من وقت لآخر تظهر دعوات لإنشاء ما يُسمى بظهير سياسى للدولة أو للقيادة السياسية، وبالرغم من أن الظهير ليس مصطلحًا متداولًا فى العلوم السياسية، وهو يشير إلى وظيفة يمكن أن تقوم بها جماعات ومؤسسات مختلفة، إلا أن مُطلقى هذه الدعوات عادة ما يقصدون إنشاء حزب سياسى قوى يرتبط بتوجهات القيادة السياسية ويعبر عنها ويكون حلقة الوصل بينها وبين الجماهير.
وبالرغم من أن السنوات الماضية شهدت ظهور عدد من الائتلافات التى سعت للعب الأدوار السابقة، إلا أن استمرار الدعوات لإنشاء الظهير السياسى يدل عن عدم رضا البعض عن أداء هذه الائتلافات.
ومعظم من يتبنى فكرة الظهير يضع فى ذهنه التجربة التى بدأت بالاتحاد الاشتراكى وانتهت بالحزب الوطنى، ولأن الكثير لم يدرس مرحلتى التجربة بشكل علمى بإيجابياتها وسلبياتها، ولأن هذه الدعوات تتصاعد الآن مع تزايد التوقعات بتبنى الدولة لحزمة إصلاحات سياسية، وجب الإشارة للملاحظات التالية:
١- كما أشرت أعلاه، فنحن نتحدث بالأساس عن حزب سياسى، وهنا علينا أن ندرك أن العالم يشهد الآن مراجعة لدور الأحزاب، فى ظل ثورة تكنولوجيا الاتصال التى تجعل من السهل على القائد التواصل بشكل مباشر مع المواطنين وتعبئتهم سياسيًا وانتخابيًا دون الحاجة للدور التقليدى للحزب فى هذا المجال، وتجربة ترامب فى الولايات المتحدة وماكرون فى فرنسا دليل على ذلك. كما أن الرأى العام فى معظم دول العالم أصبح يساند الأحزاب الجديدة وليس القديمة، وبالتالى فإن استنساخ تجارب كاملة من الماضى لن يلقى قبولًا جماهيريًا.
٢- طالما نتحدث عن حزب سياسى، فإحدى الوظائف الرئيسية التى لا تزال تلعبها فى معظم دول العالم هو تجنيد وإعداد القيادات السياسية للعمل التنفيذى وليس التشريعى فقط، وتتولى الكوادر الحزبية، سواء التى تنتمى لحزب أغلبية فى النظم التعددية أو للحزب الواحد كما فى الصين، المناصب التنفيذية من المستوى المحلى إلى الحكومة، وهو ما يصقل المسؤول التنفيذى بالخبرة السياسية. ولكن التجربة الحزبية الحديثة فى مصر ظلت استثناءً على هذه القاعدة، وكان هناك دائما فجوة بين المسار الحزبى والمسار التنفيذى، وهو أمر أثر بالسلب على المسارين، ويحتاج إعادة نظر.
٣- معظم أحزاب الأغلبية لها دور فى صناعة السياسات العامة وليس فقط الدفاع عنها، بمعنى أنها تتولى إعداد السياسات الاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها، بالإضافة لاقتراح وصياغة التشريعات المرتبطة بها، ولكن الانفصال بين المسارين الحزبى والتنفيذى السابق الإشارة إليه، أدى لاختلاط الأوراق فيما يتعلق بهذا الأمر، وإلى التوتر بين المسارين، وفى المرات التى ظهرت فيها مبادرات حزبية فى مجال السياسات العامة اعتقدت الحكومة أن ذلك انتقاص من سلطاتها، وهو أمر أيضا يحتاج تحديدًا وتوضيحًا فى أى تجربة جديدة.
٤- وأخيرًا تعلمنا التجارب السابقة أن التفكير فى تطوير ظهير حزبى للحكم يجب أن يرتبط أيضًا بإتاحة الفرصة لكى تقوم المعارضة بتطوير نفسها، وإلا سنعيد مشاهدة مباريات سياسية من طرف واحد، وستفقد تجربة الظهير مصداقيتها.
هناك بالتأكيد، كلام كثير يمكن أن يقال بشأن الظهير الحزبى، ودروس كثيرة يمكن أن نتعلمها من تجربتنا وتجارب العالم، ومن المهم وضوح الرؤية واكتمال التفكير قبل الخوض فى تجربة جديدة، وحتى لا نكرر أى أخطاء سابقة. والله ولى التوفيق.
*نقلا عن صحيفة “المصري اليوم”، نشر بتاريخ 14 أكتوبر 2019.