بدت الانتفاضة الشعبية التي شهدتها أغلبية أقاليم السودان في ديسمبر 2018، على أنها بحق “ثورة الأطراف”، حيث كان نظام الإنقاذ يبسط هيمنته عادة على “المركز” الذي تتركز فيه النخب وأصحاب المصلحة. كما تم تصنيف هذه الانتفاضة كذلك في إطار أنماط ثورات الخبز التي لم تقتصر فقط على الحالة السودانية، وإنما شهدتها دول أخرى في الإقليم. وعليه، فإن المحرك الأول كان هو الاقتصاد وليس السياسة. لقد كنا أمام حالة فوران شعبية تلقائية تفتقد إلى وجود قيادة محرِّكة تضبط حركتها وتعرض مطالبها، وإن كانت هناك بعض التنظيمات المهنية التي حاولت سد هذا النقص القيادي. الحالة السودانية على الرغم من تاريخها النضالي والثوري في أكثر من مناسبة، والذي أطاح بالحكم العسكري في مناسبتين على الأقل، تبرز فشل وعقم النخب المدنية التي أصابت الجماهير بالخذلان المبين.
وسرعان ما شهدت المظاهرات والاحتجاجات انتقالًا تدريجيًّا من مطالب الإصلاح الاقتصادي العاجل إلى مطالب تنحي الرئيس “عمر البشير”، والتخلص من حكم “الكيزان”، وهو مصطلح يُطلق على الإخوان المسلمين في السودان. ومن ثم، تم تجاوز المظالم الاقتصادية ليرتفع سقف تطلعات الجماهير ليشمل مطالب الحرية والكرامة الإنسانية، ورفع شعار إسقاط النظام الحاكم. لقد كان نموذج حكم “البشير” يختلف عن حالتي “عبود” (1964) و”النميري” (1985). نموذج الإنقاذ بزعامة “البشير” استطاع عبر نحو ثلاثة عقود أن يؤسس مصادر أخرى للشرعية تعتمد على “أخونة” مؤسسات الدولة في ظل منظومة عقائدية تنافي نمط التعددية الثقافية الذي يتسم به المجتمع السوداني. واتسمت الممارسة السياسية في عهد الإنقاذ كذلك بمبدأ “فرق تسد”، فضلًا عن مهارة غير معتادة في بناء التحالفات الداخلية والخارجية، سواء بسواء. وعليه، فإن عملية الانتقال والتغيير في ظل هيمنة شبكات المصالح الكبرى في أجهزة الدولة ورجال الأعمال تظل محفوفة بالمخاطر.
لقد تم تنسيق الاحتجاجات وقيادتها من قبل منظمات المجتمع المدني، مثل جمعية المهنيين السودانيين، وجماعات المعارضة مثل “نداء السودان”، وتحالف قوى الإجماع الوطني، وطلاب الجامعات. وقد استجابت المؤسسة العسكرية والأمنية لمطالب الجماهير في 11 أبريل 2019، وقامت بعزل “البشير” الذي تم إيداعه سجن كوبر بعد ذلك. ولعلها نقطة تحول فاصلة في تاريخ الانتقال الديمقراطي في السودان، وذلك لأمرين اثنين؛ أولهما يرتبط بالفرح الشعبي الذي صاحب سقوط “البشير” الذي مثّل حكمه فرصة ضائعة للشعب السوداني وأضر بمصالح الدولة الاستراتيجية مقابل مصالح حزبية وعقائدية ضيقة. الأمر الثاني هو الخوف من مخاطر التفتيت في مرحلة ما بعد “البشير” وما قد تُفضي إليه من مزالق الفوضى والانقسام العنيف.
حاول المجلس العسكري الانتقالي بزعامة “عبدالفتاح البرهان” تهدئة مخاوف قوى الحرية والتغيير، وأعلن فترة انتقالية مدتها سنتان يقودها المجلس العسكري، وحل الحكومة. كما تم تعليق العمل بالدستور. بيد أن الاحتجاجات استمرت في الخرطوم، واعتصم المحتجون أمام مقر القيادة العامة للجيش على الرغم من مطالبة المجلس العسكري بالتوصل إلى اتفاق بشأن معظم المطالب، وقراره بتشكيل لجنة مشتركة لحل النزاعات العالقة مع قوى الحرية والتغيير التي ما فتئت تطالب بنقل السلطة لحكومة مدنية.
على أن قرار فض الاعتصام في 3 يونيو وما ترتب عليه من خسائر في الأرواح، قد عرّض انتقال السودان السياسي مرة أخرى لخطر الانزلاق إلى حالة الانقسام العنيف التي شهدتها بعض دول ما يُسمى بالربيع العربي. وكما هو متوقع، أصدر الاتحاد الإفريقي بيانًا في 6 يونيو أعلن فيه تعليق عضوية السودان في جميع أجهزة الاتحاد حتى يتم “تأسيس سلطة انتقالية يقودها المدنيون”، باعتبار أن هذا الخيار هو السبيل الوحيد لـخروج السودان من أزمته الحالية. ومن الواضح أن جميع الأطراف الدولية والإقليمية ترى أن النهج التفاوضي هو الحل المقبول للمأزق الحالي. ولعل من التحولات الفارقة في مسار الأزمة السودانية زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي “أبيي أحمد” للخرطوم في 7 يونيو لعقد اجتماعات منفصلة مع قادة المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي في محاولة للتوسط في المحادثات. ومن المعلوم أن ما تم الاتفاق عليه منذ بداية العملية التفاوضية يتمثل في فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، وبرلمان مدني بشكل رئيسي، ومجلس سيادي، بالإضافة إلى دمج الأجهزة الأمنية والجيش والمخابرات والميليشيات شبه العسكرية. ومع ذلك، فإن القضية العالقة لا تزال تتمثل في تشكيل وقيادة المجلس السيادي، وهو الجهاز التنفيذي المكلف بقيادة انتقال السودان إلى حكومة مدنية.
وعلى الرغم من الوساطة الإثيوبية والإفريقية، قررت قوى الحرية والتغير التصعيد في مواجهة المجلس العسكري بالدعوة لمسيرة مليونية يوم 30 يونيو 2019. ولعل قراءة البيانات الصادرة عن قادة المجلس العسكري تؤكد رفض التصعيد من جانب أحد الأطراف الرئيسية في معادلة القوة بعد انهيار حكم “البشير”، والتأكيد عوضًا عن ذلك على استكمال مسيرة المفاوضات بما يضمن تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي.
ثلاثة مسارات محتملة
وانطلاقًا من فهم المشهد السياسي بتعقيداته وتشابكاته المختلفة في الواقع السوداني الراهن، يمكن تصور ثلاثة مسارات أساسية للانتقال الديمقراطي في مرحلة ما بعد “البشير”.
المسار الأول- نمط التحول التفاوضي
ينبع الانتقال هنا من حالة الجمود السائدة التي تقترب من نموذج المباراة الصفرية السالبة، التي تكون فيها كل الأطراف خاسرة؛ فلا رابح ولا مهزوم. فإذا أدركنا أن كل طرف لا يمكن أن ينتصر على الآخر، فإن القوى المعارضة قد تتوصل إلى حل وسط، وتقرر بشكل مشترك الدخول في عملية انتقال سياسي. على أن النظام الجديد يكون مشروطًا بشكل كبير بطبيعة المفاوضات السياسية التي يقوم بها الجانبان خلال الفترة الانتقالية. ولعل ذلك أيضًا يضمن بقاء مصالح شبكات المصالح السائدة. ولا شك أن هذا المسار يُحقق الاستقرار الذي يكفله المجلس العسكري الانتقالي. وربما تدفع قوى إقليمية مهمة وأطراف دولية فاعلة في هذا الاتجاه الذي يحقق انتقالًا سلميًّا للسلطة.
المسار الثاني- نمط التحول الثوري
ويروج لهذا المسار المحتجون، ويقوم على بناء حكومة مدنية خالصة. ويحدث ذلك إذا استطاعت قوى المعارضة السيطرة على الحكم غِلابًا، وتشكيل الحكومة الجديدة (حكومة الثورة) بما يمكنها من توجيه العملية الانتقالية وتشكيل النظام الجديد. على أن هذا التغيير قد يكون دمويًّا، ويرتبط بانهيار وتفكك أسس النظام الحاكم. وهذا المسار يتطلب تفهمًا مشتركًا والتزامًا موحدًا من جانب جميع الأطراف الفاعلة المدنية. بيد أن الواقع السوداني الراهن يشير إلى عكس ذلك، حيث إن مصالح الدعاة وجماعات الإسلام السياسي على تنوعها والقوى الحداثية اليسارية وأحزاب المعارضة التقليدية (مثل حزب الأمة بزعامة “الصادق المهدي”) متنافرة وبعيدة كل البعد عن أن تكون صوتًا قويًّا للتغيير الأساسي.
المسار الثالث- الفوضى وعدم الاستقرار
ثمة تخوف من حالة التصعيد في المواقف أو انقسام المؤسسات الأمنية والعسكرية، وهو ما قد يدفع بالبلاد إلى الحرب الأهلية. وفي حالة رفض المجلس الانتقالي مطالب قوى الحرية والتغيير التي قد تلجأ بدورها إلى التصعيد والاحتماء بأطراف دولية، فإن احتمالات حدوث انقسامات داخل الجيش تكون واردة. ومن الممكن أيضًا أن يحمل الإسلاميون السلاح ضد المؤسسة العسكرية. وثمة تقارير عن اشتباكات عنيفة وقعت في دارفور بين النازحين بسبب الحرب و”المواطنين الشرفاء” المتعاونين مع النظام القديم. ويمكن لهذه الظروف العنيفة أن تضع السودان على شفا الهاوية، وتضعه على طريق الدولة الفاشلة، على غرار بعض دول الجوار الجغرافي. وسيكون لهذا المسار آثار كارثية على الاستقرار الإقليمي؛ فوضى عارمة، وتدفق للأسلحة. كما يمكن للميليشيات العابرة للحدود الاستفادة من الوضع لزعزعة استقرار الدول المجاورة مثل تشاد التي تضم بعض القبائل التي تعيش في دارفور. وقد يؤثر أيضًا على الدول الهشة التي تحاول التعافي من الحروب الأهلية العنيفة، مثل جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. وهذا من شأنه أن يضع المزيد من الضغوط على أوروبا، التي تخشى تدفقًا جديدًا من اللاجئين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط. كما أنه يُمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري ودول الجوار الأخرى في القرن الإفريقي.
عوامل حاسمة
على أن هناك مجموعةً من العوامل ستكون حاسمة في تحديد مسار الانتقال السياسي في سودان ما بعد “البشير”، نشير إليها فيما يلي:
1- مخاطر الانقسام والتفتيت
في أعقاب الإطاحة بالرئيس “البشير”، كان هناك انسجام واضح بين الأجهزة والمؤسسات الأمنية. والملاحظ أنه خلال الأيام الأخيرة قبل الإطاحة بالبشير، كانت بعض هذه المؤسسات تقف بجانب “البشير”، في حين اتخذت بعضها -مثل قوات الدعم السريع بقيادة “محمد حمدان دقلو” المعروف باسم “حميدتي”- اتخذت صف المحتجين. وقد انعكس هذا الانقسام على موازين القوى داخل المجلس العسكري الحاكم عقب إزاحة البشير.
وربما تفضي حالة الجمود والتصعيد من جانب قوى الحرية والتغيير إلى غرس بذور الفرقة والانقسام داخل المؤسسات العسكرية والأمنية النظامية وحتى الميليشيات غير الرسمية التي صنعها نظام “البشير”. وهناك أيضًا ميليشيات حزبية وقوات شبه عسكرية كانت تحت إمرة الإسلاميين زمن “البشير”. ولعل ذلك كله يجعل وحدة المؤسسات العسكرية والأمنية على المحك.
على صعيد المعارضة المدنية، تتألف قوى إعلان الحرية والتغيير من جمعية المهنيين السودانيين، وأعضاء من تحالف نداء السودان، وأحزاب المعارضة في تحالف التجمع الوطني، والطلاب، وغيرهم من نشطاء المجتمع المدني. في حين أن القوى الأخرى، مثل الحركة الإسلامية، تشعر بالتهميش. كما ظل أعضاء حركات المعارضة المسلحة بمنأى عن المشاركة في الاحتجاجات، لكنهم عادوا إلى السودان لتأمين مواقع لهم في المرحلة الانتقالية. وعلى سبيل المثال، عاد “ياسر عرمان”، نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- فرع الشمال، إلى الخرطوم من المنفى في 26 مايو للمشاركة في العملية التفاوضية؛ لكن تم اعتقاله وترحيله خارج حدود السودان.
2- صيغة الحكومة الانتقالية
سيكون نموذج تقاسم السلطة حاسمًا في العملية التفاوضية، وربما يؤثر عليه تدويل المسألة السودانية الذي بدأ بالفعل. بينما يحظى نموذج الحكومة التي يقودها الجيش بدعم من قوى إقليمية مهمة، لأنه يضمن تحقيق الاستقرار في ظل واقع اجتماعي مرتبك ومعقد، ومن ثم فإن توازن السلطة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية يكون أكثر صعوبة. أما النموذج الثاني الذي يقوده المدنيون فيحتاج إلى توافق واسع النطاق بين قوى المعارضة المتباينة، مثل: الإسلاميين الساخطين، والشباب الأكثر علمانية من الطبقة الوسطى الحضرية. ولا شك أن فكرة السيطرة المدنية الكاملة تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد، ولا سيما بين أبناء الجيل الأصغر سنًّا والمهنيين والمرأة وسكان المناطق الطرفية والهوامش.
3- جماعات الإسلام السياسي
منذ وصول الجبهة الإسلامية الوطنية إلى السلطة في عام 1989، قام “البشير” والعقل المدبر لانقلابه العسكري “حسن الترابي”، بتبني أيديولوجيا الإسلام السياسي بما يعنيه ذلك من إعادة تشكيل مؤسسات الدولة والحكم. وقد أصبح نموذج التحول الفوقي لأسلمة الدولة والمجتمع خلال التسعينيات من القرن الماضي يميل إلى دعم الحركات الجهادية العنيفة، مثل تنظيم القاعدة، وهو ما انعكس سلبًا على غالبية المجتمع السوداني، وليس فقط الجنوب الذي تقطنه أغلبية تدين بالمسيحية والمعتقدات الإفريقية، ولكن بشكل أكبر في المناطق الريفية ذات الميول الصوفية. كما أنه بعد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 فتح نظام “البشير” أبواب السودان لعدد كبير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وأقام علاقات قوية مع كل من قطر وتركيا. ولا شك أن الميليشيات الحزبية وشبكات المصالح التي شكلت أركان الدولة العميقة للإسلاميين في ظل نظام الإنقاذ سوف تشكل تحديًا لا يُستهان به أمام أي صيغة للحكم الانتقالي.
4- الأزمة الاقتصادية
لا ينبغي أن ننسى أن الاقتصاد هو المحرك الأساسي للانتفاضة الشعبية والإطاحة بنظام “البشير”. ويُقدر عجز موازنة الدولة بأكثر من 51 مليار دولار، وهو ما يمثل 88 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للسودان. كما وصل التضخم إلى نحو 70 في المائة. ولا يستطيع السودان الاقتراض من المؤسسات الدولية نتيجة العقوبات الأمريكية. وعليه، فإن نجاح الانتقال السياسي بشكل سلمي وبما يحقق الاستقرار يعتمد على وجود خطة إنقاذ اقتصادية ودعم للتغيير الاقتصادي. ولا شك أن تحقيق ذلك رهن بوحدة القوى السياسية ومعادلة القوة السائدة اليوم في السودان، بما في ذلك القوى السياسية المعارضة. ولا يوجد حتى اليوم سوى دعم مالي محدود بقيمة 3 مليارات دولار تعهدت به كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولا يخفى أن تحقيق الاستقرار وتنويع الاقتصاد الوطني بعد فقدان ثلاثة أرباع مصادره النفطية نتيجة انفصال جنوب السودان، وكذلك تخفيف عبء الديون والوصول إلى المؤسسات المالية الدولية تُعد جميعها من الأمور الأساسية لسودان ما بعد “البشير”. ويبرز في هذا السياق أهمية دور الولايات المتحدة والدول الغربية الدائنة للسودان.
5- المتغير الإقليمي والدولي
بالنسبة للاتحاد الإفريقي، فإن التغيير غير الدستوري للحكومة يمثل انتهاكًا لقواعد العمل المعمول بها إفريقيًّا، لذا فإن تسليم السلطة لحكومة مدنية أصبح شرطًا لازمًا، كما عبر عنه بيان الاتحاد الإفريقي في 6 يونيو. ولا شك أن الدول الغربية سوف تتبنى هذا النهج كذلك في خطابها السياسي المتعلق بالأزمة السودانية. وقد أيدت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج جهود الوساطة التي يقوم بها الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا. كما دعت كلًّا من المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير إلى التعامل بشكل بنّاء مع المبادرة الإفريقية-الإثيوبية لتحقيق انتقال ديمقراطي سلمي. وعلى الصعيد الأمريكي، قام مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية “تيبور ناجي” بزيارة العاصمة السودانية. كما تم تعيين الدبلوماسي المخضرم “دونالد بووث” مبعوثًا خاصًّا للسودان، وهو المنصب الذي تولاه في ظل إدارة “أوباما”. ولا شك أن هذه الهرولة الأمريكية صوب السودان تثير القلق من مسألة التدويل؛ فتاريخ التدخل الأمريكي في المنطقة وما حولها مخيف. إنني أتفهم سر الحساسيات السودانية من دول الجوار، ولا سيما العربية، لكن الواقع يقول إن السياق السوداني بتركيبته المعقدة والثرية بالتنوع لا يمكن أن يكرر تجارب دول أخرى. وعليه، يصبح الاحتماء بأطراف دولية -ولا سيما غير عربية- لمساندة قوى في الداخل أمرًا بالغ الخطورة على مسيرة التحول الديمقراطي في السودان.
على أية حال، فإن دروس الماضي تؤكد أن التحولات السياسية تنجح عندما تمكن الديمقراطيات الجديدة الجيوش من تحديث معداتها وتعزيز سمعتها المهنية. فإذا أدركت المؤسسة العسكرية السودانية التي انحازت لمطالب الجماهير أن النظام الجديد لن يشكل تهديدًا لها، بل وربما يحسن من وضعها المؤسسي؛ فإنها سوف تكون أكثر دعمًا لعملية الانتقال. وقد يبدو هذا الحل مزعجًا لأفراد الحرس القديم، لكنه يصبح على الأرجح الطريقة الوحيدة لتوحيد ما يكفي من الأجهزة الأمنية والعسكرية السودانية حول إمكانية حدوث انتقال حقيقي دون المخاطرة بالولوج إلى مسار الصراع العنيف. ومن جهة أخرى، ينبغي على قوى المعارضة التحلي بالبراجماتية والتراجع عن الطوباوية الثورية مثل القول بالسيطرة المدنية الكاملة على العملية الانتقالية.