“لدينا عجز 320 ألف معلم”، هكذا صرح الدكتور “طارق شوقي”، وزير التعليم، خلال لقاء تليفزيوني بعد مرور ثلاثة أسابيع من بدء العام الدراسي 2019/2020، ليعلن بعد ذلك عن إطلاق البوابة الإلكترونية للتسجيل للوظائف المؤهلة للعمل بالمدارس الحكومية والخاصة في مصر، وذلك بغرض تعيين 120 ألف معلم وإداري في وظائف مؤقتة خلال العام الدراسي 2019/2020 لسد العجز في أعداد المعلمين. فإلى أي مدى تسهم هذه المبادرة في معالجة الاختلالات الهيكلية في منظومة التعليم؟ وما هو موقعها من خطة إصلاح النظام التعليمي التي بدأت منذ عامين؟ وما هي أسباب التأخر في اتخاذ قرار التعاقد مع كل هذا العدد حتى بعد بداية العام الدراسي؟
فجوة المدرسين
يسهل على أي قارئ لأرقام كتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم أن يدرك الفجوة بين أعداد الطلاب وأعداد المعلمين. فبالرغم من الزيادة الكبيرة في أعداد الطلاب على مدار السنوات الخمس المنقضية، إلا أنها لم تُقابل بزيادة مناسبة في أعداد المعلمين، مما يوسع تلك الفجوة، ويقلل من فرص نجاح المنظومة الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ مع بداية العام الدراسي 2018/2019.
يبلغ عدد المعلمين في المنظومة التعليمية المصرية مليونًا و38 ألف معلم، ما أدى إلى عجز في أعداد المعلمين حجمه 320 ألف معلم وفق تصريحات الوزير “طارق شوقي”. وبتحليل هذه البيانات، يتضح أن الوزارة تستهدف تحسين معدل المعلمين إلى التلاميذ ليصل إلى 16 تلميذًا لكل معلم كما هو الحال في الدول ذات الدخل المرتفع. كما تستهدف سد العجز في التخصصات المختلفة وفي المناطق ذات الحاجة لتقديم الخدمة التعليمية بكفاءة أعلى مما هو قائم بالفعل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن متوسط نصيب المعلم من التلاميذ ارتفع من 23 تلميذًا لكل معلم في 2016 إلى 24 تلميذًا لكل معلم في 2018 وفق إحصاءات البنك الدولي، وهو نفس المعدل في الدول ذات الدخل المتوسط، في حين يصل المتوسط العالمي إلى 23 طالبًا وفق المصدر نفسه. وبالرجوع إلى قاعدة بيانات البنك الدولي يتضح أن نصيب المعلمين من التلاميذ وصل إلى أفضل معدل منذ بداية الألفية الثالثة في عام 2004، عندما بلغ نصيب كل معلم أقل من 22 تلميذًا، ولكن هذا المعدل أخذ في الارتفاع بعد ذلك ليصل إلى أكثر من 27 تلميذًا لكل معلم في عام 2010. ويُعد توقف الحكومة المصرية عن تعيين خريجي كليات التربية منذ 1998، مع الزيادة الكبيرة في أعداد التلاميذ سنويًّا، سببًا رئيسيًّا في اتساع الفجوة بين أعداد المعلمين والتلاميذ.
وقد أرجع وزير التربية والتعليم هذه الفجوة إلى ثلاثة أسباب رئيسية، هي: عدم كفاءة قاعدة البيانات الموجودة في تحديد الاحتياجات من التخصصات والأماكن التي تعاني من العجز، ووجود فجوة تمويلية تمنع تعيين المعلمين اللازمين، والزيادة السكانية الكبيرة التي تضخ زيادة سنوية تُقدر بـ700 ألف تلميذ في النظام التعليمي. وقد نجحت وزارة التربية والتعليم في بناء قاعدة بيانات شاملة تساعد في تحديد الأعداد والتخصصات اللازمة من المدرسين، والأماكن التي هي في حاجة إليها، لكن ما زال عليها توفير الموارد اللازمة لسد فجوة المدرسين، وهو تحد يواجه الحكومة بأكملها، وليس وزارة التربية والتعليم وحدها.
جهود لسد الفجوة
بدأت وزارة التربية والتعليم محاولات تعويض النقص في أعداد المعلمين في العام الدراسي 2015/2016، حين تم الإعلان عن تعيين 30 ألف معلم في تخصصات مختلفة، وبالفعل تم توزيع هؤلاء المعلمين على المحافظات المختلفة لسد العجز فيها. لكن بعد انقضاء عام واحد بدأ المعلمون الجدد في التقدم بطلبات النقل لمحافظاتهم، ولم تَجِد الوزارة سبيلًا إلا الاستجابة لهم وتوزيعهم جغرافيًّا حسب محل إقامتهم، تاركين وراءهم عجزًا جديدًا في المدارس التي كانوا يعملون بها.
وأعادت الوزارة المحاولة في العام الدراسي 2018/2019، حيث تم فتح باب التقديم للمعلمين بنظام المكافأة عن طريق التعاقد المؤقت للفصل الدراسي الثاني، وتم التعاقد مع ما يزيد عن 36 ألف معلم بمكافأة شهرية قدرها 1120 جنيهًا لسد العجز في الفترة من بداية أبريل وحتى نهاية مايو 2019، ولكن الوزارة أنهت التعاقد مع هؤلاء المعلمين بنهاية العام الدراسي، أي بعد شهرين فقط من التعاقد معهم، وهي فترة أقصر من أن تتيح لنا تقييم التجربة، فهل كانت هذه الفترة كافية لتدريب المعلمين الجدد ودمجهم بفاعلية في العملية التعليمية؟ وما هو مستوى الأداء الذي تنتظره الوزارة من المعلمين في مقابل هذا الأجر القليل؟ وهي أسئلة جوهرية لا يوجد دليل على وجود إجابات لها.
على الجانب الآخر، فإن الأمر الملفت للنظر أنه بالرغم من ضآلة الأجر الذي يحصل عليه المدرس المتعاقد، إلا أن عدد المتقدمين لوظائف الوزارة في تزايد، ويرجع ذلك لسببين؛ أولهما: قناعة المتقدمين بأن العمل الحكومي أكثر أمانًا على الصعيد الوظيفي من العمل في مدارس القطاع الخاص. وثانيهما: أن عددًا كبيرًا من خريجي كليات التربية يعتمدون على الدروس الخصوصية كمصدر دخل، أو لا يعملون في قطاع التعليم نتيجة قلة فرص العمل، حيث توقف تكليف خريجي كليات التربية منذ 1998، ويجد هؤلاء في الحصول على وظيفة تدريس بعقد عمل مؤقت فرصة تفتح باب التثبيت في الوظيفة الحكومية بعد ذلك.
ثم أعلن الوزير مرة أخرى في الشهر الماضي وبعد بداية العام الدراسي 2019/2020 عن فتح باب التقدم لتعيين 120 ألف (معلم- إداري- عامل) بنظام التعاقد المؤقت، بعد أن تمكنت الوزارة من توفير مليار و600 مليون جنيه بالجهود الذاتية –وفق تصريح السيد الوزير- للوفاء برواتب هذا العدد. وتضمن الإعلان فتح باب التقدم للوظائف المطلوبة كـ”متطوع”، أي بدون مقابل مادي، ومن المفهوم أن يخفف التطوع من أعباء الرواتب على الوزارة، وإن كان ما زال من المطلوب التعرف على مدى الإقبال على التطوع للتدريس في المدارس الحكومية، ودوافع المتطوعين، بالإضافة إلى تقييم أدائهم للمهام المطلوبة منهم.
ويرى البعض أنه طالما كانت الوزارة على علم باحتياجاتها من المعلمين في التخصصات المختلفة، فكان من الواجب أن يتم الإعلان قبل بدء العام الدراسي بفترة كافية حتى تتم عملية اختيار المعلمين، وتحديد احتياجاتهم التدريبية، والانتهاء من تدريبهم مع بداية العام الدراسي.
شروط موضوعية لإتمام التعاقد
بالاطلاع على شروط التقدم للإعلان، يتضح أن الوزارة تسعى إلى توظيف أشخاص مؤهلين على المستويين الأكاديمي والتربوي، فنجد أنها تشترط أن يكون المتقدم حاصلًا على مؤهل تربوي أو مؤهل عالٍ مناسب إلى جانب مؤهل تربوي لضمان أن يكون من يتم اختياره للتدريس لديه المعارف والمهارات التربوية اللازمة لممارسة المهنة إلى أن تستكمل الوزارة الإطار الوطني للكفاءات الذي يتم وفقًا له تقييم العاملين وترقيتهم. كما تضمنت الشروط أن يكون المتقدم حاصلًا على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي (ICDL) لضمان تمكّنه من مهارات التعامل مع التكنولوجيا داخل الفصل الدراسي وتوظيفها في عملية التعليم والتعلم، بالإضافة إلى ضرورة اجتياز المتقدمين للاختبارات الدولية مثل (التنال- IELTS- DELF- STEM- وغيرها..) لضمان تمكنهم من تخصصاتهم.
جدير بالذكر أن عملية تقييم ملفات المتقدمين تتم إلكترونيًّا، كما أن الذين اجتازوا الاختبارات الدولية من معلمي اللغات والرياضيات والعلوم لن يتم اختبارهم مرة أخرى في تخصصاتهم مثل غيرهم، ويشير ذلك إلى أن عملية الاختيار تسير وفق خطوات علمية ممنهجة يقل فيها التدخل البشري بما يضمن نزاهتها وعدم ازدواجية المعايير وعدم تكرار الإجراءات اللازمة لإتمام التعاقد، وقد يُعد ذلك هو الدافع الذي شجع 211 ألف متقدم على استكمال بياناتهم على البوابة الإلكترونية بعد مرور أقل من أسبوع على الإعلان.
استراتيجية جديدة
اتبعت الوزارة في هذا الإعلان استراتيجية جديدة تُمكّنها من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الراغبين في العمل كمدرسين في الوزارة، بما يزيد من حدة المنافسة بين المتقدمين لاختيار أفضل العناصر في النهاية، فأتاحت التقديم للجميع من خلال البوابة الإلكترونية، ولم تحدد موعدًا لانتهاء التقديم، أي إن التقدم لوظائف الوزارة سوف يكون متاحًا باستمرار، وسوف تختار الوزارة من بين الذين استكملوا مراحل التسجيل والأوراق المطلوبة حسب الحاجة، الأمر الذي يوفر على الوزارة الوقت والجهد في حالة الحاجة إلى التعاقد مع معلمين جدد، خاصة أن بوابة التسجيل ضمن قائمة الراغبين في العمل في وزارة التربية والتعليم تتيح تعديل البيانات، وبالتالي تحديثها، في أي وقت.
لكن بالرغم من جودة هذه الطريقة في جمع وحفظ البيانات، إلا أنه ما زال هناك قصور في سد الفجوة في أعداد المعلمين، لأن التعاقد مع 120 ألف معلم خلال العام الدراسي -وليس قبل بدايته- لا يؤدي إلى النتائج المرجوة، فالمعلمون الجدد يحتاجون إلى التدريب قبل دمجهم في العملية التعليمية وليس أثناء سير الدراسة، بالإضافة إلى أن هذا العدد لا يلبي الاحتياج لسد الفجوة بالكامل، أي إن الوزارة سوف تكون في حاجة إلى التعاقد مع معلمين جدد للعام القادم، وإذا استمر التعامل مع الأمر بنفس الطريقة فإن النتيجة لن تكون مُرضية، ودلالة ذلك هو غياب استراتيجية طويلة الأجل لحل مشكلة العجز في أعداد المعلمين، ويتضح ذلك في تصريحات السيد الوزير بإعلانه عن توفير الوزارة للموارد اللازمة للتعاقد مع المعلمين بالجهود الذاتية، وهل هذه الموارد ستكون متاحة باستمرار، أم سيتم تسريح المعلمين الجدد لعدم وجود موارد مالية للعام القادم؟