منذ عدة أيام أبرمت الإمارات وإيران اتفاقًا للتعاون الحدودي بينهما، على أن تُجرَى اجتماعات دورية كل ستة أشهر بين مسئولي خفر السواحل بالبلدين. وصرح مسئولو الدولتين بأن الاتفاقية تُعتبر خطوة إيجابية لتأمين مصالح البلدين، كما أنها ستُسهم في تعزيز أمن الحدود ومراقبتها وتسهيل التنقل عبرها. واعتبر الكثيرون أن هذا الاتفاق يُعتبر خطوةً مفاجئة في ظل التوترات الإقليمية الناتجة عن الأزمة الإيرانية مع الولايات المتحدة، والتي تعتبر السعودية والإمارات طرفًا فيها بشكل أو بآخر.
خلال الأسبوع الماضي، قام وفد رسمي من الإمارات العربية المتحدة بزيارة إيران لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، واستمرت الزيارة لعدة أيام، بدأت في 26 يوليو واستمرت حتى 30 يوليو (2019). وقد ترأس الوفد الإماراتي قائد خفر السواحل العميد “محمد علي مصلح الأحبابي”. وركز اللقاء على مناقشة الأمن البحري وقضايا الصيد التي نشأت تقليديًّا بسبب العديد من الجزر المتنازع عليها، والتي تخضع حاليًّا للسيطرة الإيرانية. وأشارت التقارير إلى أن المحادثات غطت أيضًا أمن الحدود وغيرها من القضايا غير المحددة التي يُفترض أنها مرتبطة بالهجمات على الشحن في مياه الخليج.
ورغم تأكيد الإمارات أن هذا اللقاء هو السادس في سلسلة من اجتماعات خفر السواحل بدأت عام 2013، فإن توقيت الزيارة فرض علامات استفهام حول الهدف منها، حيث جاء مباشرة بعد الإعلان عن حدوث انخفاض كبير في القوات الإماراتية في جنوب اليمن، وهذا ما يفرض توضيح بعض الأمور حول هذا الاتفاق ودلالاته.
1- يدرك الإماراتيون حدود القوة مع إيران، فموقعهم الجغرافي وطبيعة الاقتصاد الإماراتي المنفتح تجعلهم الهدف الأسهل أمام الإيرانيين، فعندما تعرضت سفن في ميناء الفجيرة الإماراتي للتخريب، لم توجِّه الإمارات الاتهام بشكل مباشر للإيرانيين؛ ولذلك لم يذهب الخطاب السياسي الإماراتي للتصعيد تجاه طهران مثل السعودية، ويفضل الاحتفاظ بشعرة معاوية مع طهران. لكن هذا لا يعني بالضرورة الاختلاف مع السعودية أو مع الولايات المتحدة الأمريكية في موقفهما الحالي تجاه إيران.
2- الهدف الأساسي للإمارات هو ضمان عدم استهداف مصالحها في أي عمل يمكن أن يؤدي إليه تصاعد الأحداث في الخليج، خاصة مع سعي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تشكيل تحالفات بحرية عسكرية لمواجهة إيران. فقد أدركت الإمارات أن إيران لديها إصرار واضح على مواصلة اختبار حدود “المقاومة القصوى” مع تصعيد مدروس بعناية، وعمليات تخريب لناقلات -اتُّهمت بها إيران- أو احتجاز الناقلات البريطانية فيما بعد، خاصة أن علاقاتها التجارية والاقتصادية مع إيران متسعة. فرغم العلاقات السياسية المتوترة بين البلدين منذ عقود؛ إلا أن الإمارات تصدّرت قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران خلال عام 2017، بقيمة 13 مليار دولار تقريبًا. بينما بلغت الصادرات الإيرانية إلى الإمارات نحو خمسة مليارات دولار، فيما بلغت الصادرات الإماراتية إلى إيران نحو سبعة مليارات دولار. إذ توضح بيانات صندوق النقد الدولي أن 29% من واردات إيران التي بلغت قيمتها 71.5 مليار دولار في عام 2017 مرت عبر دولة الإمارات، وما يجب توضيحه أن هذه التجارة “ترانزيت” عبر الإمارات وليس من الإمارات ذاتها.
3- الربط بين زيارة الوفد الإماراتي لإيران وبين انسحاب القوات الإماراتية من اليمن يعد غير دقيق؛ إذ إن الإمارات قد أعادت انتشار قواتها في اليمن لصالح قوات يمنية تتولى العمل في المنطقة الجنوبية مع دعمها بشكل غير مباشر، أي إعادة هيكلة العمل العسكري هناك وليس الانسحاب. وبغض النظر عن الدوافع الإماراتية لهذا القرار، وسواء كانت لأسباب خاصة بالداخل الإماراتي أو بالتطور في اليمن ذاتها، أو التوتر الموجود في المنطقة في الوقت الراهن؛ فإن من الصعب الجزم بأن هذا القرار قد تم بمعزل عن الحليف الخليجي الاستراتيجي (السعودية قائد التحالف العربي في اليمن).
4- الإمارات تتبع دبلوماسية أكثر حذرًا وهدوءًا من السعودية تجاه العلاقات مع إيران، فمسئولو الإمارات الرئيسيون منذ حوالي عام يحذرون بهدوء من أنهم بينما وافقوا بشدة على نظام العقوبات الجديد ضد إيران؛ إلا أنهم قلقون من أنه لا يبدو أن هناك طريقًا دبلوماسيًّا أو سياسيًّا قابلًا للتطبيق لترجمة المكاسب التي تحققت من خلال “أقصى قدر من الضغط” “في إطار سياسة واضحة. وقد مهدت إيران للتواصل مع الإمارات، فمنذ ما يقرب من أسبوعين، ألمح وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” إلى أن شيئًا ما يتحرك خلف الكواليس بين طهران وأبوظبي، قائلًا: “إن هناك مؤشرات على أن الإمارات بصدد اتخاذ سياسات جديدة في المنطقة، وهذا يصبّ في مصلحة حكومتها”. وأكد “ظريف” أن إيران “مستعدة لدعم الإمارات والسعودية في حال انفصلتا عن الفريق باء”. ويقصد “ظريف” بالمجموعة “باء” كلًّا من رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، وولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، ومستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون”.
5- إزاء محاولات قطر استغلال الاتفاق والوقيعة بين السعودية والإمارات (عضوي رباعي المقاطعة) بالترويج لفكرة أن الإمارات “تخون” السعودية، سواء على مواقع التواصل الإلكتروني أو الإعلام المرئي، وردًّا على ذلك أكدت الإمارات أن الاتفاق أمني فقط، ولا يعكس تغيرًا في المواقف السياسية المشتركة بين الإمارات وحلفائها. كما أكدت السعودية الروابط المشتركة مع الإمارات، دون الإشارة للاتفاق بين الأخيرة وإيران.
6- أن المباحثات بين الإمارات وإيران والتي استمرت لعدة أيام، وأسفرت عن اتفاق حدودي بين الدولتين، يمكن تفسيرها بأنها محاولة تسعى لتخفيف حالة الاحتقان الموجودة في الخليج جراء الأزمة الإيرانية الراهنة، خاصة مع وجود بعض المؤشرات الدالة على الاتجاه للتهدئة وتجنب التصعيد، وأبرزها قبول السعودية لوجود ممثلية إيرانية في سفارة سويسرا بالمملكة، والتي لا يوجد دليل على اقتصارها على إدارة شئون الحجاج الإيرانيين. كما نقلت وكالة الأنباء والتلفزيون الإيرانية عن وزير الخارجية “محمد جواد ظريف” قوله إن بلاده مستعدة للحوار إذا كانت السعودية مستعدة أيضًا، حيث قال: “لم نغلق الباب قط أمام الحوار مع جيراننا ولن نغلق أبدًا الباب أمام الحوار مع جيراننا”. كما قال “ظريف” إن بمقدور إيران إجراء محادثات مماثلة مع الإمارات، الحليف المقرب للسعودية، مضيفًا أنهم “إذا غيروا سياساتهم فستكون فرصة جيدة جدًّا للحوار”. ونقلت بعض المواقع أن الإمارات والسعودية تجريان محادثات سرية مع إيران بعيدًا عن واشنطن، هدفها النقاش حول أمن الملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز، للحفاظ على مصالحهما التي بحسب رأيهما لا تتوافق مع أهداف “ترامب” في المنطقة. وبغض النظر عن مدى صحة هذه الأنباء؛ فإن لها أساسًا على أرض الواقع بدأته الإمارات. بل يمكن الإشارة إلى التصريحات الأمريكية التي تؤكد عدم رغبة الولايات المتحدة في الحرب مع إيران كمؤشر إضافي على هذا الاتجاه، خاصة بعد تعثر المشروع الأمريكي بتشكيل تحالف دولي في مضيق هرمز.
ولا شك أن التهدئة والحوار بين دول الخليج وإيران يتفق مع المصالح والرؤية المصرية التي تحرص على استقرار الخليج؛ إذ يقلص ذلك من فرص التواجد العسكري الأجنبي في المنطقة، ويقلص فرص العمل العسكري.