كثير من كتابنا ومسؤولينا يتحدث عن الشباب أو يتحدث إليهم دون أن يعرف حقيقة آرائهم ومواقفهم. هذه الفجوة المعرفية تزداد مع تزايد الفجوة العمرية بين الكبار والشباب، والتى أحيانًا ما لا يشعر بها الكبار.
العديد من دول العالم تلجأ إلى استطلاعات الرأى للتعرف على رؤى الأجيال الشابة، وقد عرضت فى مقالات سابقة لنتائج عدد من هذه الاستطلاعات، والتى أجريت بشكل أساسى على شباب فى الولايات المتحدة والغرب.
اليوم أكتب عن نتائج ما يعرف باستطلاع رأى الشباب العربى، وهو مشروع تقوم به إحدى المؤسسات البحثية الخاصة بشكل سنوى منذ أحد عشر عاما، وأجرى استطلاع هذا العام فى ١٥ بلدًا عربيًا، ومن عينة مكونة من ٣٣٠٠ شاب وشابة، ينتمون للفئة العمرية بين ١٨ و٢٤ عامًا. الاستطلاع الذى نشرت نتائجه منذ أسابيع قليلة، احتفت به العديد من المؤسسات المرموقة، ونظم معهد العلاقات الدولية البريطانى (شاتم هاوس)، ندوة خاصة لمناقشة نتائجه.
استطلاع هـذا العام أشار إلى عدد من الظواهر التى أصبحت حقيقة، منها أن وسائل التواصل الاجتماعـى أصبحت هـى المصـدر السـائد للأخبـار بيـن الشـباب العربـى، حيث ذكر ٨٠٪ ممـن شـملهم الاسـتطلاع أن وسـائل التواصـل الاجتماعـى كانـت اختيارهـم المفضـل، مقارنـة بـ٢٥٪ ممـن شـملهم الاسـتطلاع فـى عـام ٢٠١٥، وأنهم يعتبرون هذه الوسائل أكثر جدارة بالثقة من وسائل الإعلام التقليدية.
كما أوضح الاستطلاع أن ثلاثة من كل أربعة شباب عرب غير راضين عن جودة التعليم فى بلدهم، ويريد أكثر من نصفهم الالتحاق بالتعليم العالى فى الغرب، كذلك أشار غالبية الشباب العرب لسهولة الحصول على المخدرات فى بلدهم وأن تعاطيها فى ازدياد.
استطلاع رأى الشباب العربى تضمن أيضًا عددا من النتائج المثيرة للاهتمام والتى تستحق التوقف عندها، منها موقف الشباب من الدين، حيث ذكر ثلثا المشاركين فى الاستطلاع (٦٦٪) أن الدين يلعب دورا مؤثرا فى المنطقة، ولكن ٧٩٪ أشاروا إلى أن المؤسسات الدينية فى بلادهم تحتاج للإصلاح، وانقسموا بشأن طبيعة تأثير الدين، حيث اتفق ٥٠٪ مع عبارة «أن القيم الدينية فى العالم العربى تعيق تقدمه» فى حين لم يتفق معها ٤٢٪، وهو ما يعكس حيرة جيل يعيش عصر التقدم التكنولوجى والتواصل الحضارى وفى نفس الوقت يتعامل مع مؤسسات دينية لم تطور نفسها.
نتيجة أخرى تستحق التفكير تتعلق بدور الحكومة، فبالرغم من تزايد نشاط القطاع الخاص فى العالم العربى، إلا أن الشباب ما زال يؤمن بدور مهيمن للحكومة، ويذكر غالبيتهم أن من مسـؤولية الحكومـة توفيـر الخدمـات والحمايـة لجميـع المواطنيـن؛ بمـا فـى ذلـك التعليم (٨٩٪)، والرعايـة الصحيـة (٨٨٪)، ودعـم الطاقـة (٨٧٪) والوظائـف (٧٨٪)، والإسـكان (٦٠٪)، بل يعتقـد ثلـث (٣٣٪) الشـباب العربـى أن علـى الحكومـات سـداد ديون جميـع المواطنيـن.
الاستطلاع أشار أيضًا لظاهرة تنامى المشاكل النفسية بين الشباب، حيث يذكر ثلث الشباب أنهم يعرفون شخصا يعانى من مشاكل نفسية، ولكن يرى غالبية الشباب العربى (٨١٪) أنه مـن الصعـب الحصـول علـى رعايـة طبيـة جيـدة لمشـكلات الصحـة النفسـية مثـل القلـق أو الاكتئـاب فـى بلدهـم.
وأخيرا أظهر الاستطلاع أن مطالب وأحلام الشباب العربى ليست متطرفة أو ثورية، ولكنها طموحات جيل واقعى، لا يؤمن بالمثاليات الزائفة أو القادة «الكاريزميين» الذين احتفى بهم آباؤهم.
خلاصة ما سبق هى أننا أمام جيل مختلف، نحتاج أن نعرفه بشكل علمى، ونتعامل معه بناء على ذلك.
*نقلا عن صحيفة “المصري اليوم” نشر بتاريخ ١١ نوفمبر ٢٠١٩