المقدمة
تلجأ الدولة المصرية إلى تقديم الدعم الحكومي كأداة هامة لدعم قطاعات حيوية ذات مردودية محدودة، ولتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة للفئات الأقل دخلاً. وتسعى الحكومة جاهدة لتحقيق الاستدامة في تقديم هذا الدعم، مع تنفيذ مشاريع قومية تساهم في تحقيق معدلات تنمية شاملة في كافة القطاعات. يُعدّ تنفيذ هذه المشاريع القومية ضروريًا لتحقيق التنمية المستدامة، لكنه يتطلب تخصيص أموال ضخمة. وتهدف هذه التنمية في الأساس إلى تحسين حياة المواطن المصري، وتعويض الخسائر الناجمة عن التحديات الجوهرية التي تواجه الاقتصاد المصري، مثل تراجع إيرادات قناة السويس وارتفاع الأسعار العالمية للمحروقات والسلع الغذائية.
تواجه الحكومة المصرية مهمة صعبة في تحقيق التوازن بين تقديم الدعم الحكومي اللازم وتحقيق الاستدامة المالية، مع تمويل المشاريع القومية التي تُساهم في تحقيق التنمية الشاملة. وتُدرك الحكومة المصرية أن الاستثمار في تنمية مختلف القطاعات هو السبيل الوحيد لتحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز رفاهية المواطنين على المدى الطويل. وإلى جانب الدعم الحكومي، تُشجّع الحكومة المصرية على الاستثمار في القطاع الخاص، باعتباره محركًا هامًا للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. وتُؤمن الحكومة المصرية بأنّ التعاون بين القطاعين العام والخاص هو مفتاح تحقيق التنمية المستدامة وتحسين حياة المواطنين.
حجم الدعم الذي تقدمه الدولة
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة، اتخذت الحكومة المصرية خطوات حاسمة لتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي ودعم القطاعات الإنتاجية، وذلك ضمن موازنة العام المالي 2024/2025. تأتي هذه الخطوة الاستباقية تجسيدًا لالتزام الحكومة المصرية بتحقيق التنمية الشاملة وتحسين مستوى حياة جميع المواطنين، وتعكس حرصها على التخفيف عن كاهل المواطنين وتعزيز قدرتهم على مواجهة الظروف المعيشية الراهنة. شهدت موازنة العام المالي 2024/2025 زيادة هائلة في مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية، حيث ارتفعت من 358.4 مليار جنيه في العام المالي الحالي إلى 529.7 مليار جنيه، بزيادة بنسبة48.8% وتُعزى هذه الزيادة إلى حرص الحكومة على توسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية لتشمل المزيد من الأسر المستحقة، بما في ذلك ذوي الدخل المحدود وكبار السن وذوي الإعاقة.
تهدف زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية إلى توسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية لتشمل المزيد من الأسر المستحقة، تم تخصيص.7 127 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، بزيادة .9%41 عن العام المالي الحالي، للتخفيف عن أعباء المواطنين في شراء السلع الأساسية. تم تخصيص.4 119 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، تم تخصيص 6 مليارات جنيه للتأمين الصحي والأدوية، بزيادة.2%58 عن العام المالي الحالي، لضمان حصول المواطنين على خدمات صحية رعاية صحية مناسبة. تم تخصيص.2 10 مليار جنيه لدعم الإسكان الاجتماعي، بزيادة .5%31 عن العام المالي الحالي، لتوفير فرص سكن ملائمة بأسعار معقولة. تم تخصيص 31 مليار جنيه لمعاشات الضمان الاجتماعي، بزيادة 25% عن العام المالي الحالي، لضمان حياة كريمة لكبار السن. تم تخصيص 8 مليارات جنيه لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، بزيادة .3%14 عن العام المالي الحالي، لتوفير رعاية صحية شاملة لجميع المواطنين.
بالإضافة إلى زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية، تتخذ الحكومة المصرية خطوات أخرى لتحقيق التنمية الشاملة وتحسين مستوى حياة جميع المواطنين، تشمل: تستمر الحكومة المصرية في تنفيذ المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” لتطوير قرى الريف المصري وتحسين مستوى الخدمات المعيشية لسكانها. وتشمل المبادرة مجالات حيوية مثل البنية التحتية والصحة والتعليم والثقافة والرياضة، وتستهدف 60% من المصريين، أي ما يعادل 40 مليون مواطن. تدرك الحكومة المصرية أهمية دعم القطاعات الإنتاجية، خاصة الصناعة والزراعة، لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. لذلك، تم تخصيص.5 19 مليار جنيه لمبادرة دعم سعر الفائدة في التسهيلات الائتمانية لأصحاب الأنشطة الصناعية والزراعية، بهدف تحفيز الإنتاج وتعزيز الصادرات. تم تخصيص .128 مليار جنيه لدعم وتنشيط الصادرات، بما يُساهم في زيادة فرص العمل وجذب الاستثمارات الأجنبية.
مع ازدياد عدد المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي والمنح الحكومية، تزايدت أيضًا أعباء الموازنة العامة للدولة، مما يُشكل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق الأهداف الاقتصادية المنشودة. ولكن، لا ينبغي النظر إلى هذا التحدي على أنه مُعطل للتنمية، بل كفرصة لإعادة تقييم استراتيجيات الدعم وترشيدها بما يحقق التوازن بين حماية المواطن وتحقيق التنمية المستدامة. فما هي أهمية ترشيد الدعم؟
يُساهم ترشيد الدعم في تخفيف العبء المالي على الموازنة العامة للدولة، مما يُتيح لها توجيه المزيد من الموارد لتمويل مشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة، وغيرها من القطاعات الحيوية. ويُساعد ترشيد الدعم في توجيه الدعم بشكل أكثر كفاءة إلى الفئات الأكثر احتياجًا، مما يُساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوة بين الطبقات. كما يُمكن أن يُساهم ترشيد الدعم في تحسين بيئة الاستثمار وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، مما يُعزز النمو الاقتصادي ويُخلق فرص عمل جديدة. ويُساعد ترشيد الدعم في الحفاظ على الموارد الطبيعية، مثل الطاقة والمياه، مما يُساهم في حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
كيف يمكن ترشيد الدعم دون إثقال كاهل المواطن؟ يجب تحديد الفئات المستحقة للدعم بشكل دقيق وتوجيهه إلى تلك الفئات فقط، مع الأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم وظروفهم المعيشية. ويجب تطوير برامج الدعم لتكون أكثر كفاءة وفعالية، مع التركيز على دعم السلع والخدمات الأساسية وتقليل الدعم غير الضروري. ويجب تعزيز التوعية بأهمية ترشيد الدعم وإشراك المواطنين في عملية صنع القرار بشأن كيفية توجيهه بشكل أفضل. ويجب مكافحة الفساد في برامج الدعم لضمان وصوله إلى مستحقيه وتجنب هدر الأموال العامة.
لا يُعدّ ترشيد الدعم عبئًا على المواطن، بل هو خطوة ضرورية لحماية المواطن والدولة والمستقبل. فمن خلال ترشيد الدعم يمكن ضمان استدامته وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التي تُساهم في تحسين مستوى حياة جميع أفراد المجتمع. لذا، يجب علينا جميعًا التعاون مع الدولة لإنجاح عملية ترشيد الدعم وخلق مستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة.
تكلفة الدعم عبر السنوات
شهدت مصر خلال الفترة من العام المالي 2010/2011 إلى 2024/2025 رحلةً متقلبة لقيمة الدعم، اتسمت بارتفاعات وانخفاضات ملحوظة، مع تأثيرات اقتصادية واجتماعية هامة. في العام المالي 2010/2011، بلغ إجمالي قيمة الدعم 101.3 مليار جنيه. شهد هذا العام بداية مسار صعودي للدعم، حيث ارتفع بنسبة 31.3% ليصل إلى 132.9 مليار جنيه في العام المالي 2011/2012. لم يدم هذا الارتفاع طويلاً، حيث انخفضت قيمة الدعم بنسبة 15% في العام المالي 2012/2013 لتصل إلى 113 مليار جنيه. لكن سرعان ما عادت قيمة الدعم للارتفاع بشكل هائل بنسبة 41.7% في العام المالي 2013/2014، لتصل إلى 160.1 مليار جنيه.
استمرت قيمة الدعم في الارتفاع خلال العام المالي 2014/2015 بنسبة 11.6% لتصل إلى 178.7 مليار جنيه. إلا أن هذا الارتفاع لم يدم طويلاً، حيث بدأت قيمة الدعم في الانخفاض مرة أخرى في العام المالي 2015/2016 بنسبة 13.8% لتصل إلى 153.9 مليار جنيه. استمر هذا الاتجاه الانخفاضي في العام المالي 2016/2017، حيث انخفضت قيمة الدعم بنسبة 16.5% لتصل إلى 128.5 مليار جنيه. لكن شهد العام المالي 2017/2018 أكبر قفزة في قيمة الدعم خلال الفترة بأكملها، حيث ارتفعت بنسبة 72.8% لتصل إلى 222.1 مليار جنيه. لم يدم هذا الارتفاع الاستثنائي طويلاً، حيث عادت قيمة الدعم للانخفاض في العام المالي 2018/2019 بنسبة 3.5% لتصل إلى 214.3 مليار جنيه. واستمر هذا الانخفاض في العام المالي 2019/2020، حيث وصلت قيمة الدعم إلى 171.8 مليار جنيه، بنسبة انخفاض 19.8% عن العام المالي السابق.
خلال السنوات المالية من 2020 إلى 2024، شهدت مصر اتجاهات متباينة في قيمة الدعم، حيث سجلت ارتفاعًا ملحوظًا في عام 2022/2023، تلاها ازدياد طفيف في عام 2023/2024. يهدف هذا التحليل إلى تقديم دراسة نقدية متعمقة لتطور قيمة الدعم خلال تلك الفترة، مع التركيز على العوامل المؤثرة على هذا الارتفاع، ومناقشة التأثيرات الناتجة عنه، وتقييم جهود الإصلاحات الاقتصادية المبذولة لمعالجة التحديات.
في عام 2020/2021، شهد هذا العام ارتفاعًا في قيمة الدعم لتصل إلى 187.5 مليار جنيه. يمكن تفسير هذا الارتفاع بزيادة أسعار السلع العالمية، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة دعم السلع التموينية والمواد البترولية. من المهم ملاحظة أن هذا الارتفاع لم يكن متوقعًا تمامًا، حيث لم تكن الحكومة المصرية قد وضعت في حساباتها الزيادات الكبيرة في أسعار السلع العالمية. في عام 2021/2022، استمر اتجاه الارتفاع بشكل طفيف، حيث بلغت قيمة الدعم 193.4 مليار جنيه. يُعزى هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى استمرار ارتفاع أسعار السلع العالمية. يُشير هذا الاستمرار إلى وجود تحديات بنيوية تؤثر على تكاليف الدعم، وتتطلب حلولًا طويلة الأمد.
شهد عام 2022/2023 قفزة ملحوظة في قيمة الدعم، حيث وصلت إلى 242.5 مليار جنيه. يُبرر هذا الارتفاع بشكل رئيسي استمرار ارتفاع أسعار السلع العالمية وزيادة عدد المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي. يُثير هذا الارتفاع مخاوف بشأن استدامة برامج الدعم وتأثيرها على الموازنة العامة للدولة. وقد وصل الدعم في عام 2023/2024 إلى 267.4 مليار جنيه. يُعزى هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى استمرار نفس العوامل التي أدت إلى زيادة الدعم في العام السابق. يُؤكد هذا الاستمرار الحاجة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لتحسين كفاءة استخدام الدعم وتقليل تكلفته.
اهمية الدعم واستمراريته
يُعدّ الدعم الحكومي للمواطن عنصرًا أساسيًا في تحقيق التنمية والاستقرار الاجتماعي، فهو بمثابة شبكة أمان تحمي الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع وتساهم في توفير احتياجاتهم الأساسية. وتكمن أهمية هذا الدعم في جوانب متعددة، من أهمها توفير السلع والخدمات الأساسية، إذ يُقدم الدعم الحكومي للمواطن إمكانية الحصول على السلع والخدمات الأساسية بأسعار مخفضة، مثل السلع التموينية والطاقة والمياه. ويُساهم ذلك في تخفيف العبء المادي على كاهل محدودي الدخل، خاصةً في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة. كما يُساعد في ضمان حصول جميع أفراد المجتمع على احتياجاتهم الأساسية، بغض النظر عن مستويات دخلهم.
من جانب أخر، يُشكل الدعم الحكومي حافزًا لنمو قطاعات اقتصادية معينة، مثل الزراعة والصناعة. ويُمكن أن يُقدم الدعم في شكل قروض ميسرة أو إعفاءات ضريبية أو دعم للبنية التحتية. ويُساهم ذلك في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية، مما يُنعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي بشكل عام. كما يُساعد الدعم الحكومي للمواطن في خلق بيئة اجتماعية أكثر استقرارًا وأمانًا. يُمكن أن يُقلل من معدلات الفقر والجريمة، ويُعزز الشعور بالعدالة والمساواة بين أفراد المجتمع. كما يُمكن أن يُساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي ونشر ثقافة التعاون والتضامن.
بالإضافة إلى أن الدعم الحكومي يُقدم حماية خاصة للفئات الضعيفة في المجتمع، مثل كبار السن وذوي الإعاقة والأيتام. يُمكن أن يُقدم لهم معاشات تقاعدية أو دعمًا ماليًا أو خدمات رعاية صحية. يُساهم ذلك في تحسين مستوى معيشتهم وضمان حصولهم على حقوقهم الأساسية. يُمكن للدعم الحكومي أن يُساهم في تحسين جودة التعليم والصحة من خلال توفير المنح الدراسية ودعم البنية التحتية للمدارس والمستشفيات. ويُساعد ذلك في رفع مستوى المعرفة والوعي بين أفراد المجتمع، وتحسين حالتهم الصحية بشكل عام. يُمكن للدعم الحكومي أن يُشجع على اتباع ممارسات زراعية وصناعية صديقة للبيئة من خلال تقديم حوافز للمزارعين والشركات التي تُقلل من انبعاثات الكربون أو تستهلك طاقة أقل. ويُساهم ذلك في حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.