تتسم صراعات الشرق الأوسط بتعقيداتها الفريدة وبتأثيرها الواسع، حيث تتداخل فيها المصالح المحلية والإقليمية والدولية، ويعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أحد أهم النماذج الأخيرة للصراعات بالمنطقة، سبقها الصراع في السودان والصراع بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، والأحداث في سوريا، وليبيا وغيرها من الصراعات الأخرى التي لا تنتهي بالمنطقة. تسببت تلك الصراعات في ظهور أزمة إنسانية هائلة تتمثل في الهجرة القسرية أو النزوح القسري، والتي يمكن تعريفها بتحرك الأشخاص مُكرهين على مغادرة منازلهم نتيجة لوجود تهديد على حياتهم أو العنف أو الظروف المناخية أو ظروف أخرى، وقد بلغ عدد اللاجئين والنازحين قسرًا في منطقة الشرق الأوسط حوالي 71.8 مليون شخص ويقدر أعداد اللاجئين السوريين بحوالي 6 ملايين لاجئ، وتشير التقارير إلى وجود حوالي 15.6 مليون نازح داخلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
توجد العديد من الأسباب التي تدفع المواطنين إلى النزوح القسري يعد أولها: هو الصراع والعنف، فبحسب المفوضية السامية لشئون اللاجئين تُجبر الحروب والاضطرابات والاضطهاد على أساس العرق أو الدين أو المعتقدات السياسية الناس على الفرار من منازلهم خوفًا على سلامتهم، أما السبب الثاني: فهو يتمثل في التغيرات المناخية التي تكون المحرك للهجرة القسرية للبحث عن مناطق أخرى صالحة للعيش، أما السبب الثالث: فهو العوامل الاقتصادية حيث تجبر الأوضاع الاقتصادية الناس على الهجرة بحثًا عن حياة أفضل.
تتفاوت البيانات حول أعداد اللاجئين بمنطقة الشرق الأوسط، فتشير التقارير الأممية إلى أن تركيا تأتي في المركز الأول تاريخيًا من حيث استضافة أعداد اللاجئين، وتأتي لبنان في المركز الثاني بأكثر من 835 آلف لاجئ وفقًا لبيانات المفوضية السامية لشئون اللاجئين حتى منتصف عام 2022، وهو ما يعني أن هناك واحدًا من كل ستة أشخاص هو لاجئ، وتأتي الأردن في المركز الثالث بأكثر من 715 ألف لاجئ وفقًا لبيانات المفوضية السامية لشئون اللاجئين في منتصف عام 2022،وهو ما يعني أن واحدًا من كل 14 شخصًا في الأردن لاجئ، بينما تأتي مصر في الترتيب التالي بعدد 600 ألف لاجئ (وفقًا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين)، بينما تشير البيانات الحكومية المصرية إلى وجود نحو 9 ملايين شخص لاجئ بها.
تعد سوريا من أكثر المصدرين للاجئين بمنطقة الشرق الأوسط حيث فرّ منها أكثر من 6.8 ملايين شخص بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2011 ومستمرة حتى الآن، لكن سوريا ليست الوحيدة بالمنطقة حيث فر من فلسطين حوالي 5.9 ملايين مواطن، وفر من تركيا 3.8 ملايين، ومن السودان 2.8 مليون ومن العراق 2.7 مليون ومن لبنان 1.9 مليون ومن اليمن 2.3 مليون، تلك البيانات من سجلات مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين وهي غير دقيقة حيث إنه بالنظر إلى بيانات الرسمية المصرية فمصر هي ملجأ لحوالي 4 ملايين سوداني.
تتسبب عملية الهجرة القسرية بتأثير عميق على اللاجئين؛ مما يؤثر على رفاههم في مختلف جوانب الحياة، إذ يكون لتلك الهجرة أثر نفسي عميق على اللاجئين، حيث يعاني اللاجئون من الصدمة بسبب العنف والخسارة والنزوح، الأمر الذي يتسبب في انتشار أمراض نفسية مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، لموجات الهجرة القسرية آثار اجتماعية أيضًا إذ إنها تتسبب في تعطيل الشبكات الاجتماعية بين الأسر وتفكك الروابط الأسرية، وقد يواجه اللاجئون صعوبات في الاندماج في مجتمعات جديدة بسبب تحديات مثل الحواجز اللغوية والاختلافات الثقافية والتمييز بينهم وبين المواطنين الأصليين، يعاني المهاجرون القسريون أيضًا من الآثار الاقتصادية السلبية؛ إذ يصل اللاجئون في كثير من الأحيان بموارد محدودة ويواجهون تحديات في إيجاد فرصة عمل بسبب عدم الاعتراف بالمؤهلات العلمية الخاصة بهم أو العوائق اللغوية؛ الأمر الذي يؤدي إلى الفقر وانعدام الأمن الاقتصادي، يُعاني اللاجئون أيضًا من الآثار الصحية حيث يكون للاجئين إمكانيات محدودة في الحصول على رعاية صحية في المخيمات التي يقيمون بها أو المجتمعات الجديدة، هذا فضلًا عن أن ضغط موجات النزوح يؤدي إلى تفاقم الظروف الصحية السيئة بالفعل.
يواجه اللاجئون بمنطقة الشرق الأوسط تحديات عديدة منها إمكانية الوصول إلى مأوى آمن وغذاء ومياه نظيفة هذا فضلًا عن محدودية مرافق الصرف الصحي في المخيمات المكتظة أو المجتمعات المضيفة؛ مما يؤدي إلى مخاطر صحية مثل سوء تغذية، ويصاب اللاجئون بأمراض الصحة العقلية بسبب التعرض للعنف والنزوح وحالة عدم اليقين حول مستقبلهم؛ مما يشكل ضغطًا نفسيًا كبيرًا مع محدودية الوصول إلى خدمات الصحة العقلية، ويجد اللاجئون بمنطقة الشرق الأوسط صعوبة في إيجاد عمل قانوني بسبب القيود وعدم الاعتراف بالمؤهِلات؛ مما يعيق قدرتهم على إعالة أنفسهم وأسرهم، وهو ما يدفع اللاجئين إلى العمل بالقطاع غير الرسمي؛ مما يعرضهم للاستغلال، وانخفاض الأجور، ونقص الحماية الاجتماعية مثل التأمين الصحي.
العواقب الاقتصادية وتجارب الدول
أثارت الزيادة الهائلة في عدد اللاجئين عالميًا في السنوات الأخيرة جدلًا كبيرًا حول العواقب الاقتصادية المترتبة على استضافة السكان النازحين، وتشير بعض الأبحاث إلى أن البلدان المضيفة الأكثر فقرًا كانت عرضة بشكل كبير إلى نقص الغذاء، وارتفاع الأسعار، ووجود عمالة رخيصة من اللاجئين والعمل في القطاع غير الرسمي أضر بمصالح العمالة المحلية، أكدت تلك النتائج بحثًا آخر أُجري على اللاجئين السوريين بتركيا حيث أشارت نتائج البحث إلى أن أسعار المساكن والسلع الأساسية زادت بشكل كبير، ونافس اللاجئون على فرص العمل من خلال العمل بشكل غير رسمي مقابل أجر أقل من العمالة الرسمية وهو ما كان له تأثير سلبي على العمالة التركية المحلية، وأكدت النتيجة نفسها بحثًا آخر تم إجراؤه في منطقة “كاجيرا” في شمال تنزانيا أشار إلى أن العمال الزراعيين المضيفين خسروا أعمالهم بسبب زيادة المنافسة مع اللاجئين في حين استفاد أصحاب العمل الزراعيون من الأيدي العاملة الرخيصة.
من جانب آخر، أشارت كتابات بحثية أخرى أن اللاجئين في تنزانيا ساهموا في خلق فرص اقتصادية للمقيمين الذين يعيشون بالقرب من مستوطنات اللاجئين حيث استفادت تلك المناطق من الطلب المتزايد الذي ولده اللاجئون، حيث أثبتت الدراسات أنه مع مرور الوقت (فترات متوسطة إلى طويلة الأجل)، ساهم اللاجئون في زيادة أسعار السلع الغذائية، لكن المساعدات الغذائية التي قدمتها الأمم المتحدة كافحت تلك الزيادة في أسعار المواد الغذائية، واستفاد بائعو الأغذية من الزيادات في الأسعار وازدادت رفاهيتهم قياسًا على ممتلكاتهم من الأصول.
لأوغندا تجربة فريدة في التعامل مع اللاجئين حيث أصبحت البلاد موطنًا كبيرًا لأكبر عدد من اللاجئين في أفريقيا؛ مما دفع البنك الدولي لتصنيفها بأنها أكثر الدول سخاء في التعامل مع اللاجئين، إذ مكنت أوغندا اللاجئين من الوصول إلى الأراضي الزراعية؛ الأمر الذي يساعدهم على تعزيز سبل العيش المستدامة ذاتيًا للاجئين وتعزز من قدرات الإنتاجية.
تقدم أوغندا تجربة فريدة للاستفادة من اللاجئين لتحقيق الرفاه الاقتصادي، حيث يتم تسجيل اللاجئين الذين يصلون إلى الحدود الأوغندية، حيث يتم نقلهم إلى واحدة من ضمن 12 مستوطنة تم إقامتها على الحدود الأوغندية، ثم توفير بطاقات تعريفية لهم وبطاقة تموينية وقطعة أرض أولية في حال وجودها، تلك الأراضي تكون صالحة بالزراعة، ثم يتم نقل اللاجئين إلى مخيمات الفرز حيث تتم إدارتها بشكل مشترك من جانب الحكومة الأوغندية والمفوضية السامية لشئون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، وفي مرافق الفرز يحصل اللاجئون على إقامة مؤقتة وطعام ومواد أساسية مثل بطانيات، ثم يتم تسجيل اللاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وهو ما يتبعه صدور بطاقة تموينية لهم، ثم يتم فرزهم على أساس العرق وتوزيعهم على مستوطنات دائمة وتوفير مساحة زراعية لكل مستوطنة، لا تستغرق عملية التسجيل أكثر من أسبوعين، وبمجرد أن يكون هناك عدد من اللاجئين جاهز للانتقال إلى مستوطنات اللاجئين الدائمة، يتم نقلهم بالحافلة على دفعات إلى المستوطنة المخصصة لهم، مخيم “رواموانجا” للاجئين في مقاطعة “كاموينج” بجنوب غرب أوغندا أحد تلك النماذج، حيث يتم توزيع قطع الأراضي على اللاجئين حسب توفرها وحسب مجموعة من الشروط مثل عدد الذكور القادرين على العمل، ونسب التعليم العالي، ومعدلات الإعالة المنخفضة، ونسب النساء الأقل؛ كل تلك هي أمور وشروط رئيسية يتم النظر إليها قبل تخصيص الأراضي، وحيث إنه يسمح للاجئين في أوغندا بالتنقل بحرية يترك بعض اللاجئين قطع الأراضي وينتقلون للعمل في العاصمة “كامبالا”؛ مما يؤدي إلى تحرير قطع الأراضي المخصصة سابقًا، وتفقد الأسرة حقوقها في قطعة الأرض بمجرد مغادرتها للمستوطنة، وتقوم إدارة المستوطنات بتحديد قطع الأراضي الحرة أو المعطلة من خلال المراقبة المستمرة وإعادة طرحها للتخصيص مرة أخرى، حيث تحصل الأسر النازحة على حقوق استخدام الأراضي فقط، ولا يتم منح أي سند ملكية رسمي لتلك الأراضي، وعادة ما تكون الأراضي المخصصة للاجئين هي أراضي عامة حكومية غير مستغلة.
تشير الدراسات إلى أن المساعدات التي يتلقاها اللاجئون من المنظمات الدولية بالإضافة إلى سياسات تخصيص الأراضي الزراعية التي تبنتها الحكومة الأوغندية كان لها أثر إيجابي على مستويات الدخل في المناطق المستضيفة للاجئين والمناطق المجاورة لها؛ حيث يتمتع اللاجئون بحرية الدخول والخروج من المستوطنة والتعامل في الأسواق المحلية كمشترين أو بائعين أو تحويل المعونة إلى أسر أخرى من خلال زيادة الطلب على الغذاء داخل المخيم وما حوله في القرى المجاورة، حيث يستثمر العديد من اللاجئين في الإنتاج الزراعي أو الحيواني في قطع الأراضي المخصصة لهم، وعلى الرغم من تلك المميزات إلا أن تدفق العمالة للاجئة إلى الاقتصاد المحلي كان حافزًا للشركات والأنشطة الإنتاجية في البلد المضيف، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى انخفاض الأسعار والضغط على الأجور المحلية؛ مما يؤثر سلبيًا على العمال المحليين.
تتطلب أوضاع اللاجئين بمنطقة الشرق الأوسط تكاتفًا على المستوى العربي وعلى المستوى الدولي، ربما آن الآوان لإطلاق صندوق دعم لأوضاع اللاجئين على المستوى العربي تساهم فيه الدول العربية بنسبة يتم تحديدها بالاتفاق أو وفقًا لمقياس الدخل القومي للفرد GDP Per Capita بحيث يمكن للدول الأعلى دخلًا المشاركة بنسبة أكبر من الدول الأقل دخلًا، أو يتم الاتفاق على أي آلية أخرى لتحديد آلية المساهمة بالصندوق، ليتولى ذلك الصندوق دعم الدول العربية المكتظة باللاجئين، وربما يتطور الأمر لإنشاء مفوضية سامية لشئون اللاجئين العرب تابعة لجامعة الدول العربية أو لأي جهة أخرى لتكون لها اليد العليا في تحسين أوضاع اللاجئين بالدول العربية.