شهدت مصر بداية تشكيل جماعة الإخوان في عام 1928. وفي خطوة مكملة لثورة يونيو التي أنهت حكم الجماعة في مصر، تم إعلان الإخوان جماعة إرهابية في 26 ديسمبر 2013. ومنذ ذلك الحين، يتوالى انكشاف الجماعة وطبيعتها “الإرهابية”. وكما احتضنت بعض الدول الهاربين من مصر من أعضاء الجماعة، لفظتهم دول أخرى وأعلنتها إرهابية أيضًا.
ومن بين دول الخليج العربي، أعلنت الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين، “الإخوانَ” جماعة إرهابية. ومؤخرًا سلمت الكويت إلى مصر خلية إخوانية من 8 أفراد، بعد هروبهم من مصر، تم القبض عليهم والتحقيق معهم هناك، وكانت عليهم أحكام قضائية في مصر لعدة اتهامات منسوبة إليهم، تراوحت بين العصيان والتظاهر والقيام بأعمال شغب، وكذلك القيام بأعمال إرهابية في محافظتي القاهرة والفيوم، بينها الاشتراك في جريمة اغتيال النائب العام المستشار “هشام بركات” في عام 2015. وعن دورهم في الكويت، تحدثت بعض المصادر عن انخراط أفراد الخلية في القيام بعمليات تمويل لشبكة «الإخوان» في مصر. وكان أفراد الخلية يتوارون خلف أعمال تجارة وتسويق، خاصة في مجال بيع العقارات في الكويت ومصر. وفي السياق ذاته، أكدت مصادر كويتية أن 300 مصري ينتمون لتنظيم «الإخوان المسلمين» غادروا البلاد، بعد انكشاف هذه الخلية الإخوانية، قبل أن يُكشف عن صلتهم بالجماعة أو ما إذا كانوا قيد الاشتباه.
بيان الأمر الواقع للجماعة
أصدرت جماعة الإخوان بيانًا، في 13 يوليو الجاري، وهو اليوم الثاني على صدور بيان الداخلية الكويتية بالقبض على الخلية المذكورة، تتوسل فيه ألا يتم تسليم هؤلاء إلى مصر، وتؤكد فيه عدم مساسها بأمن الكويت أو استقرارها، واحترامها لدستورها وقوانينها. وزعم البيان أن الأفراد المقبوض عليهم هم مواطنون مصريون دخلوا دولة الكويت وعملوا بها وفق الإجراءات القانونية المتبعة والمنظِّمة لإقامة الوافدين بالكويت، ولم يثبت على أي منهم أي مخالفة لقوانين البلاد، أو المساس بأمنها واستقرارها.
وهذه الخطوة المهمة من جانب دولة الكويت تحمل دلالات كبيرة ومهمة بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، بشكل عام، وهو ما يعكسه أيضًا سرعة صدور بيان الجماعة بشأن هذه الخلية.
1- أن وصف جماعة الإخوان المسلمين بالإرهابية في الكويت أمر له مغزاه؛ وذلك بالنظر إلى الحضور الكبير للجماعة هناك، سواء على المستوى السياسي من خلال نواب الجماعة داخل البرلمان، أو على المستوى المالي من خلال شركاتها المالية، أو على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي من خلال جمعية الإصلاح، وهي تقريبًا أقدم مؤسسة إخوانية مستمرة في الخليج العربي منذ أيام المؤسس الحاج “عبدالله العلي المطوع”، وقبله شقيقه “عبدالعزيز” صاحب جمعية الإرشاد، والأخير كان تلميذًا مباشرًا للمؤسس “حسن البنا”. وبالنسبة للكويت، فإن وجود جماعة «الإخوان المسلمين» في نسختها المحلية يعود لمطلع الستينيات، وتنشط جماعة الإخوان في الكويت من خلال جمعية «الإصلاح الاجتماعي» التي أنشئت في يونيو 1963، وذراعها السياسية هي الحركة الدستورية الإسلامية المعروفة باسم «حدس» التي أصبحت ناشطة في الحياة البرلمانية منذ بداية الثمانينيات، مكونة كتلة يُعتد بها. ومن الرموز السياسية لهذه الجماعة النائب المحكوم عليه بالسجن والفار إلى تركيا “جمعان الحربش”.
وظهرت أهمية الكويت للإخوان من سرعة إصدار البيان، وصدوره عن المتحدث الإعلامي للجماعة “طلعت فهمي”، ما يعكس أهمية هذا الحدث وما يمثله من خطورة بالنسبة للجماعة. فقد جاء في البيان: “إن الجماعة تدرك يقينًا مكانة دولة الكويت المعروفة عبر تاريخها بمواقفها وتعاملها الموضوعي والعادل مع كل من يقيم على أرضها، ويثمنون دائمًا مواقفها المشرفة حيال أحداث المنطقة ومناصرتها الدائمة لقضاياها العادلة، والترفع عن المشاركة في أي سياسات مُجحفة بحقوق الشعوب، والتزام قيم العدل والإنصاف وحماية الحقوق، مما جعل الكويت تحتل مكانة مرموقة بين الدول وأكسبها احترام الشعوب”.
وهكذا، فإن بيان الجماعة يشير إلى مكانة الكويت بالنسبة لها، خاصة أن الأخيرة لم تعلن الجماعة تنظيمًا إرهابيًّا حتى الآن. والخطر الأهم بالنسبة للإخوان هو ألا تعود الكويت ملاذًا آمنًا لهم، وأن تقوم بتسليم المشتبه فيهم والهاربين منهم إلى مصر.
2- استهدف البيان أمرًا واحدًا هو عدم تسليم المقبوض عليهم إلى مصر، ولم يستهدف الإفراج عنهم أو عدم التحقيق معهم، أو حتى عدم محاكمتهم في الكويت. وبغض النظر عما ادعاه البيان من غياب العدالة للمقبوض عليهم في مصر؛ فإن الأمر الأهم هو ذلك الخوف الذي تنطق به كلمات البيان، والذي تجلى في العبارة الختامية للبيان “لله الأمر من قبل ومن بعد”، والتي تعني ضمنًا الاستسلام والخضوع للأمر الواقع مع فقدان الحيلة أو القدرة على الفعل. إن هذا المعنى يختلف عن “المظلومية” التي اعتاد الإخوان تصديرها في تصريحاتهم وبياناتهم.
3- أن مغادرة 300 مصري للكويت بعد هذه الواقعة، وقبل أن تُوجَّه إليهم أية اتهامات أو يتم استدعاؤهم لأية تحقيقات؛ يشير إلى أمرين؛ الأول، أن هؤلاء على صلة بدرجة أو بأخرى بأنشطة جماعة الإخوان المختلفة، واعتبروا أن الوقت فقط هو الحائل قبل وصول قوات الأمن إليهم، خاصة مع وصول وفد أمني مصري للكويت بمعلومات مهمة في هذا الملف. وقد نقلت مصادر إعلامية كويتية عن مصادر أمنية مطلعة أن جهاز أمن الدولة بصدد استدعاء شخصيات دينية وأصحاب شركات على صلة بالمتهمين الثمانية في قضية «الخلية الإخوانية» الإرهابية التي تم ضبطها مؤخرًا. الأمر الثاني، أن وجود هؤلاء في الكويت لم يعد آمنًا كما كان، وأن السلطات الكويتية ستواجه العابث بالأمن بغض النظر عمن يكفله أو يرتبط به في الداخل الكويتي. وقد كان بيان الداخلية الكويتية وتصريحات مسئوليها شديدة الوضوح والصرامة في هذا الأمر، فقد حذّرت وزارة الداخلية من «أنها لن تتهاون مع كل من يثبت تعاونه أو ارتباطه مع هذه الخلية أو مع أي خلايا أو تنظيمات إرهابية تحاول الإخلال بالأمن، وأنها ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بأمن الكويت».
4- أصبحت البيانات والتصريحات الإعلامية هي الوسيلة الأساسية لجماعة الإخوان للتعبير عن مواقفهم، ولم تعد بيانات الإخوان المسلمين تحمل رؤية جديدة أو أسلوبًا مغايرًا. فهي ذات المنهاجية وربما ذات المفردات، بما يعني “عَجز” الجماعة، وانكشاف أعضائها ونشاطاتهم الإرهابية في ملاذاتهم الآمنة أيضًا.
5- أن إعلان الداخلية الكويتية عن ضبط خلية مصرية إرهابية إخوانية يُعد علامة فارقة، فهي المرة الأولى. فقد أكدت التحقيقات أن المطلوبين المضبوطين كانوا يشكلون جزءًا مهمًّا من مصادر التمويل المالي لنشاطات الإخوان المسلمين في مصر. وفي تحقيق لصحيفة “الرأي” الكويتية ذكرت أن أحد المتهمين المدعو “أبو بكر عاطف الفيومي” هو أخطر عناصر الخلية، وأضافت أنه “الفيومي” ومن خلال اتصالاته مع أشخاص في مصر، كان يدعو الإخوان الفارين من القضايا الإرهابية إلى القدوم إلى الكويت لأنها «حتة آمنة». لقد أدركت السلطات الكويتية أنهم غير مسالمين وليسوا دعويين، بل كانت خلية إرهابية بامتياز، لديها ملفات مثل القتل والتفجير والاغتيال بمصر، وهم خبراء في تفخيخ السيارات وإطلاق قذائف آر بي جي وغيرها من الصواريخ.
في عام 2013، ألقت السلطات الإماراتية القبض على خلية تابعة للإخوان شكلت تنظيمًا سريًّا، ودربت “إسلاميين محليين” على كيفية الإطاحة بحكومات عربية. وفي عام 2014، صنّفت السعودية تنظيم الإخوان إرهابيًّا، واعتبرت أن الإخوان هم “أصل الإرهاب، ولا تمثل الإسلام، وتضر باستقرار المجتمعات”. فهل تكون الخلية الإخوانية الإرهابية التي تم القبض عليها في الكويت هي البداية لتعلنهم الكويت جماعة إرهابية؟ وتنضم لمجموعة الدول التي أعلنتهم إرهابيين مثل روسيا وكازاخستان، أو التي تدرس إعلانهم كذلك مثل الولايات المتحدة وألمانيا.
خلاصة القول، إن ملاحقة جماعة الإخوان تؤكد النتيجة التي توصلت إليها الدراسة البريطانية التي أعدها «مركز الدين والجغرافيا السياسية» عام 2016، وانتهت إلى أن: “50% من (المتطرفين) لديهم روابط بتنظيم (الإخوان) أو بتنظيمات مرتبطة به”. ربما هذه النتيجة تتطلب بعض الوقت لتتأكد صحة القرار المصري بإعلان هذه الجماعة “إرهابية”.