يواجه سوق العمل المصري تحديات عديدة تحد من قدرته على توفير فرص عمل كافية للمواطنين، فمصر من البلدان ذات الفائض في القوى العاملة، وذلك بسبب عوامل عدة أبرزها الزيادة السكانية الكبيرة؛ مما جعل القطاع الرسمي غير قادر على استيعاب هذا الفائض. نتيجة لذلك، اتجهت العمالة غير الموظفة إلى سوق العمل غير الرسمي أو الهجرة الخارجية؛ مما أدى إلى استنزاف الخبرات والكفاءات اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية لمواجهة هذا التحدي، اتخذت الحكومة المصرية عدة إجراءات، من أبرزها الاهتمام بدعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر باعتبارها محركات للنمو الاقتصادي والتوظيف. وذلك من خلال تسهيل الحصول على التمويل اللازم لهذه المشروعات، حيث أصدر البنك المركزي المصري توجيهات للبنوك بزيادة نسبة التمويل الموجه للشركات الصغيرة والمتوسطة إلى 25% من محفظة التسهيلات الائتمانية. كما اتبعت الدولة سياسات أخرى مثل تأجيل أقساط القروض لأصحاب الأعمال لدعم القطاعات الأكثر تضررًا.
- المحددات المؤثرة في سوق العمل في مصر
• التحول الديموغرافي: شهدت مصر تحولًا ديموغرافيًّا كبيرًا، والذي تمثل في زيادة نسبة الشباب في السكان، حيث يشكل الشباب في مصر الأغلبية العظمى من السكان، وهذا يعني أن هناك حاجة ملحة لخلق فرص عمل جديدة لتلبية احتياجات هذه الفئة العمرية الكبيرة.
• النمو الاقتصادي: فعلى الرغم من أن النمو الاقتصادي في مصر لم يكن متسارعًا خلال العقود الأخيرة، فإن مصر حققت معدلات نمو جيدة في بعض السنوات أدت إلى خفض معدل البطالة. حيث سجل معدل النمو الاقتصادي المصري 6.6% للعام المالي 2021/2022 مقارنة بـ 2.9% للعام المالي 2013/2014 حيث إن النمو المستمر يؤدي إلى زيادة الاستثمارات، وتوفير فرص العمل.
• التعليم: بجانب النمو الاقتصادي، يتأثر الطلب على العمل في مصر بمستوى التعليم والمهارات الفنية للعمال. فهناك تحسن ملحوظ في معدلات التعليم في مصر خلال السنوات الأخيرة، وتم محو أمية 903.2 ألف نسمة للعام المالي 2022/2023 مقارنة بـ 235.78 ألف نسمة عام 2013/2014.
• الأجور ومعدل التضخم: حيث تم تخصيص نحو 470 مليار جنيه لباب الأجور وتعويضات العاملين من إجمالي المصروفات البالغة نحو 2.99 تريليون جنيه بموازنة العام المالي 2023/2024 مقابل 410 مليار جنيه بموازنة العام السابق بزيادة 60 مليار جنيه، أو نحو 14.6% على أساس سنوي. اتخذت مخصصات الأجور وتعويضات العاملين اتجاهًا عامًّا موجبًا على مدار الخمس سنوات، مُسجِّلةً أعلى مستوياتها خلال العام المالي الجاري عند 470 مليار جنيه مقابل 288.773 مليار جنيه المُسجَّلة بداية الفترة محل الدراسة، بنسبة زيادة قدرها 62.7%، كما يُعد بند الأجور وتعويضات العاملين رابع أكبر بند في باب مصروفات الموازنة العامة للدولة؛ حيث استحوذ على نحو 15.7% من مصروفات الدولة خلال العام المالي 2023/2024، يسبقه في الترتيب بند الفوائد، والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، وشراء الأصول غير المالية.
- مخصصات الأجور وتعويضات العاملين (مليار جنيه)
المصدر: البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2023/2024.
وفيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، فقد شهد سبع زيادات متتالية منذ فبراير 2019؛ تمثلت آخرها في مارس 2024، حيث وجَّه الرئيس “عبد الفتاح السيسي” برفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الجهاز الإداري للدولة إلى 6000 جنيه، وذلك في إطار حرص الحكومة على مساندة المواطن المصري في ظل الأزمات الاقتصادية، كما يتبين من الرسم أدناه:
- تطور الحد الأدنى للأجور في مصر
يتبين من الرسم أعلاه أن الحكومة المصرية قررت رفع الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه خلال عام 2019، لتُقرِّر عقب ذلك رفعه مرة أخرى عام 2021 إلى 2024 جنيه، لتتخذ الخطوة نفسها من جديد بحلول يناير 2022 ليصل إلى 2700 جنيه، ليرتفع عقب ذلك إلى 3500 و4000 جنيه خلال مارس 2023، وسبتمبر 2023 على الترتيب، حتى جاءت الزيادة الأخيرة مارس 2024 عند 6000 جنيه، مع إقرار التعجيل في التطبيق لتخفيف الأعباء على المواطنين. وهكذا بلغت الزيادة الصافية في الحد الأدنى للأجور نحو 4800 على مدار السنوات الأربع الماضية.
ولم تقتصر تلك الزيادات على القطاع العام فقط؛ إذ أعلن المجلس القومي للأجور في مصر رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص إلى 6000 جنيه اعتبارًا من مايو 2024، حرصًا من الحكومة على تحقيق التوازن في مصالح طرفي الإنتاج من صاحب العمل والعامل، خاصة في ظل التحديات الراهنة، بالإضافة إلى سعيها الحفاظ على حقوق العمال ومكتسباتهم، وتوفير حياة كريمة لهم، واستقرار المنشآت وتحقيق أعلى إنتاجية لخدمة عملية التنمية في الدولة.
ويُعد تحسين الأجور أمرًا حاسمًا لتحسين مستوى المعيشة وتعزيز القدرة الشرائية للعمال. كما يشير التوجيه الرئاسي إلى أهمية زيادة الأجور بشكل عادل ومستدام وفقًا لظروف الاقتصاد الوطني، كما ستؤدي هذه الخطوة إلى تحفيز الاستهلاك المحلي وتعزيز النمو الاقتصادي.
كما تُعد المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وفي إطار جهود الدولة المصرية لدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، أعلن جهاز تنمية المشروعات عن تحقيق إنجازات كبيرة خلال العام المالي 2022/2023، حيث بلغت قيمة التمويلات الممنوحة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر 48.3 مليار جنيه، لتمويل أكثر من 1.9 مليون مشروع، وتوفير أكثر من 3 ملايين فرصة عمل.
- نتائج مرجوة
ونتيجة لتلك الجهود ومع تبني الدولة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي خلال الفترة 2014- 2022 تولت الدولة القيام بإجراءات الإصلاح الاقتصادي وتنفيذ عدد من المشروعات القومية الكبرى بما في ذلك مشروعات البنية التحتية، وكذلك عملت على تهيئة بيئة الأعمال لحفز القطاع الخاص على العودة للمشاركة في الحياة الاقتصادية ثم الانسحاب التدريجي للدولة بعد القيام بدورها، ولا سيما في سد الفجوة الإنتاجية خلال فترات انخفاض مشاركة القطاع الخاص، وانخفض معدل البطالة في الربع الأول من العام 2024 إلى 6.7%، بانخفاض 0.2% عن الربع السابق كما أن حجـــم قـــــوة العمــــل سجل 31.397 مليون فرد مقابل 31.101 مليون فرد خلال الربع السابق بنسبة زيادة مقدارها 1,0%. وبلغت قوة العمل في الحضر 13.758مليون فرد، بينما بلغت في الريف 17.639مليون فرد.
بالإضافة إلى تقدم ترتيب مصر مركزًا في مؤشر مرونة العمل العالمي عام 2023 حيث حصلت على المركز 72 من بين 136 دولة، مسجلة 53 نقطة عام 2023 مقابل المركز 73 بنحو 54.6 نقطة عام 2022.
في الختام، سوق العمل يتطلب أولًا: متابعة وتنسيقًا دائمًا بين مخرجات العملية التعليمية ومتطلبات سوق العمل سريعة التغيير، فالذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث العديد من التغييرات الإيجابية في المجتمع، بما في ذلك تعزيز الإنتاجية وتحسين الرعاية الصحية وزيادة الوصول إلى التعليم، لكننا بحاجة إلى التكيف الآن. وثانيًا: تطويرًا في فكر القطاع الخاص لخلق فرص عمل جديدة تناسب كافة المؤهلات المعروضة، وثالثًا: تشديد الرقابة على القطاع الخاص فيما يتعلق بأوضاع العمالة.