مع قدوم الألفية الثالثة بدأت تأثيرات التغيرات المناخية في الظهور، ووضحت معها الحاجة الملحّة لكل دول العالم لتقليل الانبعاثات الكربونية الضارّة، وتقليل الاعتماد على محطات الفحم والوقود الأحفوري، وحتى المحطات النووية، والنظر بجدية نحو المصادر المتجددة للطاقة لتقليل المخاطر البيئية المتزايدة. وشهدت الفترة (2000- 2009) اتجاهًا حكوميًّا ومجتمعيًّا نحو الطاقة المتجددة والحد من الانبعاثات، إلى أن شهد عام 2008-2009 الأزمة الاقتصادية العالمية وهبوط سعر البترول واكتشاف الغاز في أمريكا الشمالية، ووصول سعره إلى 3.3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بعد أن كان 5.85 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في الفترات السابقة، مما أدّى إلى صرف النظر مؤقتًا عن التفكير في مصادر بديلة أعلى تكلفة من المصادر التقليدية للطاقة.
وحتى عام 2010 لم يكن العالم قد حقق سوى نمو طفيف في استخدام طاقتي الشمس والرياح، فبلغ نصيبها حوالي 4% فقط من القدرات العالمية، بل وأقل كثيرًا من حيث الطاقة المنتجة. وحتى ذلك الوقت كانت تكلفة إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة عالية جدًّا، وكان انتشارها يعتمد على الإعانات التي تقدمها الحكومات.
وجاء التحول في بداية العقد الثاني من هذا القرن، فمنذ عام 2010 حتى الآن بلغت الاستثمارات في طاقتي الشمس والرياح ما يزيد على 2.4 تريليون دولار، وأصبحت تمثل ما يزيد على 18% من القدرات العالمية، وهي زيادة كبيرة جدًّا في فترة قصيرة.
تطورات تكنولوجية
لم يكن هذا التحول الكبير ليحدث لولا التطورات التكنولوجية التي أدت إلى تخفيض تكلفة إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة، فقد انخفضت تكلفة إنتاج الكهرباء من الخلايا الشمسية الكهروضوئية بنسبة 81% خلال الفترة من عام 2010 إلى عام 2019، فانخفضت من 304 دولارات لكل ميجاوات/ساعة في عام 2010 إلى 57 دولارًا في عام 2019؛ وحدث انخفاض في تكلفة إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، سواء الأرضية أو البحرية بنسب تعدت 45%، لتبلغ (89-93) دولارًا لكل ميجاوات/ساعة، ولتصبح بذلك أرخص حتى من إنتاج الكهرباء من الوقود الأحفوري.
لقد تنوعت مصادر الطاقة المتجددة وكذلك التقنيات المستخدمة في إنتاجها. على سبيل المثال، هناك تقنيات التوليد من الطاقة الشمسية، والتي إما أن تعتمد على الضوء مثل الخلايا الكهروضوئية PV، أو الحرارة مثل المركزات الشمسيةCSP . هناك أيضًا طاقة الرياح، سواء على الأرض onshore أو على الشواطئ أو البحار off shore . ويعتمد اختيار التقنية المستخدمة في كل مشروع على عدة عوامل، منها: إتاحة الأرض اللازمة، ومعدلات السطوع للشمس، وكذلك سرعات الرياح، فضلًا عن تكلفة الإنتاج لكل تقنية وفرصة تخزين الطاقة.
وتُعد تقنية الخلايا الشمسية الكهروضوئية PV هي الأكثر استخدامًا في هذه المرحلة، حيث أسهمت بالقسم الأكبر من القدرات المضافة عالميًّا. فقد أُضيف في العقد الأخير ما يزيد على 633 جيجاوات من الطاقة المنتجة من الخلايا الشمسية الكهروضوئية، بما يعادل 27 مرة ما تمت إضافته قبل 2009. أما الرياح فقد تمّت إضافة 458 جيجاوات من الرياح البرية. ونظرًا لزيادة التكلفة للرياح البحرية فقد تمّت إضافة 29 جيجاوات فقط منها خلال تلك الفترة. كما حدث توسع كبير في استخدام النفايات والمخلفات لإنتاج الطاقة، حيث تمت إضافة 62 جيجاوات عالميًّا من الوقود الحيوي.
شكل (1): توزيع القدرات المضافة عالميًّا من التقنيات المختلفة خلال الفترة (2009-2019)، جيجاوات
المصدر: تقرير بلومبرج للاستثمارات في الطاقة المتجددة، 2019.
الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة
اتّجه كثير من الدول في منتصف العقد الحالي إلى التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، خاصة مع الانخفاض الملحوظ في التكاليف، فقد بلغ إجمالي الاستثمارات في هذا المجال بنهاية عام 2019 حوالي 2.6 تريليون دولار، موزعة على مشروعات طاقة الشمس والرياح والكتلة الحيوية والمحطات المائية الصغيرة، عدا مشروعات الطاقة الكهرومائية الكبيرة، وهو ما يوضحه شكل رقم (2).
شكل رقم (2): الاستثمارات في الطاقة المتجددة عالميًّا من 2010-2019 (مليار دولار)
المصدر: تقرير بلومبرج للاستثمارات في الطاقة المتجددة، 2019.
وقد أخذت الصين موقع الصدارة في الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة المتجددة، خلال هذه الفترة، حيث بلغت استثماراتها 758 مليار دولار بنسبة تجاوزت 31% من إجمالي الاستثمارات العالمية، تليها الولايات المتحدة بنسبة 14% (انظر شكل رقم 3).
شكل (3): أكثر 20 دولة استثمارًا في الطاقة المتجددة خلال 2010-2019 (مليار دولار)
المصدر: تقرير بلومبرج للاستثمارات في الطاقة المتجددة، 2019.
وقد شهد عام 2018 تطورًا ملحوظًا في القدرات المضافة من الطاقات المتجددة، حتى وصلت إلى 68% من إجمالي القدرات المضافة (أحفوري، نووي، متجددة)، بإجمالي قدرات 167 جيجاوات من الطاقات المتجددة، وبزيادة 7 جيجاوات عن 2017.
وكنتيجة لذلك زادت نسبة مشاركة الطاقات المتجددة في إنتاج الطاقة العالمي من 11.6% عام 2017 إلى 12.9% عام 2018، متفاديًا بذلك حوالي 2 جيجا طن من الانبعاثات الكربونية. ويمكن مقارنة إجمالي الاستثمارات في الطاقة المتجددة عالميًّا مع القدرات المضافة من 2005 حتى 2018 في الشكل (4)، الذي يوضح زيادة قيمة القدرات المضافة من الطاقة المتجددة رغم انخفاض حجم الاستثمارات في عام 2018 عنها في عام 2017 بنسبة 11%، إذ تراجعت الاستثمارات من 325 مليار دولار في 2017 إلى حوالي 288 مليار دولار عام 2018. ولا يرجع السبب في ذلك إلى تراجع الاهتمام بالطاقة المتجددة، وإنما يرجع إلى انخفاض أسعار معدات الطاقة المتجددة، وتحوّل الصين إلى تعريفة التغذية Feed In Tariff في مشروعات الطاقة الشمسية، التي تلزم شركات نقل وتوزيع الكهرباء القومية بشراء الطاقة المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة بناء على شروط وأسعار معلنة مسبقًا، مما أدى إلى زيادة القدرات وتقليل التكلفة.
شكل (4): حجم القدرات المضافة عالميًّا (جيجاوات) والاستثمارات (مليار دولار) خلال الفترة (2005-2018)
المصدر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، 2019.
الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وإفريقيا
تؤكد جميع الدراسات أن منطقة الشرق الأوسط تتمتع بمناخ ممتاز لمشروعات الطاقة المتجددة، وأنها من أكثر الأسواق الواعدة، وذلك لزيادة الطلب على الطاقة في هذه المنطقة، وتوافر المقومات الطبيعية التي تناسب إنتاج الطاقة من المصادر الطبيعية بكفاءة أعلى وتكلفة أقل.
وقد شهد إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموًّا بنسبة 61% بإجمالي استثمارات فاقت 16 مليار دولار عام 2018، كان منها 10 مليارات دولار في مجال الطاقة الشمسية فقط.
وتنفذ بعض الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل مصر والمغرب والسعودية وعمان وتونس، برامج لتركيب الخلايا الكهروضوئية على أسطح المنازل والمنشآت الرسمية، وذلك للمساهمة في خفض تكاليف الطاقة، وضمان إمداد موثوق للكهرباء في المناطق التي تعاني من عدم كفاية الطاقة خلال ساعات الذروة.
شكل (5): حجم استثمارات الطاقة المتجددة في أهم دول الشرق الأوسط وإفريقيا (مليار دولار) في عام 2018، ومعدل النمو في عام 2017
المصدر: تقرير بلومبرج للاستثمارات في الطاقة المتجددة، 2019.
لكن رغم كل هذه التطورات فإن التوجه الإيجابي في قطاع الطاقة المتجددة لا يبدو كافيًا لتحقيق الأهداف البيئية والتنموية العالمية، حيث يمكن للدول إنجاز تقدم أكبر إذا ما خفضت الدعم المالي الذي تضعه في مصادر الطاقة غير النظيفة، وتبنّت سياسات طموحة توفر الظروف التي تسمح بالمنافسة العادلة بين المصادر المتجددة والوقود الأحفوري المكلف والمولد لانبعاثات الكربون.