في ندوة أجراها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية اليوم حول الأوضاع الداخلية في السودان بعد سقوط نظام عمر البشير، دار النقاش مع السيد/ جين ميشيل ديوموند مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص لشئون السودان وجنوب السودان في الفترة من 2016- 2019 والذي شغل مناصب عدة في الاتحاد الأوروبي ، حول التطورات الأخيرة داخل البلد الذي أزاح نظامًا استمر لثلاثين عامًا واستطاع بسلاسة الدخول في فترة انتقالية تفضي لانتخابات في نوفمبر 2020. واستهدف النقاش الوقوف على آخر تطورات محادثات السلام هناك وما يتعلق بجهود رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وذلك بحضور اللواء / محمد إبراهيم الدويري عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الدكتور/ توفيق إقليمندوس رئيس وحدة الدراسات الأوروبية بالمركز، اللواء/ مجاهد الزيات عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصري والدكتور / أحمد أمل رئيس وحدة الدراسات الأفريقية.
وفي كلمته الأساسية قال مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص لشئون السودان وجنوب السودان أشار إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون يولي ما حدث في السودان أولوية كبيرة جدا لأنه حدث تاريخي بالغ الأهمية، وأضاف أنه كان في جولة في الكويت والإمارات استهدفت تنسيق الحصول عل مساعدات للسودان، الذي يعد عنصر أساسي لاستقرار المنطقة لا سيما أن القرن الأفريقي توجد فيه حالة من الاستقرار الهش جدًا. مشيرًا إلى أن الجولة القادمة ستكون في سياق تميزه المنافسة الشديدة بين الدول العربية وإيران من ناحية ومن ناحية أخرى تقف السعودية و الإمارات مقابل قطر وتركيا وأضاف أن هذه التوترات أثارت ضجة حول أمن البحر الأحمر وأدت إلى عسكرة المنطقة.
وحول دور فرنسا والخليج ومصر في استقرار السودان أشار ” ديوموند” إلى أن هذه الأطراف الإقليمية والدولية تريد استقرار السودان وهم على وعي كامل بأن هذا يتوقف على أمن البحر الأحمر ونجاح القوى المدنية والجيش في تمرير ناجح للفترة الانتقالية وإرساء مبادرات السلام والعمل على حل المشاكل الاقتصادية.
وأضاف أنه من الناحية السياسية توجد الكثير من المشكلات فقد حدث تمرد في جهاز المخابرات العامة في الأسبوع الماضي ولكن من جهة أخرى فإن المقارن لوضع السودان الآن بستة أشهر سابقة يدرك أن أحدًا لم يكن يستطيع المراهنة على إمكانية التنسيق بين المدنيين والعسكريين في السودان.
فيما يتعلق بمفاوضات السلام لفت المبعوث الخاص للسودان وجنوب السودان إلى أن هناك وعي كامل بالمشاكل التي تعوق التوصل لاتفاق شامل حتى الآن وذلك لتعدد مراحل المفاوضات ووجود أكثر من قناة للمفاوضات ووجود خلافات حول مكان التفاوض. ورغم ذلك فإن هناك ثقة في إمكانية التوصل إلى اتفاق في وقت جيد نسبياً.
والجدير بالذكر أن فرنسا ليست لديها موقف تفضيلي فيما يتعلق باختيار مكان المفاوضات خصوصًا في ظل عدم مطالبة أطراف إقليمية باستضافته” الدوحة – أبوظبي” والمفاوضات تجري حاليًا في الخرطوم وبعض الفصائل تبدي عدم ارتياح لذلك ، وعلى هذه الخلفية فإن باريس ليست لديها مشكلة في أن تستضيف ” جوبا” محادثات السلام. مشيرًا إلى أن باريس هم على اتصال بالمتحدثين باسم الجماعات المسلحة وتحثهم على حضور المفاوضات بروح منفتحة .
وبالنظر إلى موقف القوى الإسلامية في السودان أكد” ديوموند” أن باريس غير متخوفة من هذه التيارات لأنها فقدت مصداقيتها لكن الوضع لا يمكن المراهنة عليه في ظل صعوبة الوضع الاقتصادي في السودان. وما يمنع من تحسن الوضع الاقتصادي في السودان الآن هو استمرار وجودها على قائمة الدول الراعية للإرهاب. وهو ما يجعل المستثمرين والجهات الدولية المانحة تتعامل مع تمويل السودان بحرص شديد نتيجة العقوبات والقيود المفروضة عليه.
وعلى الرغم من ذلك فإن فرنسا منحت للسودان مليون يورو وهناك 35 مليون يورو سيمنحها الاتحاد الأوروبي إلا أن السودان يحتاج للخروج من أزمته 3 مليار دولار ولا تزال المبالغ الممنوحة حاليًا بعيدة جدًا.
وبالتالي فإنه من الضروري التنسيق مع دول الخليج بسبب عدم وجود عوائق قانونية وتشريعية ليدها تمنعها من دعم السودان اقتصاديًا، ومن المتوقع أن يكون هناك مؤتمر للمانحين هدفه سد الفجوة المالية الحالية في السودان بدون استهداف وجود حل طويل الأمد لمشاكل السودان.
وحول الجهود الفرنسية في هذا الصدد أشار السيد ” ديوموند” إلى أن الرئيس ماكرون اقترح عمل مؤتمر رفيع المستوى بعد عودة السودان للجماعة الدولية،تمهيدًا لانتخابات السودان في نوفمبر 2020. كما يجب أن يتم تحسين مناخ الاستثمار في السودان لكي يعظم من طاقاته وإمكانياته ووجود قطاع خاص ديناميكي، بحيث يتم كل هذا في إطار مؤتمر رفيع المستوى ومنتدى للأعمال وورشة للمعاملات البنكية.
وردًا على مداخلة الدكتور/ مجاهد الزيات عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية حول التحديات التي تواجه النظام السوداني الجديد وهل يمكن أن تستضيف مصر محادثات السلام باعتبارها قامت بتنظيم لقاءات بين أطراف عسكرية سودانية مسبقًا، قال المبعوث الخاص للسودان وجنوب السودان أن الأكثر ملائمة الآن هو الخرطوم والهدف هو فك الارتباط بين الأطراف وعزل المفاوضات عن تنافس الأطراف الإقليمية. وأوضح أن الأطراف يجب أن تكون أكثر اطمئنانًا لاستضافة الخرطوم للمفاوضات خاصة بعد سقوط نظام عمر البشير.
وحوب مداخلة اللواء/ محمد إبراهيم الدويري عضو الهيئة الاستشارية بالمركز والتي دارت حول الدور الفرنسي لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فقد أكد السيد ” ديوموند” أن فرنسا على اتصال دائم بواشنطن لإقناعها بأن الوضع تغير بطريقة جذرية وسوف يتم تقديم طلب من الجهات المعنية لإجراء تقييم على مدى ستة أشهر للتعرف على مدى تغير الوضع في السودان من عدمه، لافتًا إلى أن الوضع في السودان من الأمور التي تشهد توافقًا داخليًا أمريكيًا عليها بين الديمقراطيين والجمهوريين ، خصوصًا وأن الشركاء في الخليج يؤكدون توقف السودان عن تمويل الجماعات الإرهابية منذ عام 2013 .
موضحًا أن ما يهم الكونجرس بشكل أكبر هو ملف الحريات الدينية وقد اتخذ السودان خطوات مهمة في هذا الملف وهو ما يجب وضعه في عين الاعتبار، وعلى الرغم من أن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ليس الحل السحري ولكنه مقدمة ضرورية لحل مشاكل السودان كما أن الاتحاد الأفريقي له نفس الرؤية..
وحول مداخلة الدكتور / أحمد أمل رئيس وحدة الدراسات الأفريقية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية والتي دارت حول التطورات الأخيرة التي شهدها السودان والتي انصبت حول التحركات التي قام بها ضباط هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، والمشاكل التي يعاني منها الداخل نتيجة صعوبة تفكيك نظام الانقاذ التابع لعمر البشير ،إضافة إلى وجود مظاهرات الزحف الأخضر قام بها الإسلاميين في عدد من المدن السودانية وتزايدت في الفترة الأخيرة بشكل منظم وعلني.إضافة إلى التوترات الإثنية في غرب السودان وشرقه.
فقد أشار المبعوث الخاص إلى أنه ينبغي التمييز بين الشرق والغرب، لأن ما حدث في الغرب كان امتداد لصراعات عادية حول استغلال الأوراضي ولكن المقلق ما حدث في الشرق ومن الممكن أن يكون الإسلاميين متورطين فيه.
وحول أن قرار حل حزب المؤتمر الوطني في السودان لم يحل معضلة تفكيك نظام البشير، قال السيد ” ديوموند” لقد عاصرت الأوضاع الثورية في دول أخرى والوضع في السودان أفضل بكثير لأن الشرطة تعمل وأجهزة الدولة تعمل هناك وينبغي أن نضع باعتبارنا التجربة العراقية حيث كان هناك صعوبة في تفكيك حزب البعث وأدى الأمر إلى كارثة كانت السبب الرئيسي في ظهور داعش ولذلك فإن البطء في تفكيك حزب المؤتمر واستيعاب أعضائه في تيارات سياسية أخرى يحمي السودان من الدخول في موجة أخرى من الإرهاب وعدم الاستقرار.
وبشأن الإجراءات العاجلة في الإصلاح الاقتصادي أكد ” ديوموند” أن العقوبات الأمريكية هي التي تعيق التحرك من ناحية دول الخليج حتى الآن وعلى الرغم من أن هناك تغير في نظرة الخليجيين للسودان الآن إلا أن مواقف النظام السوداني السابق في اليمن لم تنسى بعد، ولذلك فإن مصر لها دور فعال في إقناع السعودية والإمارات بدفع عجلة الاقتصاد في السودان. خصوصًا مع الوضع بالاعتبار أن السعودية أكبر شريك تجاري خليجي للسودان تليها الإمارات وأخيرًا الصين. وذلك لأن دول الخليج تعي الآن أن عدم عودة الإسلاميين لحكم السودان يمر عبر تلبية الطموحات الاقتصادية والحقوقية.
وفي سياق الرد على مداخلة د/ رغدة البهي رئيس وحدة الأمن السيبراني بالمركز المصري والتي دارت حول إمكانية تحقيق المعادلة الصعبة من إصلاح الوضع الاقتصادي والأمني و إقرار العقد الاجتماعي داخل السودان في آن واحد ، قال المبعوث الخاص أن الإصلاح الاقتصادي يمر عبر توحيد سعر صرف العملة، رفع الدعم، إصلاح النظام الضريبي والمشكلة الرئيسية تكم في كيفية رفع الدعم دون الإضرار بالسودانيين والحل في إيجاد شبكات أمان اجتماعي الذي تحتاج السودان مليارات الدولارات لإيجاده.
ولو تمت مقارنة الثمن الذي تحتاجه السودان للاستقرار في مقابل عد استقرارها فإن الثمن الأخير سيكون فادح وعلى المدى المتوسط فإن إصلاح الأجهزة الأمنية هو التحدي الأصعب .
وفيما يتعلق بالتجارة السوداء في مخزون الذهب من السودان فإنه لو تم القضاء عليها ستمثل حل جيد للمشكلة ولكن التجارب الدولية أثبتت أن البترول والثروة المعدنية لا تضمن تنمية حقيقية في مقابل وجود منتجات أخرى يمكن الاعتماد عليها في التنمية مثل الصمغ العربي الذي يشكل سلعة محورية لشركات الأدوية وغيرها وعلى أية حال فإنه لا ينبغي الاستهانة بقدرات السودانيين الذين لديهم كفاءات كبيرة إضافة إلى أن التشريعات تسير في اتجاه سليم وبصفة عامة فإن الخبراء متفقين على إصلاح الجهاز الضريبي والإداري في عام واحد فقط في السودان ممكن وطبقًا للمعايير الدولية تعتبر هذه مدة قياسية.