لم يطلب “نتنياهو” زعيم حزب الليكود (الحاصل على 32 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة للكنيست) من رئيس إسرائيل “رؤوفين ريفلين” تمديدًا ثانيًا للمهلة القانونية (14 يومًا) لتشكيل حكومة ائتلافية إسرائيلية، بعد فشله في المهلة الأولى (28 يومًا) لثلاثة أسباب؛ السبب الأول هو حصول معسكر اليمين على 55 مقعدًا فقط، مما وضع “نتنياهو” في مأزق تفاوضي مع تكتلات حزبية منافسة. والثاني هو تصميم حزب “أزرق أبيض” (بزعامة “بيني جانتس”) على عدم الجلوس في مفاوضات تضم أحزابًا يمينية؛ لإدراكهم ضعف موقف “نتنياهو” السياسي والقضائي الذي لا يقابله تساهل في الشروط، إذ يحرص “نتنياهو” في كل جلسة تفاوضية على التمسك برئاسة الحكومة. والسبب الثالث والأخير هو رفض حزب “يسرائيل بيتينو” بزعامة “أفيجدور ليبرمان” (الحاصل عن 8 مقاعد) الانضمام إلى حكومة ائتلافية لا تمثل وحدة وطنية.
وبالتالي، دفع هذا الفصل الأول من المشهد السياسي الإسرائيلي بكافة تعقيداته رئيس إسرائيل إلى تكليف “المرشح الثاني” (طبقًا للقانون العام) وهو زعيم “أزرق أبيض” “بيني جانتس” بمهلة تمتد إلى 28 يومًا لتشكيل حكومة ائتلافية، موصيًا “جانتس” بالدفع باتجاه تشكيل حكومة موحدة تضم حزب الليكود. وتجدر الإشارة إلى أن حزب “أزرق أبيض” يعتبر على رأس معسكر الوسط واليسار بمجموع مقاعد يبلغ 44 مقعدًا.
وانتهى هذا الفصل (الأول) بتصميم “نتنياهو” على خلق صورة ذهنية عامة، وهي اعتبار حزبه (أي الليكود) هو رأس التكتل اليميني المتشدد (الذي يضم 55 مقعدًا)، وتصميمه كذلك على الدخول في مفاوضات باسم كافة أحزاب التكتل.
فرص نجاح “جانتس” في تشكيل حكومة إسرائيلية
أظهر “جانتس” فور تكليفه تشكيل الحكومة انفتاحه على جميع الأحزاب الإسرائيلية اليهودية وغير اليهودية (غير اليهودية أي حزب القائمة المشتركة الذي حصل على 13 مقعدًا)، وهو ما اتضح في طلبه من حزب الليكود (أي نتنياهو) الجلوس للتفاوض حول تشكيل حكومة موحدة، ولم يستبعد “جانتس” انضمام القائمة المشتركة في الحكومة، لكن مع الحرص الشديد من جانبه على عدم إظهار أي مواقف سياسية تتقاطع مع القائمة المشتركة.
ويبقى أمام “جانتس” الوقت لتشكيل حكومة ائتلافية أيًّا كانت، سواء “حكومة ضيقة”، أي حكومة وسط-يسار بالإضافة إلى القائمة المشتركة، أو “حكومة موحدة” تجمع الأحزاب: أزرق أبيض، والليكود، ويسرائيل بيتينو، والعمل-جيشر. وبالتالي يصبح مجموع مقاعدها 78 مقعدًا. وفيما يلي تفصيل أكثر لفرص هذين السيناريوهين.
1- تشكيل “حكومة ضيقة”: يُعد هذا السيناريو هو أسهل وأسرع البدائل الممكنة أمام “بيني جانتس”، بحيث يتم تشكيل حكومة تجمع الأحزاب المنضوية تحت تيار الوسط-يسار والتي يبلغ عدد مقاعدها (44). لكن يجب أن يشمل ذلك دعمًا خارجيًّا من العرب، أي دعم “القائمة المشتركة” التي من الضروري أن تصوت على ثقتها لهذه الحكومة في الكنيست، في ضوء امتناع “ليبرمان” المتوقع عن التصويت نظرًا لموقفه المتحفظ على عدم تشكيل حكومة موحدة. في هذه الحالة سيبلغ مقاعد الحكومة 57 مقعدًا.
ومع افتراض تحقق الاعتبارات السالف ذكرها، لكن ذلك لا يعني استقرار “الحكومة الضيقة”، حيث تكمن صعوبة هذا السيناريو في هشاشة الحكومة أمام اصطفاف متزمت من المعارضة التي ستتمثل حينها في حزب الليكود والأحزاب اليمينية المتشددة. وبمجرد فتح أكثر الملفات حرجًا -مثل ملف التجنيد- ستسقط الحكومة وتدخل في دوامة الانتخابات مجددًا.
2- تشكيل حكومة موسعة: ويقوم هذا السيناريو على نجاح “جانتس” في جذب حزب يميني إلى مفاوضات تشكيل الحكومة، لتحقيق هدفين؛ الأول: هو فك التكتل اليميني الذي يجمع الليكود والأحزاب المتشددة عبر جذب حزب واحد أو اثنين للمفاوضات، ومن ثم تشكيل الحكومة. الهدف الثاني: هو تعظيم فرص استقرار الحكومة المستقبلية في الكنيست.
لكن تبقى هنا ضرورة الإشارة إلى رفض زعيمي حزب اليمين الجديد “إيليت شاكيد” ويهودات هتوراه “يعكوف ليتسمان” الموافقة على اجتماع يجمع كل واحد على حدة مع “جانتس”. وقال “شاكيد”: “إن المفاوضات ستجري فقط من خلال الليكود الذي يمثل الكتلة اليمينية”.
ويدفعنا ذلك إلى تناول فرص نجاح أو تعثر تشكيل حكومة إسرائيلية موحدة، خاصة بين حزبي أزرق أبيض والليكود.
فرص نجاح أو تعثر قيام حكومة موحدة
يتأرجح سيناريو تشكيل حكومة موحدة أو حكومة وحدة وطنية بين الممكن والصعب، ويمكن عرض فرص النجاح أو التعثر فيما يلي:
1- عقبات تشكيل حكومة موحدة
تنحصر هذه العقبات في مجموعة من الاعتبارات، أبرزها: تصميم “نتنياهو” على “تشبيك” كافة الأحزاب اليمينية المتشددة في تكتل واحد يتحرك باسمه، وتشجيع هذه الأحزاب على ترسيخ هذا الموقف أمام الرأي العام الإسرائيلي و”بيني جانتس” في مفاوضاته.
وفي حال افتراض موافقة الليكود على نظرية “التناوب على رئاسة الحكومة” داخل حكومة موحدة؛ فإن “نتنياهو” يتمسك بتقلد منصب رئيس الحكومة في دورتها الأولى؛ لمعالجة التحديات القانونية والقضائية التي تلاحقه بمستوى رسمي عالٍ.
2- محفزات تشكيل الحكومة الموحدة
بالنظر إلى المؤشرات والاعتبارات السابق ذكرها والتي تصف حجم الأزمة التي يشهدها الواقع السياسي في إسرائيل، تتبقى لنا مجموعة من المحفزات تنحصر في فرصتين اثنتين فقط، هما:
أ- “الضغط الأمريكي”: إذ أعلن المسئول الأول عن صفقة القرن في الإدارة الأمريكية “جاريد كوشنر” نيته زيارة إسرائيل مع وفد يضم وزير الخزانة الأمريكية؛ بهدف التوسط بين “نتنياهو” الذي سيجلس معه وزير الخزانة بمفرده، و”بيني جانتس” الذي سيجلس معه “جاريد كوشنر” في مشهد غير مسبوق؛ وذلك من أجل التوصل إلى حل وسط لتشكيل حكومة موحدة.
وهنا نشير إلى أن الإدارة الأمريكية تنوي الإسراع في الإعلان عن الشق السياسي لصفقة القرن، والعامل الرئيسي في تمرير الصفقة هو الضغط الأمريكي بتشكيل حكومة مستقرة، وطرح مقترحات يمكن أن يقبلها الطرفان، خاصة فيما يتعلق بالتناوب على الحكومة.
ب- “إدانة نتنياهو”: بعد النظر في المستجدات الأخيرة المتعلقة بالقضية رقم 3000، والتهديدات التي لاحقت شاهد الملك في القضية من قبل “نتنياهو” بقوله: “سألاحقك بكافة الطرق الممكنة”، فلا يمكن استبعاد سيناريو إدانة “نتنياهو” في هذه القضية، وبالتالي تآكل وزنه السياسي في أي جلسات تفاوض مع “بيني جانتس”، الأمر الذي يزيد من فرص التوافق بين “جانتس” والليكود على تشكيل الحكومة.
ختامًا، يتبقى في النهاية التأكيد على مجموعة من النقاط، هي:
1- تصل فرص نجاح أو تعثر تشكيل حكومة موحدة إلى حالة من التعادل الذي لا يغلب أي سيناريو حتى اللحظة الراهنة، إلا في حال زادت الولايات المتحدة من ضغطها على الطرفين من أجل الوصول إلى حل.
2- أيًّا كان شكل الحكومة الإسرائيلية القادمة، ورغم التجاذبات السياسية بين الكتل الحزبية؛ إلا أنها تتفق على مجموعة من النقاط الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بمستقبل الفلسطينيين، مثل: فرض السيادة على غور الأردن، وقضية القدس، واللاجئين، وعدم حل المستوطنات.
3- في حال فشلت كافة الخيارات والسيناريوهات المتاحة، فلا يتبقى أمام الإسرائيليين سوى الذهاب (مرة ثالثة) إلى انتخابات عامة لتشكيل الدورة الـ23 للكنيست، وهو السيناريو الذي يفضله “نتنياهو”، بل ويمهد له من خلال ربط حزبه بمجموع الأحزاب اليمينية المتشددة، وبالتالي الدخول في انتخابات تقوده إلى الحصول على عدد أكبر من المقاعد. كما ستمهد لـ”نتنياهو” الجلوس على مقعد رئيس الوزراء حتى أبريل 2020 (بالتحديد في 31 مارس 2020 وهو موعد عقد الانتخابات الجديدة في حال الوصول إليها).
4- أن فشل “جانتس” في تشكيل الحكومة سيدفع رئيس إسرائيل إلى إعلان حل الكنيست في دورته الـ22، والذهاب إلى الانتخابات العامة دون تكليف مرشح ثالث.