أعلن مجلس الوزراء خلال مارس الماضي موافقته على خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي القادم، حيث تضمن التوزيع النسبي للاستثمارات الحكومية تخصيص ما يقرب من نصفها للاستثمار في التنمية البشرية، وتتفرد عوائد الاستثمارات في التنمية البشرية -ولا سيما التعليم- بكونها طويلة الأجل؛ أي يظهر مردودها على المدى الزمني البعيد، ويحكم تقييم سياسات تمويل التعليم معايير مختلفة منها؛ الكفاية، والكفاءة، والفاعلية، والعدالة. وبالرغم من الالتزام بنسبة الاستحقاق الدستوري من الناتج المحلي للإنفاق على التعليم خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن سياسات تمويل التعليم قبل الجامعي لا تزال في حاجة إلى التطوير لتلبي مستهدفات خطط التنمية البشرية.
السياسات الراهنة لتمويل التعليم قبل الجامعي
تستحوذ استثمارات التنمية البشرية على 42.4% من إجمالي الاستثمارات الحكومية ضمن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2024-2025 وفق ما جاء في بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء، شكل (1). وفي مجال التعليم قبل الجامعي تهدف الحكومة إلى ضمان إتاحة وجودة خدمات التعليم قبل الجامعي من خلال:
- التوسع في إتاحة مدارس المتفوقين والمدارس التطبيقية.
- توجيه الاستثمارات لإنشاء فصول جديدة لحل مشكلة الكثافات خاصةً في المحافظات ذات الكثافات المرتفعة، وزيادة الاهتمام بتأهيل المدارس للحصول على الجودة عبر تطوير 3500 مدرسة قائمة وإعادة تأهيلها، وإنشاء 16 ألف فصل جديد، وإحلال وتجديد 13 ألف فصل.
- الالتزام بتعيين 150 ألف معلم في مرحلة التعليم الأساسي على وجه التحديد مع التركيز على المحافظات ذات الأولوية.
- وضع خطة طموحة وجادة لخفض معدلات الأُميّة بالتركيز على محافظات الصعيد.
- توفير التابلت لطلاب الصف الأول الثانوي.
- إنشاء 18 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية، وإنشاء ألف فصل جديد بالتعليم الفني، وتطوير 200 مدرسة فنية قائمة وإعادة تأهيلها، وإحلال وتجديد 1083 فصلًا.
شكل (1): التوزيع النسبي للاستثمارات الحكومية ضمن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2024-2025
المصدر/ من إعداد الباحثة بالرجوع إلى بيان رئاسة مجلس الوزراء
يوضح هذا التوزيع أن الاستثمار في التنمية البشرية يأتي في مقدمة أولويات الحكومة، وتبرهن مستهدفات التعليم ضمن الخطة على طموحات الارتقاء بجودة التعليم من خلال تعزيز مخصصات الاستثمار فيه. إلا أن بعض المستهدفات لا تبدو متناسقة مع الإطار الزمني المحدد لها في خطة قطاع التعليم قبل الجامعي 2023-2027 التي أقرتها وزارة التربية والتعليم، وقدمتها كوثيقة تمثل الحكومة المصرية، وذلك في إطار تعاونها مع صندوق الشراكة العالمية من أجل التعليم The Global Partnership for Education (GPE) ، وهي منظمة دولية تعمل على دعم التعليم في البلدان النامية من خلال المنح المالية والدعم الفني، وتهدف إلى تعزيز الجهود العالمية لتحسين الوصول إلى التعليم وجودته وتعزيز المساواة في التعليم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، حددت خطة قطاع التعليم قبل الجامعي 2023-2027 مدة زمنية قدرها خمس سنوات لتعيين 150 ألف معلم تبدأ في 2023 وتنتهي عام 2027، بينما تضمنت مستهدفات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء تعيين العدد نفسه من المعلمين خلال العام المالي 2024-2025، بما يظهر الحاجة لمزيد من التنسيق بين خطط الهيئات الحكومية المختلفة، وعلى الرغم من أهمية تعيين هذا العدد من المعلمين في عام واحد بدلًا من خمسة، لكن التفاوت الكبير بين الخطتين الصادرتين عن جهات حكومية يثير الاستفهام، ويتطلب الدعوة للمزيد من التنسيق في العمل الحكومي.
وبشكل عام تتوقع الخطة الخمسية التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم عام 2023 أن تبلغ التكلفة الإجمالية لتنفيذ الخطة نحو تريليون جنيه مصري، مع عجز في التمويل قدره 145 مليار جنيه مصري، أي ما يعادل 12٪ من إجمالي تكلفة تنفيذ الخطة حتى عام 2027، وقبل التعمق في تحليل سبل التغلب على عجز التمويل التي اقترحتها الخطة، فإننا بحاجة لتتبع السياسات القائمة لتمويل التعليم، والتي تستند على المادة 19 من دستور 2014، وتنص على ألا يقل الإنفاق الحكومي على التعليم قبل الجامعي عن %4 من الناتج المحلي الإجمالي، وبالرغم من التزام الحكومة بتخصيص ما يعادل تلك النسبة منذ العام المالي 2020 -2021، إلا أن الموازنة الدستورية يتم تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء على النحو التالي: شكل (2)
- موازنة وظيفية أولية للوزارة بنسبة 45.2%.
- موازنة إضافية بمثابة احتياطي عام لتغطية التعديلات على الموازنة الوظيفية الأولية التي تجريها الحكومة ومجلس النواب مع مرور الوقت لأسباب مختلفة، مثل زيادة أو نقص النمو الاقتصادي، والتحولات في رؤية التنمية الوطنية والتغيرات في الأولويات الممنوحة للتعليم بنسبة 20.4% من الموازنة الدستورية.
- موازنة منفصلة لمدفوعات فوائد الدين الحكومي، حيث تشارك مختلف القطاعات مقابل حصتها في إجمالي عبء فوائد الدين الحكومي، وبالنسبة لقطاع التعليم تبلغ نسبته 34.4% من الموازنة الدستورية.
شكل (2): التوزيع النسبي للموازنة الدستورية للتعليم قبل الجامعي
المصدر/ خطة قطاع التعليم قبل الجامعي 2023-2027
فبعد خصم كافة نفقات خدمة الدين، والتي تمثل %34.7 من الموازنة الدستورية، يتبقى فقط نحو %2.6 من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الفعلي على التعليم، وفي السنوات الأخيرة، تذبذب إجمالي الدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، وارتفعت نسبته بشكل مطرد بين عامي 2019 و2202، من %80.1 إلى ما يقرب من %89.2، شكل (3)، الأمر الذي شكل قيدًا على الحيز المالي، وضغط بدوره على مخصصات الإنفاق على قطاعات التنمية البشرية الرئيسية، بما في ذلك التعليم قبل الجامعي.
شكل (3): نسبة إجمالي الدين الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2015 -2023
المصدر/ خطة قطاع التعليم قبل الجامعي 2023-2027
يمثل كل من الطلاب والمعلمون والفصول الدراسية المكونات الثلاثة الرئيسية التي تحدد متطلبات التمويل والفجوات والخيارات لتنفيذ الخطة الخمسية، حيث تقسم الخطة النفقات إلى فئتين لكل مرحلة تعليمية فرعية على النحو التالي:
- النفقات المتكررة، وتتضمن:
- رواتب وبدلات المعلمين وأعضاء هيئة التدريس.
- تدريب المعلمين.
- الكتب المدرسية وغيرها من مواد التدريس والتعلم.
- التغذية المدرسية.
- التكاليف التشغيلية بما في ذلك اللوازم المكتبية والمياه والكهرباء والإنترنت.
- الأجهزة والمعدات الرقمية.
- النفقات الرأسمالية، وتشتمل على:
- بناء فصول دراسية جديدة ومرافق أخرى.
- صيانة وإعادة تأهيل الفصول الدراسية الحالية والمرافق الأخرى.
- البنية التحتية الرقمية.
وبشكل عام، تفترض الخطة أن 50% من الميزانية الدستورية سيتم تخصيصها للتكاليف المتكررة والـ 15% المتبقية للتكاليف الرأسمالية، حيث سيستحوذ التعليم الأساسي على 62.2% من التكلفة الإجمالية المقدرة لتنفيذ الخطة، حيث تقسم هذه النسبة بين التعليم الابتدائي بنسبة 40.1% والتعليم الإعدادي بنسبة 22.1%، يليهم التعليم الثانوي بشقيه معًا، العام والفني، ويمثل 26.4% من إجمالي التكلفة المقدرة، والنسبة المتبقية بنحو 11% تذهب للتعليم المجتمعي والخاص.
تتوقع الخطة الخمسية أن ترتفع التكلفة الإجمالية سنويًا بشكل مطرد من 198.6 مليار جنيه عام 2023 إلى 291.5 مليار جنيه حتى عام 2027، وعليه سيبدأ عجز التمويل في عام 2023 عند 5.9 مليارات جنيه، وسيتضاعف بشكل كبير ليصل إلى 52 مليار جنيه عام 2027، شكل (4).
شكل (4): مقارنة التكلفة الإجمالية بفجوة التمويل لتنفيذ الخطة الخمسية للتعليم قبل الجامعي
مجمل القول: في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها مصر، يظل قطاع التعليم يواجه تحديات تمويلية، و تتطلب جهدًا مشتركًا وتعاونًا شاملًا من الحكومة والمجتمع والمنظمات الدولية لضمان حق الجميع في التعليم.