مع اتجاه الأوضاع في الخليج نحو التصعيد، وتبني طرفي الأزمة الرئيسيين (الولايات المتحدة وإيران) مواقف متشددة، على نحو أنذر بتفجر الأزمة باتجاه عمل عسكري، ظهرت أطراف دولية وإقليمية تحاول احتواء الأزمة من خلال لعب دور الوسيط بين الطرفين. وجاء في مقدمة الأطراف الدولية اليابان وسويسرا وألمانيا، وفي مقدمة الأطراف الإقليمية العراق وسلطنة عُمان وقطر.
إلى أى مدى ستنجح هذه الوساطات في احتواء الأزمة؟ ومن هو الطرف المرشح بقوة للقيام بهذا الدور؟ هذا ما تسعى هذه الورقة إلى الإجابة عليه.
أولًا: الوساطات الدولية
– الوساطة اليابانية
اكتسبت زيارة رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” إلى إيران في الثالث عشر من يونيو الماضي أهميتها كونها جاءت بعد زيارات قام بها مسئولون أمريكيون وإيرانيون إلى طوكيو، على نحو أوحى بأنها مرشحة بقوة للعب دور الوساطة بين واشنطن وإيران لتهدئة حد التصعيد المتبادل بينهما، وقد عقد “آبي” خلال زيارته لقاءات مع مسئولين إيرانيين، جاء في مقدمتهم المرشد الأعلى “علي خامنئي” والرئيس “حسن روحاني”. وقد صرّح “آبي” خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” بأن اليابان مستعدة للقيام بأي شيء لخفض حدة التوتر في المنطقة والتصعيد بين طهران وواشنطن.
وكان وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” قد قام في الخامس عشر من مايو الماضي بزيارة اليابان في إطار جولة آسيوية شملت كلًّا من تركمانستان والهند والصين. كما قام الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بزيارة طوكيو في الخامس والعشرين من الشهر ذاته، وأدلى بتصريحات بدت وكأنها رسالة طمأنة للقيادة الإيرانية، ودعوة للجلوس على طاولة المفاوضات.
ومع إبداء الرئيس الأمريكي رغبته في الحوار مع إيران أثناء مؤتمر صحفي عقده مع “آبي”، حيث قال إن بلاده لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران، وأنه لا يُعارض الدخول في مفاوضات جديدة، ووجود رغبة لدى إيران في الحوار؛ رحبت طهران بدرجة كبيرة بزيارة رئيس الوزراء الياباني.
الترحيب الإيراني بزيارة “آبي” استهدف توجيه رسائل للقوى الإقليمية والدولية مفادها أنها لا تتعرض لعزلة على الساحة الدولية، بدليل اهتمام إحدى القوى الآسيوية بتعزيز العلاقات معها. كما تعمل طهران على الترويج لفكرة التغير في السلوك الدولي الذي ارتكز منذ الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي على فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية المتتالية عليها، والعمل على عزلها سياسيًّا.
وقد استهدفت اليابان من انخراطها في دور الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران جملة من الأهداف، لعل من أبرزها ما يلي:
أ- لعب دور أكثر وضوحًا على الساحة الدولية: في إطار سعي اليابان في الآونة الأخيرة إلى تعزيز دورها السياسي في الأزمات الدولية، إيمانًا منها بأن ذلك سيؤثر على حجم وطبيعة التنافس بينها وبين الصين على القيادة الإقليمية في قارة آسيا.
ب- استقرار منطقة الخليج العربي: حيث تؤمن اليابان بأهمية الاستقرار في منطقة الخليج العربي من أجل الحفاظ على إمدادات النفط من جانب، والحفاظ على استقرار أسعاره في السوق العالمية من جانب آخر.
ج- الحفاظ على إمدادات النفط الإيراني: ويرجع الاهتمام الياباني باستمرار وارداتها من النفط الإيراني ليس بسبب الكمية المستوردة، ولكن لحاجتها إلى تنويع مصادر الطاقة التي تعتمد عليها.
د- انتهاز الفرص الاقتصادية: حيث تسعى اليابان إلى توسيع علاقاتها التجارية مع إيران، والتنافس مع الصين على تقديم عروض لتطوير البنية التحتية الإيرانية، بما في ذلك احتمال تصدير تكنولوجيا السكك الحديدية عالية السرعة. ومثل الاتحاد الأوروبي، تحاول طوكيو ألا تخسر صفقات تجارية مربحة في طهران لصالح المنافسين الاستراتيجيين مثل بكين التي تحاول ربط المنطقة في مبادرة “الحزام والطريق”.
ه- الانتخابات المقبلة: قد يكون لدى آبي دافع شخصي يتمثل في تعزيز صورته كرجل دولة قبل الانتخابات العامة المرتقبة.
لقد توفرت للوساطة اليابانية فرص نجاح، أبرزها ما يلي:
أ- سمعة اليابان: تتبنى طوكيو سياسات محايدة في كثير من النزاعات والأزمات الدولية، ما يمنحها ميزة في نزع فتيل التوترات. بالإضافة إلى ما تتمتع به اليابان من مصداقية دولية يحتاجها الوسيط لنجاح مهمته. كما تتميز اليابان بصوت سياسي هادئ بعيدًا عن التشدد والتصعيد.
ب- تعدد اللقاءات السابقة بين الرئيس الإيراني “حسن روحاني” ورئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” والتي بلغت سبع مرات منذ عام 2013: كما لم ينقطع التواصل بين طوكيو وطهران تاريخيًّا حتى في أقصى الأوقات توترًا، مثل استمرار اليابان في استيراد النفط الإيراني حتى أثناء أزمة الرهائن الأمريكيين. ومؤخرًا، بينما كان نائب الرئيس الأمريكي “مايك بينس” يحشد الدول ضد إيران خلال قمة وراسو حول أمن الشرق الأوسط، التي عقدت في الثالث عشر من فبراير ٢٠١٩، كان رئيس البرلمان الإيراني “علي لاريجاني” في طوكيو للقاء رئيس الوزراء الياباني “آبي”.
ج- استقلال السياسة اليابانية في الشرق الأوسط: حيث تملك طوكيو سياسة مستقلة تجاه المنطقة عن تلك التي تتبناها الولايات المتحدة. على سبيل المثال، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو ٢٠١٨، أعربت طوكيو عن دعمها للاتفاق النووي.
د- الذاكرة التاريخية الإيجابية تجاه اليابان: فليس لليابان تاريخ سلبي أو استعماري في منطقة الشرق الأوسط. كما أنها لم تنخرط في التوترات الدينية والطائفية والعرقية والإثنية التي شهدتها المنطقة. وهو الأمر الذي يدعم من دورها كوسيط مرن ومحايد وإيجابي.
هـ- تطرح اليابان نفسها كبديل غير غربي للخروج من الأزمة، حيث تستطيع لعب دور أكثر إيجابية بسبب كونها ليست طرفًا في الاتفاق النووي، كما أنها ليست طرفًا غربيًّا. ومن ثم، فإن الدور الياباني يُزيل الحرج عن التيار المحافظ والمتشدد في الداخل الإيراني.
و- العلاقات التاريخية: لم يتوقف التواصل بين طوكيو وطهران تاريخيًا حتى في أقصى الأوقات توترًا (مثل: استمرار اليابان في استيراد النفط الإيراني حتي أثناء أزمة الرهائن). ومؤخرًا، بينما كان نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس يحشد الدول ضد إيران خلال قمة وراسو حول أمن الشرق الأوسط، كان رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني في طوكيو للقاء رئيس الوزراء آبي.
وعلى الرغم من امتلاك اليابان جملة من المقومات التي تدفع بنجاح الوساطة اليابانية بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن هناك بعض المعوقات التي قوضت نجاحها، منها:
أ- الفجوة الهائلة بين وجهتي النظر الأمريكية والإيرانية، حيث تُصر إيران على التمسك بالاتفاق النووي، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى التفاوض حول اتفاق جديد أكثر شمولًا يتجاوز الطموحات النووية الإيراني. وبالتالي، قد انحصر الدور الياباني في تبادل الرسائل بين الطرفين.
ب- امتثال اليابان بطريقة عملية للسياسة الأمريكية، حيث تراجعت معظم الشركات اليابانية التي سعت إلى إيجاد فرص عمل في طهران بعد تنفيذ الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ عن أعمالها هناك في أعقاب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات على النظام الإيراني. كما توقفت طوكيو عن استيراد النفط من إيران في الأول من مايو 2019. وكل هذا أضر بمصداقية وحياد اليابان، وحد من دورها كوسيط.
بشكل عام، فإن الوساطة اليابانية كانت مرشحة بقوة لنزع فتيل التوتر، والعمل على التهدئة بين الولايات المتحدة وإيران. واكتسبت زيارة رئيس الوزراء الياباني لإيران أهميتها كونها خطوة دبلوماسية جاءت من خارج كتلة دول الاتفاق النووي (مجموعة ٥+١)، وهو ما جعل آبي” وسيطًا مقبولًا من الطرفين في مقابل مبادرات دولية أخرى قادمة من فرنسا وألمانيا.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق، أنه على الرغم من الترحيب الإيراني بزيارة آبي، إلا أن استهداف إيران ناقلتي نفط في خليج عمان، وأثناء زيارة آبي، مثلت إحراجا لليابان. وارتباطًا بذلك أطلق المرشد الأعلى للثورة الإسلامية عددًا من التصريحات المتشددة أثناء لقاؤه بآبي، أبرزها، ما أوضحه أنه لو أرادات طهران امتلاك السلاح النووي، فلن تتمكن الولايات المتحدة من منعها، مضيفًا أنه لا يُصدق عرض واشنطن بشأن المفاوضات. ولكن يبدو أن هذا الموقف المتشدد لم يكن موجها للوسيط الياباني، وإنما هي مجرد محاولة لتعزيز الموقف الإيراني، ورسالة قوية للولايات المتحدة.
وبشكل عام، ومن أجل المساهمة في عملية المفاوضات، سيحتاج آبي إلى العمل كوسيط محايد وموثوق به. لذلك، ستحتاج اليابان إلى تقديم مبادرة يابانية وليس مجرد نقل رسالة الرئيس ترامب إلى القيادة الإيرانية. يجب أن تستند المبادرة إلى فهم جيد لمخاوف كافة الأطراف. فيمكن أن يكون أحد المقترحات اليابانية متعلقًا بإنقاذ الإتفاق النووي من جانب، وكذا بلورة المخاوف الأخرى التي لا يتضمنها الإتفاق النووي، من جانب آخر، من أجل الدعوة للحوار حول تلك القضايا.
2- الوساطة السويسرية
عزز من أهمية الوساطة السويسرية في تهدئة التصعيد بين إيران والولايات المتحدة عوامل عدة، أبرزها كون سفارة سويسرا في إيران هي الراعية للمصالح الأمريكية هناك، وتقديمها الخدمات القنصلية للمواطنين الأمريكيين الذين يقيمون فيها أو يسافرون إليها في ظل غياب العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين واشنطن وطهران، وكون سويسرا هي الوسيط التقليدي منذ أزمة الرهائن عام 1979.
وقد بدأ الحديث عن دور متوقع لسويسرا في لعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران في أعقاب زيارة الرئيس السويسري “أولي ماورر” للولايات المتحدة في السابع عشر من مايو 2019، حيث قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن “الرئيس ترامب عبّر عن امتنانه لدور سويسرا في تسهيل أمور الوساطة الدولية والعلاقات الدبلوماسية نيابة عن الولايات المتحدة”. وترددت أنباء عن تسليم الإدارة الأمريكية رقم هاتف إلى السلطات الإيرانية، عبر الحكومة السويسرية، لإقامة اتصال مباشر بين طرفي النزاع. وقد أعرب وزير الخارجية السويسري “إغناسيو كاسيس” عن مخاوف بلاده البالغة إزاء التصعيد القائم بين الولايات المتحدة وإيران، مبديًا استعداد بلاده للمساهمة في تخفيف التوتر بين الجانبين. كما قام وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” بزيارة لسويسرا في الأول من يونيو 2019، أعلن خلالها “استعداد بلاده للتحاور مع طهران بدون شروط مسبقة”. وترددت أنباء عن نية الرئيس السويسري زيارة طهران مباشرة بعد رئيس وزراء اليابان.
ثمة مقومات عززت من فرص نجاح سويسرا في وساطتها لتهدئة التوتر الأمريكي-الإيراني يتمثل أبرزها في:
أ- السمعة الإيجابية التي تتمتع بها سويسرا على مر تاريخها، والتي أدت إلى إقامتها علاقات طيبة مع كافة دول العالم.
ب- حالة الحياد التي فرضتها سويسرا على نفسها منذ عام 1815. وترى سويسرا أن الالتزام الإنساني والمساعي الحميدة في الدبلوماسية تعد استكمالًا لحيادها.
ج- الدور الدبلوماسي؛ حيث تقوم البعثة الدبلوماسية السويسرية بإدارة الأمور القنصلية ورعاية المصالح الأمريكية في إيران. ومن ثم، فإنها تُمثل القناة المباشرة والمفتوحة للتواصل بين الطرفين.
د- دور الوساطة التاريخية، حيث لعبت سويسرا تاريخيًّا دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران منذ أزمة الرهائن في عام 1979.
وفي مواجهة هذه المقومات المهمة لنجاح الوساطة السويسرية، ثمة في المقابل مجموعة من المعوقات تقوض من نجاح دورها كوسيط بين الدولتين، أبرزها وجود وسطاء أكثر فعالية، فعلى الرغم من المشكلات التي واجهت الوسيط الياباني، إلا أن إيران قد تكون أكثر قبولًا للوساطة اليابانية، بالنظر إلى المصالح الاقتصادية والتجارية التي تجمعهما.
ومن ثم، فإن سويسرا قد تلعب دورًا في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن هذا الدور لن يكون حصريًّا. وقد يكون دور سويسرا أكثر فعالية في المرحلة التمهيدية منه في مرحلة الجلوس على مائدة المفاوضات. بمعنى آخر، قد يكون لسويسرا دور قوي في أداء المساعي الحميدة، لكن سيتراجع هذا الدور مع جلوس الدولتين على مائدة المفاوضات.
3- الوساطة الألمانية
مع تزايد موجات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، اتجهت ألمانيا إلى إرسال مدير الشؤون السياسية بوزارة الخارجية الألمانية “ينس بلوتنر” في 23 مايو إلى العاصمة طهران؛ بهدف الوساطة بين إيران والولايات المتحدة. وفي أعقاب ذلك، قام وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” للشرق الأوسط لكل من العراق، والإمارات، وإيران خلال الأسبوع الأول من يونيو، حيث قال إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا متمسكة بالحفاظ على التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الإيراني، مضيفًا أنه من المهم مواصلة الحوار لتجنب التصعيد العسكري. وذكر خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني “محمد جواد ظريف” في طهران: “نريد أن نفي بالتزاماتنا… لا يمكننا صنع معجزات لكننا سنحاول تجنب فشل الاتفاق النووي”. وأكد على أهمية مواصلة الحوار مع إيران واستخدام هذه المحادثات لإجراء مناقشات صريحة قائلًا إن: “الوضع في المنطقة متوتر للغاية وخطير بشدة… أي تصعيد خطير للتوترات القائمة يمكن أن يؤدي لتصعيد عسكري”.
أثارت زيارة “هايكو ماس” تساؤلات حول أهداف هذه الزيارة، ويمكن طرح أهم هذه الأهداف فيما يلي:
أ- البحث عن دور: تسعى ألمانيا إلى الظهور بمظهر المدافع عن الرؤية الأوروبية. لذلك، تسعى لاختبار إمكانية قيامها بدور وسيط في الأزمة الراهنة خاصة أن ألمانيا تتمتع بمقومات المفاوض الجيد والمقبول لدى أطراف الأزمة. في هذا الإطار، تسعى ألمانيا إلى محاولة تخفيف حدة التوتر ونزع فتيل الأزمة بين أطراف الصراع، خاصة أن أية مواجهات مباشرة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الفوضى قد تنعكس على المجتمعات الأوروبية.
ب- الضغط على طهران: تأتي التحركات الألمانية من أجل حث إيران على ضرورة الاستمرار والبقاء في “خطة العمل الشاملة المشتركة”، خاصة بعدما لوحت طهران بدراسة فرص الانسحاب الجزئي من الاتفاق على خلفية استمرار فرض العقوبات الأمريكية. من ثم، تأتي زيارة “ماس” للتأكيد على أن أية مخالفات إيرانية للاتفاق مع الدول الأوروبية سيضع إيران في مرمى العقوبات، بل قد تتخلى عن تقديم الدعم السياسي لطهران، وهو ما لا تتحمله الأخيرة في الوقت الراهن.
ج- تعزيز المصالح الألمانية: تمثل جولة وزير الخارجية الألماني محطة مهمة في ظل السياق الإقليمي الراهن، حيث تهدف إلى التأكيد على المصالح الأوروبية بشكل عام والألمانية بشكل خاص، القائمة على الحفاظ على استقرار المنطقة في الشرق الأوسط، وتجنب إثارة بؤر جديدة للفوضى تسهم في تغذية ظاهرة الإرهاب، وتُعقد من أزمة اللاجئين، وتُزيد من حدتها، إضافة إلى اسهامها في خسارة فرص اقتصادية إضافية قد تهدد منطقة اليورو، لاسيما أن الاتحاد الأوروبي مرشح لخسارات اقتصادية كبيرة في أعقاب البريكست.
د- النفاذ للسوق الإيرانية: تسعى الشركات الألمانية للاستفادة من السوق الإيرانية الكبيرة. وتعد ألمانيا أكبر شريك أوروبي لإيران بقيمة صادرات بلغت 3 مليار يورو قبل التراجع الآخير الذي أفقد الصادرات 40% من قيمتها خلال النصف الأول من العام الحالي.
وثمة مقومات تدفع إلى نجاح الوساطة الألمانية في تهدئة الأزمة الأمريكية– الإيرانية، أبرزها القدرات التفاوضية الجيدة لألمانيا، وكون ألمانيا طرف في الاتفاق النووي موضوع الصراع، فضلا عن العلاقات التجارية الألمانية الإيرانية، حيث يمثل الحفاظ على هذه العلاقات دافعا مهما للوساطة الألمانية.
على الجانب الآخر، لازالت هناك مجموعة من المعوقات أمام الوساطة الألمانية، أبرزها:
أ- تشدد طرفي الصراع، حيث تُصر إيران على التمسك بالإتفاق النووي، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى التفاوض حول اتفاق جديد أكثر شمولًا يتجاوز الطموحات النووية لإيران. وبالتالي، قد ينحصر الدور الألماني في تبادل الرسائل بين الطرفين.
ب- أن التحركات الألمانية تأتي في إطار السياسة الأوروبية، وليست تحركات مستقلة، وبالتالي في حالة تغير السياسة الأوروبية أو الموقف الأوروبي فقد تتراجع أهمية الوساطة الألمانية.
ج- أن ألمانيا تمثل طرفا غير مباشرا في الصراع، وذلك على خلفية كونها أحد أطراف اتفاق (5+1)، ما يعني أنها تهدف أو ستسعى إلى الحفاظ على هذا الاتفاق، الأمر الذي قد يؤثر على صورتها كوسيط محايد.
د- التناقض بين الخطاب المعلن والتحركات الألمانية على الأرض، فعلى الرغم من الموقف الألماني المعتدل نسبيا في الأزمة، ورفضها الموقف الأمريكي المتشدد، إلا أن تحركاتها الفعلية تمثل استجابة عملية للسياسة الأمريكية، ومنها خفض صادراتها لإيران بنسبة 40%.
إجمالًا، يمكن القول إن ألمانيا تتمتع بقدرات تفاوضية جيدة، كما أن زيارة وزير الخارجية الألماني للشرق الأوسط هي محاولة للوقوف على طبيعة الدور الذي يمكن أن تقوم به ألمانيا في عملية الوساطة بين الجانبين. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد أكد في وقت سابق أن زيارة “ماس” لا تتعلق بالوساطة مع الولايات المتحدة، إلا أن إمكانات قيام برلين بوساطة تظل قائمة. لكن مع ذلك، فإن الوساطة الألمانية قد تنحصر في تحولها إلى قناة مفتوحة بين إيران والاتحاد الأوروبي وليست أكثر منها وساطة بالمعنى الدقيق.
ثانيًا: الوساطات الإقليمية
1- الوساطة العراقية
شهد الموقف العراقي تأرجحًا خلال الأزمة الأمريكية- الإيرانية الراهنة. في البداية، شجع وزير الخارجية العراقي “محمد على الحكيم” إيران على احترام الاتفاق حول برنامجها النووي، ولكن بعد زيارة ظريف الأخيرة إلى بغداد في 26 مايو، أعلن الحكيم عن رفض التصرفات الأميركية “أحادية الجانب”، إلى جانب اتجاه بلاده نحو ممارسة دور الوساطة بين الطرفين، هو الأمر الذي أعاد التأكيد عليه رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بأن العراق يجري محادثات مع طرفي الأزمة، كما أعلن عن استعداد العراق إرسال وفود إلى كلا الطرفين من أجل الضغط لتهدئة التوترات.
وتقدم بغداد نفسها كطرف يمكنه أن يلعب دورًا فاعلًا ومقبولًا في عملية الوساطة بين طرفي الأزمة، على اعتبار أنه وسيط موثوق فيه، نظرًا لعلاقات بغداد الوطيدة مع الولايات المتحدة وإيران، لتواجدهما ونفوذهما المشترك في العراق.
وتسعى العراق لتهدئة التوتر والصراع بين الولايات المتحدة وإيران، ونزع فتيل الأزمة بينهما لتحقيق عدة أهداف خاصة بها، والتي تتمثل في:
أ- تجنب المواجهة: فلا شك أن تجنب المواجهة المباشرة والعسكرية بين الولايات المتحدة وإيران يعد هدف محوري لبغداد من الوساطة، خاصة أن أي مواجهة قد تبدأ من بغداد نظرًا للتواجد العسكري لطرفي الأزمة في العراق، حيث يوجد نحو 5000 جندي أمريكي في العراق موزعين على عدد من القواعد العسكرية الأمريكية، فضلًا عن وكلاء إيران وأذرعها داخل العراق، وأهمها: الحشد الشعبي، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، ومنظمة بدر، وهو ما قد يجعل من بغداد مسرحًا وساحة محتملة للمواجهة بين واشنطن وطهران حال حدوثها.
ب- محاولة تقديم صورة للعراق باعتبارها دولة ذات سياسة خارجية متوازنة، حيث يمكن أن تعمل بغداد عبر الوساطة على رسم صورة لنفسها كدولة ذات سياسات معتدلة ومتزنة تجاه أطراف الأزمة، وأنها لا تميل لطرف على حساب الآخر، وذلك بفعل المصالح المشتركة لبغداد مع أطراف الأزمة، وهو ما قد يُقنع الولايات المتحدة وإيران بأنها وسيط مقبول يمكن التواصل من خلاله لحلحلة الأزمة.
على سبيل المثال، عملت العراق على الحفاظ على موقفها المحايد خلال قمة مكة الطارئة، حيث أكد الرئيس العراقي “برهم صالح” في كلمته بالقمة على كون إيران دولة مسلمة جارة للعراق والعرب ولا يتمنى أن يتعرض أمنها للاستهداف. وفي الوقت ذاته، أكد صالح أن أمن الخليج من أمن العراق، وأي استهداف لأمنه هو استهداف للأمن العراقي. لكن في بعض الأحيان لم توفق العراق في رسم صورتها المعتدلة، يُستدل على ذلك مما أعلنه وزير الخارجية العراقي عن رفضه ورفض بلاده -بشكل صريح- التصرفات الأمريكية أحادية الجانب.
ج- نقطة تلاقٍ: تسعى العراق عبر جولاتها بين طرفي الأزمة، ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهما، لأن تكون نقطة تلاقٍ بين الأطراف الإقليمية والمتداخلة في الأزمة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى الاعتماد على بغداد مستقبلًا في مثل هذه القضايا، بما قد يكسب العراق بالمستقبل صفة لاعب إقليمي محوري يمكن الاعتماد عليه في مثل هذه القضايا.
وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي يبذلها العراق للتوسط بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أنها محفوفة بعدد من المخاطر والتحديات، تتمثل أهم معوقات نجاح الوساطة العراقية في موقف السياسة الإيرانية ذاتها بالعراق، فقد أسست إيران وجود قوي داخل العراق وتعد الميليشيات العراقية الموالية لإيران أحد أذرع تنفيذ سياستها، وبالتالي لا يمكن ضمان مدى التزام تلك الميليشيات بتوجهات السياسة العراقية، ولكن من المحتمل أكثر أن تتبع تلك الميليشيات الرؤية والسياسة الإيرانية حتى لو كانت مخالفة للتوجه العراقي. فبحسب تصريح ” نصر الشمري” معاون الأمين العام لميليشيا النجباء الشيعية في العراق، أكد استعداد فصائل المقاومة العراقية لاستهداف المصالح الأمريكية في الوقت التي تراه مناسبا، في ذات السياق ذهب ” جواد الطيباوي” القيادي العسكري في ميليشيا عصائب أهل الحق إلى أن ” القوات الأميركية المنتشرة في بعض محافظات العراق، لن تكون في مأمن إذا تعرض محور المقاومة إلى ضربات أميركية إسرائيلية”.
من ناحية آخرى، قد لا يطال التهديد الإيراني بالعراق المصالح الأمريكية فحسب، وإنما قد تصل إلى المصالح العراقية ذاتها. فمن ناحية، قد تلجأ إيران إلى اتباع سياسات من شأنها خفض صادرات العراق النفطية عبر إما استهداف تخفيض ناتج العراق النفطي أو عرقلة عمليات النقل. وجدير بالذكر هنا أنه تم إسقاط صاروخ كاتيوشا قصير المدى محلي الصنع يوم 19 يونيو بالقرب من مقرات عدة شركات نفط عالمية كبرى من بينها شركة أكسون موبيل الأمريكية بمدينة البصرة.
2- الوساطة العمانية
عُرفت سلطنة عمان بدورها كوسيط بالملفات الخلافية بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة تلك التي لها علاقة بإيران. وتعود بداية جهود عمان في عمليات الوساطة الهادفة إلى تهدئة التوترات مع طهران إلى عام 1988، حيث عمدت عمان خلال الحرب العراقية-الإيرانية، لممارسة جهود دبلوماسية نجحت في إطارها إلى توصل الجانبين إلى وقف إطلاق النار، ومن ثم إنهاء الحرب.
وقد استضافت سلطنة عمان المحادثات السرية بين الولايات المتحدة وإيران خلال عام 2013، والتي أسفرت عن نجاحهما -إلى جانب جهود أطراف أخرى- في التوصل إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” في الرابع عشر من يوليو ٢٠١٥، والتي كانت بمثابة بداية مرحلة من الوفاق الإيراني-الأمريكي، وإن لم تدم طويلًا.
وفي ظل احتدام التوتر الأمريكي-الإيراني الراهن، أعلن وزير الخارجية العماني “يوسف بن علوي” في الرابع والعشرين من مايو الماضي، سعي بلاده نحو تهدئة الأزمة. وقد سبق هذا الإعلان قيامه بزيارة لطهران في 20 مايو. وقد دارت التكهنات حينها عن قيام السلطنة بالوساطة بين الطرفين، لا سيما أن تلك الزيارة سبقتها مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” والسلطان العماني “قابوس بن سعيد” بحثا فيها التهديدات الإيرانية في منطقة الخليج العربي. ولاحقًا أكدت السفيرة العمانية لدى واشنطن “حنينة بنت سلطان المغيرية” جاهزية بلادها للتوسط بين الولايات المتحدة وإيران بهدف تسوية النزاع.
وعلى خلفية إسقاط إيران لطائرة استطلاع أمريكية يوم 20 يونيو، تضاربت الأنباء حينها حول تلقي طهران رسالة تحذير أميركية عبر الوسيط العماني، وذلك وفق ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤولين إيرانيين، ولكن تم نفي الأمر لاحقًا من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي.
ويعود اهتمام سلطنة عمان بممارسة دور الوساطة بين الطرفين الأمريكي والإيراني، والسعي نحو توصل الجانبين إلى تهدئة ما، إلى ثلاثة عوامل:
أ- ما تتمتع به السلطنة من علاقات تعاونية مع الجانبين الأمريكي والإيراني؛ ما أوجد لها قبولًا لدى الطرفين خلال مرحلة الوساطات السابقة. فمن ناحية، يجمع الجانبين الأمريكي والعماني علاقات تجارية واستثمارية، فضلًا عن تعاونهما في المجالين الأمني والعسكري. وإلى جانب استضافة السلطنة خمس قواعد أمريكية بأراضيها، وقع الجانبان عددًا من اتفاقيات التعاون العسكري، كان آخرها توقيعهما في مارس 2019 اتفاقية إطارية بهدف تعزيز العلاقات العسكرية، تسمح للقوات الأمريكية بـ”الاستفادة من التسهيلات المقدمة في بعض موانئ ومطارات السلطنة في أثناء زيارة السفن والطائرات العسكرية الأمريكية، خاصة في ميناء الدقم”.
وفي المقابل، تتسم العلاقات الإيرانية-العمانية بالاستقرار، حيث وصف الرئيس الإيراني “حسن روحاني” العلاقات بين بلاده والسلطنة بأنها “ودية واستراتيجية”. كما تتشارك الدولتان الإطلالة على مضيق هرمز. ويولي كل منهما أهمية كبرى لعلاقاتهما الثنائية، وهو ما يبرز في اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري المشتركة، والعلاقات الشعبية، والمشاريع التعاونية في مجال النفط.
ب- تخوف عمان من اندلاع الحرب أو تطور التصعيد بين الجانبين إلى مناوشات عسكرية، وهو ما سيمثل تهديدًا مباشرًا للأمن والمصالح العمانية؛ فمن مصلحة السلطنة الحفاظ على استقرار المنطقة بما يضمن استقرار حركة الملاحة بمضيق هرمز، بجانب استقرار علاقاتها النفطية مع إيران، فضلًا عن ضمان استمرار استخراج الغاز الطبيعي من بعض الحقول المشتركة بين الجانبين الإيراني والعماني.
ج- سعي عمان إلى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، من خلال التأكيد على نجاحها في ممارسة دور الوساطة. فكما ساهمت سابقًا في توصل الطرفين الأمريكي والإيراني إلى الاتفاق النووي، تسعى السلطنة حاليًا إلى استعادة دورها ونجاحها السابق.
إجمالًا، يمكن ترجيح المشاركة العمانية في عملية المفاوضات المحتملة بين الجانبين الأمريكي والإيراني، نظرًا لما تتمتع به من قبول لدى الطرفين، علاوة على تاريخها التفاوضي الناجح بينهما.
3- الوساطة القطرية
يتمثل الهدف الرئيسي من سعي قطر إلى الانخراط في جهود الوساطة بين إيران والولايات المتحدة في الخروج من حالة العزلة المفروضة عليها خليجيًّا وعربيًّا، وممارسة دور إقليمي فاعل ومؤثر.
في هذا الإطار، أعلن وزير الدولة القطري للشئون الخارجية “سلطان بن سعد المريخي” في العشرين من مايو ٢٠١٨ عن بذل بلاده جهودًا لتخفيف التوتر بين إيران والولايات المتحدة. كما أكد أن “موقف قطر داعم دومًا لكل عملية سلمية”. وقد سبق ذلك كشف وزير الخارجية القطري “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني” في السادس عشر من الشهر ذاته عن زيارته السرية إلى طهران بهدف السعي لنزع فتيل التوترات المتصاعدة في منطقة الخليج. وقد دارت الأحاديث حينها عن علم واشنطن بتلك الزيارة.
ومؤخرًا، أعلن وزير الخارجية القطري أن ما تقوم به دول عدة، من بينها قطر وسلطنة عمان والعراق واليابان، من شأنه حث كل من إيران والولايات المتحدة على وقف التصعيد بينهما، والعمل على سد الفجوة وإقامة محادثات بين الجانبين، لأن التصعيد لن يكون مفيدًا لأي دولة في المنطقة. وكان آخر التصريحات القطرية في هذا الشأن تلك التي جاءت أثناء اللقاء الذي جمع بين أمير قطر والرئيس الإيراني على هامش القمة الخامسة لمؤتمر “التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا” (سيكا)، والذي أكد الطرفان فيها ضرورة تحقيق التعاون الإقليمي وتعزيز العلاقات الاقتصادية. وأكد أمير قطر في المقابل أن “حل الخلافات في المنطقة يمكن أن يتحقق عبر الحوار وتعزيز التعاون والاستمرار في الحلول السياسية”.
لكن قد لا تتكلل الجهود القطرية للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران بالنجاح برغم ما يجمع الجانبين القطري والإيراني من علاقات تجارية، ولكنها في الوقت ذاته ترتبط بشراكة أمنية مع الولايات المتحدة، حيث تستضيف قطر مقر القيادة المركزية الأمريكية، علاوة على استضافتها لقاعدة جوية أمريكية بمنطقة “العديد”، توصف بكونها أكبر مخزن استراتيجي للأسلحة الأمريكية بالمنطقة.
وخلال الأزمة الراهنة شهد الموقف القطري تأرجحًا ما بين الولايات المتحدة وإيران، لكن هناك تأييد بشكل عملي للجانب الأمريكي على خلاف ما تبديه الدوحة من تصريحات. ويدلل على ذلك أنه رغم إعلان قطر رفض العقوبات الأمريكية الأخيرة على النفط الإيراني، فقد كشف رئيس غرفة التجارة الإيرانية القطرية “عدنان موسوي بور” -وفقًا لوكالة الأنباء العمالية الإيرانية (إيلنا)- عن انخفاض التبادل التجاري بين الدوحة وطهران، حيث ترددت أنباء حول تنفيذ قطر للعقوبات الأمريكية ضد إيران، والتزامها فقط بإرسال المواد الغذائية والأدوية إلى طهران.
الخلاصة
بعد عرض أبرز الوساطات/ مشروع الوساطات الدولية يتضح أن الوساطة اليابانية هى المرشحة بقوة للنجاح، استنادًا إلى موقف الطرفين من اليابان، بجانب المقومات التي تتمتع بها طوكيو، فضلًا عن كونها الوسيط الوحيد الذي استطاع أن يعقد لقاءًا على مستوى القمة حتى الآن مع القيادة السياسية الإيرانية. أما الدور السويسري سيكون أكثر فعالية في المرحلة التمهيدية منه في مرحلة الجلوس على مائدة المفاوضات. بمعنى آخر، سيكون لسويسرا دور قوي في أداء المساعي الحميدة، وسيتراجع هذا الدور مع جلوس أطراف الصراع على مائدة المفاوضات، بينما سينحصر دور ألمانيا في كونها “قناة مفتوحة” بين إيران والاتحاد الأوروبي.
أما فيما يتعلق بمسألة الوساطة الإقليمية، فإن الوساطة العمانية تحظى بالفرصة الأكبر، نظرًا لما تتمتع به عمان من قبول لدى الطرفين، خاصة في ضوء ما أُثير مؤخرًا حول اعتماد الولايات المتحدة على الوسيط العُماني في نقل بعض الرسائل إلى طهران خلال مراحل التصعيد الراهن. من ناحية آخرى، على الرغم مما تمثله مسألة الوساطة من هدف محوري للعراق يسعى في إطاره إلى تجنب تحوله إلى ساحة للمواجهة المباشرة بين طرفي الأزمة، لكن هذا الدور العراقي لازال في إطار السعي والمحاولات دون أن يتحول إلى وساطة حقيقية. ينطبق الأمر ذاته على الوساطة القطرية، حيث تسعى قطر إلى تحقيق عدد من الأهداف من وراء عملية الوساطة، لكن وفقًا للمؤشرات الحالية، من المتوقع أن تبقى الوساطة القطرية في نطاق العرض والتصريحات.