في ظل الخسائر التي مُنيَ بها تنظيم داعش الإرهابي في مختلف مناطق نفوذه في سوريا والعراق، خاصة بعد القضاء عليه في آخر جيب له في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور في سوريا، تتجه الأنظار نحو مصير مقاتلات التنظيم، كما يُثار تساؤل في الأروقة السياسية والعسكرية حول الحلول الممكنة لمواجهة التهديد الذي تمثله المنتميات إلى “داعش”، لا سيما وأن عددًا منهن لديهن أطفال وأزواج يعملون لمصلحة التنظيم.
حجم الظاهرة
كانت مشاركة النساء في تنظيم داعش أكثر فاعلية من نظرائه من التنظيمات المتطرفة الأخرى، فقد ركز تنظيم داعش على استغلال المرأة لنشر أيديولوجيته وأفكاره المتطرفة أكثر من استخدامها في الأمور الأخرى، حيث أوكل إليها مهمة إنشاء جيل محمل بالأفكار المتطرفة عن طريق الأمهات زوجات مقاتلي التنظيم الإرهابي. وجاء ذلك في إطار تركيز داعش على بناء أجيال جديدة يمكن الاعتماد عليها، إضافة إلى استخدام المرأة في الأنشطة الدعائية لشحن عزيمة المقاتلين، ولدعوة الشباب للالتحاق بالتنظيم. أيضًا تم استغلال المرأة في أعمال قتالية من خلال تشكيل كتائب نسائية ككتيبة “الخنساء”، أو كتائب استشهادية توكل للمرأة فيها مهمات انتحارية كما حدث في ديسمبر 2016، عندما قامت امرأة انتحارية من داعش بتفجير نفسها بواسطة حزام ناسف وهي تحمل طفلها في مدينة سرت الليبية التي كانت المقر الرئيسي للتنظيم في ليبيا آنذاك. ولم يكن هذا بالأمر الغريب، حيث وصلت نسبة الفتاوى الخاصة بالمرأة التي أصدرها التنظيم عام 2018 إلى 60% منها فتاوى توجب عليها المشاركة في العمليات الجهادية والقتالية. وليست هناك تقديرات إحصائية دقيقة لعدد النساء اللواتي ينتمين إلى تنظيم داعش، سواء كزوجات للمقاتلين أو كمقاتلات في كتائب نسائية ككتيبة “الخنساء” مثلًا، أو في أعمال التجنيد، ويظل المتاح فقط هو الأعداد التقديرية الصادرة من كل دولة. ووفق بعض التقديرات يبلغ عدد الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية 41,490 شخصًا، يتوزعون بواقع 32,809 رجلًا، 4,761 امرأة، 4,640 طفلًا، يتوزعون على 80 دولة، انضموا للتنظيم في العراق وسوريا بين أبريل 2013 ويونيو 2018، بحسب تقرير صدر عام 2018 عن المركز الدولي لدراسة التشدد ICSR، التابع لجامعة “كينغز كوليدج” في لندن.

مخاوف عديدة
يلعب النساء والأطفال دورًا مهمًّا في حمل إرث وأيديولوجيا داعش وضمان استمرارهما خاصة بعد هزيمة التنظيم. وجدير بالذكر أن كثيرًا من هؤلاء النسوة لم يبدين أي ندم على انضمامهن للتنظيم الإرهابي. أيضًا بعض الأطفال تم بالفعل اشتراكهم في معسكرات التنظيم مثل معسكر “الفاروق” و”أشبال الخلافة” للتدريب على حمل السلاح واستخدامه. وبحسب التحقيقات التي أجرتها السلطات الفرنسية فإن العديد من النساء العائدات لم يخفين التزامهن “بالمشروع الجهادي” حتى بعد عودتهن، بل أكدن اعتزامهن العودة يومًا ما بأولادهن لإعادة أمجاد الدولة الإسلامية.
ويعيش أكثر من ألفي طفل وامرأة من أبناء المقاتلين الأجانب داخل سجون في العراق، وفي ثلاثة معسكرات تابعة لقوات سوريا الديمقراطية داخل سوريا. ويعيش هؤلاء الأطفال في ظلّ ظروف صعبة، فهم محرومون من التعليم والخدمات الأساسية، بينما يعيش النساء وسط تصاعد الدعوات لدولهن باستردادهن بعد تزايد حالات الاغتصاب والاستغلال الجنسي داخل المخيمات، بالإضافة إلى تفشي الأوبئة والأمراض. وتفاوتت ردود أفعال الدول تجاه مواطنيها، خاصة النساء والأطفال العائدين من داعش. فقد قامت إنجلترا بتجريد بعض مواطنيها من الجنسية، ورفضت عودتهم إلى البلاد بدعوى أنهم يشكلون خطرًا على أمنها القومي. وتبنّت الدنمارك رد فعل مشابه عبّر عنه إعلان وزيرة الهجرة “إنجر ستويبرج” عزم الحكومة عدم حصول أطفال عناصر تنظيم داعش من مواطنيها المولودين في سوريا على الجنسية الدنماركية. كما نجح رئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون” في ديسمبر 2018 في تمرير قانون بالبرلمان يمكن الحكومة من تجريد الذين يُدانون بالإرهاب من جنسيتهم الأسترالية. كذلك، حذر رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية “هانس غيورغ ماسن” من الأطفال والشباب الذين تلقوا تربية إسلامية، العائدين من مناطق القتال إلى ألمانيا. وأضاف أنه يوجد أطفال وشباب خضعوا في “مدارس” تابعة لتنظيم “داعش”، وأن الأطفال يظهرون في دعاية تنظيم “داعش” كجيل جديد من المقاتلين، وبالتالي فإنهم قد يشكلون خطرًا لدى عودتهم، وسيكبرون كجهاديين من الجيل الثاني. وفي المقال، سمحت فرنسا بعودة حاملي جنسيتها لمحاكمتهم على جرائمهم في المنطقة، بحسب تقرير البرلمان الأوروبي.
مآلات مختلفة
في ظل هذا الوضع المعقد، هناك أربعة مآلات محتملة لنساء وأطفال داعش.
المآل الأول: هو عودة النساء والأطفال إلى بلادهن وخضوعهن للتحقيق والمساءلة القضائية، وهذا ما طبقته بعض الدول الأوروبية كفرنسا.
المآل الثاني: وهو الخيار الأمني الذي قد تلجأ إليه بعض الدول للتخلص من ملف عودة الإرهابيات إلى بلادهن، حيث يتم تصفيتهن جسديًّا، وهو ما صرح به وزير الدفاع البريطاني لصحيفة “ديلي ميل” بشكل صريح بأن البريطانيين الذين يقاتلون مع تنظيم داعش يجب أن تُحدد مواقعهم، وأن يجري قتلهم، وعدم السماح لهم بالعودة إلى البلاد.
المآل الثالث: بقاء الحال على ما هو عليه، حيث يتم تسكين هؤلاء النسوة مع أطفالهن في المخيمات ومراكز الإيواء على أطراف كل من سوريا والعراق، على غرار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن.
المآل الرابع: اعتماد مراكز تأهيل نفسية واجتماعية لإعادة تأهيل النساء اللاتي لم يثبت عليهن الضلوع في أعمال إرهابية، وإقامة مراكز تعليمية وتربوية مخصصة للأطفال ضحايا التطرف والعنف، ثم العمل على إعادة دمجهم في مجتمعاتهم الأم.