أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية في الرابع والعشرين من مايو 2019، استقالتها من رئاسة حزب المحافظين الحاكم، واستمرارها في رئاسة الوزراء إلى حين انتخاب رئيس جديد للحزب. وقد جاء هذا القرار نتيجة فشلها المتكرر في إقناع نواب البرلمان بخطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي.
كيف يتم انتخاب رئيس حزب المحافظين؟
تمر عملية انتخاب رئيس حزب المحافظين بمرحلتين:
المرحلة الأولى: وتكون الكلمة فيها للنواب الممثلين للحزب داخل مجلس العموم، والبالغ عددهم حاليًّا 313 نائبًا، حيث يتم التصويت عبر جولات عدة إلى حين الوصول بعدد المرشحين إلى اثنين فقط.
وتُجرَى الجولة الأولى من الانتخابات داخل هذه المرحلة بين المرشحين الذين حصلوا على دعم ما لا يقل عن ٨ نواب، حيث لا يُسمح لمن حصلوا على أقل من هذا العدد بالمشاركة في السباق الانتخابي. ويخرج من السباق بعد هذه الجولة كل من حصل على أقل من 17 صوتًا (تم إجراء هذه الجولة في 13 يونيو الماضي). ويخرج من السباق الانتخابي عقب الجولة الثانية كل من حصل على أقل من 33 صوتًا. وفي حالة تجاوز جميع المرشحين هذا العدد يخرج من السباق الأقل من حيث عدد الأصوات، ليستمر التصويت حتى يتبقى المرشحان الأعلى من حيث عدد الأصوات (تمت هذه المرحلة خلال الفترة 18-20 يونيو).
المرحلة الثانية: يكون التصويت فيها لأعضاء الحزب (الذين يتجاوز عددهم 160 ألف عضو) للاختيار بين المرشحين الاثنين اللذين تم تصعيدهما عبر الجولة الأولى. ويتم التصويت فيها عن طريق البريد (بدأت هذه المرحلة في 22 يونيو، وستستمر إلى 22 يوليو تاريخ الإعلان عن الزعيم الجديد للحزب).
المرشحون المتنافسون على رئاسة الحزب
ترشح على رئاسة الحزب 10 أعضاء بارزين، وتم الوصول للمرشحين الإاثنين النهائيين بعد خمس جولات تصويتية، انتهت بحصول “بوريس جونسون” (وزير الخارجية السابق) على 160 صوتًا، مقابل 77 صوتًا لوزير الخارجية الحالي “جيريمي هانت”، لتجرى المرحلة الثانية بينهما.
1- بوريس جونسون
تولى “جونسون” عمدة لندن خلال الفترة من 2008 حتى مايو 2016، ثم أصبح وزيرًا للخارجية خلال الفترة من يوليو 2016 حتى يوليو 2018. واستقال “جونسون” من الحكومة على خلفية خلافه مع “تيريزا ماي” بخصوص طريقة إدارة ملف “بريكست”، وهو من القادة الرئيسيين في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفيما يخص ملف “بريكست” يتبنى “جونسون” موقفًا معلنًا يقوم على ضرورة الخروج من الاتحاد أيًّا كانت النتائج بحلول 31 أكتوبر القادم. وفي هذا الإطار، هدد “جونسون” برفض الالتزام الخاص بفاتورة انفصال بريطانيا التي تصل إلى حوالي 40 مليار جنيه إسترليني في حال لم يقم الاتحاد الأوروبي بتقديم شروط أفضل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أحد أهم أسباب استقالة “جونسون” عن حكومة “ماي” كانت رفضه الإبقاء على علاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي حتى بعد الخروج من الاتحاد. أضف إلى ذلك رفضه شبكة الدعم المسماة المعروفة باسم Backstop، ورغبته في التفاوض على إجراءات بديلة.
وبالإضافة إلى موقفه المعلن من “بريكست”، فقد وعد “جونسون” بقصر تطبيق نسبة ضرائب 40% على من يزيد دخلهم على ٨٠ ألف جنيه إسترليني سنويًّا، بدلًا من 50 ألف جنيه إسترليني حاليًّا (يبلغ متوسط المرتبات في بريطانيا 26400 جنيه إسترليني سنويًّا). وقدر “جونسون”، ومعه خبراء، أن نحو أربعة ملايين شخص بين عاملين وأصحاب معاشات سيستفيدون من هذا القرار حال تطبيقه (يمثلون جزءًا كبيرًا من ناخبي حزب المحافظين). لكن خبراء آخرين انتقدوا هذا المقترح، مؤكدين أنه سيتسبب إما في زيادة عجز الموازنة، أو في إجراءات تقشفية تضر بشرائح اجتماعية أخرى من الشعب. وزعم “جونسون” أنه سيعوض النقص في حصيلة الضرائب من خلال زيادة التأمينات المأخوذة من العاملين المستفيدين من التخفيض، ومن خلال تخفيض الإنفاق والأموال المخصصة لتأهيل بريطانيا للخروج دون اتفاق مع الاتحاد.
واقترح “جونسون” كذلك إعادة توجيه الأموال التي كان يتم تخصيصها للاتحاد وتوظيفها في برامج ومشروعات تحسين القطاع الصحي. كما أشار إلى وجود فجوة تمويلية تعاني منها المدارس الريفية يجب مواجهتها.
2- جيريمي هانت
يتولى “هانت” حاليًّا منصب وزير الخارجية منذ استقالة “بوريس جونسون”، وكان وزيرًا للصحة قبلها منذ عام 2012، وسبق ذلك توليه منصب وزير الثقافة خلال الفترة (2010-2012). وكان “هانت” من معارضي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقت الاستفتاء، لكنه أصبح من مؤيدي الخروج باتفاق. وقد اعتبر سابقًا الخروج دون اتفاق بمثابة “انتحار سياسي”. ثم أعلن مؤخرًا أنه سيؤيد الخروج دون اتفاق إذا اضطر لذلك في حال عدم الوصول لاتفاق أفضل فيما يتعلق ببنود الانسحاب وقضية الحدود الأيرلندية.
أما فيما يتعلق بقضية الضرائب، فإن “هانت” يؤيد تخفيض الضرائب على الشركات بهدف تشجيع الاستثمار، بالإضافة إلى دعمه وضع إجراءات أكثر صرامة على منصات التواصل الاجتماعي.
رئيس جديد وحياة سياسية مأزومة
رغم حالة الحراك السياسي داخل حزب المحافظين، إلا أنه لا يزال في وضع سياسي مأزوم؛ فقد حل الحزب في المركز الرابع في انتخابات البرلمان الأوروبي. وفقد أكثر من 1300 مقعد من مقاعده في الانتخابات المحلية، وأكثر من 45 مجلسًا محليًّا في الانتخابات المحلية الأخيرة.
وتعكس هذه النتائج تراجعًا كبيرًا في شعبية الحزب، وهو تراجع يعود أولا إلى تعثر عملية خروج بريطانيا من الاتحاد، وسوء إدارة هذا الملف، ويعود ثانيًا إلى حدوث تراجع اقتصادي كبير كان له تأثيره على الظروف المعيشية للمواطنين.
ملف الخروج لا يزال ملغمًا، وهو سبب الانقسامات الحادة التي يُعاني منها الحزب؛ ذلك أن خيار الخروج دون اتفاق هو الخيار الوحيد الذي أجمع أغلب نواب البرلمان البريطاني على رفضه، بالنظر إلى أنه يحمل العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المدمرة لبريطانيا. لكنه يبدو الخيار المفضل لدى أقلية نافذة داخل الحزب. وكذلك يبدو أن الرهان على إمكانية التوصل إلى اتفاق أفضل غير واقعي. إذ أكد الاتحاد الأوروبي رفض تقديم التنازلات المطلوبة على اعتبار أنها تضر بمصالح دولة عضو عانت من أزمات اقتصادية حادة خلال السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن مشكلة الحدود لا حل لها يصون مصالح أيرلندا والمملكة المتحدة في آن واحد. ومن ناحية أخرى، يواجه الاتحاد العديد من المشكلات الهيكلية، خاصة في ظل وجود اتجاهات في بعض الدول تدعو إلى الخروج منه، وبالتالي فإن خروج بريطانيا من الاتحاد دون تكلفة كبيرة سيفتح بابًا لن يستطع أحد سده، ما قد يمهد لانهيار أو في أحسن الظروف فقدان فاعليته.
أما الخيار الذي يبدو مخرجًا عمليًّا من تلك الحالة وهو إجراء استفتاء ثانٍ، فإنه يعني فقدان الثقة في الديمقراطية البريطانية، وفقدان الثقة في الأحزاب التقليدية التي لم تحترم الإرادة الشعبية كما كشف عنها استفتاء الخروج في عام 2016، وسيُدخل بريطانيا في دائرة مفرغة من رفض نتائج مثل هذه الاستحقاقات السياسية والانتخابية المهمة لمجرد وجود معارضة بنسبة كبيرة.
أضف إلى ذلك أن عدم التوصل إلى اتفاق مُرضٍ سيفتح المجال لسيناريو يرفضه كل المحافظين وهو وصول رئيس حزب العمال إلى الحكم في الانتخابات القادمة. فالمحافظون والليبراليون يمقتون السيد “كوربن” بوصفه من ذوي الميول اليسارية المتشددة، ويعتبره الكثيرون شيوعيًّا وخطرًا على الأمن القومي البريطاني. إضافة إلى ذلك، يعاني حزب العمال من الانقسامات نفسها فيما يتعلق بمسألة الخروج من الاتحاد.
الخلاصة، يبدو أن المخرج الوحيد ما لم يراجع الكل مواقفه هو إجراء استفتاء ثانٍ، وهو مخرج غير مضمون، وسيعمق أزمة الديمقراطية البريطانية على المدى الطويل، حتى لو جاءت الرياح بما تشتهيه السفن.