بعد إعلانه المفاجئ سحب القوات الأمريكية من سوريا بعد هزيمة “داعش” في ديسمبر 2018، طالب الرئيس “دونالد ترامب” الدول الأوروبية باستعادة مواطنيها من مقاتلي “داعش” الذين تم أسرهم في سوريا، محذرًا من أن الولايات المتحدة قد تُضطر “للإفراج عنهم”. لكن هذه الدول لم تقدم جوابًا واضحًا، ما دفع “ترامب” مرة أخرى، مطلع شهر أغسطس المنصرم، إلى تكرار دعوته الدولَ الأوروبية إلى إعادة “دواعشها” المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وتشير الأرقام إلى أن قوات (قسد) تعتقل أكثر من عشرة آلاف إرهابي، بينهم ثمانية آلاف من العراق وسوريا، وألفان من أكثر من 50 دولة، بالإضافة إلى 70 ألف طفل وامرأة من عائلات الإرهابيين القابعين في المخيمات. وإذا كان منهم من عبر عن فرحته لتحرره من قيود “داعش”، فمنهم الكثير ممن لم يتخلوا عن أيديولوجيتهم المتشددة، وممن يعتبرون أن هزيمة التنظيم في سوريا والعراق ليست نهاية الخلافة ولا نهاية الفكرة التي تأسس من أجلها التنظيم، ما يجعل فكرة هروبهم أو إطلاق سراحهم خطرًا ليس فقط على الدول التي جاءوا منها ولكن أيضًا على أمن واستقرار العالم، ما دفع الولايات المتحدة إلى الضغط في اتجاه استرجاع كل دولة لمواطنيها لتتم محاكمتهم داخل محاكمها على الجرائم التي اقترفوها في الخارج، بما في ذلك جريمة الالتحاق بتنظيم إرهابي.
في الربع الأخير من عام 2016، عندما كان العالم لا يزال منشغلًا بمسائل مكافحة التطرف، ومخاطر تجنيد الشباب عبر الإنترنت والتحاقهم بمناطق الصراع، كانت قضية العائدين قد بدأت بالفعل في الظهور بشكل موسع، بينما كانت هناك حالات فردية، قبل ذلك، لعودة أشخاص عملوا تحت راية التنظيمات الإرهابية في سوريا قبل أن يعودوا بالطريقة السرية نفسها التي سافروا بها إلى بلدانهم الأصلية، حيث قاموا بتنفيذ أو محاولة تنفيذ عمليات إرهابية.
ففي يوم 24 مايو 2014، أقدم المقاتل الفرنسي العائد “مهدي نموشي” على قتل أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسل، بعد قضائه عامًا واحدًا في سوريا يقاتل إلى جانب مسلحين على صلة بتنظيم “داعش”، قبل عودته إلى أوروبا. بينما اعتقل مقاتل فرنسي الجنسية يدعى “إبراهيم بودينا”، في فبراير من نفس السنة، في منطقة كوت دازور الفرنسية، حينما كان يخطط لشن هجوم باستعمال مواد شديدة الانفجار، وذلك بعد عودته من سوريا عن طريق اليونان في يناير 2014.
وأمام الخطر المتنامي لعودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، قامت مجموعة من الدول الأوروبية والعربية، ضمنها المغرب وتونس والجزائر، بإدخال تعديلات على قوانينها المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وذلك للتعامل مع التهديد المحتمل الذي تشكله عودة المقاتلين الأجانب. وتشمل هذه التشريعات تجريم السفر إلى مناطق الصراع الخارجية. وقد تبنى المغرب في عام 2015 قانونًا جديدًا لمواجهة ظاهرة المقاتلين العائدين من بؤر التوتر، سواء سلموا أنفسهم طواعية أو أُلقي القبض عليهم، حيث نص القانون على عقوبات بالسجن تتراوح بين 10 إلى 15 سنة. ويتيح هذا القانون لمصالح الشرطة توقيف العائدين وإخضاعهم للاستجوابات قبل إحالتهم إلى العدالة.
أيضًا قامت دول أوروبية بتعزيز صلاحيات النيابة العامة، وتوسيع نطاق تدابير تسليم الأفراد إلى بلدانهم الأصلية، وإلغاء وثائق السفر، وزيادة صلاحيات الاستخبارات للمراقبة. وشملت التدابير المعتمدة حديثًا في المملكة المتحدة وهولندا وألمانيا والنمسا وفرنسا، وأماكن أخرى، التعامل مع المقاتلين الأجانب كقضية أمنية، سواء فيما يتعلق بالمغادرة إلى الخارج أو العودة.
لكن رغم كل هذه الإجراءات، تُشكل عودة المقاتلين الإرهابيين العائدين تحديًا أمنيًّا كبيرًا. ففي المغرب تمكنت السلطات الأمنية، قبل أشهر قليلة، من تفكيك خلية إرهابية بمدينة تازة، يتزعمها مقاتل سابق في الساحة السورية العراقية، كان قد قضى عقوبة بالسجن سنة 2015 بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب، لكنه عاد لاستقطاب وتأطير عناصر مجموعته الإرهابية، حيث حاول استغلال خبراته القتالية التي تلقاها داخل الساحة السورية العراقية للتخطيط والتحضير لتنفيذ عمليات إرهابية ضد مؤسسات حيوية في المملكة.
إن قضية العائدين هي قضية شائكة، حيث يتعلق الأمر بأشخاص منهم من لم ينخرط فعليًّا في العنف، بل كانوا مجرد تابعين لأهاليهم (بعض النساء والأطفال)، ومنهم من هم معبئون أيديولوجيًّا ونفسيًّا مع “المشروع الجهادي”، وعاشوا فترة طويلة وسط أجواء العنف وتطبعوا مع مظاهر القتل، وتدربوا على حمل السلاح، فكيف سيتم التعامل معهم عند عودتهم إلى أوطانهم؟ فهل سيتم التعامل مع الجميع بنفس الطريقة؟ وهل سيتم اعتقالهم؟ وإلى متى؟ أم هل سيتم منعهم من العودة؟ (وهو الموقف الذي ترجحه أوروبا حاليًّا)، وهل سيتم إخضاعهم لإعادة الإدماج والتأهيل؟
لا شك أن العالم لم يجد بعد إجابات لهذه الأسئلة، وهذا ما يعكس تأخره في الرد على مطالب وتهديدات الرئيس الأمريكي بإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين في المخيمات؛ ذلك أنه حتى الآن ليست هناك أي رغبة، من الدول المعنية، في استرجاع مواطنيها لما يشكلونه من تهديد، ليس فقط على أمنها الداخلي ولكن أيضًا على الأمن الإقليمي والدولي. وقد اعتبر الباحث النرويجي في قضايا الجهادية “توماس هيجهامر”، أن وقوع هجوم من قبل أحد المقاتلين الأجانب العائدين أمر “لا مفر منه تقريبًا”، مشيرًا إلى أن واحدًا من أصل تسعة مقاتلين، من بين العائدين، ينجح في التهرب من التدابير الأمنية وينجح في شن هجوم.
إن التهديدات التي يشكلها المقاتلون العائدون الذين تدربوا في سوريا والعراق هي كثيرة ومتنوعة، منها الذهاب إلى مناطق صراع جديدة، ومحاولة التكتل مرة أخرى إما تحت اسم تنظيم “الدولة الإسلامية” أو تشكيل تنظيم جديد ربما أكثر دموية من سابقيه. ومن بين هذه المناطق توجد ليبيا، حيث تكثر الجماعات والتنظيمات الإرهابية، التي تشكل ملجأ بالنسبة للمقاتلين من شمال إفريقيا وجنوب أوروبا. أما بالنسبة للمقاتلين من شرق أوروبا وروسيا والصين فتشكل أفغانستان والفلبين والبلقان ملاذًا آمنًا لهم.
التهديد الثاني يتمثل في عودة المقاتلين بطريقة غير شرعية إلى بلدانهم الأصلية، خاصة أن أغلب الدول لا تتوفر على قاعدة بيانات لمواطنيها الذين غادروا إلى سوريا والعراق، خاصة قبل عام 2014، وبالتالي يمكن بعد عودتهم أن يشكلوا خلايا نائمة أو يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية منفردة أو بتخطيط من التنظيم.
هناك تخوف من مجموعة من السيناريوهات:
السيناريو الأول، هو تكرار سيناريو هجمات 11 سبتمبر، بأن يقدم عدد من المقاتلين الغربيين، ممن قاتلوا في سوريا والعراق، على تنفيذ عمليات إرهابية في الغرب، أو استهداف أحد المرافق الحيوية، كالمخطط الفاشل في عام 2009، عندما أصدر تنظيم “القاعدة” تعليماته بالقيام بهجمة إرهابية كان يُفترض أن يقوم بتنفيذها ثلاثة أمريكيين سبق لهم الذهاب إلى باكستان للالتحاق بتنظيم طالبان. وقد قام تنظيم “القاعدة” بإمداد “نجيب الله زازي”، قائد المجموعة، بالسلاح وكيفية صنع القنابل من أجل الهجوم، وعند عودته إلى الولايات المتحدة قام “زازي” ببناء العبوات الناسفة التي كان يعتزم استخدامها في هجوم انتحاري على قطارات أنفاق مدينة نيويورك قبل أن يتم اكتشاف العملية والقبض على الأشخاص الثلاثة.
السيناريو الثاني، هو تنفيذ عمليات انتحارية على غرار العملية التي تمت في لندن في عام 2005 والتي تمكن فيها أربعة انتحاريين من قتل 52 شخصًا وإصابة أكثر من 700 آخرين، وكان أحد المنفذين الأربعة، على الأقل، قد تلقى تدريبًا قتاليًّا في باكستان.
السيناريو الثالث، يتمثل في التحاق العائدين من بؤر الصراع بجماعات إرهابية قائمة في دولهم ومشاركتهم في عمليات إرهابية، أو تأسيسهم تنظيمات وخلايا إرهابية جديدة، كتلك التي تشكلت في تسعينيات القرن الماضي، على يد عائدين من أفغانستان، ومنها الجماعات المسلحة الجزائرية، والجماعات الإسلامية المقاتلة في المغرب وليبيا. وقد تبين أن “همام محمد عطية” وهو أحد مؤسسي تنظيم “أجناد مصر”، الذي يعد أحد أنشط الجماعات الإرهابية في مصر، كان أحد المقاتلين الأجانب العائدين من الخارج.
هناك سيناريو رابع لا يقل خطورة، يتمثل في احتمال تعامل المقاتلين العائدين مع عصابات إجرامية، كنوع من الاستقطاب العكسي. فإذا كان تنظيم “داعش” قد نجح في استقطاب عدد من مقاتليه من المنحرفين والمجرمين من أصحاب السوابق، الذين تدربوا واشتد عودهم في سوريا والعراق، فيمكن أن تسعى العصابات الإجرامية بدورها إلى إعادة استقطابهم إليها مرة أخرى، للاستفادة من خبرتهم الواسعة في استخدام الأسلحة، وقدرتهم على الهروب من المراقبة، واستباقهم للعمل الاستخباراتي الذي تقوم به الدول.
في ضوء كل هذه المخاطر، ثمة رأي يدفع بأن قرار استرجاع المقاتلين الأجانب من طرف بلدانهم الأصلية ربما يكون أقل تهديدًا من تركهم طلقاء أو محتجزين في العراق وسوريا، حيث سينتهي بهم المطاف في النهاية إلى قضاء مدة حبسهم ثم الإفراج عنهم ومن ثم تسليمهم إلى دولهم في وقت يكون التعامل معهم أشد صعوبة وأكثر تعقيدًا.
من هنا، ربما تضطر الدول إلى استعادة كل أو على الأقل بعض مواطنيها المقاتلين (بما في ذلك النساء والأطفال) الذين سيأتي خطرهم من درجة اقتناعهم بما يقومون به. فمنهم من سيعود محمّلًا بأفكار إرهابية، نظرًا لما يحملونه من أفكار متشددة وقناعات راسخة بما يقومون به، وهؤلاء هم من يشكلون التهديد الأكبر، خاصة أن لديهم تجربة كبيرة في القتال وحمل السلاح والقدرة على الاستقطاب والتجنيد إما داخل السجون أو بين الأقارب والأصدقاء، وحشد من حولهم من الجماعات ذات الميول والأيديولوجيا المشابهة، وهؤلاء لا بد من استرجاعهم وإخضاعهم لأحكام القانون وإبقائهم تحت المراقبة المستمرة. ومنهم من سيعود وقد سئم حياةَ الجهاد والقتال، أو لم يختبرها أساسًا حيث كان من البداية مجرد “تابع” للمقاتلين (حالة بعض النساء والأطفال) فهذا الصنف خطره أقل، وسيسعى في حال عودته إلى تغيير حياته، إذا ما وجد الرعاية النفسية وخضع لبرامج إعادة التأهيل والإدماج، بعد عرضه على التحقيق والمحاكمة إذا تطلب الأمر.
ولا تخلو عودة المقاتلين الأجانب من تهديدات ومخاطر أمنية محتملة، حيث سينتقل عبء مسئوليتهم من أماكن الاحتجاز في سوريا والعراق إلى حكومات بلدانهم الأصلية التي يجب عليها تحديد استجابات أكثر فعالية لكل حالة عائد على حدة، بحيث يصعب وضعهم جميعًا في نفس الخانة أو التعامل معهم بنفس التدابير والإجراءات. وعلى العموم فالسياسات التي يمكن أن تعتمدها الدول في حال عودة أو استعادة مواطنيها المقاتلين لن تخرج عن الاختيار بين نوعين من التعامل: السياسة الصلبة (التجريم)، أو السياسة الناعمة (إعادة التأهيل والاندماج).
في عام 2015، عندما أعلن الإنتربول أنه قد تم تحديد 4000 من المقاتلين الأجانب، وهو رقم لا يمثل سوى نسبة ضعيفة من إجمالي التقديرات لعدد هؤلاء المقاتلين، سارعت العديد من الدول إلى تجريم الالتحاق بتنظيمات إرهابية خارجية، وتبنت سياسات “المحاكمة الشاملة” دون تمييز لكافة مواطنيها الذين سافروا لسوريا والعراق. وأدخلت الحكومات في بعض الدول العربية، وفي معظم أنحاء أوروبا الغربية، تشريعات جديدة وصارمة في قوانين الإرهاب، لمواجهة تجنيد المقاتلين وتسفيرهم إلى الخارج، وأيضًا مواجهة التهديد المحتمل الذي تشكله عودتهم. وقد تنوعت هذه التشريعات بين تعزيز صلاحيات النيابة العامة، وزيادة صلاحيات الاستخبارات للمراقبة، ومنع بعض المشتبهين من السفر وحجز جوازاتهم، وتجريم السفر إلى مناطق الصراع، وقد وصل الأمر في بعض الحالات لإسقاط الجنسية.
في بريطانيا، مثلا، تتيح المادة 40 من قانون الجنسية البريطانية للسلطات، على نطاق محدود، إمكانية سحب جوازات السفر من المواطنين ذوي الجنسية المزدوجة. لكن السلطات البريطانية ذهبت لأبعد من ذلك عندما قامت بتجريد مواطنتها المقاتلة في صفوف “داعش” والمحتجزة الآن في أحد المخيمات السورية “شميمة بيغوم” من جنسيتها البريطانية، في وقت تبين أن الفتاة البالغة من العمر 19 سنة لا تمتلك أي جنسية ثانية، في الوقت الذي يمنع فيه القانون الدولي الحكومات من جعل الناس عديمي الجنسية عن طريق إلغاء جنسيتهم الوحيدة.
وإذا كانت هذه السياسة الصلبة ذات البعد الأمني قد منعت أو ردعت تهديدات محتملة متعلقة بالمقاتلين على المدى القصير، وجعلت عودتهم إلى أوطانهم أمرًا صعبًا يترتب عليه السجن الفوري أو المنع الكلي من استعادتهم والتهديد بإسقاط الجنسية عنهم، إلا أن من شأن هذه السياسة أن تولد نوعًا من الكره والحقد والإحساس بالظلم، سواء من طرف أهاليهم والمتعاطفين معهم في الداخل، أو من طرف المقاتلين أنفسهم، الذين سيجدون من يحتضنهم ويحرضهم على الانتقام ضد دولهم وضد العالم أجمع.
أيضًا من شأن السياسات الصلبة أن تمنع عودة بعض الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية والذين يمكن تصنيفهم بأنهم غير خطرين، سواء من النساء أو الأطفال، مما سيحوّل قرار رفض عودتهم إلى إرهابيين حقيقيين لا يملكون أي خيار سوى الانضمام إلى جماعات إرهابية جديدة والتفاعل الإيجابي معها، في وقت كان من الممكن استعادتهم وإعادة تأهيلهم والاستفادة منهم كمصادر معلومات وأيضًا كتجارب إنسانية واقعية يمكن استخدام شهاداتها كإحدى آليات منع التطرف ونزع الشرعية عن الجماعات الإرهابية.
في مقابل هذه السياسة الصلبة، أعطت بعض الحكومات الأولوية لاستراتيجيات إعادة التأهيل وإعادة الإدماج. ففي الدنمارك، انخرطت الشرطة والمجلس البلدي لمدينة ارهوس، بالتنسيق مع المنظمات غير الحكومية والمجتمعات الإسلامية، في عملية تشجيع المقاتلين على العودة من خلال “برنامج الخروج”، بحيث يتم تقديم المساعدة للعائدين وتأمين فرص عمل وسكن وتعليم وإرشاد نفسي، بينما تتولى الأجهزة الأمنية عملية اعتقال ومحاكمة أولئك الذين تثبت مشاركتهم في الإرهاب.
وفي ألمانيا ثمة مشروع “حياة” الذي يقوم على عملية ثلاثية الأبعاد لنزع التطرف والتشجيع على إعادة الإدماج. البعد الأول، هو البعد العقائدي ويقوم على نزع الشرعية وإبطال خطاب الجماعات الإرهابية وتشجيع المقاتلين الأجانب على التصالح مع ماضيهم. البعد الثاني هو البعد العملي، من خلال مساعدة المقاتلين الأجانب في العثور على عمل أو تعليم أو تدريب، وعلى إيجاد سكن. البعد الثالث هو البعد العاطفي، بحيث تتم معالجة الاحتياجات العاطفية لكي يجد هؤلاء الدعم من قبل عائلاتهم وإنشاء مرجعية اجتماعية بديلة.
بكل تأكيد لكل سياسة من هذه السياسات (الصلبة والناعمة) سلبياتها وإيجابياتها، ويبقى من الأفضل المزج بين السياستين ضمن استراتيجية أكثر شمولية. فعندما يتجاهل تحقيق الأهداف الأمنية قصيرة المدى القضايا طويلة الأجل، مثل السماح بالعودة، والعلاج النفسي، والاندماج الاجتماعي، والعلاقات بين الدولة والمواطن.. إلخ، تكون التداعيات أكبر وأعقد. وعندما يتم اعتماد السياسة الناعمة فقط دون فرض العقاب والمتابعة والمراقبة ما بعد السجن تبقى التهديدات الأمنية قائمة.
إن قضية معقدة ومتشابكة مثل قضية المقاتلين الأجانب لا تعتبر تهديدًا أمنيًّا على المدى القريب فحسب؛ بل أيضًا تحديًا على المدى الطويل. ولا بد أن تتحمل كل دولة مسئوليتها في استعادة مواطنيها ومتابعتهم، كل حالة على حدة، مع مراعاة واقع التطرف في السجون، مما يستدعي اعتماد سياسات منع التطرف وبرامج إعادة التأهيل داخل المرافق السجنية، والاهتمام بحالة من عبروا عن الندم والأسف والتوبة، والعمل على مواصلة مراقبتهم وإعادة إدماجهم داخل المجتمع، هذا دون إغفال ضرورة مواجهة الظروف التي دفعتهم لمغادرة دولهم كإحدى أهم آليات إعادة الإدماج.