قبل الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات الإسرائيلية التي عُقدت في التاسع من أبريل الماضي، بادر زعيم حزب الليكود ورئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي “بنيامين نتنياهو” بمجموعة اتصالات واسعة مع جميع زعماء الأحزاب اليمينية؛ بهدف التنسيق لتشكيل حكومة ائتلافية. ويأتي إسراعه إدراكًا منه بإقباله على مفاوضات معقدة مع هذه الأحزاب لدوافع ابتزازية ونفعية. وبالتالي قد تستهلك مزيدًا من الوقت لمزيد من الضغط، علمًا بأن المهلتين الأولى والثانية القانونيتين لتشكيل الحكومة ستنتهي في 28 مايو الجاري.
وفي ظل إخفاق “نتنياهو” في تشكيل الحكومة الائتلافية، صوت نواب إسرائيليون لصالح حل البرلمان، على أن تُجرَى انتخابات ثانية في السابع عشر من سبتمبر القادم في سابقة هي الأولى في السياسة الإسرائيلية بأن تُجرَى الانتخابات مرتين في العام نفسه لفشل رئيس وزراء منتخب في تشكيل ائتلاف حكومي.
أسباب التعثر
كلف رئيس إسرائيل “رؤوفين ريفلين” “نتنياهو” بمهمة تشكيل الائتلاف، رغم حصول حزب الليكود على 35 مقعدًا، واحتلاله المركز الثاني في الانتخابات بعد حزب “كاحول لافان” صاحب المركز الأول بـ36 مقعدًا؛ وذلك لكونه الأوفر حظًّا في تشكيل الائتلاف، كما رافقته توصيات من الأحزاب اليمينية لـ”ريفلين” بترشيحه ليكون رئيسًا للحكومة الجديدة.
لكن يبدو أن “نتنياهو” يفتقد إلى المعطيات التي تجعله الأوفر حظوظًا بحق. كما اختفت المؤشرات التي تبرهن على تفضيل الأحزاب لترشيحه رئيسًا للائتلاف، إذ يُمارَس ضده التضييق والابتزاز من قبل الأحزاب اليمينية؛ للوصول إلى أكبر استحقاق سياسي ممكن.
ومع إصرار حزب “كاحول لافان” (وهو حزب الجنرالات الثلاثة، وهم: بيني جانتس، وموشيه يعالون، وجابي إشكنازي، بالإضافة إلى الإعلامي السابق يائير لابيد) على رفض أي عرض يتعلق بتشكيل حكومة موحدة مع حزب الليكود، فلا يتبقى لـ”نتنياهو” سوى إنجاح مهمة تشكيل الحكومة؛ من أجل ضمان بقائه في السلطة، سيما وأن بقاءه في الحكم لا يرشحه لنيل لقب السياسي الأطول بقاءً في منصب رئاسة الوزراء، متفوقًا على “بن جوريون” فحسب؛ بل قد يحفظ له بقاؤه في الحكم الابتعادَ عن السجن، أو أقفاص الاتهام والدعاوى القضائية المتلاحقة.
ويتمثل أهم أسباب تعثر “نتنياهو” في مهمة تشكيل الائتلاف فيما يلي:
أولًا- تباين الاتجاهات الحزبية في الائتلاف حول مشروع قانون التجنيد: إذ يواجه “نتنياهو” معارضة قوية من الأحزاب اليمينية المتطرفة (وهي: حزب شاس، ويهودات هاتوراه، واتحاد الأحزاب اليمينية) حول مشروع القانون، ويرفضون تمامًا تقديمه أمام الكنيست، بينما يصر حزب “يسرائيل بيتينو”، الذي يتزعمه “أفيجدور ليبرمان”، على تقديم المشروع والموافقة عليه. ويبدو أن الفجوة كبيرة بين الأحزاب، وهو ما يؤجل موافقتها على الانضمام إلى الائتلاف.
ثانيًا- تعنت زعماء الأحزاب في الحصول على حقائب وزارية محددة: يكمن التحدي -في هذا السياق- في إصرار زعماء الأحزاب اليمينية على الحصول على حقائب وزارية محددة؛ بهدف خدمة أجندات خاصة تنبع من دوافع أيديولوجية وطائفية، دون اعتبار لمبدأ النسبية الذي يحكم توزيع الحقائب حسب عدد المقاعد التي فاز بها الحزب داخل الكنيست. إذ يطالب “بيتسئيل سموطريتش” (الرجل الثاني في كتلة اتحاد الأحزاب اليمينة) بتقلد منصب وزير القضاء، مهددًا بخروج الحزب من الائتلاف في حالة رفض “نتنياهو” قبول العرض. بينما يصر زعيم حزب كولانو “موشيه كاحلون” على منصب وزير المالية. وأيضًا يؤكد “ليبرمان” أنه لن يقبل بغير وزارة الدفاع، في حين يصر “نتنياهو” على الاحتفاظ بالوزارة.
ثالثًا- مطالبة الأحزاب اليمينية مزيدًا من المخصصات المالية: تسهم مطالبات الأحزاب اليمينية التمويلية في تعقيد مسارات التفاوض، إذ تبالغ هذه الأحزاب في طلبها لمخصصات مالية تخدم برامجها السياسية فقط، إذ يطالب “ليبرمان” بتلقي مخصصات تصل إلى 2,5 مليار شيكل من أجل إدارة منظومة المعاشات، فيما يطالب حزب يهودات هاتوراه بالحصول على 400 مليون شيكل لتمويل المدارس الدينية المخصصة للحريديم فقط، أما اتحاد أحزاب اليمين فيطالب بالحصول على مليارَيْ شيكل لتمويل برامج دينية في الضفة الغربية، وتعظيم دور الحاخامية اليهودية في الضفة الغربية.
إخفاقات تسكين الأزمة
حاول “نتنياهو” تحويل دفة المشهد السياسي بعيدًا عن أزمة تعقد المفاوضات وتعنت زعماء الأحزاب في مطالبهم، عبر إطلاق مجموعة من السياسات التي تبرهن على سعيه لتركيز السلطة في يده؛ بهدف الحفاظ على استقرار الائتلاف، ويمكن عرض هذه السياسات فيما يلي:
أولًا- تضخيم الحكومة مقابل تقليل الصلاحيات: ترزح الحكومة الإسرائيلية تحت مشكلة تضخم المناصب الوزارية، وبالتالي تولي زعيم الحزب أكثر من حقيبة وزارية؛ لارتباطات سياسية فقط وليس لاعتبارات إدارية، وقدّر معهد إسرائيل للديمقراطية أن الحكومة الإسرائيلية تشمل 29 وزارة يتم توزيعها على 21 وزيرًا فقط، بخلاف المناصب الإدارية الأخرى داخل الوزارة الواحدة، والتي تُستحدث خصيصًا بهدف خدمة أجندات حزبية، تكلف إسرائيل 2,1 مليار شيكل سنويًّا بحسب المعهد.
في المقابل، يسعى “نتنياهو” لتقليل صلاحيات الوزير في منصبه، إذ يستهدف نقل “قسم إعداد الموازنة” من وزارة المالية إلى مكتب رئاسة الوزراء؛ لتكون الموازنة تحت إعداد وإشراف مباشر من رئيس الحكومة. وبهذا ينجح “نتنياهو” في إعداد موازنة تراوح مطالب جميع الأطراف بشكل متوازن، بعيدًا عن الاحتقان الذي قد ينتج داخل وزارة المالية نفسها في حالة تقلد “كاحلون” لكرسي الوزارة.
ثانيًا- تقديم مخصصات الأمن القومي على حساب المخصصات الحزبية: مثّل التصعيد الأخير في قطاع غزة “طوق نجاة” بالنسبة لـ”نتنياهو”، إذ أوجد تفجر الأوضاع الأمنية في الجنوب مبررًا لتخصيص أكبر قدر من الميزانية لحسابات الأمن القومي الإسرائيلي، مثل: زيادة ميزانية وزارة الدفاع، وشراء بطاريات منظومة القبة الحديدية ونشرها في أنحاء متفرقة من إسرائيل. وبهذا يفرّج “نتنياهو” عن الحنق الذي طال الأحزاب اليمينية، وكذلك يهرب من المخصصات المالية المبالغة التي تطالب بها نفس الأحزاب.
ثالثًا- التصديق على بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية: إذ حاول “نتنياهو” إقناع اتحاد الأحزاب اليمينية بقبول حقيبة “البناء والإسكان” والتنازل عن وزارتي القضاء والتعليم، مستغلًّا أجندة “سموطريتش” في الاحتفاظ بالمنطقة “ج” ضمن السيادة الإسرائيلية، وتركيز الاستيطان في مدينة القدس الشرقية. وهو العرض الذي لا يمكن رفضه وإلا قد يُلحق بصاحبه العار بين الطائفة الحريدية في الضفة الغربية، لا سيما وأنه يتقاطع مع تاريخ “سموطريتش” السيئ في الترويج لاستمرار بناء المستوطنات في الضفة.
رابعًا- شراء أعضاء الكنيست بهدف تشكيل كتلة برلمانية أكبر: سعى “نتنياهو” عبر مهندس المفاوضات الأول، عضو الكنيست “ناتان إيشل”، استقطاب أكبر عدد من أعضاء الكنيست (على الأقل خمسة أعضاء) وضمهم إلى حزب الليكود بهدف، أولًا: تشكيل كتلة نيابية أكبر في الكنيست. ثانيًا: بهدف تعويض عدد المقاعد التي يمثلها حزب يسرائيل بيتينو، إذ تميل التقديرات إلى أن “ليبرمان” زعيم الحزب يعد الحليف الأكثر “إزعاجًا” بالنسبة لـ”نتنياهو”. ويستهدف “إيشل” شراء أعضاء من داخل حزب “أزرق أبيض”، وبالفعل تتعاظم احتمالات انتقال عضو الكنيست “عومير ينكلفيتش” إلى الليكود، بعد إقناعها بتولي إدارة ملف مهم بشأن المسألة الحريدية في إسرائيل، ضمن أعمال الحكومة الجديدة.
إجمالًا، يُمكن القول إنه على الرغم من جهود “نتنياهو” للتغلب على عوامل التعثر التي تحيط بمهمة تشكيل الحكومة، إلا أنه فشل في مهمته لرفضه تقلّد بعض زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة -مثل “سموطريتش”- مناصب رفيعة تسمح لهم بالجلوس على مقاعد “الكابينت”، أي المجلس الوزاري المصغر المسئول عن مناقشة كافة الملفات المتعلقة بالأمن القومي.
وبحسب قانون الأساس (قانون الحكومة) ففي حالة فشل من كُلّف بتشكيل الائتلاف في مهمته، فإن رئيس الدولة يتوجه بتكليف عضو كنيست آخر، وستتحدد مهلة 28 يومًا فقط مع عدم إمكانية التمديد. وإذا فشل عضو الكنيست في المهمة، فقد يطلب 61 من أعضاء الكنيست من الرئيس طرح المنصب إلى عضو آخر في الكنيست، ولكن هذا العضو يلزمه 14 يومًا فقط لتشكيل الحكومة، وإذا لم ينجح، يتم الإعلان عن انتخابات مبكرة.
ولفشل “نتنياهو” في تشكيل الائتلاف في المهلة المحددة، فقد صوّت الكنيست في التاسع والعشرين من مايو بـ75 صوتًا مقابل 45 لصالح حلّ نفسه. وقد دعا “نتنياهو” لإجراء انتخابات جديدة في ١٧ سبتمبر المقبل، للحيلولة دون قيام الرئيس الإسرائيلي “رؤوفين رفلين” باختيار عضو آخر في البرلمان لتشكيل الحكومة.