أعلنت وكالة “أعماق” التابعة لتنظيم “داعش” في بيان لها، عن إقامة “ولاية الهند” في إقليم كشمير. وجاء هذا الإعلان في أعقاب الاشتباكات التي وقعت في الإقليم، وأسفرت عن مقتل أحد أعضاء التنظيم ويدعى “إشفاق أحمد صوفي”. وأشار البيان الصادر عن الوكالة إلى الخسائر التي ألحقها أعضاء التنظيم بصفوف الجيش الهندي في بلدة “أمشيبورا”. وتُعد هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها التنظيم عن موطئ قدم له في إقليم كشمير، غير أنه أعلن عن نيته التوسع في الإقليم في وقت سابق عام 2016، وتشكيل جماعة تابعة له تحت اسم “داعش في جامو وكشمير”.
ويعكس إعلان “داعش” عن تدشين فرع جديد له في الهند العديد من الدلالات المهمة:
1- تعزيز الوجود: تعرّض تنظيم “داعش” لهزائم متتالية في سوريا والعراق، إذ أعلن العراق هزيمته التنظيمَ في ديسمبر 2017. كما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية في أبريل 2019 النصر الميداني على التنظيم في آخر معاقله بمدينة “الباغوز” في ريف دير الزور الشرقي في سوريا. وسبق ذلك عملية عسكرية كبرى لتحرير الرقة. وتُشير تلك المعطيات إلى انتهاء دولة الخلافة “جغرافيًّا”. وعليه، يسعى التنظيم بإعلانه عن فرعه الجديد في الهند إلى إثبات وجوده، وتعويض خسائره، وإحياء الثقة في نفوس أنصاره.
2- الاستثمار في مناطق النزاع: يعد إقليم كشمير بؤرة للتوتر السياسي والعسكري بين الهند وباكستان، ذاك الصراع الذي خلق بيئة خصبة استثمر فيها عدد من التنظيمات الإرهابية وعززت وجودها في المنطقة. وينشط تنظيم “داعش” في الأجواء المشحونة بالقبلية والعصبية العرقية والدينية، وتوفر آسيا بصفة عامة وإقليم جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا على وجه الخصوص البيئة الملائمة لنشاط التنظيم نتيجة تغلغل الانقسامات العرقية، وانتشار الخلافات الطائفية، ووجود التباينات الدينية، مما يُمكِّن التنظيم من الحصول على فرصة مواتية لتعزيز نشاطه وعلو شأنه في تلك المنطقة.
3- البحث عن ساحات بديلة: نتيجة للضغط العسكري الذي تعرّض له تنظيم “داعش” في الشرق الأوسط، وفقدانه عددًا من معاقله الرئيسية؛ يسعى التنظيم إلى البحث عن ساحات بديلة في مناطق ساخنة أخرى في العالم من أجل استمرار نشاطه، وتعزيز صورته الجهادية، ويبدو أن آسيا من المناطق المرشحة لذلك لعدد من الأسباب.
يتعلق أولها بما توفره آسيا من بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف نتيجة للصراعات الطائفية والنزاعات العرقية. ويتصل ثانيها بوجود مناطق تمركز للتنظيم في آسيا من أبرزها: أفغانستان (ولاية خراسان)، والفلبين (جماعة “أبو سياف” وجماعة “ماوتي”)، وإندونيسيا (أنصار دولة الخلافة)، وبنجلاديش (أنصار الله)، وماليزيا (ولاية ماليزيا). وينصرف ثالثها إلى تدفق أعداد كبيرة من مقاتلي تنظيم “داعش” من سوريا والعراق إلى الفلبين وإندونيسيا وأفغانستان وسريلانكا وبورما.
4- التنافس مع تنظيم “القاعدة”: فقد أعلن تنظيم “القاعدة” عن تأسيس فرع له في شبه القارة الهندية في سبتمبر 2014، وكان زعيم التنظيم “أيمن الظواهري” قال في تسجيل مصور له: “إن القاعدة ستنشر الحكم الإسلامي وترفع الجهاد في أنحاء شبه القارة الهندية”. وبالرغم من إعلان تنظيم “القاعدة” عن فرعه في شبه القارة الهندية، إلا أن نشاطه ظل محدودًا في تلك المنطقة، فلم تظهر “القاعدة” أي علامات على كونها قوة مهمة، غير أننا لا نستطيع غض الطرف عن تحذير الاستخبارات الأمريكية في تقريرها الأخير من أن كبار زعماء القاعدة “يعززون بنية القيادة العالمية للشبكة”، وكذلك ما أشار إليه تقرير للأمم المتحدة الصادر في أوائل عام 2019 حول التهديد العالمي للإرهاب، بوجود طموحات كبيرة للقاعدة، ورغبتها في طرح نفسها أكثر على المسرح الدولي. حيث يسعى تنظيم “القاعدة” في الوقت الراهن لتقديم نفسه كبديل أكثر اعتدالًا من تنظيم “داعش”، مستغلًّا حالة التراجع التي يعاني منها التنظيم. وعليه، قد تصطدم طموحات “القاعدة” في تعزيز النفوذ مع سعي تنظيم “داعش” للتمدد في آسيا، مما يؤدي إلى حالة من “التنافس الجهادي” في المنطقة.
5- التأكيد على رسالة “البغدادي”: ظهر زعيم تنظيم “داعش” “أبو بكر البغدادي”، يوم الاثنين 29 أبريل 2019، في فيديو نشره التنظيم عبر قناته على تطبيق “تليجرام”، بالتزامن مع تبني التنظيم هجمات دموية استهدفت سريلانكا في أحد الفصح الأخير مخلفًا مئات الضحايا. وقد سعى “البغدادي” إلى تأكيد استمرار فاعلية التنظيم وبقائه، وإعلان أن تفجيرات سريلانكا جاءت انتقامًا لخسائر الدولة الإسلامية في الباغوز، وكذلك استعراض نفوذ التنظيم في عدد من الدول وعددها 12، وهي: العراق، وسوريا، وخراسان، وغرب إفريقيا، وليبيا، والصومال، واليمن، ووسط إفريقيا، والقوقاز، وتونس، وتركيا. وفي هذا السياق، أشار “البغدادي” إلى أن نفوذ التنظيم سوف يزيد في المرحلة القادمة لتمدد ولايته في مختلف أنحاء العالم. ويبدو أن إعلان ولاية الهند هو خطوة نحو التأكيد على هذا النهج المستقبلي.
مجمل القول، فسر بعض المراقبين تحرك “داعش” الأخير في الهند بأنه تحرك لا يعدو كونه دعاية للتنظيم، وهذا التفسير قد يُعوّل عليه لقراءة ذلك التحرك في الفترة الراهنة، غير أنه قد يجانبه الصواب في المستقبل نتيجة توافر عددٍ من محفزات التطرف والإرهاب في الساحة الآسيوية من جهة، وسعي التنظيم للحفاظ على بقائه بانتقاله إلى نطاق جغرافي جديد من جهة أخرى.