تلعب الإحصاءات السياحية دورًا بالغ الأهمية في تطوير صناعة السياحة سواء على المستوى المحلي أو العالمي. حيث تعد الإحصاءات الكاملة والدقيقة والموثوقة عنصرًا أساسيًا لصياغة سياسات التنمية الاقتصادية السليمة للقطاع السياحي، فهي تساهم في التعرف على الأداء العام لصناعة السياحة وتأثيرها في اقتصاديات الدول والمجتمعات والثقافات المحلية، كما تدعم عملية صناعة القرارات الاستراتيجية في إدارة المقاصد السياحية، وتشكل أساس دراسات السوق لبناء الاستراتيجيات التسويقية، وتعد بمثابة أداة رصد يمكن من خلالها تتبع التغيرات في مؤشرات صناعة السياحة، بالإضافة إلى التحقق مما إذا كانت السياسات الموضوعة مطبقة وما إذا كانت الأهداف المحددة قد تم تحقيقها، وغيرها الكثير من الأدوار الفاعلة في جميع مكونات صناعة السياحة.
وتُظهر أحدث الإحصاءات الصادرة عن الوكالة الدولية للسياحة والسفر WTTC، أن صناعة السياحة والسفر في عام 2022، ساهمت بنسبة 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ بزيادة قدرها 22% عن عام 2021، أدت إلى إتاحة 22 مليون وظيفة جديدة، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 7.9% عن عام 2021، بينما ارتفع إنفاق الزائرين المحليين بنسبة 20.4% في عام 2022، وارتفع إنفاق السائحين الدوليين بنسبة 81.9% في العام نفسه. وتتوقع الوكالة أن تصل مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 15.5 تريليون دولار بحلول عام 2033، وهو ما يمثل 11.6% من الاقتصاد العالمي، وسيوظف 430 مليون شخص حول العالم.
ووفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي (WEO)الصادر عن صندوق النقد الدولي، فإن مؤشرات أداء صناعة السياحة أهلتها مرة أخرى لتكون محركًا رئيسيًا للانتعاش الاقتصادي والنمو العالمي. كما يوضح التقرير التأثير الإيجابي الذي سيحدثه الانتعاش السريع للقطاع في بعض الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، حيث أكد أن الاقتصادات التي لديها “قطاعات سفر وسياحة كبيرة” تظهر مرونة اقتصادية قوية ومستويات قوية من النشاط الاقتصادي. فقد سجلت البلدان التي تمثل فيها السياحة نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي تعافيًا أسرع من آثار الوباء مقارنة بالاقتصادات التي لا تشكل فيها السياحة قطاعًا مهمًا، خاصةً مع إشارة بيانات منظمة السياحة العالمية إلى وصول أعداد السائحين عام 2023 إلى 88% من أعدادهم قبل الوباء.
تبرز تلك الإحصاءات الأهمية النسبية لقطاع السياحة ومشاركته في الاقتصاد العالمي، وتؤكد على أهمية دور الإحصاءات في تلك الصناعة الحيوية سواء للدول أو للاقتصاد العالمي على حد سواء. ويستعرض هذا المقال حالة الإحصاءات السياحية في مصر وعالميًا وفي بعض البلدان والمناطق، بغرض الاستفادة من هذه الإحصاءات، وتطوير عملية إنتاج واستخدام الإحصاءات السياحية في مصر.
ثانيًا: الإحصاءات السياحية دوليًا
نظرًا للأهمية التي يمثلها قطاع السياحة في الاقتصاد العالمي، سعى العديد من الجهات الدولية لتوفير إطار عام دولي يسهم في توفير البيئة المناسبة لإنتاج الإحصاءات السياحية. فمنذ قيام عصبة الأمم عام 1937 بطلب تعريف لـ” السياحة الدولية” لأغراض إحصائية، التفت العالم لأهمية اقتصاديات ذلك القطاع، وخلال عام 2004 تحولت منظمة السياحة العالمية إلى وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة في آلية التنسيق لجمع الإحصاءات السياحية، وبنهاية عام 2007 تم إقرار التوصيات الدولية المتعلقة بإحصاءات السياحة 2008 باعتبارها مرجعًا دوليًا لتنسيق الإحصائيات في مجال السياحة.
تقوم منظمة السياحة العالمية بالدور الرئيسي في عملية إنتاج الإحصاءات السياحية عالميًا من خلال العديد من أشكال إتاحة البيانات والإحصاءات، فهي تقدم منشورات سنوية مثل “الكتاب السنوي لإحصاءات السياحة” و”الملخص السنوي للإحصاءات السياحية”، اللذان يحتويان على البيانات والمؤشرات الرئيسية للسياحة سنويًا. بالإضافة إلى إصدار الـ “باروميتر” الربع سنوي، الذي يتم من خلاله تقديم أحدث المؤشرات العالمية. ويتضمن أيضًا مؤشرًا يعتمد على استطلاع فريق خبراء السياحة التابع للأمم المتحدة، والذي يوفر تقييمًا للأداء في الفترة الأخيرة والآفاق قصيرة المدى للسياحة الدولية. كما توفر المنظمة لوحة مؤشرات السياحة الدولية، وتوفر أيضًا قاعدة بيانات الإحصاءات السياحية مع توفير بيانات عن الأسواق السياحية.
ثالثًا: الإحصاءات السياحية بالدول السياحية الكبرى
أصدر الاتحاد الأوروبي عام 2013 “منهجية للإحصاءات السياحية” تحتوي على المبادئ التوجيهية الموصي بها لتقديم المساعدة لمجمعي إحصاءات السياحة في الاتحاد الأوروبي وتعزيز التنسيق من خلال استخدام معايير مشتركة بين دول الاتحاد. هو يتضمن مجموعة من التوصيات للسلطات الإحصائية الوطنية التي يجب أخذها في الاعتبار عند جمع البيانات من جميع مكونات صناعة السياحة متمثلة في جانب العرض (الأماكن السياحية، أماكن الإقامة.. وغيرها)، بالإضافة إلى جانب الطلب (الرحلات السياحية الطويلة، رحلات اليوم الواحد، رحلات الحدود بين دول الاتحاد.. وغيرها). تحتوي المنهجية أيضًا على تعريفات واضحة لجميع مكونات صناعة السياحة لمنع التضارب والازدواجية عند جمع البيانات، كما تحتوي على إرشادات لتخطي عقبات جمع البيانات مع تضمين نماذج لاستبيانات جمع مختلف البيانات.
الإحصاءات السياحية بدولة تركيا
تقدم دولة تركيًا نموذجًا في توفير البيانات والإحصاءات السياحية، وذلك من خلال الموقع الرسمي لوزارة السياحة التركية، حيث تقدم جميع البيانات والإحصاءات في صورة (ملفات excel) ميسرة للتعامل معها وتمكن الباحثين من إنتاج المزيد من الإحصاءات. يتم تقديم جميع البيانات مع شرح منهجية جمع تلك البيانات؛ فمثلًا إحصاءات الزائرين القادمين والمواطنين المقيمين في الخارج والزائرين الأجانب القادمين والمغادرين والسادة المتنزهين، مستمدة من سجلات شرطة الجوازات التابعة للشرطة الوطنية التركية وبيانات استطلاعات المواطنين القادمين التي يصدرها معهد الإحصاء التركي.
وتشتمل تلك البيانات على تقسيمات داخلية (الأجانب – المغتربين)، وأيضًا تقسيمات تبعًا للجنسية، طريقة الوصول، المدن السياحية التركية، بالإضافة إلى مقارنات ونسب لكل تلك التقسيمات، ويتم نقل سجلات قاعدة بيانات الشرطة الوطنية التركية إلى قاعدة بيانات وزارة السياحة شهريًا.
بعد الإعلان عن نشرة إحصاءات السياحة، يتم إدراج بيانات معهد الإحصاء التركي في قاعدة بيانات وزارة السياحة بشكل ربع سنوي. يتم نشر جميع البيانات التي تم جمعها في العام السابق في نهاية كل نصف أول من العام الحالي.
ثالثًا: الإحصاءات السياحية في مصر
بدأت مصر في تسجيل الأرقام السياحية في عام 2000 طبقًا لتصريحات الوزير أحمد عيسى، حيث تعد هيئات تنشيط وتنمية السياحة الركيزة الأساسية لانطلاق العمل السياحي الحكومي، حيث بدأ المشرع المصري التفكير في إنشاء هيئات تنشيط السياحة عام 1957 بإنشاء هيئات إقليمية لتنشيط السياحة، وفي عام 1981 أنشئت الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي جنبًا إلى جنب مع الهيئات الإقليمية لتنشيط السياحة، لكي تكون مسئولة عن وضع تقويم شامل للمقومات السياحية في مصر، ووضع خطط وبرامج تنشيط السياحة، والقيام بجميع وسائل الجذب السياحي إلى مصر، وتقديم المعونة الفنية والتسويقية في مجال تنشيط السياحة.
أُنشئت الهيئة العامة للتنمية السياحية عام 1991 لكي تتبع وزارة السياحة وتختص بوضع خطط تنمية المناطق السياحية والإشراف على تنفيذها، تم أيضًا إنشاء المجلس الأعلى للسياحة، بالإضافة إلى الاتحاد المصري للغرف السياحية لتيسير أعمال القطاع السياحي الخاص وتنسيق العمل مع القطاع الحكومي.
على الرغم من قيام تلك الهيئات بدورها في تنظيم العمل داخل القطاع السياحي، إلا أن إنتاج البيانات السياحية وإتاحتها لا يتوفر من خلالهم كجهات سياحية رسمية، بل على العكس يتم الحصول على البيانات السياحية من خلال تصريحات المسئولين، والنشرات الإعلامية، ونشرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وبيانات البنك المركزي المتضمنة لقطاع السياحة.
فيما لا تتوفر أي بيانات سياحية على الموقع الرسمي لوزارة السياحة. وفي حال توفر البيانات نجد أنه يشوبها النقص، وعدم التكامل، والقدم، وصعوبة الوصول، والتضارب أحيانًا، وغيرها من السلبيات التي تصعب عملية الحصول عليها، بل والاعتماد عليها في التحليل وصياغة البدائل.
يتضح مما سبق أن الإحصاءات السياحية في مصر يشوبها سلبيات يجب معالجتها للاستفادة من المميزات التي توفرها تلك البيانات لكلٍ من القطاع الحكومي والخاص في إدارة القطاع السياحي وتعظيم الاستفادة من صناعة السياحة التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. ومن المفيد اتباع المعايير الدولية في جمع البيانات السياحية وإتاحتها من أجل الاستفادة من الخبرات الدولية، ولتسهيل المقارنة عبر الحدود.
المصادر:
https://wttc.org/research/economic-impact
https://wttc.org/news-article/global-travel-and-tourism-catapults-into-2023-says-wttc
https://www.unwto.org/tourism-statistics
https://www.unwto.org/tourism-data/un-tourism-tourism-dashboard
https://www.unwto.org/tourism-statistics/tourism-statistics-database
https://www.unwto.org/tourism-statistics/standards
https://ec.europa.eu/eurostat/en/web/products-manuals-and-guidelines/-/ks-gq-13-007