يشهد القرن الإفريقي في الشهور الأخيرة تطورات مهمة تتعلق بنمط المواجهة بين حركة “شباب المجاهدين” وقوات مكافحة الإرهاب الوطنية المدعومة إفريقيًّا وأمريكيًّا. وقد عكست هذه التطورات الاتجاهات الجديدة لنشاط حركة الشباب في الصومال والقرن الإفريقي عمومًا، سواء على مستوى المواقع التي تستهدفها العمليات التي يشنها مقاتلو الحركة، أو على مستوى الغايات النهائية من هذه العمليات.
أولًا- هجوم كامب سيمبا والتحولات النوعية لأهداف “حركة الشباب”
في الخامس من يناير من عام 2020 استهدف هجوم لحركة “شباب المجاهدين” الصومالية القاعدة العسكرية المعروفة باسم كامب سيمبا Camp Simba الواقعة في جزيرة ماندا Manda في أرخبيل لامو Lamu Archipelago الواقع شمال الساحل الكيني المطل على المحيط الهندي، وهي القاعدة التي تُعد المركز الأهم للوجود العسكري الأمريكي في كينيا، والتي تعد مركزًا لانطلاق العمليات الأمريكية لمكافحة الإرهاب في جنوب الصومال.
وقد استخدم المهاجمون السيارات المفخخة لاقتحام المنشأة العسكرية والمطار الملحق بها، تمهيدًا لدخول مسلحي الحركة للقاعدة، الأمر الذي أسفر عن إصدار حركة الشباب بيانًا قالت فيه، إنها تمكنت من السيطرة على بعض أجزاء من القاعدة العسكرية لبعض الوقت. وقد أوقع الهجوم ثلاثة قتلى منهم جندي أمريكي واثنان من الأمريكيين المتعاقدين مع وزارة الدفاع، بالإضافة إلى جرح جنديين أمريكيين من العاملين بالقاعدة العسكرية تم إخلاؤهم سريعًا.
وعلى مستوى الخسائر المادية، أسفر الهجوم عن خسائر مهمة في المعدات العسكرية تضمنت تدمير ست طائرات مدنية يتم تشغيلها بواسطة المتعاقدين كانت قابعة في القاعدة الجوية وقت الهجوم، وهي الطائرات التي تستخدم في القيام بمهام الاستطلاع والمراقبة لصالح القوات الأمريكية، فضلًا عن الاعتماد عليها في مهام النقل وإخلاء المصابين من مواقع العمليات التي تنشط فيها القوات الأمريكية والقوات الكينية الحليفة في مواجهة حركة الشباب. كما أدى الهجوم كذلك إلى تدمير عدد غير محدد من المركبات المصفحة وخزانات الوقود التي كانت تستخدمها القوات الأمريكية.
ومن جانبها، أعلنت القوات المسلحة الكينية عن التصدي للهجوم على القاعدة العسكرية في لامو، والذي أسفر عن مقتل أربعة من حركة الشباب على الأقل. وفي وقت لاحق من اليوم نفسه أعلنت السلطات الكينية إلقاءها القبض على ثلاثة أشخاص كانوا يحاولون اقتحام مركز تدريب تستخدمه القوات المسلحة البريطانية في مدينة نانيوكي Nanyuki في وسط البلاد، فيما يشير لمحاولة شن حركة الشباب عددًا من الهجمات المنسقة تستهدف القوات الأجنبية في كينيا.
ثانيًا- الاتجاهات الجديدة لنشاط حركة الشباب في القرن الإفريقي
جاء هجوم حركة الشباب على القاعدة الأمريكية في كينيا ليبلور عددًا من التحولات المهمة في اتجاهات النشاط الإرهابي في القرن الإفريقي، أخذت في التنامي خلال العام الماضي، قبل أن تفصح عن نفسها في صورة شديدة الوضوح جسدها الهجوم على كامب سيمبا. وقد جاءت هذه التغيرات على مستوى اتجاهات ثلاثة يتعلق أولها بالتصعيد غير المسبوق ضد الوجود العسكري الأمريكي في القرن الإفريقي، بحيث يتضمن تنفيذ هجمات تستهدف القواعد العسكرية الأمريكية ذاتها، وهو ما يعكس شكلًا من أشكال التطور عن الهجمات السابقة ضد الجنود الأمريكيين التي عادةً ما كانت تتم في صورة كمائن تستهدف القوافل المتحركة والجنود المنتشرين في مسارح العمليات. كذلك لم تكتفِ حركة الشباب باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في الداخل الصومالي، بل وضعت القواعد في دول الجوار في بؤرة التهديد.
أما الاتجاه الثاني، فيتعلق بتدويل نشاط حركة شباب المجاهدين، بحيث لم يعد ينظر إليها كتهديد محلي يرتبط بالأوضاع في الصومال، وذلك عبر إكساب انتشارها في مختلف دول شرق إفريقيا طابعًا أكثر استدامة وتجذرًا وانتشارًا. فلم تعد الحركة تكتفي في كينيا بتنفيذ العمليات الكبيرة من حين لآخر كتفجيرات “وست جيت”، وجامعة جاريسا، وفندق دوسيت؛ بل باتت تنفذ عمليات متعددة بوتيرة أسرع، خاصة في منطقة لامو، وغيرها من مناطق شمال وشرق كينيا على نحو يعكس قدرة أكبر على الاختراق والسيطرة في بعض الأحيان.
ويرتبط الاتجاه الثالث بالصورة التي تسعى الأدوات الإعلامية لتنظيم الشباب لتصديرها والتي تجعل منه تنظيمًا دوليًّا يحمل رسالة نضالية تتجاوز الواقع في الصومال وحتى في القرن الإفريقي، الأمر الذي يستهدف به الحصول على تأييد أعداد أكبر من المناصرين من المتعاطفين مع نشاط الحركة، خصوصًا في مواجهة الولايات المتحدة، وإن كان ذلك عبر عمليات تحقق نجاحات على المستوى الرمزي تفوق بكثير ما تحققه من نجاح على المستوى العملياتي على أرض الواقع.
وفيما يلي تفصيل لكلٍّ من الاتجاهات الجديدة لنشاط حركة “شباب المجاهدين” الصومالية في القرن الإفريقي.
1- التصعيد ضد الأهداف العسكرية الأمريكية
في ظل التوجهات الأمريكية الملتبسة بشأن الانتشار العسكري في مناطق عديدة حول العالم من بينها القرن الإفريقي، سعت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) إلى تبني سياسة تعتمد على تطوير القدرات النوعية في مواجهة الإرهاب بما يسمح لها بتنفيذ التوجيهات السياسية للرئيس “ترامب” التي تفضل سحب أكبر عددٍ من القوات الأمريكية من مناطق الصراع في العالم.
وتمثّل ساحة عمليات مكافحة الإرهاب في القرن الإفريقي نموذجًا مثاليًّا تمكّنت فيه الولايات المتحدة من الإبقاء على عدد محدود للغاية من القوات المنتشرة على الأرض تَمَثّل في نحو 300 عسكري في كينيا و500 في الصومال، لكن مع ارتفاع كبير في فاعلية الانخراط العسكري الأمريكي، بعدما شهد عام 2019 تصعيدًا في حجم الضربات الجوية التي شنتها القيادة العسكرية الأمريكية على معاقل الحركة ومقاتليها لترتفع حصيلتها السنوية إلى 63 ضربة مقابل 47 ضربة في عام 2018.
أمام هذا التصعيد، كشفت حركة الشباب في الثلاثين من سبتمبر من عام 2019 عن نمط جديد في عملياتها يركز على الأهداف العسكرية الأمريكية الرئيسية، حين هاجم مسلحو الحركة القاعدة الأمريكية الرئيسية في الصومال في بلي دوجلي Belidogle الواقعة بين العاصمة مقديشيو ومدينة بيداوا، والتي تعد أهم مراكز إطلاق القوات الأمريكية للطائرات المسيرة من داخل الصومال. وقد مثل الهجوم نسخة مبكرة تكررت في الهجوم الأخير على كامب سيمبا في كينيا؛ إذ تضمن قيام أحد عناصر الحركة باقتحام بوابة القاعدة العسكرية بشاحنة محملة بكميات كبيرة من المواد المتفجرة، أعقبه دخول مسلحي الحركة للقاعدة واشتباكهم مع القوات بداخلها.
وعلى الرغم من أن الحادث لم يسفر عن وقوع أي خسائر في الجانب الأمريكي؛ إلا أنه حمل أهمية رمزية كبيرة في ظل الدور المهم الذي تلعبه القاعدة والتي شهدت في العام الماضي أعمال تطوير وتوسعة لطاقتها الاستيعابية من الجنود الأمريكيين، كما استضافت في أغسطس 2019 الجنرال “ستيفن تاونسند” قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بعد أقل من أسبوعين من توليه مهام منصبه.
على هذا، يَحمل الهجوم على القاعدة الأمريكية في كينيا أهمية إضافية، في ظل تأكيده حقيقةَ قدرة حركة الشباب على استهداف القواعد الأمريكية داخل الصومال وخارجها، في ظل ما تمثله القاعدة من نقطة انطلاق متقدمة للعمليات الأمريكية، حيث تفصلها عن الحدود الصومالية أقل من مائة كلم. فقد شهدت قاعدة كامب سيمبا والمطار العسكري الملحق بها أعمال توسعة وتطوير كبيرة في الشهور الأخيرة في ظل تزايد الاعتماد عليها في أعمال مراقبة نشاط حركة الشباب في المناطق الجنوبية من الصومال عبر مضاعفة حجم استخدام الطائرات المسيرة المستخدمة بصورة متزايدة في هذا المجال، فضلًا عن استخدام القوات الأمريكية للقاعدة كمركز تدريب للقوات الصومالية والكينية الناشطة في مجال مكافحة نشاط حركة الشباب.
وقد بدأت القوات الأمريكية في استخدام القاعدة العسكرية ومطارها الملحق في كامب سيمبا منذ نحو عشرة أعوام. ومنذ أن أعلن الرئيس “ترامب” جنوب الصومال “منطقة أعمال عدائية نشطة” في عام 2017 انتقلت قيادة القاعدة والمطار إلى القوات الجوية الأمريكية. وفي أغسطس 2019 تم رفع العلم الأمريكي على المطار العسكري في مراسم أعلن من خلالها تحول القاعدة العسكرية الواقعة في جزيرة ماندا إلى “موقع عمليات شبه دائم” بالنسبة للقيادة الأمريكية في إفريقيا.
2- اختراق العمق الكيني بصورة مستدامة
جاء الهجوم على القاعدة الأمريكية في لامو بعدما أثبتت حركة الشباب في الفترة الأخيرة قدرة كبيرة على اجتياز الحدود الكينية واستهداف الداخل الكيني بعمليات إرهابية مؤثرة. فقبل الهجوم بنحو ثلاثة أيام قام مسلحون من حركة الشباب بالهجوم على حافلة ركاب في مدينة نيونجورو Nyongoro بالقرب من مدينة ويتو witu في مقاطعة لامو ذاتها التي تستضيف القاعدة الأمريكية. ومما يشير إلى قوة حركة الشباب في الداخل الكيني ما شهده هجوم نيونجورو من انخراط أكثر من 50 مسلحًا تابعين للحركة قاموا بقطع الطريق على الحافلات المتحركة بين لامو ومومباسا.
وقد سبق الهجوم هجوم آخر مشابه في ديسمبر الماضي وقع بعد قطع مسلحي حركة الشباب الطريق بين مدينتي واجير ومانديرا الكينيتين، وأسفر عن مقتل ثمانية من بينهم رجال للشرطة. وفي منتصف يونيو 2019 شهدت مدينة واجير هجومًا لحركة الشباب باستخدام متفجرات محلية الصنع أوقع ضحايا من قوات الشرطة الكينية قدروا بالعشرات. وقد كان تواتر العمليات الإرهابية في مدن الشمال الشرقي لكينيا سببًا في اتخاذ السلطات الكينية قرارًا بإقالة منسق الشئون الأمنية في الإقليم الشمالي الشرقي مع بداية العام الجديد.
ومنذ مشاركة كينيا في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال عام 2011، أصبحت كينيا مستهدفة بعمليات حركة الشباب، التي كثيرًا ما طالت العمق الكيني عبر هجمات كبيرة كان من أبرزها ما شهده شهر سبتمبر من عام 2013 من هجوم مسلح على مجمع وست جيت التجاري في العاصمة نيروبي الذي أوقع نحو سبعين قتيلًا، والهجوم الذي وقع في ديسمبر من عام 2015 في جامعة جاريسا الذي أوقع قرابة 150 قتيلًا، بجانب الهجوم على فندق دوسيت في العاصمة نيروبي في يناير من عام 2019 الذي خلف 21 قتيلًا.
ويأتي هذا الاستهداف الكبير للداخل الكيني ليعكس رغبة حركة شباب المجاهدين في تخفيف الضغط الذي تمارسه القوات المشاركة في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، من خلال رفع التكلفة الأمنية والسياسية لقرار كل من هذه الدول بالاستمرار في مشاركة قواتها في البعثة الإفريقية في الصومال. فقد جاء الهجوم الأخير على القاعدة الأمريكية في كينيا بعد يوم واحد من إعلان “فرانسيسكو ماديرا” رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال عن اتخاذ البعثة قرارًا بتنفيذ سحب إضافي لقواتها من الصومال، سيشمل ألف جندي في فبراير المقبل، في إطار تنفيذ خطة الانسحاب التدريجي للقوات الإفريقية من الصومال، والتي بدأت في عام 2018 على أن تنتهي في العام المقبل 2021.
ومما أكسب هجمات تنظيم الشباب في كينيا فعالية كبيرة اعتمادها على فرعها المشكل في الداخل الكيني من عناصر محلية، وهو الفرع الذي تأسس عام 2013 ويحمل اسم “جيش الأيمن”، والذي يتخذ من غابة بوني في منطقة لامو الكينية معقلًا له. وقد تأسس الفرع الكيني لتنظيم الشباب على يد “دوبو عبدالعزيز علي” الذي عرف بين أنصاره باسم “المعلم أيمن”. وقد تمكن التنظيم من البقاء محافظًا على قدرة كبيرة من التأثير في الداخل الكيني، خاصة بعد صموده في وجه العملية العسكرية التي قامت بها السلطات الكينية والتي حملت اسم Linda Boni والتي تعني “حماية بوني” في إشارة إلى منطقة تمركز الفصيل المسلح.
ويستغل فرع حركة الشباب في كينيا الواقع المتناقض لمناطق الشمال الشرقي في كينيا، والتي ينتمي غالبية سكانها إلى القبائل الصومالية، إلا أنهم يحملون الجنسية الكينية بعد تمكن كينيا من إنهاء المطالب الصومالية بضم الإقليم في إطار ما عرف بمشروع الصومال الكبير الذي كانت تسعى الصومال لتحقيقه خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. وفي ظل هذا الوضع المعقد، لا يجد تنظيم الشباب نفسه في حاجة لنقل المقاتلين والأسلحة عبر الحدود الكينية الصومالية التي كثيرًا ما تتعرض للإغلاق لفترات طويلة على إثر تصاعد التهديدات الأمنية وكذلك التوترات السياسية بين حكومتي البلدين، حيث تتولى عناصر “جيش الأيمن” تنفيذ ما يُوكل إليها من عمليات تتسق مع التحولات الاستراتيجية في أهداف حركة الشباب على نحو ما كشفت عنه الشهور الثلاثة التي فصلت بين الهجومين على القاعدتين الأمريكيتين في بلي دوجلي الصومالية وفي لامو الكينية.
3- الاستغلال الفعال لمستجدات السياق الإقليمي والدولي
كغيرها من تنظيمات الإرهاب الدولي، طورت حركة الشباب قدرات كبيرة في المجال الإعلامي من أجل الترويج لنشاطها بما يجتذب تأييد قطاعات واسعة من المتعاطفين في الصومال وغيرها من دول شرق إفريقيا. ومن بين الأدوات الإعلامية المهمة التي استخدمتها الحركة محاولة ربط عملياتها في دوائر النشاط التقليدية بالسياق الإقليمي والدولي الأوسع، للظهور بمظهر الفاعل صاحب القدرة على التأثير على مستوى عالمي.
فبعد وقت قليل من وقوع الهجوم على القاعدة العسكرية الأمريكية في كينيا، شنت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بحركة الشباب حملة إعلامية كبيرة لتروج لأنباء عن مقتل الجنرال الأمريكي “ستيفن تاونسند” قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) خلال الهجوم، وهو ما تم نفيه بعد ذلك عبر تصريحات “تاونسند” نفسه الذي أكد سلامته واستمرار التزام بلاده بحرمان حركة الشباب من تأمين أي ملاذ آمن في القرن الإفريقي.
ومما ساعد على انتشار الأنباء بشأن مقتل الجنرال “تاونسند” التصعيد ضد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، والذي دفع البعض للربط بين الهجوم على القاعدة الأمريكية في كينيا وبين تنفيذ التهديدات الصادرة مؤخرًا عن عدد من المسئولين الإيرانيين، الأمر الذي وضع القيادة الأمريكية في إفريقيا في حرج كبير اضطر معه الكولونيل “كريس كارنس” المتحدث باسم أفريكوم للخروج بتصريح إعلامي عاجل نفى فيه أن تكون هناك أي علاقة بين الهجوم الذي تعرضت له القاعدة الأمريكية في كينيا وبين الأحداث المتلاحقة في العراق منذ الهجوم على قاعدة أمريكية ومحاولة اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد وصولًا إلى مقتل قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” بعد ضربة جوية أمريكية في بغداد.
وأكد “كارنس” أن حركة الشباب “لديها أجندتها الخاصة” التي تتضمن “الإضرار بالأفارقة وكذلك بالمصالح الأمريكية والغربية”، نافيًا أي ارتباط على المستوى العملياتي بين الأوضاع في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي؛ إلا أن المتحدث باسم أفريكوم أكد ضلوع إيران في الحملة الإعلامية التي أعقبت الهجوم، معتبرًا وكالة أنباء فارس إحدى الجهات التي روجت للأنباء المغلوطة بشأن مقتل قائد أفريكوم خلال الهجوم.
ولا يُعد هذا الأداء الإعلامي من جانب حركة الشباب المظهر الوحيد لمحاولة استغلال التطورات الإقليمية والدولية لتعزيز مكاسبها من عملياتها المختلفة، حيث روجت الحركة للهجوم الأخير على القاعدة الأمريكية في لامو الكينية باعتباره جزءًا من الحملة التي أطلقتها الحركة منذ نحو عام تحت اسم “القدس لن تُهوّد”، والتي تسعى من خلالها لإكساب عملياتها داخل الصومال وخارجها قدرًا من الشرعية والتأييد الجماهيري بتصويرها كرد على قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ثالثًا- المكاسب الاستراتيجية لحركة الشباب
تعلم حركة الشباب جيدًا أنه ليس بمقدورها الخروج منتصرة من المواجهة العسكرية مع الحكومة الصومالية وحلفائها الإقليميين والدوليين، الأمر الذي يشير إلى الطبيعة السياسية للمكاسب التي تحققها حركة الشباب من عملياتها النوعية التي تستهدف القوات الأمريكية على وجه الخصوص، حيث تستهدف الحركة تأكيد حقيقة مفادها أنه لا يمكن القضاء عليها بالأداة العسكرية، الأمر الذي يعني حتمية التفاوض مع الحركة سياسيًّا من أجل إنهاء حالة الصراع الدائر في الصومال في طوره الأخير منذ عام 2006.
ففي ظل التصاعد الكبير لعمليات الحركة التي تستهدف قوات مكافحة الإرهاب، بدأت الأصوات المطالبة باستكشاف آفاق الحوار مع الحركة في التنامي في الفترة الأخيرة، خاصة من جانب المراقبين المتخصصين الذين اعتبروا أن التفاوض مع الحركة في المستقبل القريب هو أمر لن يمكن تجنبه، مؤكدين تعدد مظاهر التشابه بين واقع حركة الشباب في القرن الإفريقي وبين حركة طالبان في أفغانستان التي بدأت الولايات المتحدة في التفاوض معها منذ سنوات سعيًا للتوصل لاتفاق شامل للسلام في أفغانستان.
ومما قد يعزز من هذا المسار، الأوضاع السياسية الداخلية التي تمر بها الأطراف الأكثر انخراطًا في المواجهة المسلحة لنشاط حركة الشباب، بداية من الحكومة الصومالية الاتحادية في مقديشيو والتي تسعى لإنهاء التعثر المزمن في العملية السياسية عبر إجراء انتخابات المجلس التشريعي بنظام الاقتراع المباشر للمرة الأولى منذ خمسين عامًا في الربع الأخير من العام الجاري، والذي تأجل مرارًا بسبب تردي الأوضاع الأمنية. فضلًا عما تعانيه إثيوبيا، إحدى أكثر القوى الإقليمية انخراطًا على ساحة العمليات الصومالية، من أوضاع داخلية بالغة الصعوبة في ظل تصاعد الصراعات بين الجماعات المختلفة، الأمر الذي يعقد كثيرًا من المشهد السياسي قبيل موعد الانتخابات في مايو المقبل، ويجعلها في حاجة ماسة لمراجعة نمط وحجم انتشارها العسكري على الساحة الصومالية.
ولا تبدو الولايات المتحدة بعيدة عن هذه الضغوط السياسية الداخلية، في ظل الحساسية الشديدة لتكرار الهجمات على القوات الأمريكية في الصومال وكينيا قبل أشهر قليلة على عقد الانتخابات الرئاسية التي يسعى الرئيس “ترامب” فيها للفوز بولاية ثانية على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية الكبيرة، الأمر الذي قد يحفز من إعادة نظر الإدارة الأمريكية في ملف مكافحة الإرهاب في القرن الإفريقي.
على هذا النحو، تتصاعد الأهمية الكبيرة لهجمات حركة الشباب ضد المعسكرات الأمريكية على المستويين الأمني والسياسي؛ فبجانب ما تعكسه هذه الهجمات من تطور ملحوظ على المستوى العملياتي، تفتح هذه الهجمات كذلك أفق التسوية السياسية أمام قادة الحركة لإنهاء صراع محتدم دام لنحو خمسة عشر عامًا.