يصدر تقرير التنافسية في العالم عن المنتدى الاقتصادي العالمي سنويًّا، ويقوم التقرير بتقييم الاقتصادات من حيث تنافسيتها في العديد من المجالات. وقد بدأ إصدار التقرير في عام 1979، وشهد العديد من التطورات ليصل إلى شكله النهائي المعروف حاليًّا. ويقوم التقرير بوضع مؤشر مركب يهدف إلى تقييم مستوى تنافسية الاقتصادات مع التركيز على العوامل التي تساهم في كفاءة وفعالية الإنتاجية الكلية للاقتصاد وتسعى لتحقيق نمو طويل الأجل. وتشمل الركائز الأساسية للمؤشر: المؤسسات والبنية التحتية، والاستعداد التكنولوجي، وسياق الاقتصاد الكلي، والصحة، والتعليم، والمهارات، وسوق المنتجات، وسوق العمل، والنظام المالي، وحجم السوق، وديناميكية الأعمال، والقدرة على الابتكار. ويتضمن المؤشر 103 مؤشرات فردية تمثل مجتمعة 12 ركيزة السابق ذكرها، وهذه المؤشرات يتم تقييمها باستخدام مقياس من 0 إلى 100، حيث يعتبر رقم 100 الحد الأقصى ويمثل القيمة الكبرى للمؤشر، ووفقًا لهذا التقييم يتم ترتيب الدول من الأعلى أي الأول، إلى الأسوأ أي الأخير. ويأخذ الترتيب رقم من 1 (الأفضل) إلى 141 (الأسوأ) مع مراعاة أن الترتيب الأدنى يختلف بناء على عدد الدول المدرج بالتقرير.
أبرز نتائج تقرير 2019
بلغ متوسط معدّل نقاط الاقتصادات البالغ عددها 141 اقتصادًا التي شملها التقرير 60.6 مقابل 60 نقطة لعامي 2019 و2018 على التوالي. ويبلغ النمو الحقيقي للتنافسية 1.3 نقطة بالاعتماد على المتوسط 135 دولة المدرجة بالتقريرين عامي 2019 و2018 مما يشير إلى ارتفاع في تنافسية الدول عمومًا. وبالنسبة لأداء الدول الأهم في التقرير فقد بلغ أعلى قيمة في دولة سنغافورة بقيمة 84.8 مقابل 83.5 نقطة عامي 2019 و2018 بارتفاع قدره 1.3 نقطة لتتخطى الولايات المتحدة التي تراجعت للمركز الثاني، حيث سجلت 83.7 نقطة مقابل 85.6 نقطة لنفس الفترة بتراجع قدرة 1.9 نقطة. بينما استمرت دولة التشاد في المرتبة الأخيرة 141 بمتوسط نقاط 35.1 مقابل 35.5 العام الماضي مما يعني أن التشاد تأتي في المركز الأخير وفي الآن نفسه تراجعت مقارنةً مع العام السابق. ويوضح الشكلان التاليان أفضل الدول أداءً خلال عام 2019، والمدرج التكراري للدول داخل الشرائح المختلفة، على الترتيب.
المصدر: من إعداد الباحث بناء على بيانات من تقرير التنافسية العالمي.
يتضح من الشكل السابق أن عدد الدول التي تأتي في الفئة (30 – 40) قد انخفض من 8 دول إلى 6 دول، مما يعني تحسنًا في الدول الأكثر تراجعًا في مؤشرات التنافسية، وكذلك ارتفع عدد الدول التي حصلت على أكثر من 80 وأقل من 90 درجة إلى 12 دولة مقابل 11 العام السابق، وهو دليل على نفس الاتجاه في تحسن التنافسية. وبالنسبة للشرائح بين (50-60) و(60-70) فقد أشارت التغيرات إلى زيادة عدد الأخيرة على حساب الأولى لترتفع من 34 دولة في عام 2018 إلى 39 دولة في عام 2019، مما يعزز من تنافسية الدول عمومًا، ويشير في حقيقة الأمر إلى أن العديد من الدول تعمل جاهدةً على تحسين مستوى تنافسيتها الاقتصادية.
وتشير نتائج التقرير إلى عدة نقاط مهمة:
1- تزايد المخاوف من مخاطر الركود الاقتصادي، وذلك نتيجة ارتفاع المخاطر الجيوسياسية والحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك الضبابية التي تهيمن على النمو في قارة أوروبا في ظل استمرار الاختلالات الهيكلية المتباينة بين الدول الأعضاء، وكذلك موقف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
2- شهدت دول إقليم جنوب الصحراء في إفريقيا تحسنًا ملحوظًا خلال عام 2019، حيث حسّنت 25 دولة من أصل 34 دولة من نقاطها؛ إلا أن هذه الدول ما تزال تعاني من تأخر في مجال التنافسية، حيث يحتوي الإقليم على 26 من أسوأ 30 دولة في العالم. وكذلك هناك تباين واضح في الأداء بين تلك الدول.
3- استفادة بعض الدول من الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، مثل سنغافورة وفيتنام.
4- تُعتبر تكنولوجيا المعلومات من المجالات التي شهدت تحسنًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، فبعد أن أقرّ تقرير التنافسية للعام الماضي أن المجال بحاجة إلى المزيد من العمل في العديد من الدول التي كانت تُعاني من نقص في تبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حيث كان محور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات هو العنصر الأسوأ أداءً أو قبل الأخير لعدد 57 دولة في عام 2018، إلا أنه خلال عام 2019 تحول القطاع ليصبح السبب الرئيسي في تقدم التنافسية العالمية خلال العام.
شكل يوضح الفجوة التنافسية بين الدول على المستوى الإقليمي
حالة الدول العربية في عام 2019
شهدت الدول العربية طفرة خلال عام 2019، حيث هيمن التحسن عليها جميعها باستثناء 3 دول هي عمان ولبنان والأردن، وجاءت الإمارات في الترتيب الأول عربيًّا (25 عالميًّا) تبعتها كلّ من قطر (29 عالميًّا) والمملكة العربية السعودية (36 عالميًّا). أما البحرين، التي شهدت تحسنًا بمعدّل خمس نقاط، فقد جاءت في الترتيب الرابع إقليميًّا (45 عالميًّا)، تبعتها الكويت التي شهدت التقدم الأكبر ضمن شقيقاتها من الدول العربية بمعدّل ثماني نقاط (46 عالميًّا).
وتراجعت تنافسية سلطنة عمان بمعدل ست نقاط لتحتل الترتيب السادس إقليميًّا (53 عالميًّا)، تتبعها الأردن التي تحسّنت بمعدل ثلاث نقاط (70 عالميًّا)، أما المغرب فحافظت على ترتيبها العام (75 عالميًّا) وبقيت بلا حراك تمامًا كجارتها تونس (87 عالميًّا). وتراجع الأداء اللبناني بمعدّل ثماني نقاط، ليتراجع معدلها العام (88 عالميًّا).
موقف مصر في تقرير التنافسية العالمي
شهدت مصر تحسنًا ملحوظًا في أكثر من 60 مؤشرًا من أصل 103 مؤشرات فرعية، ليتحسن تقييمها الكلي بمقدار نقطة واحدة ليصبح 54.5 مقابل 55.5 في العام الماضي، لتحل في المرتبة 93 مقابل 94 العام الماضي. ويوضح الشكل التالي أهم التغيرات.
– بلغت قيمه الركيزة المؤسسية 51 مقابل 48 العام الماضي لتصبح في المركز 82 مقابل 102 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة البنية الأساسية 73 مقابل 70 العام الماضي لتصبح في المركز 52 مقابل 56 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات 41 للعامين لتتراجع مصر للمركز 106 مقابل المركز 100 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة الاستقرار الاقتصادي 45 مقابل 51 العام الماضي لتأتي مصر في المرتبة 135 للعام الثاني على التوالي.
– بلغت قيمة ركيزة الصحة 65 مقابل 69 لتتراجع مصر للمركز 104 مقابل 99 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة المهارات 54 مقابل 53 لتأتي مصر في المرتبة 99 للعام الثاني على التوالي.
– بلغت قيمة ركيزة سوق الإنتاج 51 مقابل 48 العام الماضي لتصبح في المركز 100 مقابل 121 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة سوق العمل 49 مقابل 46 العام الماضي لتصبح في المركز 126 مقابل 130 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة النظام المالي 56 مقابل 52 العام الماضي لتصبح في المركز 92 مقابل 92 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة حجم السوق 74 مقابل 73 العام الماضي لتصبح في المركز 23 مقابل 24 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة ديناميكية الأعمال 56 مقابل 54 العام الماضي لتصبح في المركز 95 مقابل 97 العام السابق.
– بلغت قيمة ركيزة القدرة على الابتكار 40 مقابل 38 العام الماضي لتصبح في المركز 61 مقابل 64 العام السابق.
وهكذا يتبين أن:
– أفضل الركائز التي حققت مصر فيها ترتيبًا مرتفعًا هي: البنية التحتية وحجم السوق، بينما حازت ترتيبًا تاليًا في ركيزتين هما: استقرار الاقتصاد الكلي، وسوق العمل.
– رغم تحسن ترتيب مصر في الركيزة المؤسسية، إلا أننا ما زلنا في مرتبة متأخرة نسبيًّا، ويأتي الإرهاب كأحد أثقل الأعباء على المؤسسات المصرية حيث أسوأ ترتيب بالمؤشرات الفرعية هو مؤشر نسبة الحوادث الإرهابية، حيث احتلت مصر الترتيب 136 عالميًّا، بينما كان أفضل مؤشرات الأداء هو مؤشر استجابة الحكومة للتغيير حيث احتلت مصر المرتبة 23 عالميًّا.
– تراجع ترتيب مصر في ركيزة الصحة بنحو 4 مراكز، أما ركيزة التعليم والمهارات فقد ظلت مصر في نفس الترتيب عالميًّا وهو 99، وتمثلت أسوأ المؤشرات الفرعية في ركيزة التعليم والمهارات في مؤشر مهارات الخريجين؛ حيث احتلت مصر الترتيب 133 عالميًّا، يليه جودة التدريب المهني في الترتيب 129 عالميًّا، في حين كان أفضل المؤشرات هو مؤشر المهارات الرقمية بين السكان النشطين، حيث تأتي مصر في الترتيب 44 عالميًّا.
– تقدمت مصر 4 مراكز في ركيزة سوق العمل، وجاء أفضل المؤشرات الفرعية، وهي المرونة في تحديد الأجور في الترتيب 14 عالميًّا، بينما كان أسوأ المؤشرات الفرعية هو الأجور والمرتبات التي تتقاضاها النساء (نسبة للذكور) في الترتيب 131 عالميًّا.
– كان ترتيب مصر في ركيزة حجم السوق هو الأفضل في كافة الركائز الأساسية في المرتبة 23 عالميًّا، متقدمة مركزًا واحدًا عن العام الماضي.
– ارتفع ترتيب مصر في ركيزة ديناميكية الأعمال بنحو مركزين، وجاء مؤشر نمو الشركات المبتكرة كأفضل المؤشرات الفرعية 29 عالميًّا، في حين تمثلت أسوأ المؤشرات في مؤشر تكلفة بدء العمل التجاري، حيث احتلت مصر الترتيب 124 عالميًّا.
– تقدمت مصر 3 مراكز في ركيزة القدرة على الابتكار، وجاء أفضل المؤشرات في تنوع القوى العاملة في الترتيب 12 عالميًّا، وتمثلت أسوأ المؤشرات في طلبات الحصول على العلامة التجارية في المركز 101 عالميًّا، تليها طلبات الحصول على براءات الاختراع (تطبيق/ مليون من السكان) في الترتيب 92 عالميًّا.
ونتيجة لمنهجية التقرير فإن نتائجه تعكس الأوضاع منذ نحو عام تقريبًا، ولم تعكس النتائج الاقتصادية الإيجابية التي تحققت حديثًا، حيث شهدت الأسس الاقتصادية تحسنًا ملحوظًا مؤخرًا، حيث انخفض المعدل السنوي للتضخم العام إلى 4.6% في سبتمبر 2019 مقارنة بمعدل 7.5%، 8.7%، 9.4%، 14.1% في الشهور الأربعة السابقة من العام نفسه بالترتيب. ويرجع تراجع معدلات التضخم إلى مجموعة من العوامل، منها: عامل فترة الأساس، وتراجع سعر صرف الدولار خلال الفترة من مارس 2017 إلى يوليو 2019 من 18.30 جنيهًا إلى 16.55 بنسبة 9.5%، والسيطرة على معدل نمو السيولة المحلية مما يحد من الضغوط التضخمية، حيث استقر معدل نمو السيولة المحلية خلال الربع الثاني من عام 2019 بعد أن سجل أدنى معدل له في 6 سنوات خلال الربع الأول من عام 2019، وذلك نتيجة لسياسة الضبط المالي للسياسة المالية للدولة والسياسة النقدية التقييدية التي اتّبعها البنك المركزي المصري.
المصدر: البنك المركزي المصري
كما استطاعت الموازنة العامة تحقيق فائض أولي للعام الثاني على التوالي، كما تراجعت مُعدلات الدين العام إلى المنطقة المسموح بها من ناحية، حيث حدث انخفاض مُقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، يُضاف إلى ذلك ارتفاع قُدرة مصر المتُزايدة على الوفاء به في ضوء ارتفاع الاحتياطي النقدي من العُملات الأجنبية من ناحية أخرى، وارتفاع التصنيف الائتماني الحكومي المصري مع استمرار النظرة الإيجابية للاقتصاد المصري من جانب مؤسسات التصنيف الدولية. وقد سجل الفائض الأولي للموازنة العامة للدولة ارتفاعًا ليصل إلى 58.2 مليار جنيه (1.1% من الناتج المحلي الإجمالي) في الفترة (يوليو- مايو 2018/2019)، من 1.9 مليار جنيه (0.04% من الناتج المحلي) خلال الفترة ذاتها من العام السابق. كما انخفض العجز الكُلي للموازنة إلى 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة (يوليو- مايو 2018/2019)، من 7.6% خلال العام السابق. وتوضح الأشكال التالية أهم مؤشرات الموازنة العامة والمستهدفات وفقًا لموازنة 2019/2020.
وتشير هذه المؤشرات إلى تراجع الاختلالات الهيكلية على مستوى كلٍّ من السياسة النقدية والسياسة المالية، ولم يتم الإعلان عن تلك التغيرات خلال الفترة التي يغطيها التقرير.
مع ذلك، يمكن القول إن التقرير يُعد حافزًا لتحديد نقاط الضعف للعمل على إصلاحها. فرغم التحسن المستمر في ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمية، إلا أن الوضع يقتضي تكاتف جهات الدولة للتوصل إلى وضع خطط لتحسين الأداء في ظل بيئة عالمية تتسم بقدر عالٍ من التنافسية بين الدول على جذب الاستثمارات، خصوصًا في ظل فجوة الموارد التي تعاني منها مصر والتي بلغت في المتوسط 10% تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الثلاث الماضية، ولا سيما بسبب تراجع معدلات الاستثمار الأجنبي، حيث بلغ 5.9 مليارات دولار فقط خلال عام 2018/2019 متراجعًا بنسبة 23% مقارنة بالعام السابق، مما يضغط على الدين الخارجي ويهدد الاستمرارية المالية لجهود الإصلاح الاقتصادي والتنمية الشاملة.