أصدرت الشرطة الهندية، الجمعة الماضى، بياناً ذكرت فيه أن مسلحاً يدعى «إشفاق أحمد صوفى» قُتل فى اشتباك جرى ما بين عناصر من الأمن الهندى ومجموعة مسلحة فى بلدة أمشيبورا، التى تقع فى منطقة شوبيان بكشمير، أو بالأحرى فى المنطقة التى تسيطر عليها نيودلهى من كشمير. فى اليوم التالى السبت؛ دخلت وكالة «رويترز» على الخط لتذكر أن هناك حسابات مرتبطة بالتنظيم الإرهابى على شبكات التواصل أعلنت تأسيس «ولاية الهند» بعد مقتل مسلح قيل إنه على صلة بالتنظيم، فى اشتباك بين مسلحين وقوات الأمن الهندية.
وفى حال اعتبار هذا هو الإعلان الرسمى عن تدشين الفرع الجديد لـ«داعش» فى شبه الجزيرة الهندية، فإن بالفعل هناك الكثير من الترجيحات تميل إلى تفسير هذا الانتقال الجغرافى الجديد للتنظيم، إلى رغبة الأخير فى تعزيز موقفه المتهاوى، خاصة بعد اكتمال انهيار «خلافته» المزعومة فى كل من العراق وسوريا، على وقع ضربات قوات التحالف الدولى وقوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع واشنطن، التى تمكنت خلال الشهور الماضية من إنهاء آخر جيوب له هناك «معركة الباغوز»، ولهذا لم يخف التنظيم حضوره الجديد فى كشمير الهندية، وأصدر بعد ساعات ما يؤكد أن مجموعته المسلحة التى كان «صوفى» أحد عناصرها، أوقعت عدداً من الضحايا من قوات الجيش الهندى، ويعد هذا الإعلان وتقاطعه مع منطقة «كشمير» على وجه الخصوص، إيذاناً ببدء فصل من الممكن له أن يتداعى بصورة تؤثر على معادلة أمن المنطقة برمتها، وليس كشمير أو الهند وحدها، فالإقليم المتنازع عليه ظل طوال عقود مضت، له أثر كبير فى ظهور وتمدد الجماعات المتطرفة، حيث وفر لها الصراع بين الهند وباكستان الوقود لتمددها وانتشار أفكارها، وقامت هذه الجماعات بالعديد من العمليات الإرهابية فى منطقة كشمير الهندية أو فى داخل الهند، كما نشطت فى تسعينات القرن الماضى وبداية الحالى، علاقات هذه الجماعات بتنظيم «القاعدة» فى الدول المجاورة، خاصة أفغانستان، التى كانت بمثابة معسكرات التدريب والانطلاق لهذه الجماعات.
واليوم بعد مرور تلك السنوات يبقى المشهد فى شبه القارة على ما هو عليه، فلم يحل هذا النزاع بعد وما زال هناك استخدام له ما بين الدولتين الجارتين، وهو ما يؤشر إلى احتمالية إفساح الأرض أمام تنظيم «داعش»، ليخوض فصلاً جديداً بالمنطقة قد يكون أعمق مما قام به تنظيم «القاعدة» قبلاً، و«داعش» لا يعد غريباً عن المنطقة، فهو فى سنوات ذروة صعودة بسوريا والعراق، تمكن من استقطاب جماعتين جهاديتين قديمتين، هما «الجماعة الإسلامية» فى إندونيسيا، وجماعة «أبوسياف» فى الفلبين، وكلتاهما تقود منذ عقود هجمات ضد حكومتى البلدين لدوافع انفصالية، فى المناطق التى تشهد غالبية مسلمة، كما هو الحال فى جنوب الفلبين ذات الانتماء الكاثوليكى، ورغم مضى فترة طويلة نسبياً على طرد المقاتلين التابعين لتنظيم «داعش» من مدينة «ماراوى» فى جزيرة مينداناو جنوب الفلبين، بعد قتال خاضته القوات الفلبينية بدعم من الولايات المتحدة، ما زال شبح المخاوف من تهديدات محتملة لهذا التنظيم الإرهابى يلقى بظلاله، فقد شهدت الجماعتان تطوراً ملحوظاً منذ ظهور تنظيم داعش» وإعلان خلافته فى مناطق من سوريا والعراق فى العام 2014، حيث سارعت الجماعتان حينها إلى بيعة زعيمه أبى بكر البغدادى عام 2015، جرى ذلك بدوافع التوسع أكثر فى الساحة الآسيوية بصورة عامة، وإعطاء حربهما ضد البلدين طابعاً عالمياً وصدى أوسع، وتعزيز صفوفهما بمقاتلين جدد لديهم ميول وخبرات قتالية، أو اقتنعوا بالخطاب الجهادى المتطرف للتنظيم.
شهدت قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الثالثة والثلاثون التى انعقدت السبت الماضى، حديثاً عن هذه الهواجس الجديدة التى تتعلق بالتهديدات الإرهابية، ففى تحذير صريح قال رئيس وزراء سنغافورة «لى هسين لونغ»، إن تنظيم داعش يسعى لجعل المنطقة ملاذاً جديداً له بعد هزيمته فى سوريا والعراق، ودعا العديد من قادة الدول ورؤساء الحكومات إلى مزيد من التعاون بين الدول، فى مجال التصدى لهذا التهديد الذى يرونه متنامياً، خاصة أن عنوان «الجهاد الإلكترونى» بدأ يشكل مساحة ويزحف بشكل سريع، نتيجة سرعة انتقال المعلومات وقدرة الجماعات الإرهابية على استثمارها، للوصول إلى أوسع شريحة ممكنة من المستهدفين، وهذه المجموعة من الدول (آسيان) تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الرقمية، وهو ما يمثل هاجساً حقيقياً من أن يتعرض أحد تلك البلدان، لأحد سيناريوهات الهجمات الإلكترونية، فضلاً عن ذلك راهن تنظيم «داعش» على التغلغل فى تلك المنطقة، بسبب الخصوصيات السياسية والإثنية المحلية، ووجود نسبة كبيرة من المسلمين فى هذا المدار، والصراع التاريخى بين الأقليات المسلمة والحكومات المركزية فى بعض بلدان المنطقة، وهو ما نتج عنه انضمام المئات من المقاتلين من تلك البلدان إلى التنظيم فى سوريا والعراق.
المثير فيما يخص «داعش» بالهند، أن وكالة الاستخبارات الوطنية الهندية، على خلفية عملها فى تحقيقات هجمات «سريلانكا»، اعتقلت مواطناً يدعى «محمد فيصل»، يعمل ويقيم بالعاصمة الدوحة، أدرج اسمه فى لائحة الاتهام على أنه المتهم الثامن عشر فى قضية تجنيد داعش، وكالة التحقيق الوطنية تواصلت مع «محمد فيصل» وطالبته بالاستسلام عبر أقربائه، على أن يتم التحقيق معه فى الأيام المقبلة، فقد كانت التقارير الاستخباراتية قد توصلت إلى أن عناصر هندية عاشوا فى الدوحة تورطوا فى تقديم دعم مالى وعينى لتنظيم «داعش» الإرهابى فى الهند، من بين الشخصيات الداعشية الهندية التى تلقت دعماً مالياً من قطر، شخص يكنى بـ«عمر الهندى» اسمه الحقيقى «مانسيد» ويبلغ من العمر 30 عاماً، هو من مدينة كانور لكنه مقيم فى الدوحة، حيث أنشأ تنظيماً أطلق عليه اسم «أنصار الخلافة» فى ولاية «كيرلا» الهندية، وأرسل مانسيد الأموال من قطر لتمويل العمليات الإرهابية والتجنيد فى كيرلا، حيث شكلت تلك المجموعة القيادية النواة الأولى للفرع الجديد لـ«داعش»، الذى سيضطلع بالدور العملياتى الأكبر خلال الأيام المقبلة.
*نقلا عن صحيفة “الوطن”، نشر بتاريخ ١٤ مايو ٢٠١٩.