللافت في هذا الأمر حجم التمويل الذي أعلنته مصر مباشرة ولم تقدم دولة عربية أو أجنبية هذا الكم من التمويل وقتها لدعم الإعمار في القطاع.
وأنشأت مصر حتى أغسطس 2023 ثلاث مدن جديدة في غزة على 3 مناطق من القطاع وهي: “دار مصر1″ في منطقة الزهراء جنوب مدينة غزة، و”دار مصر 2″ غرب جباليا شمال القطاع، و”دار مصر 3” في بيت لاهيا بعدد 117 عمارة سكنية، وقرابة 2500 وحدة سكنية ومحال تجارية مجهزة بالبنية التحتية، بجانب المرافق العامة، وشارع كورنيش مصر، وقد بلغت نسبة الإنجاز في شارع الكورنيش حوالي 70%، وفي المدن السكنية بلغت النسبة حوالي 55%.
معوقات ضاغطة
توجد العديد من المعوقات التي تهدد عمليات إعادة إعمار قطاع غزة بشكل أساسي، سواء عن طريق مصر أو بمشاركة أطراف أخرى، وتتمثل في التالي:
- عدم الوضوح الإسرائيلي بشأن مستقبل غزة: ترفض إسرائيل أي محاولات حتى الآن لوقف إطلاق النار حتى القضاء على القوة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية وتحديدًا حركة حماس، بجانب منع أي دور سياسي أو إداري لها في القطاع، وبجانب ذلك تتمسك إسرائيل بالبقاء في قطاع غزة عسكريًا وأمنيًا، الأمر الذي ترفضه دول الجوار ومنها مصر، بجانب رفض الفصائل الفلسطينية سواء فتح أو حماس وتعهد فصائل المقاومة بمحاربة الاحتلال ما يعني استمرار الحرب ومنع أي جهود لعمليات الإعمار.
- استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني: ما يزال الانقسام الفلسطيني الأبرز في مسار القضية الفلسطينية بعد الاحتلال الإسرائيلي في ظل عدم الاتفاق على إنهاء هذا الانقسام المستمر منذ عام 2006، وتشكيل حكومة موحدة تتولى حكم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. فالسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس أبدت موافقتها على تولي إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، لكن فصائل المقاومة لم تعلن موقفها من هذا الأمر حتى الآن رغم أنه الحل الأكثر قبولًا بشأن مستقبل القطاع وإنهاء الحرب، وبالتالي يساهم الانقسام في عدم وجود سلطة موحدة أو متفق عليها يمكن لها إدارة القطاع وتسلم المشروعات التي سيتم إعادة بنائها، فهذه المسألة ستعرقل أي مفاوضات بشأن عمليات الإعمار إن انتهت الحرب ولو جزئيًا وحصرها في نطاق محدد مثل الشمال.
- التخوّف من إعادة تدمير إسرائيل للقطاع بعد إعادة الإعمار: أكدت تقارير غربية موافقة العديد من الدول العربية وتحديدًا دول الخليج على إعادة إعمار قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، لكن مع ضمان عدم تدمير إسرائيل للقطاع مجددًا وتحميلهم فاتورة تصرفات إسرائيل، وقد أكد هذا الأمر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يوم 17 يناير 2024، في تصريحات له على هامش منتدى دافوس الاقتصادي، موضحًا أن الدول العربية من بينها السعودية ليست حريصة على المشاركة في إعادة إعمار غزة إذا كان القطاع الفلسطيني “سيسوى بالأرض” مجددًا في بضعة أعوام ثم يُطلب منهم إعادة إعمار القطاع من جديد.
- ثقل الآثار التدميرية في قطاع غزة: تعرض قطاع غزة لتدمير هائل سواء بالنسبة للوحدات السكنية أو المرافق الخدمية والصحية والمؤسسات التعليمية والمقار الأمنية والمنشأت الزراعية والمزارع الحيوانية وغيرها. وما زالت عملية تقييم الأضرار مستمرة. فحجم الخسائر فادحة في القطاع مقارنة بما حدث له في حروب غزة الأربعة السابقة، مما يلقي بأعباء مضاعفة على مصر في حال قيامها بمهام مركزية لإعادة إعمار القطاع.
خلاصة القول، إن مصر تهتم بترسيخ بناء السلام وإعادة الإعمار واستدامة التنمية في مراحل ما بعد سكوت المدافع في بؤر الصراعات بالمنطقة العربية، وهو ما يرتبط بمساعيها لتعزيز الاستقرار الإقليمي، من خلال تحالف من الشركات الحكومية والخاصة، يعمل على بناء المدن المهدمة وإعادة تأهيل البنية الأساسية من طرق وكهرباء ومياه ومدارس ومستشفيات، على نحو يصب في الحفاظ على الأمن القومي لمصر، ويدعم اقتصادها، ويعزز مكانتها في الإقليم.