عقد منتدى شباب العالم دورته الثالثة بشرم الشيخ بمصر خلال الفترة من 14 إلى 17 ديسمبر الجاري. وقد عُقد في هذا الإطار قرابة سبعين ورشة عمل تختص بموضوعات العلوم المستقبلية، ضمن ورش العمل البالغة 120 ورشة، وهي مجموعة العلوم التي تقوم على تحليل انعكاسات التكنولوجيا الناتجة عن الثورة العلمية الحالية، وتؤثر على علاقة الإنسان بالبيئة والطبيعة المحيطة به، وعلاقته بغيره من البشر والأشياء، وعلاقته بالمجتمع الذي يعيش فيه، بل وعلاقته بالدولة التي يعيش فيها وينعم بحمايتها له. ذلك أن التحولات التكنولوجية الناتجة عن هذه الثورة العلمية، وأفكارها، وقيمها وأخلاقياتها، التي يعكف فريق من العلماء على وضعها في إطار قانوني سيكون لها تأثيرها المباشر على الإنسان أينما كان موقعه على سطح الكرة الأرضية، وعليه التأقلم مع هذا الواقع الجديد بكل ما يتيحه من فرص هائلة للتقدم، وعليه أيضًا مواجهة ما يطرحه هذا التقدم من تحديات رهيبة وضغوط سياسية واقتصادية ونفسية واجتماعية على المجتمع نتيجة هذا التحول من مرحلة حضارية كانت تستند إلى الثورة الصناعية الميكانيكية التي بدأت مع تطوير “جيمس وات” للآلة البخارية، إلى مرحلة حضارية جديدة مختلفة تمامًا عنها رغم أنها صناعية أيضًا إلا أنها تستند إلى التحكم في الآلة عن بعد، وهي الآلة التي اكتسبت قدرات على التعامل مع المعلومات الضخمة، واستقبالها وتحليلها، وأصبح في مقدورها اتخاذ القرار المناسب، بل وتنفيذه.
أهمية منتدى شباب العالم
من هنا اكتسب منتدى شباب العالم أهميته في هذه الدورة تحديدًا، إذ أكد اهتمامه بالمستقبل والدراسات المستقبلية، وهي قضية تحتل أولوية مطلقة لدى الشباب بطبيعة المرحلة العمرية التي يمرون بها من ناحية، وبحكم تمثيلهم لحوالي ثلثي السكان في مصر والمنطقة العربية التي أصبحت أكبر مناطق القلق والتغيير في العالم أجمع، وهما قلق وتغيير ناتجان عن تطبيقات الثورة العلمية أساسا وأسلوب انعكاسها على المجتمع والدولة والاقتصاد، وهذه التحولات هي أحد ميادين أو موضوعات الدراسات المستقبلية في مرحلة ما بعد الحداثة.
أما ثاني أسباب الاهتمام بهذه الدورة تحديدًا للمنتدى فتنبع من تحول المنتدى من محفل لتبادل وجهات النظر إلى مؤسسة معنية بتحقيق التغيير المنتظم، وتحقيق الاهتمام بالشباب بنفس قدر الاهتمام بمستقبل الدولة والمجتمع في عالم يموج بالتغيير السريع العميق والشامل والتفاعلي المتزامن لأول مرة في التاريخ. والدلالة على ذلك الرسائل التي أرسلها السيد الرئيس في الجلسة الختامية للمنتدى للشباب وللسياسيين في جميع الدول. وقد تمحورت هذه الرسائل حول ضرورة الحفاظ على الأمن القومي للدول والمجتمعات، وضرورة الاستماع إلى الشباب في هذه المرحلة من مراحل التغيير.
ويلفت النظر هنا أن الرئيس “السيسي” سبق ووجه من على منبر الأمم المتحدة دعوة لقيادات العالم للاعتراف بمبدأ مهم تناولته في حينه وهو مبدأ حق ملكية الحلول الوطنية للمشكلات العالمية. وتأتي محاور رسائله إلى الشباب والسياسيين في العالم في ختام المنتدى لتؤكد على الدور المهم لضرورة بلورة أخلاقيات جديدة للثورة العلمية الحديثة وتطبيقاتها التكنولوجية، وهي خطوة مهمة لدور مصري جديد.
وثالث أسباب الاهتمام بهذه الدورة للمنتدى العالمي للشباب هو تحويل المنتدى إلى شكل أكثر مؤسسية بتكليف رئيس الوزراء بتشكيل مجموعة وزارية لتنفيذ توصيات المنتدى لأول مرة منذ نشأته، وطلب المشاركة في المنتديات والمؤتمرات العالمية الخاصة، والطلب من الوزراء المختصين إعداد أوراق سياسات عن توصيات المؤتمر وإرسالها من آن لآخر للسيد الرئيس حول إنجازات الشباب في المجالات المختلفة وفقًا للتوصيات الختامية للمنتدى.
ورابع الأسباب لأهمية المنتدى تتمثل في بحث تأثيرات الثورة العلمية على حالة الأمن والسلام العالمي، وهي التأثيرات التي أكدت عدة تأثيرات عالمية، مثل: تأكيد الشكل الشبكي ودور الشبكات في المجال الاجتماعي والمؤسسي للدولة الحديثة، وتصاعد دور الرأي العام العالمي لاستناده إلى الشبكات في صياغته واستخدامه شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت بمثابة وكالات أنباء مستقله لمراسلين منتشرين في جميع أنحاء العالم، وتأثيرات ذلك على الدولة والمجتمع وهو موضوع سبقت مناقشته في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عام 2014 وتجدد مرة أخرى عام 2018 من خلال بحث هذه الدول عن الحجم الأمثل للحكومة، خاصة في ظل تقدم المجتمع على الدولة في إقامة تشكيلات متنوعة من الشبكات.
وخامس هذه الأسباب أن المنتدى أعطى أهمية خاصة في دورته الثالثة لأزمة المناخ، وقدمت إحدى المتحدثات عرضًا مبسطًا سهلًا لانعكاسات التغييرات المناخية بمختلف أبعادها على حياة الإنسان. وكانت ردود فعل الشباب المشارك في الندوة إيجابية جدًّا، فصنعت وعيًا لدى الشباب بمخاطر هذه التغييرات، مما دفع الشباب إلى طرح تساؤلات عديدة حول أفضل المراجع التي تتحدث عن الموضوع بأسلوب يسير، وهو ما يعكس أن المصطلحات العلمية لا تزال عقبةً في هذا المجال.
بعض موضوعات الثورة العلمية وانعكاساتها
كما سبقت الإشارة، فإن موضوعات الثورة العلمية كانت أساس المناقشات في اجتماعات المنتدى إما بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة. ومن أهم هذه الموضوعات الثورة الصناعية الرابعة التي لا يزال العلماء مختلفين حول ملامحها رغم اتفاقهم على جوهرها أو الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها، مثل: الذكاء الاصطناعي، والشبكات والآلات الذكية القادرة على التعامل مع المعلومات الضخمة والتوصل للقرار الأمثل، بل وتنفيذه دون تدخل من الإنسان، ومثل انتشار التطبيقات المولدة للإنترنت في أي زمان ومكان، ومنها الملابس الذكية التي تنقل المؤشرات الصحية للأشخاص بصورة دائمة ومتصلة، ومثل إنترنت الأشياء الذي يعكس الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل تشبيك الإنسان بالمبتكرات التكنولوجية التي يستخدمها الإنسان في حياته اليومية ليصبح اتصاله بالإنسان والأشياء دائمًا ومتصلًا ومتواصلًا، وهو شرط أساسي لتحقيق البيئة الذكية.
كذلك من هذه الموضوعات التحولات الرقمية في الدولة، وتأثيراتها على حالة الأمن والاستقرار العالمي، خاصة في ظل بدء ظهور الأسلحة الذكية وما تثيره من تكهنات قد تكون صحيحة وقد تكون تهويلًا أو تقديرات مبالغًا فيها لبعض الأسلحة مثل القنبلة العرقية أو الإثنية، وهذه أمور ينبغي التحسب لها لدى الكتابة عن مثل هذه الموضوعات، لأن عددًا غير قليل من أساتذة العلوم الإنسانية ارتبطت أسماؤهم بالعديد من المشروعات الفكرية ذات الآثار السلبية على مكونات الثقافة العربية وليس مجرد مقولاتها الرئيسية، وذلك مثل “روزيناو” أشهر أساتذة العلاقات الدولية وارتباطه بفكرة الدين الإبراهيمي المتعارضة أساسًا مع الدين الإسلامي. و”إنجلهارت” أستاذ الاجتماع الأشهر وصاحب الأفكار المتعلقة بالثورة الصامتة، وبث قيم جديدة في المنطقة العربية. ومثل “جوزيف ناي الابن” ودراساته عن القوة.
هذا التحسب المطلوب من الشباب يتم من خلال استعراض مختلف وجهات النظر في الموضوع وليس من خلال ترجمة مقالات يثبت أنها تنطوي على مغالطات مقصودة أو مبالغات غير مقصودة، أي من خلال توسيع ثقافة الشباب وتعميقها.
في هذا الإطار، قام المجلس العالمي للمنتدى الاقتصادي العالمي باستطلاع رأي 800 مدير تنفيذي لأكبر شركات البرمجيات في العالم لمعرفة آرائهم حول مستقبل انعكاسات برمجيات الثورة الرابعة على المجتمع. وفيما يلي نتائج أهم المشروعات المؤثرة على الثورة الصناعية الرابعة واحتمالات تحققها في الموعد المحدد لكلٍّ منها:
أولًا- الملابس المدعومة تكنولوجيًّا: والتطبيق المثالي لإحداث تحولات مهمة في المجتمع هو التليفون المحمول الداعم للملابس، والحديث هنا عن إنتاجه تجاريًّا، وكانت النتيجة أنه بحلول عام 2025 أكد 82% من المديرين أنه سيكون في السوق، وستكون تأثيراته الاجتماعية قد اتضحت. وأهم النتائج الإيجابية له من وجهة نظر المنتدى، هي: الانخفاض المتوقع في نسبة الأطفال المفقودين، وتحسين المستوى الصحي، وتحسين الكفاية الذاتية للجميع، واتخاذ القرار السياسي بصورة أفضل، والتعرف على الصور الذهنية للأفراد، والوصول للمعلومات الشخصية.
أما أهم سلبيات هذا التطبيق فإنها ستتركز في الاحتمالات الواردة أن تتعرف شبكات مجهولة على الملف الشخصي لأي شخص على وجه البسيطة لأي أغراض كانت، وانخفاض أمن المعلومات بشكل عام، وزيادة الهروب والإدمان، وزيادة المربكات أو حالات الفوضى. أما أهم التأثيرات ذات الاتجاهين (سلبية وإيجابية أيضًا في تقديرهم) فيمكن تلخيصها في التحول لحياة أفضل للأفراد، وتغيير طبيعة العلاقات الإنسانية، وتغيير طبيعة التفاعل البشري، وتحديد الزمن الحقيقي للفعل، وأخيرًا التحول الثقافي نحو الذاكرة الخالدة.
ثانيًا- تأكيد وجودنا الرقمي: أكد 80% من المسئولين أن هذا الوجود سيتعزز على الإنترنت كاتجاه عام، بينما أكد 84% أنه بحلول عام 2025 فإن المشروع سيكون قد تم طرحه بالفعل وتكون آثاره الإيجابية قد اتضحت في دعم الشفافية، وزيادة التفاعل في العالم بين الأفراد والجماعات (زيادة سرعة تبادل المعلومات بما يعني زيادة سرعة التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية)، وزيادة الخطابات العامة (أي زيادة فاعلية المجال العام والحكومي)، زيادة تبادل المعلومات واحتمالات عدم اتساقها، وزيادة كفاءة الخدمات الحكومية.
أما السلبيات المترتبة على المشروع، فيتمثل أهمها في اختراق المعلومات الشخصية للأفراد، وزيادة سرقات الهوية (انتحال الشخصية)، وزيادة البلطجة والإجرام على الإنترنت، وتسريب معلومات مغلوطة تمس السمعة والكرامة، وافتقاد الشفافية طالما أن الأفراد في حياتهم الخاصة يفتقدون المعلومات عن اللوغاريتمات واستخداماتها.
أما النتائج غير المعروفة بدقة أو ذات التأثيرات السلبية، فيتمثل أهمها في زيادة المعاملات على الإنترنت، مثل: الوصايا وتسجيل التركات وما يترتب على ذلك من ضرورة وجود البصمات على الإنترنت، وزيادة الإعلانات والمعلومات الموجهة لتحقيق أغراض معينة، وظهور معلومات شخصية لأشخاص غير معروفين (الإرهاب وتمويله والتحويلات النقدية)، وزيادة تطوير الحركات الاحتجاجية وجماعات المصالح عبر الإنترنت.
ثالثًا- توفير 10% من نظارات القراءة مرتبطة بالإنترنت: وقد أوضح 86% من المشاركين في الاستقصاء أنه بحلول عام 2025 سيكون هذا التطبيق منتشرًا في الأسواق. وأهم إيجابيات هذا المشروع الحصول الفوري على أي معلومات من مصادرها مما يدعم عمليات اتخاذ القرار، وتحسين القدرات الذاتية لإنتاج السلع والخدمات على المستوى الاقتصادي وفي المجالات الصحية وخدمات التسليم، وزيادة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع المحلي والعالمي ورفع قدراتهم وفقًا للتجارب العالمية. أما أهم السلبيات فيمكن إجمالها في وجود اضطرابات ذهنية ستؤدي لزيادة عدد الحوادث لعدم التواؤم مع هذه البيئة الذكية، وزيادة الاستغراق في التجربة ستؤدي إلى حالات إغماء، كما أن الجرائم الاجتماعية ستتزايد. أما النتائج ذات الاتجاهات المزدوجة أو غير المعروفة، فتتمثل في ظهور قطاع جديد في مجالات الترفيه، وزيادة التعرف على المعلومات العامة.
رابعًا- نقطة التحول هي ارتداء الملابس المرتبطة بالإنترنت وانتشار الكمبيوتر والكمبيوتر الشخصي العملاق: هذه التطبيقات الثلاثة متقاربة، وتستند إلى الاتصال المتواصل بالإنترنت، فالأبحاث الحالية تتناول إمكانية ارتداء ملابس مولدة للإنترنت ومرتبطة بها وهو مشروع في إطار إنترنت الأشياء، وقد رجح 91% من المبحوثين أن هذه الملابس ستكون في المحلات العامة في 2025.
أما الكمبيوتر المنتشر UBIQUITOS COPUTING فيقصد به سهولة التعامل مع الكمبيوتر في عصر الاتصال المتواصل، ويتم ذلك من خلال المحمول الذكي المزود بخدمات الجيل الثالث والرابع السحابية، وانتشار الكمبيوتر داخل نسيج الحياة في السيارة والمنزل ووسائل النقل والأثاث. وقد أجاب 79% من المبحوثين أن هذا الابتكار سيكون متوافرًا بحلول عام 2025 تجاريًّا، مؤكدين أن 43% من سكان العالم مرتبطون بالإنترنت اليوم. أما فكرة الكمبيوتر السوبر وانتشاره في أيدي وجيوب سكان الأرض فقد أكد المبحوثون أن هذا الابتكار سيكون متوافرًا بحلول عام 2025 بنسبة 81%.
أهم تأثيرات هذه الابتكارات على الحياة العامة هي زيادة المشاركة الاقتصادية، خاصة من سكان المناطق الأقل مشاركة في الدخل القومي للدولة، وزيادة تفاعل السكان مع الخدمات الصحية والتعليمية وكافة الخدمات الحكومية وارتفاع مستواها، وزيادة حجم السوق الاقتصادية للدولة، وزيادة التواجد على الإنترنت بكل ما تحمله من تبعات ونتائج، وزيادة التفاعل مع المعلومات لاتخاذ القرار على كافة المستويات، وظهور وظائف جديدة، مثل: مطوري مهارات استخدام الكمبيوتر، ومطوري تكنولوجيا المعلومات عامة، وزيادة المشاركة المدنية، وإحداث تحولات سياسية مثل انتشار الديمقراطية، والشفافية والاهتمام أكثر بالرأي العام، وشخصنة الملابس، وانخفاض عدد الأطفال المفقودين. أما أهم ملامح التأثيرات السلبية لهذه المبتكرات فتتلخص في تآكل الخصوصية بشكل كبير، وزيادة جرائم البلطجة والإدمان والتأثير السلبي على أمن المعلومات، وزيادة احتكار الرأي العام، والتفتت السياسي للمجتمعات، وظهور جيوب إقليمية تحد من الوصول للمعلومات.
خامسًا- ظهور إنترنت الأشياء وتطبيقاته: أجاب 89% من المبحوثين أنه من المتوقع ظهور إنترنت الأشياء بحلول عام 2025، ومع الزيادة المستمرة لقدرات الكمبيوتر وانخفاض ثمنه، أي ربط أي شيء بالإنترنت، ليصبح الإنسان مرتبطًا تمامًا بأي شيء وبأي إنسان آخر على وجه البسيطة.
مزايا هذا الابتكار تتمثل في زيادة الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة، وارتفاع الإنتاجية وتحسين مستوى الحياة، والتأثير الإيجابي على البيئة، وخفض تكاليف تسليم الخدمات، وزيادة الشفافية حول كميات ونوعية الموارد المتاحة، وكفاءة العمليات الإدارية (اللوجستيك)، وزيادة الحاجة إلى تخزين المعلومات الضخمة، وتحولات في أسواق العمل، وإيجاد فرص عمل جديدة، وزيادة التفاعل في الزمن الحقيقي، وظهور منتجات وخدمات جديدة مرتبطة بالإنترنت، وتزايد المشاركة في الحياة والاقتصاد، وارتباط الأشياء بالبيئة وزيادة توليد المعلومات والمعرفة.
أما أهم سلبيات هذه التكنولوجيات فإنها تتمثل في تآكل الخصوصية أكثر فأكثر، وفقدان الوظائف نتيجة ضعف المهارات القديمة، وأخيرًا زيادة التعقيد في الحياة والحاجة الملحة لزيادة مستويات تحليل الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وهناك مجموعه أخرى من المبتكرات العلمية قائمة على تضخم المعلومات الكبيرة، وضرورة تخزينها لأنها ثروة بشرية والحاجة الملحة لتخزينها، وخاصة بعد تقدم الذكاء الاصطناعي واستخداماته والطباعة المتعددة الأبعاد في الحياة بما في ذلك طباعة أعضاء البشر المختلفة فيما عدا الكلى وتحولات الدراسات العصبية للشبكات، إلا أنني لن أتناولها في هذ المقال وسأفرد لها دراسة مستقله قريبًا.
خاتمة
من العرض السابق يتضح أن لبعض تطبيقات الثورة الصناعية مخاطر عديدة على علاقات الدولة بالمجتمع بصفة عامة، وأنها ستخل بهذه العلاقة لصالح المجتمع، فما بالنا إذا كانت إحدى مشكلات مصر في الوقت الراهن هي تقدم المجتمع على الدولة بخطوتين، هما تشكيله لعدد لا نهائي من الشبكات بفضل مواقع التواصل الاجتماعي التي هي في الأصل مواقع إخبارية وإعلامية وتتناول الهوية والاقتصاد والانتماء، والخطوة الثانية هي تشكيل المجتمع لشبكات من أنماط خاصة ذات أبعاد خاصة، مثل شبكات الاستشعار الإنساني التي عانت مصر منها الأمرين. ولذا أعود مؤكدًا أن التكنولوجيا عبر التاريخ كانت تحمل وجهي الحقيقة مثل أي عملة؛ وجه يعكس الخير وآخر يعكس الشر. ويتوقف الأمر على اختيارات الإنسان في الحياة لتمرير أحد الوجهين أو الاثنين معًا، مما يولد شرًّا قد لا تكون الدولة الوطنية مستعدة له، خاصة أن مهدِّدات الأمن القومي ضمت إلى محاور التاريخ والجغرافيا مهددات اجتماعية بلغت 32 موضوعًا نابعة من الداخل، فوجب التنبيه والاستعداد لذلك. ومن ثم كانت ورش العمل التي أقامها المنتدى والتي قد يكون مفيدًا تجميعها في كتاب أو على الأقل تجميعها للجنة الوزارية التي شكّلها السيد رئيس مجلس الوزراء لمتابعة تنفيذ توصيات المنتدى.
الأمر المهم الذي أوجّه عناية القارئ إليه أنني في هذا المقال تناولت بالتفصيل سبعة تطبيقات تكنولوجية بالتفصيل، والتطبيق الثامن كان إنترنت الأشياء، وكان تناولي له تمهيدًا لتناول باقي الثلاثة والعشرين تطبيقًا –إن كان في العمر بقية- لأن فكرة الاتصال المتواصل أو الدائم بالإنترنت لها تطبيقات مباشرة مهمة على المجتمع، وستزيد من إمكانياته، بينما الدراسات العصبية للشبكات رغم أنها أساس تقدم علم الروبوت، إلا أنها ستؤثر مباشرة على دور الدولة أساسًا، ومن ثم تحتاج معضلة الدولة والمجتمع المشار إليها سابقًا لتركيز أكبر، وهو ما يستدعي دراسة مستقلة في المستقبل، وإن كان الانطباع العام أن المجتمع سيظل سابقًا للدولة، على الأقل لحين تشكيل الدولة لشبكاتها في إطار الإصلاح السياسي المرتقب، وهو ما يدفعني للتوصية بأن تبدأ الدولة بوضع كل من شارك في ورش عمل المنتدى حول الثورة الصناعية الرابعة ومقوماتها في صورة شبكة من شبكات المنتدى ليمكن استثمارها في المستقبل من نواحٍ عديدة، خاصة أن التهديدات الناعمة للأمن يتم تطوير بعض المبتكرات التي تدهمها بشكل مباشر الآن.