تشهد العلاقات الروسية-الإفريقية تحولًا جديدًا مع انعقاد أول قمة تجمع الجانبين، برئاسة كلٍّ من الرئيس “عبدالفتاح السيسي” رئيس مصر والاتحاد الإفريقي، والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، والتي تستضيفها مدينة “سوتشي” الروسية يومي الثالث والعشرين والرابع والعشرين من أكتوبر الجاري.
وتسعى موسكو إلى إعادة تطوير علاقاتها مع إفريقيا عبر البحث عن حلفاء سياسيين وشركاء تجاريين جدد، وتجديد التواصل الذي بدأته روسيا خلال الحقبة السوفيتية والذي تعرض لانقطاع بسبب التحولات الروسية الداخلية في مطلع تسعينيات القرن الماضي
أولًا: القمة الروسية الإفريقية.. ملامح أولية
تكتسب قمة روسيا-إفريقيا أهمية كبيرة كونها الأولى من نوعها في توقيت يشهد تحولات عالمية ودولية كبرى، حيث تهدف هذه القمة إلى تدشين إطار متكامل لدفع العلاقات الروسية الإفريقية إلى آفاق أوسع للتعاون المشترك. وتعقد القمة برئاسة مشتركة بين الرئيس “عبدالفتاح السيسي” الذي يتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”. وتُعد هذه القمة هي الأولى من نوعها، بعدما تم تبنيها وفقًا لاقتراح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لفكرة عقد قمة روسية إفريقية خلال مشاركته في قمة دول بريكس في جوهانسبرج في يوليو عام 2018. وعلى صعيد التحضير للقمة، استضافت موسكو في يوليو 2019 المؤتمر البرلماني “روسيا – إفريقيا”، بالإضافة إلى تكثيف اللقاءات والاجتماعات التحضيرية الثنائية بين الجانبين الروسي والمصري وكان آخر تلك الاجتماعات في السادس والعشرين من سبتمبر 2019.
وتجمع القمة قادة الدول الإفريقية وكبرى المنظمات الإفريقية، وستشهد توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي تسهم في تحسين رفاهية الشعوب الإفريقية وتحقيق السلام، فضلًا عن مناقشة العديد من الملفات، خاصة الملفات ذات الطابع السياسي والأمني وسبل مساعدة بعض الدول الإفريقية في حل النزاعات ودعم هذه الدول في مواجهة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار في القارة. بالإضافة إلى ملف إفريقيا كتكتل سياسي موحد وكتلة تصويتية كبيرة في المنظمات الدولية، وملف التعاون الاقتصادي، وسبل تعزيز علاقات التعاون بين الجانبين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وتدعيم التنمية المستدامة بالقارة الإفريقية. ويُعد الملف الاقتصادي هو الملف الأبرز في القمة، حيث سيتم بحث سبل الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة، خاصة بعد إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
ويُعقد على هامش القمة المنتدى الاقتصادي الروسي الإفريقي يومي 23-24 أكتوبر بمشاركة كبرى الشركات الروسية والإفريقية ورجال الأعمال من الجانبين، وهي فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار بين الجانبين. ويركز المنتدى الروسي الإفريقي على 3 محاور رئيسية، هي “تطوير العلاقات الاقتصادية”، و”إنشاء مشاريع مشتركة”، و”التعاون في المجالات الإنسانية والاجتماعية”. ومن المتوقع أن يُسفر المنتدى عن توقيع مجموعة مهمة من الاتفاقات في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. وسيتم عقد أكثر من 30 حدثًا تجاريًّا على هامش المنتدى الاقتصادي المشترك. كما ينظم على هامش المنتدى معرض للشركاء التجاريين، وهو ساحة رئيسية لعرض ما حققته البلدان المشاركة من المنجزات، وعرض قدراتها الاقتصادية والعلمية والبيئية والثقافية. وسيعرض المشاركون في المعرض عددًا من المشروعات، والتقنيات المتقدمة في بعض القطاعات، مثل: التعدين، والكيمياء، والآلات، والطاقة، والزراعة، والنقل، والصحة العامة.
ثانيًا: مكانة إفريقيا في الاستراتيجية الروسية
لإفريقيا مكانة مهمة تقليديًّا في الاستراتيجية الروسية، فخلال الحقبة السوفيتية قدمت موسكو للعديد من حركات التحرر الإفريقية دعمًا دبلوماسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وتعليميًّا خلال كفاحها ضد الاستعمار، بما في ذلك حركات التحرر في الجزائر، وأنجولا، ومصر، والرأس الأخضر، والكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وغينيا، ومدغشقر، وساوتومي، وبرينسيب، وتنزانيا. ولكن منذ التسعينيات تقلص النفوذ الروسي في القارة بشكل كبير، فقد أُغلقت تسع سفارات وثلاث قنصليات روسية في إفريقيا، وتم تخفيض عدد الموظفين في وزارة الخارجية الروسية بشكل كبير، وأغلقت العديد من المراكز الثقافية الروسية، وتم قطع العلاقات الاقتصادية، كما تم إيقاف برامج المساعدة الروسية للقارة الإفريقية. ولكن مع وصول الرئيس “بوتين” إلى السلطة حرص على إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع حلفاء روسيا السابقين في إفريقيا، وتمثلت أولى المؤشرات على تغير الموقف الروسي تجاه إفريقيا في الزيارات الرسمية التي قام بها الرئيس “بوتين” إلى عدد من الدول الإفريقية عام 2006، وما تم خلالها من التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية بين روسيا وبعض الدول الإفريقية. ويأتي حرص روسيا على إعادة توطيد العلاقات مرة أخرى مع إفريقيا في وقت مهم، حيث إن إفريقيا تبحث عن شركاء استراتيجيين جدد في ظل التغيرات العالمية الجيوسياسية.
وفي الوقت الحالي، تحتل إفريقيا المركز التاسع في قائمة المناطق العشر الأكثر أهمية للمصالح الروسية وفقًا لوثيقة السياسة الخارجية الروسية لعام 2008 متقدمة على أمريكا اللاتينية، وهو ما تأكد في وثيقة السياسة الخارجية الروسية الجديدة عام 2016 التي نصّت على أن “روسيا سوف توسع العلاقات مع الدول الإفريقية على كافة الأصعدة بشكل ثنائي، ومتعدد الأطراف، عبر تحسين الحوار السياسي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة، وتكثيف التعاون الشامل الذي يخدم المصالح المشتركة، بجانب المساهمة في منع النزاعات الإقليمية وحالات الأزمات، وتعزيز علاقات الشراكة مع الاتحاد الإفريقي”، فضلًا عمّا ورد بشأن القارة الإفريقية في وثيقة “الأمن القومي الروسي حتى عام 2020” من أن “الاتحاد الروسي يطور تعاونًا سياسيًّا وتجاريًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وأمنيًّا وتقنيًّا، وكذلك الاتصالات الإنسانية والتعليمية مع الدول الإفريقية والمنظمات الإقليمية لهذه الدول”.
وتتركز الاهتمامات الروسية في القارة الإفريقية في ثلاثة أقاليم فرعية ذات أهمية جيوسياسية كبيرة، هي القرن الإفريقي، وشمال إفريقيا، وإقليم الساحل الإفريقي، الأمر الذي انعكس بوضوح في السنوات الأخيرة في سلسلة من الزيارات الرسمية والاتفاقيات الثنائية جمعت روسيا بكل من مصر والجزائر والسودان ونيجيريا وتشاد والنيجر وكينيا وأوغندا وإريتريا وإثيوبيا.
ثالثًا: مجالات التعاون بين روسيا ودول القارة
تبنَّت روسيا في تعاونها مع القارة الإفريقية أساليب ومناهج تعاون يتداخل فيها النشاط الاقتصاديّ بالعسكريّ، والتعاون بين القطاع الاقتصادي المملوك للدولة والقطاع الخاص.
1- التبادل التجاري
شهد حجم التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا زيادة ملحوظة خلال الفترة من 2006 وحتى 2018، حيث تضاعفت الصادرات الروسية إلى إفريقيا بنحو 480%، كما تجاوز حجم التجارة الروسية الإفريقية 20.5 مليار دولار في عام 2018، بارتفاع يقدر بنحو 70٪ على أساس سنوي. وتهدف موسكو إلى مضاعفة هذا الرقم بحلول عام 2024، حيث ازدادت قيمة الصادرات من 3 مليارات دولار عام 2006 إلى حوالي 17.5 مليار دولار عام 2018، في الوقت الذي ازدادت فيه الواردات الروسية من إفريقيا من 1 مليار دولار عام 2006 إلى 3 مليارات دولار لعام 2018، وتستحوذ مصر على ما يزيد عن ربع الصادرات الروسية إلى إفريقيا وسدس وارداتها من القارة.
وفي ضوء تنفيذ استراتيجيتها في إفريقيا اعتمدت روسيا على بنك “أفريكزمبنك” Afreximbank حيث وقّع مركز التصدير الروسي (REC) مذكرة في موسكو على هامش اجتماعات الجمعية العامة العادية للبنك لتسهيل التعاون بين الشركات الروسية والإفريقية. ودخل مركز التصدير الروسي في ديسمبر 2017 كثالث أكبر مساهم بعد الصين والهند في “أفريكزمبنك”. وفي العام نفسه، عمل البنك أيضًا على معاملات قيمتها أكثر من 50 مليار دولار مع مركز التصدير الروسي، ناهيك عن دور التسهيلات الذي يلعبه في المفاوضات بين الشركات الروسية والجهات الفاعلة الاقتصادية الإفريقية العامة والخاصة.
ويذكر أن روسيا أطلقت عام 2015 “المنتدى الروسي الإفريقي” بهدف تأسيس وإقامة علاقات اقتصادية وتجارية بين الطرفين. ويعتقد أفريكزمبنك أن موسكو لن تحتاج إلى الانتظار حتى عام 2024 لمضاعفة قيمة تجارتها مع القارة، حيث يتوقع البنك أن يبلغ التبادل التجاري الروسي الإفريقي 40 مليار دولار بحلول عام 2023.
2- الاستثمارات
ازدادت وتيرة الاستثمارات الروسية خلال السنوات الأخيرة في بعض دول القارة الإفريقية، وتركز روسيا بشكل أساسي في استثماراتها على ما يُعرف بـ«دبلوماسية الطاقة»، فمعظم الاستثمارات الروسية تتركز في قطاعات النفط والغاز والطاقة النووية. وتقود هذه الاستثمارات شركات مثل جازبروم ووكويل وروستيك وروساتوم التي لها استثمارات في الجزائر ومصر وجنوب إفريقيا وأوغندا وأنغولا. كما تعمل روسيا حاليًّا على إنجاز عشرات المشاريع في إفريقيا في مجالات الجيولوجيا والتعدين، والطاقة، والصناعة، والزراعة، ومصايد الأسماك، والاتصالات السلكية واللا سلكية. ومن بين أكثر المشاريع الروسية في إفريقيا قيمة من الناحية الرمزية هو مشروع المنطقة الصناعية الروسية، قيد الإنشاء في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بمصر، ويُتوقع أن يستغرق تنفيذه ثلاثة عشر عامًا، وبتكلفة إجمالية تبلغ حوالي 7 مليارات دولار، مع إمكانية خلق 35000 فرصة عمل، 90٪ منها في مصر. وهناك مشاريع ضخمة أخرى جارية في أجزاء أخرى من القارة، حيث تسهم في بناء خط أنابيب نفط في أوغندا، وفي إريتريا تعمل روسيا أيضًا على مشروع لبناء مركز للتسوق في ميناء عصب.
وبشكل عام، يغلب على الاستثمارات الروسية سمتان رئيسيتان؛ أُولاهما أن معظمها تقوده شركات مملوكة للدولة كليًّا أو جزئيًّا، وثانيتهما أنها لا تبتعد عن مراعاة الاعتبارات العسكرية والأمنية للمصالح الروسية. وفيما يلي توضيح لجزء من تلك الاستثمارات في بعض القطاعات بإفريقيا:
– الاستثمارات في قطاع الطاقة: تسعى روسيا إلى توسيع استثماراتها في القارة الإفريقية وبخاصة في قطاع الطاقة، حيث استثمرت الشركات الروسية في صناعة الطاقة في القارة الإفريقية، وخاصة النفط والغاز في الجزائر وليبيا ونيجيريا وغانا ومصر. وقد استفادت روسيا في هذا المجال من الطموحات النووية لبعض الدول الإفريقية، فوقعت عقودًا مهمة مع حوالي 20 دولة إفريقية لغرض إنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية، وفي مقدمتها مصر التي وجهت إليها استثمارات تقدر بنحو 29 مليار دولار لإنشاء محطة طاقة نووية، بالإضافة إلى قيام الشركات الروسية بإنتاج الألومنيوم في نيجيريا، وبناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية في أنجولا وناميبيا وبوتسوانا.
– الاستثمارات في القطاع الزراعي في إفريقيا: حيث وصل حجم الصادرات الروسية من القمح لإفريقيا إلى 30 مليون طن للمستهلكين الأفارقة. وتقوم شركة “Uralchem” -إحدى أكبر الشركات الروسية العاملة في القارة في مجال الزراعة- بتوريد العديد من المنتجات -خاصة الأسمدة- لعدد من دول الجنوب الإفريقي، خاصةً زامبيا وزيمبابوي.
– الاستثمارات في البنية التحتية: ففي غانا أعلنت الشركة الروسية “جيوسيرفيس ليمتد” عزمها استثمار نحو 12.5 مليار دولار لتطوير شبكات البنية التحتية والمواصلات في سلسلة من المشروعات المتعلقة بتحديث وتوسيع شبكة السكك الحديدية، بشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويُمثل هذا المبلغ نسبة 29% من الناتج المحلي الإجمالي لغانا.
– التكنولوجيا: استثمرت روسيا أموالًا طائلة في أنجولا خصصها البنك العام الروسي “روسيكسيم بنك” لتمويل أول قمر صناعي أنجولي حمل اسم أنجو سات-1.
3- المساعدات والمنح
خلال سنوات حكم “بوتين” قامت روسيا بتقديم مساعداتٍ كبيرة لعددٍ من الدول الإفريقية بمعدل 400 مليون دولار سنويًّا. ويوزع نحو 60% من المساعدات الروسية عبر منظماتٍ دولية مثل برنامج الغذاء العالمي ووكالة الأمم المتحدة للاجئين، أما النسبة الباقية فتصل إلى إفريقيا في إطار التعاون الثنائي المشترك. كما قامت روسيا بتقديم التبرعات لدعم قطاعات التعليم والرعاية الصحية والزراعة والبيئة والطاقة في العديد من الدول الإفريقية. كما اعتمدت روسيا أيضًا سياسة تخفيض عبء الديون عن قارَّة إفريقيا؛ حيث قامت بإلغاء ديون بقيمة 16 مليار دولار في عام 2008. وفي سبتمبر 2012، أسقط الرئيس “بوتين” 20 مليار دولار أخرى من الديون عن عدة بلدان إفريقية، كجزء من مبادرة لمساعدة البلدان الأشد فقرًا العاجزة عن تسديد ديونها. كما تم تقديم مساعدات غذائية تقدر بنحو 5 ملايين دولار إلى كل من إثيوبيا، والصومال، وغينيا، وكينيا، وجيبوتي، بما يشكِّل تطوُّرًا إيجابيًّا في مسار العلاقات الرُّوسِيَّة مع الدول الإفريقية.
4- التعاون العسكري
تمتلك روسيا خبرة طويلة في مجال التعاون العسكري مع الدول الإفريقية بدأت منذ تزويدها حركات التحرر الإفريقية بالأسلحة في العديد من الدول خلال فترة الاستعمار، ومن بينهم أنجولا وموزمبيق وزيمبابوي وزامبيا وغينيا. كما قامت روسيا مؤخرًا بعقد صفقات أسلحة مع أنجولا والجزائر وأوغندا ومصر وجنوب وتنزانيا والصومال ومالي والسودان وليبيا، فضلًا عن التدريب والدعم العسكري.
ويُعد مجال الدفاع العسكري محورًا رئيسيًّا في العلاقات بين إفريقيا وروسيا، حيث تعد موسكو ثاني أكبر مُصدّر للأسلحة في العالم، ويتعدد عملاؤها من الدول الإفريقية، أبرزهم الجزائر، أكبر مستورد للسلاح الروسي في إفريقيا، حيث استوردت خلال عام 2016 بنحو 924 مليون دولار، وتعتبر دول شمال إفريقيا عمومًا سوقًا مهمة للسلاح الروسي، والذي يسهم في الاقتصاد القومي بنسبة مهمة، وقد كانت البداية من الجزائر بصفقة سلاح بلغت قيمتها 7.5 مليارات دولار، ثم ليبيا في 2008، بلغت 2 مليار دولار، وتم استكمالها بصفقة أخرى في 2010 بقيمة 1.8 مليار دولار، كما تم توقيع اتفاقيات تصدير سلاح مماثلة مع كل من مصر والسودان. وتشير بعض التقارير الصادرة عن وكالة سبوتنيك الروسية إلى أنه في عام 2013 ازداد الطلب على الأسلحة الروسية في إفريقيا، حيث وقّعت روسيا عقودًا لصفقات أسلحة جديدة تجاوزت 1.5 مليار دولار مع كل من أنجولا وناميبيا وغانا ومالي.
ومما يجدر ذكره أن روسيا قامت في عام 2017 بتوقيع العديد من الاتفاقيات العسكرية مع دول إفريقية مثل النيجر، وتشاد، ونيجيريا. وقد سبق ذلك توقيع اتفاقيات عسكرية مع الكاميرون وبنين ورواندا وموزمبيق وتونس. وفي بداية عام 2018 تم توقيع اتفاقيات للتعاون العسكري التقني مع غينيا وتنزانيا وإثيوبيا، أما شركاء روسيا التقليديون في إفريقيا كأنغولا مثلًا فلا تزال المعاهدات الموقَّعة في التسعينيات من القرن الماضي مفعّلة ومستمرة.
علاوة على ذلك، تشارك روسيا بأعداد كبيرة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في جمهورية الكونغو الديمقراطية والصحراء الغربية وسيراليون وإثيوبيا وإريتريا وساحل العاج والسودان وجنوب السودان، إضافة إلى كوت ديفوار وليبيريا، ويفوق عدد جنود حفظ السلام الروس في إفريقيا عدد أولئك القادمين من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
5- العلاقات الثقافية
تلعب المراكز الثقافية الرُّوسِيَّة دورًا في تعزيز الوجود الرُّوسِيّ في المنطقة؛ حيث أنشأت روسيا العديد من المراكز الثقافية في عدد من الدول الإفريقية، وأرسلت نخبة من مثقفيها من أجل تدريس وتعليم اللغة الروسية في دول إفريقيا. كما تقوم روسيا بتقديم المنح التعليمية والتدريب للطلبة الأفارقة في الجامعات الرُّوسِيَّة، ففي عام 2017 درس أكثر من 1800 شاب إفريقي في روسيا، وهناك 15 ألف شاب إفريقي يدرسون في روسيا منهم 4000 في مِنَح دراسية مُمَوَّلَة من الحكومة الرُّوسِيَّة، كما أعادت روسيا فتح 40 سفارة ومقرًّا دبلوماسيًّا وبعثات تجارية في إفريقيا.
ختامًا، يمكن القول إن الدوافع الروسية في التوجه إلى إفريقيا لا تتوقف عند حدود المصالح الاقتصادية، ولكن تحكمها أيضًا توجهات سياسية وعسكرية. وفي هذا الشأن، تمثل قمة روسيا-إفريقيا فرصة جيدة لتعزيز التعاون الثلاثي المصري الروسي الإفريقي، في إطار تكثيف الجهود الروسية للتقارب مع إفريقيا، لذلك يمثل نجاح القمة نقطة انطلاق أساسية تستطيع الدول الإفريقية من خلالها الاستفادة من الاستثمارات الروسية في إطار تعدد الشركاء الدوليين للقارة بما يحقق أولويات القارة الإفريقية في الأمن والتنمية.