فى ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء انفردت وكالة «إنترفاكس» الروسية بإذاعة خبر وصول مجموعة سفن أمريكية ضاربة إلى مياه «بحر العرب»، بالقرب من سلطنة عمان. وهى فى هذا الخبر كانت ترقب عن كثب تمام عملية الوصول لحاملة الطائرات النووية الأمريكية «إبراهام لنكولن»، إلى الدائرة الأقرب من مسرح العمليات الافتراضى.
بعد ساعات محدودة فى نفس اليوم تحدث عملية الهجوم بـ«الدرونز» على محطتى ضخ النفط السعوديتين التابعتين لشركة «أرامكو»، الذى دفعها إلى وقف الضخ فى خطوط الأنابيب، لحين تقييم الأضرار وإجراء عمليات الإصلاح، حيث يعمل هذا الخط فى نقل النفط من حقول المنطقة الشرقية إلى ميناء «ينبع» على الساحل الغربى السعودى، وكان الحريق الذى شب فى المحطة «رقم 8» قد اندلع جراء، هذه الهجمات التى نجحت بالوصول بـ«الدرونز المفخخة» إلى تلك الدائرة الاستراتيجية، التى تضم عددًا كبيرًا من المحطات الرئيسية لضخ النفط السعودى، الذى لم يتأثر بصورة كبيرة حتى بعد إصابته بتلك الخسائر، لكن بقى عالقًا بالمشهد الذى تبنى الحوثيون فى اليمن تنفيذه العديد من الرسائل الموجهة مع عملية «ميناء الفجيرة» إلى من يهمه قياس حرارة المشهد القادم، بأن هناك قدرًا من الإيذاء يمكن صناعته بتكاليف محدودة وبطرق غير نمطية وجديدة.
ولذلك تثار علامات استفهام كبيرة ومشروعة، حول تلك القوة الضاربة الأمريكية التى تحدثت عنها الوكالة الروسية، فهى تقصد فضلًا عن حاملة الطائرات النووية «إبراهام لنكولن»، المجموعة البحرية الأمريكية التى تضم الطراد «ليتى جالف (Leyte Gulf)» والمدمرات «بينبريج، وماسون، ونيتسى»، وتشمل المجموعة غواصة أو اثنتين من الغواصات النووية المزودة بصواريخ «توماهوك» المجنحة، فضلًا عن مجموعة من الطائرات الحربية. وقد رصدت فعليًا مواقع متابعة حركة الملاحة البحرية، فور وصول تلك المجموعة البحرية إلى منطقة بحر العرب، إقلاع طائرتى نقل استراتيجيتين تكتيكيتين أمريكيتين من طراز (C-2A Greyhound) من قاعدة فى البحرين، وهبطتا على حاملة الطائرات الأمريكية فى المنطقة، ومن ثم عادتا إلى قاعدة مرابطتهما مرة أخرى.
محل الاستفهام والدهشة، يدور حول المهام المتوقعة لتلك القوات، هل ستخوض حربًا تقليدية ضد إيران كما هو مثار الحديث الأمريكى الرسمى وغير الرسمى، أم أن الولايات المتحدة تصل بسطح المشهد إلى درجة من السخونة، تمكنها من حصد مكاسب أو تراجعات إن صح التعبير من الجانب الإيرانى؟ لا يمتلك أحد حتى اللحظة إجابات متماسكة عن عشرات التساؤلات المنطقية أمام المئات من التفاصيل التى تحمل الشىء ونقيضه فى آن. هناك فى الولايات المتحدة من يؤكد أن طهران عندما تواجه قوة هائلة، عادة ما تتراجع عن المواجهة، لكنها فى الوقت نفسه قد ترغب فى تسجيل موقف. ولذلك ينظر إلى المشهد الحالى على أنه من المهم، من الناحية الرمزية، أن تقوم حاملة الطائرات الأمريكية بعملياتها من داخل الخليج العربى، على الرغم من أن القادة العسكريين يفضلون تجنب الحيز المحصور للخليج، الذى أصبح أكثر ضيقًا لأن المياه فى جهته الجنوبية غير عميقة بالقدر الكافى. ومن جهتها، تراهن دائما القوات الإيرانية على قدرات قوات «الحرس الثورى» فى تنفيذ مضايقات وتحرشات ناجحة للسفن التابعة للبحرية الأمريكية فى حال عبورها «مضيق هرمز». هذه المعادلة على سبيل المثال يسوقها أحد أهم خبراء منطقة الخليج العربى الأمريكيين «سايمون هندرسون»، التى أوردها فى تحليله المنشور بـ«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، وهى معادلة متهافتة ولا تفى ولا تجيب عن أى من التساؤلات المثارة، رغم أنه يستند فيها كما ذكر على بيان مستشار الأمن القومى «جون بولتون»، الذى حذر فيه من أن الهدف من هذا النشر هو بعث «رسالة واضحة وصريحة، بأن أى اعتداء على مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائها» سيقابل «بقوة حازمة». ليبقى ما طرحه كلاهما أكثر غموضًا والتباسًا رغم أهمية قدرهما واقترابهما من مطبخ القرار الأمريكى، الذى يبدو أنه لم يحسم أمر طبيعة وآلية هذا الحزم المشار إليه.
الدورية المتخصصة (THE NATIONAL INTEREST) سمت العملية العسكرية الافتراضية- باعتبار مؤكد أن الخليج العربى هو مسرح عملياتها- «إغراق الناقلات»، وتساءلت عن كيفية أن تدخل إيران حربًا ضد البحرية الأمريكية. فى هذا السياق كان لها أن تعود إلى الإشارة لبعض القدرات الصاروخية الباليستية لإيران، وهو مما يجب الوقوف عنده بالفعل، ففى العام 2011 أعلنت إيران أنها طورت صاروخًا باليستيًا مضادًا للسفن، ورغم أن طهران تشتهر بالمبالغة وتزييف الادعاءات حول تكنولوجيتها العسكرية، لكن فى 2013 نشر مقطع مصور لما يبدو أنه اختبار صاروخى ناجح، وبحلول 2014 أكدت الإحاطات الاستخباراتية الأمريكية نشر الصاروخ. وهو يحمل اسم «خليج فارس»، ومشتق من الصاروخ الباليستى قصير المدى «فاتح 110» المطور محليًا، ليكتسب قدرة الإطلاق من دون تحضيرات مسبقة لاستخدامه الوقود الصلب. وأصبح هذا الصاروخ قادرًا على إصابة هدف بحرى متحرك، لكن تظل دفاعات الأسطول الأمريكى قادرة على اصطياده واعتراضه قبل إصابته أهدافًا موجهًا إليها. المقابل يتحدث بأن طهران قد تلجأ لإطلاق حزمة من الصواريخ على هدف واحد، للإفلات من هذه القدرة ولضمان وصول أحدها لإصابة الهدف، وهى مناورة يمكن تنفيذها من أجل «تطويق الهدف».
لكن الذى لم نضع عليه أيدينا من إجابات حتى اللحظة، هل تقرر فعليًا أن تكون العمليات العسكرية على هذا النسق، رغم أن العسكريين من الطرفين ينظر إلى الخليج العربى، باعتباره ساحة ضيقة جدًا لمثل تلك الأداءات الصاروخية وغيرها. فرغم ما ادعاه الجنرال أمير على حاجى زاده، قائد القوة الجو فضائية التابعة لـ«الحرس الثورى الإيرانى» من أن إيران طورت مؤخرًا صاروخًا باليستيًا جديدًا مضادًا للسفن، بمدى يبلغ 700 كم، ما يوسع الاستهداف المحتمل وصولًا إلى خليج عمان، وهو يشير إلى شكل مضاد للسفن من صاروخ «ذو الفقار»، إلا أن الجغرافيا الحاكمة التى ترسم عرض «مضيق هرمز» بـ 35 ميلًا فقط، وأن الخليج العربى ذاته فى أعرض نقطة له لا يتجاوز 220 ميلا كحد أقصى، ما يجعل هذا الحشد الهائل مقيد القدرات التى يجرى التخطيط لها منذ شهور، وتظل الأشكال «غير النمطية» للعمليات هى المرجح بروزها أكثر من غيرها، فى سيناريوهات الحرب التى لا يريدها أحد، فالجميع يتحسب منها أطرافها والمتشاطئون معها والدول ذات الارتباط والعديد من دول العالم، التى أقلقها كغيرها قرع الطبول الذى لا يجدون له تفسيرًا مكتملًا حتى اللحظة.
*نقلا عن صحيفة “الدستور”، نشر بتاريخ ١٦ مايو ٢٠١٩.