اشتهرت مصر لسنوات طويلة بكثرة حوادث الطرق وارتفاع أعداد ضحايا هذه الحوادث، حتى كادت أخبار حوادث الطرق الكبرى أن تكون بندًا دائمًا في تغطيات وسائل الإعلام، التي صكت مصطلح “نزيف الإسفلت” للإشارة إلى ما تتسبب فيه حوادث الطرق من إزهاق للأرواح.
لقد تغير هذا الوضع خلال السنوات الأخيرة، فحوادث الطرق لن تتوقف عن الوقوع في مصر أو في غيرها من الدول، لكن الملاحظ هو تراجع عدد هذه الحوادث، وهي الملاحظة التي تُعززها الإحصاءات. فقد تقلصت حوادث الطرق خلال أربع سنوات فقط بنسبة تقترب من 41%؛ فبعد أن وصل عدد الحوادث إلى 14403 حوادث في عام 2014، نجدها قد انخفضت في عام 2018 إلى 8480 حادثة. كما وازى ذلك الانخفاض نسبة هبوط ملفتة في عدد الوفيات الناتجة عن هذه الحوادث لتصل إلى 3087 ضحية في عام 2018، بعد أن قُدرت بحوالي 6236 ضحية في عام 2014، أي ما يعادل هبوطًا بنسبة تزيد عن 50%. أما عن أعداد المصابين فهي الأخرى شهدت هبوطًا مماثلًا؛ فبعد أن بلغت 24154 حالة إصابة في عام 2014، وصلت إلى 11803 حالة فقط، بنسبة انخفاض فاقت 51%. ولعلنا نلاحظ أن منحنى كل الإحصائيات المتعلقة بحوادث الطرق وتبعاتها من حالات وفيات وإصابات وتلف مركبات قد أخذ في الانخفاض.
المصدر: النشرات السنوية لحوادث السيارات والقطارات للأعوام: 2014، 2015، 2016، 2017، 2018، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
الخسائر المترتبة على حوادث السيارات خلال الفترة (2014-2018)
المصدر: المصدر السابق.
الاستثمار في الطرق
ارتبط التراجع في حوادث السيارات وضحاياها ببدء تشغيل العديد من مشروعات الطرق المطورة ومشروعات الطرق الجديدة بحلول عام 2016. فخلال الفترة بين العامين 2014 و2018، قامت وزارة النقل بتنفيذ خطة ضخمة، شملت العمل على 44 مشروعًا متعلقًا بالطرق. تنوعت هذه المشروعات بين أعمال رفع الكفاءة والتوسعة لعدد من الطرق القائمة، بالإضافة لأعمال إنشائية جديدة لعدد آخر من الطرق، بإجمالي استثمارات بلغت 32 مليار جنيه. كما تشارك كلٌّ من وزارة الإسكان ووزارة الدفاع -ممثلة في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة- بتنفيذ عدد آخر من المشروعات المماثلة في مجال الطرق.
وقد نتج عن هذه المشروعات زيادة أطوال شبكة الطرق القومية بأكثر من خمسة وعشرين ألف كم من الطرق الجديدة، ليصبح إجمالي أطوال شبكة الطرق 188247 كم في عام 2018 بنسبة زيادة بلغت 13.4% مقارنة بما كانت عليه في عام 2014. فيما زادت الطرق المرصوفة وحدها بنسبة 17.5% عن عام 2014، ليصبح إجمالي أطوالها 179906 كم، بزيادة أطوال حوالي 24700 كم من الطرق الجديدة. فضلًا عن زيادة العدد الكلي للكباري العلوية لتصل إلى أكثر من 36 ألف كوبري، خصص قرابة 86% منها لخدمة المركبات.
أطوال الطرق في مصر خلال الفترة (2014-2018) بالألف كيلومتر
المصدر: نشرات حصر الطرق والكباري للأعوام 2013-2014، 2015-2016، 2017-2018، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
كيف ساهمت استثمارات الطرق في الإقلال من الحوادث؟
تتعدد العوامل المسببة للحوادث، ومن بينها عوامل تتعلق بالحالة الفنية للمركبات وأخرى تتعلق بالأخطاء البشرية، بالإضافة إلى العوامل المتعلقة بالطرق والظروف البيئية. وبينما لا يوجد سبب للاعتقاد بأن تغيرًا مهمًّا قد حدث فيما يخص الحالة الفنية للمركبات وسلوكيات السائقين على الطريق، فإن تطورًا مهمًّا قد حدث فيما يتعلق بحالة الطرق، بما يبرر الاستنتاج بأن التراجع الذي حدث في عدد الحوادث والخسائر المترتبة عليها إنما يرجع إلى التحسن في حالة الطرق.
لقد انخفض معدل الحوادث خلال عام واحد فقط وهو عام 2018 ليصبح 4.7 حوادث لكل 100 كم طرق، بعد أن كان 6.3 حوادث لكل 100 كم طرق في عام 2017. وانخفض معدل الوفيات الناتجة عن الحوادث ليصل إلى 3,2 ضحايا لكل 100 ألف نسمة في عام 2018، بعد أن كان 3.9 ضحايا في عام 2017. فيما انخفض معدل مصابي حوادث الطرق من 14.7 إلى 12.1 مصابًا لكل 100 ألف من السكان، بين عامي 2018-2017. وقد ترافق ذلك مع انخفاض معدل حوادث السيارات ليصل إلى 0.8 حادثة لكل 1000 سيارة في عام 2018 بعد أن كان 1.6 حادثه لكل 1000 سيارة في عام 2016؛ وبالتالي فإن ارتفاع عدد السيارات من 9.3 ملايين سيارة عام 2016 إلى 10.8 ملايين سيارة في عام 2018 لم يأتِ مصحوبًا بزيادة عدد الحوادث وضحاياها. على العكس، فقد زادت عدد السيارات التي تتحرك على الطرق، فيما تراجع عدد الحوادث وضحاياها، وهو اتجاه لم يكن له أن يحدث لولا الاستثمارات الكبيرة التي تم ضخها لتطوير شبكة الطرق.
معدل الوفيات والمصابين في حوادث الطرق لكل 100 ألف نسمة خلال الفترة (2014-2018)
المصدر: النشرات السنوية لحوادث السيارات والقطارات، للأعوام: 2014، 2015، 2016، 2017، 2018، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وإذا أردنا ترجمة أثر استثمارات الطرق حسابيًّا على أمان المواطنين المستخدمين للطرق وعلى تقليل عدد الحوادث، فإننا سنجد أن كل 10.16 ملايين جنيه أنفقتها وزارة النقل خلال الفترة (2014-2018) ساعدت على منع سقوط قتيل واحد جديد سنويًّا، وحمت 7.55 أفراد سنويًّا أيضًا من الإصابة في حوادث الطرق، ومنعت وقوع 5.82 حوادث إضافية سنويًّا.
بمعنى آخر، فإن تطوير شبكة الطرق لا يؤدي فقط إلى تسريع التنمية وزيادة معدلاتها، وإنما أيضًا إلى إنقاذ أرواح المواطنين المسافرين على الطرق.