تبع تولي “أبيي أحمد” مقاليد السلطة في إثيوبيا (أبريل 2018) تحولات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي، حيث اتّبع نهجًا إصلاحيًّا ظهرت انعكاساته على الداخل الإثيوبي عبر مجموعة من الإجراءات، كان أبرزها: إنهاء حالة الطوارئ، وإلغاء الرقابة على الصحافة والإنترنت، فضلًا عن العفو عن عدد من المعتقلين السياسيين، ناهيك عن عمليات المصالحة السياسية الداخلية عبر إنشاء اللجنة الوطنية للمصالحة، بالإضافة إلى جملةٍ من الإصلاحات في عدد من المجالات الأخرى. من ناحية ثانية، ارتكزت سياسة “أبيي” الخارجية على مبدأ تصفير المشاكل مع دول الجوار، الأمر الذي انعكس على ملف العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، وما نجم عنه من مصالحة ساهمت في إعادة هندسة العلاقات في إطار تعاوني بين دول المنطقة، الأمر الذي عزز بدوره من مكانة إثيوبيا في محيطها الإقليمي.
وعلى الرغم من إيمان قطاعات مهمة داخل إثيوبيا بالنهج الإصلاحي الذي اتبعه “أبيي”؛ إلا أن هناك مقاومة من قبل البعض، خاصة في ظل الاتهامات التي وُجهت إليه بسعيه إلى تمكين “الأورومو”، التي ينتمي إليها “أبيي أحمد”، على حساب العرقيات الأخرى، الأمر الذي يقف عائقًا أمام مشكلة الاندماج الوطني وتوزيع السلطة في البلاد، بحسب أصحاب هذا الاتجاه.
وقد شهدت الساحة الإثيوبية، وبالتحديد ولاية أمهرة، في وقت متأخر من ليل السبت 22 يونيو 2019 محاولة انقلاب على الحكومة، حيث تحدث عدد من سكان “بحر دار” -عاصمة أمهرة- عن سماع دوي إطلاق نار في بعض الأحياء. وبمرور الوقت أعلن متحدث باسم رئيس وزراء إثيوبيا عن شروع مجموعة في تنفيذ انقلاب ضد قيادة ولاية أمهرة، إلا أن هذه المحاولات لم تؤتِ ثمارها.
دلالات محاولة الانقلاب
أعلنت السلطاتُ الرسمية في إثيوبيا عن فشل محاولة الانقلاب التي استهدفت الإطاحة بزعيم ولاية أمهرة شمال إثيوبيا. وفي وقت لاحق للهجوم، أعلن رئيس الوزراء “أبيي أحمد” أنه تم فرض السيطرة الكاملة على ولاية أمهرة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وأن الأوضاع باتت تحت السيطرة الكاملة للقوات الحكومية.
وقد أسفرت محاولة الانقلاب عن مقتل رئيس ولاية أمهرة “أمباشو ميكونين” ومستشاره الخاص، وآخرين. وفي خطوة بدت وكأنها مُدبرة ومخططه سلفًا قُتل رئيس هيئة الأركان الجنرال “سياري ميكونين” عبر إطلاق النيران عليه من قبل حارسه الشخصي، وهو ما يؤكد وجود نية لتوسيع وتمديد الانقلاب حال نجاحه في عدد من الولايات الأخرى.
وتحدثت وسائل الإعلام الإثيوبية الرسمية عن مسئولية رئيس جهاز الأمن بولاية أمهرة “أسامنيو تسيجي”، عن محاولة تنفيذ عملية الانقلاب على رئيس ولاية أمهرة. ويُذكر أن “أسامينو” كان قد أُطلق سراحه كجزء من العفو السياسي الذي تبناه “أبيي أحمد”. وقد دعا “أسامينو” في وقت سابق إلى تشكيل ميليشيات عرقية مُسلحة عبر دعوته أبناء عرقية الأمهرة إلى حمل السلاح، وهو ما تم تداوله في فيديو خاص له على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسبوع من الحادث. وقد لفت البريجادير جنرال “تفيرا مامو”، قائد القوات الخاصة في أمهرة، للتلفزيون الحكومي إلى أن “معظم الأشخاص الذين قاموا بمحاولة الانقلاب تم اعتقالهم، لكن عددًا قليلًا منهم ما زالوا طلقاء”.
ومن خلال ما سبق يمكننا الإشارة إلى عدد من دلالات محاولة الانقلاب:
1- رمزية ولاية أمهرة: تحظى الولاية بمكانة كبيرة، كونها ضمن أهم الولايات التسع في إثيوبيا. كما تعتبر القومية الأمهرية ثاني أكبر المجموعات العرقية في البلاد بعد الأورومو، فضلًا عن أن الأمهرية تُمثل اللغة الرسمية للدولة، ناهيك عن أنها تحتوي على نحو ربع سكان البلاد، بالإضافة إلى انتماء عدد من الرموز التاريخية لإثيوبيا لهذه القومية. ومن ثم، فإن الانقلاب في حال نجاحه كان سيمثل نقطة تحول جوهرية للقائمين على هذه المحاولة، خاصة أن نجاحها كان من الممكن أن يؤدي إلى اتساع وانتقال المحاولة لعدد من الولايات الأخرى.
2- وجود مقاومة لمشروع “أبيي” الإصلاحي، فرغم فشل محاولة الانقلاب، إلا أنها تمثل مؤشرًا مهمًّا على استمرار رفض بعض القوى الإثيوبية للمشروع الإصلاحي لأبيي، ورفضها عملية التغيير التي يقودها في البلاد منذ وصوله للسلطة. ولا تمثل محاولة الانقلاب المؤشر الأول على ذلك، فقد سبقتها مؤشرات عدة، منها محاولة اغتيال “أبيي” نفسه في يونيو 2018 عبر إلقاء قنبلة استهدفت منصة “أبيي” أثناء إلقائه كلمة أمام مؤيديه في أديس أبابا، ثم قيام عدد من أفراد الجيش الإثيوبي في أكتوبر 2018 بمحاولة اقتحام مكتبه تعبيرًا عن غضبهم من سياسة الأجور والرواتب.
3- استمرار تحدي الصراع العرقي، فبالإضافة إلى ما مثله وصول “أبيي” نفسه إلى السلطة من تحدٍّ كبير للتوافق العرقي في البلاد، والقبول بمبدأ تداول المجموعات العرقية على السلطة، فإن محاولة انقلاب أمهرة تُشير إلى أن التحدي العرقي لا يزال قائمًا. وتجدر الإشارة هنا إلى حالة التعددية العرقية الشديدة في إثيوبيا، حيث يتوزع سكان البلاد على أكثر من 80 مجموعة عرقية، لكل منها مطالبها وتطلعاتها الخاصة. وقد انعكس ذلك على طبيعة نظام الحكم الفيدرالي في البلاد والذي يضم 9 ولايات على حسب العرق واللغة. بمعنى آخر، فإن محاولة انقلاب أمهرة تظهر ما قد تمثله العرقية والإثنية من تحدٍّ كبير لنظام “أبيي” في المستقبل القريب، خاصة في ظل نزوح نحو 2.4 مليون شخص -وفقًا لتقارير الأمم المتحدة- نتيجة العنف العرقي في إثيوبيا.
ختامًا، على الرغم من إجهاض محاولة الانقلاب الأخيرة في أمهرة، إلا أن احتمال تكرارها مستقبلًا في عدد من الولايات يظل قائمًا، خاصة في ظل عدد من التحديات الداخلية المستمرة، وفي مقدمتها الصراعات القومية والإثنية الناجمة عن التهميش ومقاومة التغيير من قبل عدد من الجماعات وأصحاب المصالح، وفي ظل صراع المصالح بين عدد من المكونات والقوميات التي تسعى للإطاحة بـــ”أبيي أحمد”، وعلى رأسها قومية التيغراي التي هيمنت على السلطة منذ عام 1991. من ناحية أخرى، قد تؤثر محاولة الانقلاب تلك -ولو مؤقتًا- على الدور الخارجي الإثيوبي، خاصة عملية الوساطة التي تقوم بها أديس أبابا بين الأطراف السياسية في السودان.