بعد ساعات من إصدار محكمة العدل الدولية أوامر تقضى بضرورة الوقف الفورى للعمليات العسكرية فى رفح، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتقديم تقرير بعد شهر حول سير الالتزام بهذه الأوامر، استهدف قصف إسرائيلى منطقة مكتظة بالنازحين فى شمال غرب رفح.
مجزرة الخيام تؤكد رسالة واضحة من الاحتلال الإسرائيلى إلى المحاكم الدولية، ومنها الى المجتمع الدولى، مفادها بأن إسرائيل فوق الشرعية الدولية، وأنها لا تخشى الأحكام ولا العقوبات، وبالتالى فهى مستمرة فى عمليات القتل والتدمير ومواصلة استهداف المدنيين العزل.
إسرائيل مصرة على المضى قدما فى سياستها الممنهجة الرامية لتوسيع رقعة القتل والدمار فى قطاع غزة لجعله غير قابل للحياة، ومستمرة فى تنفيذ مخططها الذى يستهدف تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على حل الدولتين. مع حرب غزة وتهجير الأهالى، والاستيلاء على المزيد من الأراضى، وتفتيت الجغرافيا الفلسطينية، ومحاولة القضاء على الحق فى العودة، والتصعيد فى رفح، تكون إسرائيل قد قطعت أشواطا فى تنفيذ خططها التى اتخذت من عملية 7 أكتوبر فرصة ثمينة من أجل التسريع فى إنجازها.
ما يقوى من التعنت الإسرائيلى هو، أولا، أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة، إلا أنها لا تتمتع بسلطة إنفاذها. ثانيا، إسرائيل تستغل دائما الثغرات، الموجودة قصدا او سهوا، فى الأحكام الدولية، من أجل التحايل عليها او رفض الالتزام بها. بالنسبة لقرار محكمة لاهاى، مطالبة إسرائيل بوقف القتال فى رفح ليست قطعية، بل مشروطة بعدم المساس أو الضرر بالسكان المدنيين الفلسطينيين وضمان سلامتهم. يبدو أن المحكمة تأثرت بالموقف الأمريكى الذى يدّعى بأن إسرائيل تفعل ما هو ضرورى لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين. وكما أشرت الى ذلك فى مقال سابق، واشنطن لا تعارض استمرار العملية العسكرية فى رفح مادام عدد القتلى يوميا لا يتجاوز العشرات. إسرائيل تدعى أنها تعمل كل ما بوسعها لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين، وتركز عملياتها العسكرية ضد حماس من أجل القضاء عليها واستعادة المختطفين.
الكارثة أن أمريكا وبعض الغرب يريدون أن يصدقوا هذه الرواية التى ربما ستطيل أمد الحرب لأشهر إضافية، لان ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه فى وقت وجيز، حتى لا تثير المزيد من الغضب ضدها، يمكن أن تحققه بقوة نارية أقل لكن لفترة زمنية اطول. بهذا الشكل، العملية العسكرية فى رفح ستستمر، طالما أمريكا تريد ومحكمة لاهاى لم تصدر قرارا يدينها بشكل واضح وصريح، أو يرفع الأمر لمجلس الأمن لاتخاذ إجراءات وفقا للفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وان كان الفيتو الأمريكى سيقف أيضا فى وجه أى قرار لمجس الامن. على كل، هجمات إسرائيل واستهدافها المستمر الفلسطينيين هو إهانة كبيرة للضمير الإنسانى، واهانة للقوانين الدولية ومبادئ حقوق الانسان. إسرائيل تعتقد ان كل ما تحتاجه هو اختلاق الأكاذيب، الهجوم على معارضيها واتهامهم بمعاداة السامية، وضمان الدعم الامريكى، الذى من المتوقع أن يستمر اكثر خلال الفترة القادمة حيث الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن ما تجهله إسرائيل ان كل ذلك لن يمنحها الشرعية، ولن يضمن لها احترام دول العالم وشعوبه، او قبولهم جرائمها التى فاقت كل الحدود، أو تصديقهم رواياتها المحرفة. العالم بات، اليوم اكثر من أى وقت مضى، على علم بافتراءات إسرائيل، وبتعديها السافر على القوانين الدولية وعلى حقوق شعب أعزل.
العالم بات على يقين بأن إسرائيل كدولة محتلة ترغب فى إبادة شعب بكامله من أجل تحقيق مخططاتها، وهذا كفيل بأن يضعها ضمن الدول المستبدة التى ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذا التصنيف سيشكل وصمة ومأساة للأجيال القادمة فى إسرائيل.
للحفاظ على ما تبقى من سمعتها، إسرائيل تهاجم المحاكم الدولية، وأمريكا تسعى لنزع الشرعية عنها. لكن كل ذلك لن يغير من الواقع شيئا. حكم محكمة العدل الدولية، على الرغم من غموضه، سيزيد من عزلة إسرائيل، وسيؤثر اكثر فى الرأى العام الدولى الداعم لحقوق الشعب الفلسطينى، وسوف يضاعف التكلفة السياسية للولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل فى كل جرائمها. وقرارات المحاكم الدولية ستدعم حقوق الفلسطينيين القانونية ضد جرائم الإبادة الجماعية التى لا تسقط بالتقادم، ما يعنى ان القضايا المفتوحة التى سوف تفتح عن الجرائم المرتكبة خلال حرب غزة سيتم التحقيق فيها ومقاضاة المسئولين عنها ولو بعد حين. إلى ان يتحقق ذلك وتتحقق العدالة، سيبقى المطلب الأساسى الآن ودائما هو الوقف الفورى لإطلاق النار فى كل القطاع والضفة وإيصال المساعدات الإنسانية، وإقامة دولة فلسطينية وتنفيذ حل الدولتين.