قناة السويس من أهم الممرات البحرية في العالم، وهي بالتأكيد أهم ممر بحري اصطناعي على المستوى العالمي. فعلى مستوى الطرق البحرية الرابطة بين شقي العالم (شرقه وغربه)، تربط القناة شمال المحيط الهندي بشمال المحيط الأطلسي عبر البحرين المتوسط والأحمر، وذلك دون الحاجة للمرور بالأقسام الجنوبية الشاسعة من المحيطين. ولهذا لا يوجد ممر بحري يمكنه منافسة القناة في توفير الوقت واختصار المسافات بالنسبة للسفن التجارية، خاصة تلك العاملة على أهم خطوط العالم الملاحية الرابطة بين آسيا من جهة، وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى.
جدول رقم (1): المسافة المقطوعة بين موانئ رئيسية عبر القناة وعبر طريق رأس الرجاء الصالح
المصدر: الموقع الرسمي لهيئة قناة السويس. متاح على الرابط التالي: www.suezcanal.gov.eg
ولا تتفوق القناة على طريق رأس الرجاء الصالح فقط، بل إنها تتفوق أيضًا على قناة بنما (ثاني أهم ممر ملاحي صناعي في العالم) وذلك فيما يخص الخطوط الملاحية الرابطة بين غرب المحيط الهادئ وغرب المحيط الأطلنطي، ذلك أن استخدام طريق قناة السويس للربط بين موانئ كولومبو ونيويورك لا يكلف سوى 8600 ميل بحري من الملاحة بنسبة توفير قدرها 39% مقارنة بالطريق البحري المار عبر قناة بنما. فيما يقلص استخدام قناة السويس المسافة بين موانئ سنغافورة ونيويورك إلى 10133 ميلًا بحريًّا بنسبة توفير قدرها 19% عن الطريق البحري “المحيط الهادئ- قناة بنما”.
خريطة رقم (1): مقارنة بين قناة السويس وقناة بنما في الملاحة بين غرب المحيط الهادي وغرب المحيط الأطلنطي
المصدر: الموقع الرسمي لقناة السويس. متاح على الرابط التالي: www.suezcanal.gov.eg
تحديات واجهت القناة ومشروعات التطوير
رغم الوضع التنافسي السابق لقناة السويس؛ إلا أنها تواجه تحديات ومنافسة من جانب مسارات ملاحية مختلفة. ومثلما كان إنشاء القناة تهديدًا لممرات ملاحية قديمة، خاصة رأس الرجاء الصالح؛ فإن المسارات الملاحية الصاعدة يمكن أن تمثل تهديدًا لقناة السويس إن لم تتواصل عملية تطوير القناة وزيادة جاذبيتها للخطوط الملاحية كممر آمن قصير وسريع، مقارنة بالممرات البديلة. وفي الفترة الراهنة تتزايد القدرات التكنولوجية بمعدلات سريعة جدًّا، وتتسارع معها قدرة الدول والشركات على تنفيذ مشروعات ملاحية ولوجيستية لم تكن ممكنة قبل ذلك، الأمر الذي يضع قناة السويس في منافسة مع مسارات وممرات للنقل والملاحة لم تكن موجودة قبل ذلك.
إطار يوضح مشروعات رئيسية منافسة لقناة السويس
في هذا الإطار، قررت القيادة السياسية ومنذ عام 2014 ضرورة تطوير القناة، بما يتناسب مع مجمل الفرص والتحديات القائمة حاليًّا والمتوقعة مستقبلًا، وذلك بهدف زيادة جاذبيتها الاقتصادية. وكانت البداية هي طرح مشروع تعميق وازدواج المجرى الملاحي للقناة بطول 72 كم (انظر خريطة رقم 2)، والذي قام بتمويله بالكامل المواطنون المصريون من مدخراتهم الشخصية، لتصل قيمة الاستثمارات إلى 46 مليار جنيه (9.14 مليارات دولار تقريبًا، حسب متوسط سعر الصرف السائد في عام 2014: 7 جنيهات للدولار) من خلال عملية اكتتاب ضخمة واستثنائية في تاريخ مصر الحديث، حيث لم تتجاوز في مدتها الزمنية 8 أيام عمل.
خريطة رقم (2): قناة السويس الجديدة
موقع القناة الجديدة يظهر باللون البنفسجي. المصدر: الموقع الرسمي لقناة السويس. متاح على الرابط التالي: www.suezcanal.gov.eg
من ناحية أخرى، قامت الدولة بطرح مشروع الإقليم الاقتصادي لقناة السويس، والذي سيمثل منطقة تجارية وصناعية دولية حرة. ومن المخطط أن يستفيد ذلك المشروع من حركة التجارة المارة بالقناة والتي تبلغ نسبتها 8% من إجمالي حركة التجارة الدولية، لذلك حرصت الدولة على أن يشمل المشروع مناطق اقتصادية متكاملة (مثل منطقتي: العين السخنة، وشرق بورسعيد). ومن المخطط أن تحتوي تلك المناطق المتكاملة على موانئ بحرية ومناطق صناعية ومراكز للحركة التجارية، بالإضافة للبنى التحتية الذكية وغيرها من التجهيزات المتقدمة. كما قامت الدولة بتخصيص عدد 4 موانئ بحرية أخرى لخدمة ذلك الإقليم، وهي: العريش، والأدبية، والطور، وغرب بورسعيد. وسيسهم ذلك الإقليم الاقتصادي الجاري تنفيذه في تعزيز حركة التجارة والأعمال محليًّا وإقليميًّا، كما سيجعل من مصر المحور الاقتصادي للمنطقة، وذلك لدوره في تسهيل عملية التلاقي بين الاستثمار الدولي والأسواق الإقليمية (نقلًا عن الموقع الرسمي لإقليم قناة السويس www.sczone.eg).
عمليات التطوير تؤتي ثمارها
تسجل الإحصاءات منذ عام 2015 ارتفاعًا مضطردًا في حسابات العمل السنوية لقناة السويس. فوفق الحساب الختامي للهيئات الاقتصادية، والذي تصدره وزارة المالية سنويًّا، فإن إيرادات القناة قفزت بين عامي 2014/2015، 2018/2019 إلى ـأكثر من 630 مليون دولار بنسبة نمو 9.98%. انظر جدول رقم (2).
جدول رقم (2): تطور الإيرادات السنوية لقناة السويس
المصدر: تقارير الحساب الختامي السنوي للهيئات الاقتصادية الصادرة عن وزارة المالية.
ولعلّ أول أسباب زيادة الإيرادات السنوية للقناة هو زيادة إجمالي أعداد السفن العابرة للقناة بنسبة 5.07% خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، لتصل إلى 18482 سفينة خلال العام المالي 2018/2019، فيما زاد إجمالي الحمولات المنقولة عبر القناة لتصل إلى 1174 مليون طن في العام ذاته، بنسبة زيادة قدرها 15.5% مقارنة بالعام المالي 2014/2015 (الموقع الرسمي لهيئة قناة السويس)، الأمر الذي يشير إلى أن القناة أصبحت قادرة على استيعاب سفن أكبر حجمًا، وهي السفن التي لم يكن من الممكن استيعابها في القناة بدون مشروعات التطوير. وقد زادت كمية البضائع العابرة للقناة، والمنقولة عن طريق سفن الحاويات التي تمثل أكثر من 30% من إجمالي السفن العابرة بالقناة، لتصل إلى 491.0 مليون طن في العام المالي 2018/2019، بعد أن كانت 435.0 مليون طن في عام 2014، بزيادة قدرها 11.40%؛ فيما زادت كمية الزيت الخام، ثاني أكثر البضائع المنقولة في القناة، ليصل إلى 114.6 مليون طن بزيادة قدرها 23.56% خلال السنوات الخمس الأخيرة.
جدول رقم (3): أعداد السفن وكمية البضائع المارة بالقناة خلال الفترة (2014 – 2018)
المصدر: الموقع الرسمي لهيئة قناة السويس. متاح على الرابط التالي: www.suezcanal.gov.eg
وترتبط تلك الزيادة بالارتفاع الحاصل في نسب الاعتماد على النقل البحري كوسيلة لنقل البضائع، الأمر الذي تعكسه الزيادة السريعة في عدد السفن التجارية الموجودة في الخدمة في العالم. فيما تبين إحصاءات منظمة التجارة العالمية أن هناك نموًّا سريعًا في كمية البضائع المنقولة بحريًّا، وأن نسبة هذه الزيادة في عام واحد فقط، هو عام 2016-2017، بلغت 16% (World Trade Statistical Review, 2018).
جدول رقم (4): السفن التجارية الموجودة في الخدمة عالميًّا
المصدر: الموقع الرسمي لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. راجع الرابط التالي:
https://unctadstat.unctad.org/wds/TableViewer/tableView.aspx
لقد كان لعمليات توسعة وتعميق وازدواج المجرى الملاحي دور مهم في زيادة حجم التجارة والنقل عبر قناة السويس، حيث وفرت القناة الجديدة متوسط انتظار السفن أمام مداخل القناة، وذلك للعبور من كلا الاتجاهين الشمالي والجنوبي، ليصبح العبور أكثر سلاسة من خلال قافلتين تعبران بالتوازي وفى الوقت نفسه، إحداهما قادمة من الشمال والأخرى قادمة من الجنوب، فيما ساعدت عمليات التعميق والتوسعة التي تم تنفيذها بالمجرى القديم إلى الوصول إلى عمق 24 مترًا، مما ساهم في إتاحة الفرصة لاستقبال السفن العملاقة التي تصل غواطسها إلى 20.12 متر (66 قدمًا)، لتصبح القناة الآن قادرة على استقبال 99% من جميع الوسائل المستخدمة في النقل البحري في العالم، وعلى رأسها سفن الحاويات التي تستطيع القناة استقبال 100% منها، والتي قد يصل أكبرها لحمولة 17000 حاوية، بالإضافة إلى 80% من ناقلات البترول المستخدمة دوليًّا، فضلًا عن 96% من سفن الصب الساكن. كما يمكن للقناة استقبال السفن الفارغة التي تصل حمولتها إلى 440 ألف طن. والمؤكد أن العائد الاقتصادي لقناة السويس سوف يتضاعف عدة مرات مع بداية تشغيل المواقع الصناعية والتجارية والخدمية بالإقليم الاقتصادي للقناة.
السفينة “إم إس سى جولسون”، وهي أكبر سفينة حاويات في العالم تعبر قناة السويس بتاريخ 09/08/2019. المصدر: الهيئة العامة المصرية للاستعلامات. متاح على الرابط التالي: http://www.sis.gov.eg