تُعد جماعة أنصار الله “الحوثيون” إحدى أذرع إيران في منطقة الشرق الأوسط. وتنتمي هذه الجماعة للطائفة الزيدية في اليمن، لكنها تبنّت عقائديًّا المذهب الاثني عشري -مذهب الحكم الأكثر انتشارًا في إيران- وذلك في إطار علاقات واسعة بينهما، واكبت تأسيسها على يد العائلة الحوثية التي تقود الحركة وتحمل اسمها. وتُعتبر صعدة شمال اليمن معقلًا رئيسيًّا لها.
وفي ظل حالة التوتر الحالي بين الولايات المتحدة وإيران بمنطقة الخليج العربي، ظهر دور الجماعة الحوثية على مسرح الأزمة من خلال شن هجمات على أهداف حيوية سعودية وإماراتية، وهو ما زاد من حدة التوتر القائم نظرًا لاعتبارات العلاقة بين طهران والميليشيا الحوثية، ولا سيما في ضوء العديد من التصريحات الأمريكية والتقارير التي تُشير إلى توظيفها في مشهد التصعيد الحالي بمنطقة الخليج.
نفوذ إيراني متنامٍ
تشهد منطقة الشرق الأوسط نفوذًا إيرانيًّا متناميًا عبر وكلائها في المنطقة. فعلى الرغم من حالة الخناق والتضييق التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران، خاصة في ظل إدارة الرئيس “دونالد ترامب”؛ إلا أن نفوذها وقدرات ميليشياتها ووكلائها قد تعاظمت وتنامت بشكل ملحوظ. ولم يعد نفوذ طهران عبر وكلائها ممثلًا في الجانب العسكري فحسب، بل امتد ليصبح نفوذًا سياسيًّا، خاصة بعدما نجح “حزب الله” في الحصول على عدد من الحقائب الوزارية في التشكيل الحكومي في لبنان (31 يناير 2019). فضلًا عن أن الحوثيين أصبحوا جزءًا من الترتيبات السياسية المستقبلية في اليمن بعدما حصلوا على شرعية دولية خلال مفاوضات استكهولم بشأن حلحلة الأزمة اليمنية.
وفي السياق ذاته، توسعت قاعدة التواجد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط بشكل ملحوظ في أعقاب 2011، حيث انتقل النفوذ من الساحات التقليدية (لبنان، والعراق) ليصل إلى ساحات جديدة (سوريا، واليمن)، وهو ما عبر عنه “علي رضا زاكاني” عضو البرلمان الإيراني المقرب من المرشد الإيراني “علي خامنئي” خلال حديثه أمام البرلمان الإيراني في سبتمبر 2014، حيث أكد “أن ثلاث عواصم عربية أصبحت بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية”، مشيرًا إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية. وكان ذلك قبل أيام من سقوط صنعاء في يد الحوثيين.
وفيما يرتبط بالقدرات البشرية للمقاتلين المدعومين من إيران والتابعين بشكل مباشر أو غير مباشر لقوات الحرس الثوري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، فقد أشار تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “CSIS” في مارس 2019، بعنوان “الحرب بالوكالة: بصمة إيران المتنامية في الشرق الأوسط”، إلى أن نفوذ الوكيل الإيراني في المنطقة قد توسع منذ عام 2011، حيث ارتفع عدد المقاتلين التابعين لإيران مما بين (110 آلاف و130 ألفًا) خلال عام 2011 ليصل إلى ما بين (140 ألفًا و180 ألفًا) خلال عام 2018. وهو ما يوضحه الشكل التالي:

Source: Seth G. Jones, “War by Proxy: Iran’s Growing Footprint in the Middle East”, Center for Strategic & International Studies, March 2019, p.4.
خريطة النفوذ والقدرات العسكرية
دخل الحوثيون في صراع مع الدولة اليمنية ونظام الرئيس السابق “علي عبدالله صالح”، حيث خاض الطرفان ستة حروب في محافظة صعدة في الفترة من عام 2004 إلى عام 2010، وقد اعتمد الحوثيون في هذه الفترة على أسلوبٍ أشبه بحروب العصابات الذي يعتمد على الكر والفر. وفي أعقاب عام 2011، شارك الحوثيون في الثورة اليمنية، وبمرور الوقت تمكنوا من أن يصبحوا عنصرًا أساسيًّا ولاعبًا رئيسيًّا داخل الساحة اليمنية، خاصة في أعقاب سقوط صنعاء (سبتمبر 2014)، وذلك بفضل الدعم المالي واللوجستي الذي قدمته إيران لهم.
وقد توسّع نفوذ الحوثيين وانتشارهم الجغرافي عبر السيطرة على العاصمة صنعاء وبعض مناطق الطوق التي تمثل المناطق الأكثر تأثيرًا وحيوية، خاصة في منطقة الساحل الغربي، وكذا الموانئ البحرية، سواء في الحديدة أو الصليف ورأس عيسى. ومع إطلاق التحالف العربي عملياته لاستعادة الشرعية في اليمن تمكن الجيش الوطني اليمني من استعادة العديد من المناطق التي استولت عليها الميليشيا الحوثية، كعدن في الجنوب، كما استعاد أجزاء من محافظات في الشمال في: صعدة، لحج، حجة، الحديدة، تعز، مأرب، الضالع، البيضاء، الجوف.
وفي هذا الصدد، يمكن التعرض للقدرات العسكرية للحوثيين من خلال عاملين أساسيين، هما: القدرات البشرية، والقدرات التسليحية، على النحو التالي:
أولًا- القدرات التسليحية:
شكّل الدعم المُقدَّم من إيران و”حزب الله” اللبناني عاملًا مهمًّا في تعزيز القدرات التسليحية لدى الحوثيين، وهو ما عبر عنه عدد من التقارير، حيث أوضحت تحقيقات ميدانية قامت بها منظمة “أبحاث التسليح أثناء الصراعات Conflict Armament Research” في الفترة من أبريل 2017 حتى فبراير 2018 أن إيران تعمل على تنظيم نقل التكنولوجيا والمعدات المتطورة للحوثيين.
وبالمثل، أظهر تقرير أعدته لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة في الفترة من يناير إلى يوليو 2018، أن الحوثيين يمتلكون قدرات تسليحية متطورة، وهو ما يمكن حصره فيما يلي:
١- المنظومة الصاروخية: تُعد القوة الصاروخية للحوثيين التي توافرت بفعل الدعم الإيراني من عوامل تفوقهم في الجوانب التسليحية، حيث أمدتهم طهران بعدد من الصواريخ من بينها الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، وصواريخ كاتيوشا، ومنظومة قاهر الصاروخية قصيرة المدى، فضلًا عن منظومة النجم الثاقب 1 و2، وزلزال 1 و2، بالإضافة إلى صواريخ من طراز بركان 1 وبركان H2، وكذا صواريخ من طراز صياد، وبدر 1، فضلًا عن الصواريخ الباليستية والصواريخ المضادة للطائرات.
٢- المتفجرات النوعية: ومن بينها المفخخات الصخرية وهي عبارة عن عبوات ناسفة تُصنع بشكل مموه في هيئة صخور وأحجار، بالإضافة إلى امتلاك الزوارق المفخخة، وكذا الألغام البحرية.
٣- الطائرات: أعلنت جماعة الحوثي امتلاكها عددًا من الطائرات المسيرة هدهد 1، راصد، رقيب، والطائرة قاصف1، وقاصف k2 الهجومية. ويُذكر أن هذه الطائرات تحمل بصمات إيرانية، فضلًا عن أنظمة الدفاع الجوي من طراز ميثاق 2، وكذا أنظمة الدفاع الجوي المحمولة MANPADS.
ثانيًا- القدرات البشرية:
رغم صعوبة حصر الأعداد الحقيقية للعنصر البشري داخل جماعة الحوثيين؛ إلا أن استيلاءهم على عددٍ من المقرات والأجهزة الأمنية ساهم في تعزيز قدراتهم البشرية، خاصة بعد نجاحهم في السيطرة على مقر الفرقة 310 مدرع، وزارة الدفاع، الفرقة الأولى والسادسة، فضلًا عن اللواء الرابع للحرس الجمهوري.
وتتمثل أبرز المكوِّنات التي شكلت المكون البشري للحوثيين على النحو التالي:
١- المقاتلون الزيديون، الذين انضموا لجماعة الحوثي بدافع الانتماءات المذهبية والجغرافية، وقد لعبوا دورًا محوريًّا في بناء القوة البشرية للحوثيين، حيث تم تشكيل فرق للاغتيالات من بين هذه العناصر بهدف تصفية النخب السياسية والعسكرية والقبلية التي تمثل تهديدًا لهم.
٢- بقايا الجيش اليمني، حيث اعتمد الحوثيون في جزء من تشكيل قوتهم البشرية على بقايا الجيش اليمني والعناصر المنشقة عنه، خاصة تلك التي انضمّت إليهم في أعقاب التحالف مع الرئيس اليمني السابق “علي عبدالله صالح” وظلّت متحالفة معهم فيما بعد.
٣- المهمشون والعاطلون عن العمل: بدأت الجماعة في اتباع مبدأ الإغراء المادي لاستقطاب عدد من الفئات المهمشة والعاطلين عن العمل للقتال في صفوفها، واستخدامهم في نقل الذخائر والعتاد وبعض الأعمال القتالية.
٤- تجنيد النساء والأطفال: مع تراجع قدرات الحوثيين في ساحة القتال، شرعت الجماعة في عملية التجنيد الإجباري للأطفال، والزج بهم في صفوف الصراع، كما سعت إلى تشكيل كتائب نسائية مثل كتائب الزينبيات، وكتيبة حفيدات الحسين، للقيام بمهام استخباراتية، والحشد للتظاهرات الداعمة للجماعة، والترويج لأفكارها، كما تم تشكيل فرقة إلكترونية من النساء تعمل على تضليل الرأي العام، وتنفيذ حملات إلكترونية مؤيدة للحوثيين.
أهداف متباينة
شكّل نشاط الحوثيين في الآونة الأخيرة تهديدًا ملحوظًا، خاصة تجاه مؤسسات ومنشآت تابعة للمملكة العربية السعودية، الأمر الذي بدا واضحًا من خلال استهداف محطتي ضخ نفط تابعتين لشركة أرامكو (14 مايو 2019) عبر هجوم باستخدام 7 طائرات مسيرة. وبعد أقل من أسبوع نفذ الحوثيون هجومين متتاليين على مطار نجران يومي (21 و22 مايو 2019) حيث استهدف الأول مخزنًا لمنظومة الأسلحة “باتريوت”، في حين استهدف الآخر مرابض الطائرات الحربية، وفق ما أعلنه الحوثيون.
ويبدو أن هذه الهجمات لن تكون الأخيرة، خاصة بعدما نجحت الدفاعات الجوية السعودية (26 مايو 2019) في إسقاط طائرة حوثية حاولت استهداف مطار الملك عبدالله بجازان، وهو ما يتماشى مع تصريحات عضو المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثيين “محمد البخيتي”، الذي قال في وقت سابق إن “هذه العمليات هي البداية لقرار استهداف أكثر من ثلاثمائة هدف في العمق السعودي والإماراتي خلال الأيام القادمة”.
وتأتي هذه التحركات لتُظهر مدى قدرة الحوثيين على استهداف مراكز حيوية، خاصة بعدما تحولت الجماعة من استخدام الصواريخ الباليستية إلى تنفيذ الهجمات عبر الطائرات بدون طيار، نظرًا لأن هذه التقنية تتميز بانخفاض تكلفة إنتاجها وصناعتها، كما أنها تتمكن من الوصول إلى أهدافها بفعالية. وقد نجح الحوثيون في تنفيذ هجمات مماثلة خلال عام 2018، وهو ما عبر عنه العميد “يحيى سريع” المتحدث باسم القوات المسلحة للحوثيين، حيث أكد تنفيذ سلاح الجو المسير نحو 38 عملية هجومية، منها 28 عملية استهدفت الداخل اليمني و10 عمليات استهدفت منشآت عسكرية في السعودية والإمارات.
وتتمثل أهداف التصعيد الحوثي الأخير والمُحتمل في هدفين متباينين؛ أولهما موجه للسعودية وذلك في محاولة لتخفيف الضغوط التي يمارسها التحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين خاصة في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية بين الجانبين، في حين يبقى الهدف الثاني بمثابة إرسال رسالة تحذيرية لواشنطن وحلفائها واستعراض قوة من طهران بغرض إرباك خصومها عبر تكتيكات غير متوقعة من أجل إظهار قدرات إيران العسكرية، وكيف يمكن توظيف وكلائها للنيل من مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
وفي السياق ذاته، يمكن أن تلجأ طهران لاستخدام الحوثيين في تهديد وتعطيل الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب، خاصة مع سيطرة الحوثيين على أجزاء كبيرة من الساحل الغربي لليمن، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة في ظل الأهمية الاستراتيجية للمضيق، حيث يمر من خلاله سنويًّا نحو 25 ألف قطعة بحرية، فضلًا عن مرور نحو 3,8 ملايين برميل نفط يوميًّا. ولا يُمكن استبعاد هذا النهج، خاصة وأن هناك سوابق تاريخية تؤكد ذلك، ففي أكتوبر 2016 تعرضت سفينة حربية أمريكية “يو إس ماسون” لمحاولة هجوم صاروخي شنه الحوثيون قبالة ميناء المخا. كما تعرضت ناقلة نفط سعودية لهجوم حوثي مماثل في أبريل 2018. والأمر ذاته تكرر في يوليو 2018 عندما استهدف الحوثيون ناقلتين للنفط السعودي غربي ميناء الحديدة.
وعليه، لا يُمكن استبعاد فرضية لجوء طهران لتعطيل وتهديد الملاحة البحرية عبر الحوثيين، خاصة وأن الجماعة تمتلك قدرات صاروخية يمكنها تهديد ناقلات النفط والبوارج الحربية في البحر الأحمر.
مُجمل القول، تظل كافة احتمالات التصعيد الإيراني عبر وكلائها في المنطقة مطروحة كخيار لدى صانع القرار في طهران، وكذلك احتمالات التهدئة. ومع ذلك فإن إيران لا تزال تنفي صلتها بالهجمات ضد أهداف خليجية، سواء فيما يتعلق بهجوم الفجيرة، أو تلك التي استهدفت منشآت نفطية سعودية، خاصة مع صعوبة تحميل طهران مسئوليتها عن هجمات الحوثيين الأخيرة. إذ إن إيران تبرر موقف الحوثيين بأن الحركة بالفعل تخوض حربًا في مواجهة دول التحالف بقيادة السعودية، وهي رسالة مفادها أنها ليست مسئولة عمّا يقوم به وكلاؤها تجاه أهداف خليجية.