شرعت الدولة في مصر في تنفيذ عددٍ من البرامج والمبادرات الطموحة في مجال الرعاية الصحية لحديثي الولادة والأطفال. وتوفر هذه المبادرات للأطفال وشباب المستقبل فرصة أفضل للتمتع بصحة جيدة، وتمكّنهم من الإسهام في تقدم المجتمع وازدهاره، بدلًا من أن يتحولوا إلى عالة عليه. وقد شملت المبادرات الصحية الجيدة مجالات متنوعة من بينها التغذية والسمع والإبصار.
1- الكشف المبكر عن السمنة والأنيميا والتقزم
تُعد التغذية الجيدة من أهم العوامل التي تؤثر في حياة الأطفال، ووفقًا لمنظمة اليونيسف، فإن سوء التغذية هو المسبب الرئيسي لثلثي وفيات الأطفال. وتتركز ٩٠٪ من حالات سوء التغذية بين الأطفال عالميًّا في ٣٦ بلدًا من بينها مصر، بحسب تقديرات المنظمة. فعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ في وفيات الأطفال في مصر، فإن معدلات سوء التغذية بين الأطفال المصريين تبدو مرتفعة، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة. فقد وصلت معدلات التقزم -وهو حالة طبية تكون نتيجتها الطفل قصير القامة، وغالبًا ما تنتج عن بطء النمو- بين الأطفال دون الخامسة إلى ٢١٪ في عام ٢٠١٤، بينما وصل معدل نقص الوزن بين الأطفال (وهي الحالة التي ينخفض فيها وزن الطفل عن المعدل الطبيعي بنسبة 15- 20%) إلى 6% من الأطفال؛ فيما وصل معدل النحافة -وهي الحالة التي يزيد فيها معدل نقص وزن الطفل عن المعدل الطبيعي عن 20%- إلى 8% من الأطفال.
سوء التغذية هو من أكثر الأسباب التي تسبب النحافة الزائدة التي هي عبارة عن فقدان جسم الطفل لأحد العناصر الغذائية المهمة التي يحتاجها، مما يجعله عرضة للإصابة بالنحافة، التي تتسبب بدورها في أضرار جسيمة على الأطفال، نتيجة لما يترتب عليها من ضعف جهاز المناعة، وبما يؤثر سلبًا على مرحلة البلوغ، وعلى القوة الجسدية، وعلى إنتاج الجسم للهرمونات التي تُسهم في بنائه بشكل متكامل. كذلك تمثل الأنيميا/ فقر الدم، وهو أحد الأمراض الرئيسية المرتبطة بسوء التغذية، مشكلة كبيرة في مصر. والأنيميا هي النقص في الخلايا الحمراء/ الهيموجلوبين في الدم، والذي يؤدي إلى نقص في قدرة الدم على نقل الأكسجين اللازم لخلايا الجسم، وهو مرض يؤثر على ٢٧٫٢٪ من الأطفال المصريين دون سن الخامسة. ويصل سوء التغذية إلى ذروة تأثيراته السلبية، فيما يسمى العبء المزدوج لسوء التغذية، عندما تظهر أعراض نقص التغذية إلى جانب زيادة الوزن/ السمنة، أو الأمراض غير السارية المرتبطة بالنظام الغذائي، مثل داء السكري من النوع الثاني، وهي ظاهرة ليست نادرة في بلادنا.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُعظّم الفقر مخاطر الإصابة بسوء التغذية والمخاطر الناتجة عنه، فالأشخاص الذين يعانون من الفقر أكثر تعرضًا للإصابة بمختلف أشكال سوء التغذية؛ كما أن سوء التغذية يزيد من تكاليف الرعاية الصحية، ويحد من الإنتاجية، ويبطّئ النمو الاقتصادي، ما قد يؤدي إلى حلقة لا نهائية من الفقر واعتلال الصحة.
من هذا المنطلق، بدأ في مطلع فبراير الماضي المبادرة الرئاسية للكشف المبكر وعلاج السمنة والأنيميا والتقزم لطلبة المدارس الابتدائية، بالتعاون بين وزارتي الصحة والتعليم، ويتم خلالها قياس نسبة الهيموجلوبين بالدم للكشف المبكر عن الأنيميا، وقياس الطول والوزن لتحديد مؤشر كتلة الجسم ومستوى السمنة والتقزم. ويجري الفحص بواسطة أخصائيين في التغذية وأمراض الدم، بموجب موافقة كتابية من ولى الأمر، حيث يتم تحويل من يثبت إصابته من الطلاب لعيادات التأمين الصحي والبالغ عددها 225 عيادة تقدم الخدمة الطبية بالمجان.
وقد استهدفت المبادرة حوالي 12 مليون طالب في جميع المحافظات بالمدارس الحكومية والخاصة والأزهرية، وتم تنفيذها على ثلاث مراحل، ولمدة ثلاثة أشهر، من شهر فبراير وحتى أبريل 2019.
2- “نور حياة” لمكافحة مسببات ضعف وفقدان الإبصار
يُشير أحدث التقديرات التي نشرتها منظمة الصحة العالمية، إلى أن هناك حوالي 1.3 مليار شخص يعانون من أحد أشكال ضعف الرؤية القريبة أو البعيدة على الصعيد العالمي، وأنه من الممكن تجنب حوالي 80% من حالات ضعف الرؤية في حال توفير تدخلات فعالة للوقاية من أمراض العيون وعلاجها.
تتسبب أمراض العيون وضعف البصر في تكلفة اقتصادية لا يتحملها الفرد وحده، وإنما تتحملها أسرته والمجتمع بأكمله، وهناك عدة طرق مختلفة لحساب تكلفة ضعف البصر، عبر حساب الخسائر في الإنتاجية، والناتج المحلي الإجمالي، وتكاليف الرعاية الصحية، وسنوات العمر المصححة باحتساب مدد العجز ونقص السلامة على الطرق.
كذلك، تقل احتمالات تحقيق الأطفال المصابين بضعف البصر مستوى التحصيل الدراسي نفسه الذي يحققه أقرانهم غير المصابين. ويستمر ذلك طوال مراحل التعليم المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص المصابين بضعف البصر أشد تعرضًا لمخاطر العنف وإساءة المعاملة مقارنة بالآخرين، مثلهم في ذلك مثل سائر الأشخاص ذوي الإعاقة. أما في مرحلة ما بعد التعليم، فإن ضعف البصر يقلل من فرص الحصول على وظيفة جيدة، ويقلل بالتالي من فرص الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي؛ وهو ما يؤكد أهمية الفحص المبكر للأطفال، والتدخل السريع إذا ظهرت الحاجة لذلك، لحمايتهم من فقدان أو ضعف البصر في المستقبل.
لذا جرى في فبراير 2019 إطلاق المبادرة الرئاسية “نور حياة”، لمكافحة مسببات ضعف وفقدان الإبصار، وتوفير العلاج لغير القادرين، وإعداد أول قاعدة بيانات عن مشكلة ضعف وفقدان الإبصار بمصر، بهدف الوصول إلى وطن خالٍ من الإعاقة البصرية التي يمكن تجنبها. وقد استهدفت المبادرة الفحص المبكر لخمسة ملايين تلميذ بالمرحلة الابتدائية، ومليونين من الفئات الأولى بالرعاية، وتوفير مليون نظارة طبية، وإجراء 250 ألف عملية جراحية في العيون، بتمويل قدره مليار جنيه قدمه صندوق “تحيا مصر”، بحيث يتم العلاج تمامًا بالمجان، على أن يجري تنفيذ المبادرة على أربع مراحل، تستمر لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.
وقد تم تنفيذ المرحلة الأولى من مبادرة “نور حياة”، وفيها تم إجراء الفحص الطبي لعدد 147 ألف مواطن بمختلف محافظات الجمهورية من بين الفئات الأولى بالرعاية، وإجراء 20 ألف عملية مياه بيضاء وزرقاء، فضلًا عن إجراء الفحص الطبي لنحو 660 ألف تلميذ بالمرحلة الابتدائية في 10 محافظات، وتسليم 132 ألف نظارة طبية لتلاميذ أظهر الفحص إصابتهم بضعف الإبصار.
أما المرحلة الثانية للمبادرة والمقرر انطلاقها في عام 2020، فتستهدف إجراء المسح الطبي على 672 ألف مواطن في 27 محافظة وإجراء 62 ألف عملية جراحية، فضلًا عن إجراء الفحص الطبي لنحو 2.1 مليون تلميذ بالمرحلة الابتدائية في 22 محافظة، وتسليم 414 ألف نظارة طبية للتلاميذ المكتشف إصابتهم بضعف الإبصار خلال الكشف الطبي.
وتنفذ المرحلة الثالثة من المبادرة الرئاسية “نور حياة” خلال عام 2021، وسيتم خلالها إجراء المسح الطبي على 672 ألف مواطن في 27 محافظة وإجراء 62 ألف عملية جراحية، فضلًا عن الكشف الطبي على حوالي 2.28 مليون تلميذ بالمرحلة الابتدائية، وتسليم 456 ألف نظارة طبية للتلاميذ المكتشف إصابتهم بضعف الإبصار خلال الكشف الطبي.
وخلال المرحلة الرابعة والأخيرة من المبادرة المقرر انطلاقها في عام 2022 ولمدة 6 أشهر، سيتم إجراء المسح الطبي على 672 ألف مواطن وإجراء 62 ألف عملية جراحية.
3- المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن ضعاف السمع حديثي الولادة
تُشير البحوث إلى أنه في بلد مثل الولايات المتحدة يوجد 3 من بين كل ألف طفل يولدون لديهم نوع من العجز السمعي؛ وتزيد هذه النسبة في المجتمعات التي يكثر فيها زواج الأقارب، وفي المجتمعات التي تقل فيها فرص تلقي الأم رعاية صحية كافية أثناء فترة الحمل. عالميًّا، وطبقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن هناك 466 مليون شخص يعانون من فقدان السمع المسبب للعجز، منهم حوالي 34 مليون طفل. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050 فإن أكثر من 900 مليون شخص سيعانون من فقدان السمع.
ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية الذي صدر في مارس الماضي عن الصمم وفقدان السمع، تتسبب حالات فقدان السمع غير المعالج في تكاليف عالمية سنوية قدرها 750 مليار دولار أمريكي حسب تقديرات المنظمة.
وفي البلاد النامية، نادرًا ما يتلقى الأطفال المصابون بفقدان السمع والصمم أي تعليم مدرسي على الإطلاق. وبالتالي فإن البالغين المصابين بفقدان السمع يعانون من معدلات بطالة بشكل أعلى كثيرًا من غيرهم، أما من يوفقون في الحصول على وظيفة، فعادةً ما يتركزون في المهن والوظائف الأدنى. بالإضافة إلى ذلك، فإن المصابين بفقدان حاسة السمع يعانون من محدودية قدرتهم على الوصول إلى الخدمات، الأمر الذي يُثير شعورًا بالوحدة والعزلة والإحباط، خاصة بين كبار السن منهم. ويمكن إنقاذ حوالي 60% من حالات فقدان السمع إذا تم اتخاذ التدابير اللازمة من فحص مبكر وعلاج مناسب للحالات المصابة.
لهذا انطلقت في شهر سبتمبر 2019 المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن ضعف السمع لدى حديثي الولادة، وذلك من خلال إجراء مقياس السمع للرُضع من عمر يوم وحتى 28 يومًا، من أجل سرعة الكشف عن الإصابة بضعف السمع، وتسهيل الإجراءات العلاجية للطفل المصاب وإنقاذه من الإصابة بفقدان السمع.
وتستهدف المبادرة كل المواليد الجدد، الذين يصل عددهم سنويًّا إلى حوالي 2.6 مليون طفل، حيث يتم إجراء مقياس السمع، الذي تبلغ تكلفته خارج إطار المبادرة حوالي 200 جنيه، بينما سيتم توفيره بالمجان بالوحدات الصحية التي يبلغ عددها 1300 على مستوى جميع محافظات الجمهورية.
وفي حالة الاشتباه بالإصابة يتم إعادة فحص الطفل بعد أسبوعين من تاريخ الزيارة الأولى بذات الوحدة الصحية، حيث إن نتيجة الاختبار الثاني قد تبين ما إذا كان الطفل طبيعيًّا أم يحتاج للمزيد من الفحوصات، وفي هذه الحالة يتم تحويله إلى مستشفى متخصص لإجراء فحوصات متقدمة (فحص السمع للأذن الوسطى، وعمل قياس سمع بالكمبيوتر)، وبعدها يتم التعامل مع الطفل حسب حالته الصحية، سواء بتوفير علاج أو تركيب سماعة أو زراعة قوقعة، وهي الجراحة التي تصل تكلفتها خارج المبادرة إلى حوالي 250 ألف جنيه.
ويتم من خلال المبادرة تقديم التوعية التثقيفية للأسرة لتسهيل الاكتشاف المبكر للطفل المصاب، فضلًا عن التوعية بكيفية التعامل مع جهاز “القوقعة” للحالات التي تمت لها الزراعة والقيام بمتابعة هذه الحالات. ويمكن في المستقبل إلزام مستشفيات الولادة بإجراء اختبار السمع قبل مغادرة الأم بطفلها حديث الولادة للمستشفى، وذلك للتأكد من خضوع نسبة أكبر من حديثي الولادة للاختبار، وبالتالي تقليل أعدد الحالات غير المكتشفة من حالات فقدان السمع.