العمليات الإرهابية التى شهدتها الولايات المتحدة فى الأسابيع الأخيرة، خاصة فى ولايتى تكساس وأوهايو، تمثل تحولا كبيرا فى التفكير والتعامل الأمريكى مع ظاهرة الإرهاب، وبشكل سيكون له تداعيات داخلية ودولية.
فلأول مرة يتحدث الأمريكيون وبشكل واضح عن أن الخطر الإرهابى الأكبر الذى يواجه بلدهم حاليا هو الإرهاب الداخلى، والذى يقوم به مواطنون من البيض العنصريين، وليس الإرهاب الذى يأتى من الخارج، خاصة من منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامى. لأول مرة يدخل الأمريكيون فى جدل حول الأسباب الداخلية التى تؤدى لنمو التطرف والإرهاب، وما هى العوامل السياسية والاجتماعية والنفسية التى ساهمت فى تبنى الفكر المتطرف والقيام بالعمليات الإرهابية، وهو شبيه بالجدل الذى تشهده منطقتنا عن تحليل أسباب ظهور إرهاب الجهاد أو داعش أو غيرها.
إحدى نتائج هذه الظاهرة الجديدة هى المطالبة بإعادة هيكلة مؤسسات مكافحة الإرهاب الأمريكية من حيث التمويل والجهد والأفراد، وبحيث تعكس أولوية مواجهة الإرهاب الداخلى الأبيض وليس الإرهاب الذى يرتبط بمسلمين، كما كان الحال منذ هجمات سبتمبر ٢٠٠١، ولكن مع الاستفادة من خبرة التعامل مع ما يسمى الإرهاب الإسلامى وتطبيقها فى مواجهة الإرهاب العنصرى الأبيض نتيجة للعديد من أوجه التشابه بين الظاهرتين، ومنها الإيمان بأيديولوجية ترفض التعددية والتعايش مع الآخر، بالإضافة للعداء للدولة ومؤسساتها.
هناك أيضا إدراك لخطورة الارتباط المتزايد بين وسائل التواصل الاجتماعى عبر الإنترنت وبين الإرهاب، خاصة العمليات التى يقوم بها ما يسمى الذئاب المنفردة، وهم الأشخاص الذين لا ينتمون لتنظيم إرهابى معين، مثل الذين قاموا بعمليتى تكساس وأوهايو. فوفقا لدراسة لأحد مراكز الأبحاث المتخصصة فى دراسة الإرهاب بجامعة ميرلاند الأمريكية، فإنه فى عام ٢٠١٦، لعبت وسائل التواصل الاجتماعى – بما فى ذلك الفيس بوك، والواتس أب، وسكايب، وإنستجرام، ويوتيوب، بالإضافة إلى المدونات والمنتديات الشخصية – دورًا فى تطرف حوالى ٩٠٪ من هذه الذئاب المنفردة. وما بين عامى ٢٠٠٥ و٢٠١٦، لعبت وسائل التواصل الاجتماعى دورًا فى تطرف ٥٠٪. وتشير الدراسة إلى أن المتطرفين الإسلاميين والمتطرفين اليمينيين، بما فى ذلك القوميون البيض، كانوا هم الأكثر احتمالاً للتطرف نتيجة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعى على الإنترنت. ووفقاً للدراسة فإنه بين عامى ٢٠٠٥ و٢٠١٦ لعبت وسائل التواصل الاجتماعى دورًا فى تطرف أفكار نحو ٧٠٪ من الإسلاميين وأكثر من ٤٠٪ من المتطرفين اليمينيين. ومن ثم تمارس الحكومة الأمريكية ضغوطا شديدة على هذه المنصات الاجتماعية والشركات التى تقف وراءها كى تضع ضوابط تحد من انتشار الفكر المتطرف والتعبئة للعمليات الإرهابية.
ظاهرة الإرهاب الداخلى قد تكون لها آثار أيضا على السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط، فخلال السنوات الأخيرة ضعف ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة نتيجة لعدم حاجتها لبترولها بعد أن أصبحت أكبر منتج لهذه السلعة فى العالم، ومع ذلك ظل هناك قدر محدود من الارتباط بجهود مكافحة الإرهاب بالمنطقة، ولكن بعد إعلان الولايات المتحدة هزيمة تنظيم داعش فى سوريا والعراق، ثم الإدراك الآن بأن الأولوية فى التعامل مع الإرهاب يجب أن تكون للإرهاب الداخلى المرتبط بالقومية البيضاء وليس الإرهاب ذو الجذور الشرق الأوسطية، فإن هذا التطور سوف يعطى بالتأكيد دافعًا آخر للولايات المتحدة لتقليل ارتباطها بالمنطقة وبمشاكلها.
*نقلا عن صحيفة “المصري اليوم”، نشر بتاريخ ١٩ أغسطس ٢٠١٩.