على غرار روسيا واليابان والصين وألمانيا، تسعى بريطانيا للدخول إلى المشهد الإفريقي. فتحت شعار “شركاء من أجل الرخاء”، استضافت المملكة المتحدة “قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية 2020” في لندن، يوم الاثنين 20 يناير الجاري، برئاسة كلٍّ من الرئيس “عبدالفتاح السيسي” بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، ورئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون”، وذلك بهدف تعزيز الشراكة بين بريطانيا والدول الإفريقية في سبيل بناء مستقبل آمن ومزدهر للجميع، إلى جانب عقد استثمارات جديدة لخلق فرص عمل لائقة، وتحقيق معدلات نمو، بما يُسهم في تنفيذ أهداف أجندة إفريقيا ٢٠٦٣.
وتكتسب القمة أهمية خاصة نابعة من توقيتها، حيث جاءت القمة قبل أقل من أسبوعين من مغادرة المملكة المتحدة رسميًّا للاتحاد الأوروبي، ويسعى “جونسون” من خلالها إلى إقناع القادة الأفارقة ومديري الشركات بجعل بريطانيا “شريكهم الاستثماري المفضل”، حيث تسعى بريطانيا لكي تكون أكبر مستثمر من مجموعة السبع الصناعية بالقارة الإفريقية بحلول عام 2022، في محاولة لاستعادة النفوذ البريطاني القديم في القارة الإفريقية، والبحث عن بدائل وشركاء خارج إطار الاتحاد الأوروبي.
وتُشير الإحصاءات إلى أن حجم التجارة بين بريطانيا وإفريقيا تجاوز 36 مليار جنيه إسترليني في عام 2019، بينما زاد عدد الشركات البريطانية العاملة في الأسواق الإفريقية إلى حوالي 2000 شركة، وارتفع حجم الاستثمارات البريطانية بالقارة إلى حوالي 19 مليار جنيه إسترليني في عام 2018.
جدول أعمال القمة
بدأت فعاليات القمة بالجلسة الافتتاحية بمشاركة رئيس الوزراء البريطاني والرئيس “عبدالفتاح السيسي” والقادة الأفارقة، أعقبها عدد من الجلسات التفاعلية الخاصة، تمحورت حول التمويل المستدام، والبنية التحتية، والتجارة والاستثمار، وقطاعات النمو الإفريقية المستقبلية، والطاقة النظيفة والمناخ.
في هذا الإطار، تناولت الجلسات مناقشة اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، وكيفية زيادة فرص التجارة والاستثمار عن طريق توسيع عملية الاندماج والتكامل الإقليمي في القارة. كما استعرضت حكومات الدول الإفريقية خطط الإصلاح والفرص التي يتم توفيرها لزيادة معدلات النمو، وخططهم للتحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، ومناقشة أفضل الطرق لجذب المزيد من الاستثمارات وتنمية الشراكة المتبادلة، فضلًا عن تنظيم مائدة مستديرة حول المشروعات موضوع الاهتمام المشترك، خاصة في مجالات الإسكان والنقل والمياه.
وقد ركز “جونسون” خلال القمة على توصيل رسائل محددة، مفادها أن بريطانيا ستكون أكثر انفتاحًا على المهاجرين من القارة، من خلال نظام أكثر عدلًا ومساواة لجذب أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم إلى بريطانيا، وأنها (بريطانيا) تسعى إلى مكافحة انبعاثات الكربون والقضاء على استخدام الفحم في الطاقة، الأمر الذي سيجعلها تستثمر بقوة في مجال الطاقة النظيفة، وهو ما انعكس على حجم الاستثمارات الموجهة للطاقة خلال القمة والذي تجاوز مليار جنيه إسترليني.
وشارك في القمة أكثر من 1000 شخص، ما بين ممثلين عن الحكومة البريطانية ورؤساء المؤسسات والهيئات الدولية الاقتصادية والمجتمع المدني وممثلين عن القطاع الخاص ورواد أعمال شباب، فضلًا عن مشاركة نحو 21 دولة إفريقية على مستوى رئيس دولة أو رئيس حكومة من بينها مصر ونيجيريا وأوغندا.
أنشطة مهمة على هامش القمة
شهدت القمة البريطانية-الإفريقية عقد العديد من الفعاليات على هامشها، كان أبرزها:
1– “معرض للمستثمرين”: عُقد المعرض يوم الاثنين 20 يناير، بالتزامن مع انعقاد القمة، بمشاركة عدد من الشركات البريطانية والإفريقية في العديد من المجالات، خاصة تكنولوجيا الإنسان الآلي والأقمار الصناعية والطاقة الجديدة والمتجددة ومواد البناء المستدامة. واحتوى المعرض على جناح مصري للترويج للاستثمار في مصر، اشتمل على بعض الكتيبات التي تحتوي على فرص استثمارية في مصر، واستعراض لنجاحات حققتها الشركات الأجنبية في السوق المصرية.
2- “منتدى البنية التحتية المستدامة“: عُقد المنتدى يوم الثلاثاء 21 يناير، حيث جاء نقص فرص الاستثمار في البنية التحتية كواحد من أبرز العوائق أمام الاستثمار في الدول الإفريقية، لذا تسعى المملكة المتحدة إلى بذل مزيد من الجهد في اتجاه الاستثمار في البنية التحتية، لأنها تدرك أن استراتيجية نهب الموارد لم تعد تجدي نفعًا مع دول القارة الإفريقية، وأن الشراكة والمنفعة المشتركة بما يتناسب مع أولويات القارة الإفريقية هما السبيل الوحيد لعودة نفوذها للقارة.
3- “ندوة مجموعة برلمانات جميع الأحزاب في المملكة المتحدة”: نظمت الندوة الجمعية الملكية الإفريقية وجامعة أوكسفورد بروكس، بمشاركة برلمانيين أكاديميين وصناع سياسات في المملكة المتحدة، يوم الثلاثاء 21 يناير.
4- “منتدى مجلة القيادة الإفريقية 2020”- ALM Africa Dialogue – London 2020: جمع المنتدى بين صانعي السياسات وقادة الأعمال والصناعة، وكبار المديرين التنفيذيين من جميع أنحاء إفريقيا، تحت سقف واحد، مع نظرائهم في المملكة المتحدة، للتداول حول طرق لاستغلال عناصر جاذبية الاقتصادات الإفريقية، وتطوير علاقات تجارية واستثمارية أقوى بين المملكة المتحدة وإفريقيا، تحت شعار: “تسخير النداء الاقتصادي العالمي لإفريقيا”.
5- إصدار بيان مشترك بين مصر وبريطانيا: شهدت القمة إصدار بيان مشترك بين كلٍّ من مصر وبريطانيا. وقد تضمن البيان التزام مصر بالتعاون مع بريطانيا بمواجهة التحديات التي تحد من تفعيل آليات السوق الحالية، وفتح أسواق جديدة، وزيادة الاستثمارات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم بهدف زيادة وخلق فرص العمل وتوفير خدمات بجودة متميزة للمواطنين، ودعم المملكة المتحدة لمصر في تعزيز الشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف مع شركاء التنمية والحكومات وصانعي السياسات الاقتصادية، لتحقيق أجندة التنمية الوطنية 2030، اتساقًا مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وشمل البيان إعلان المملكة المتحدة عن تقديم 13 مليون جنيه إسترليني لمصر بهدف تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والتنمية الاجتماعية، وتمكين الشباب، بالإضافة إلى منح بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني لدعم الشمول المالي، فضلًا عن تقديم ما يقرب من 8 ملايين جنيه إسترليني لزيادة فرص العمل للشباب من خلال دعم تطوير منظومة التعليم العالي واستحداث برامج بناء القدرات.
6- إطلاق بوابة النمو: أعلنت الحكومة البريطانية خلال القمة تدشين “بوابة النمو”، بتكلفة بلغت 37 مليون جنيه إسترليني. وتشمل البوابة معلومات إلكترونية محدثة حول عروض التجارة والاستثمار والتمويل للحكومة البريطانية، وتقديم المشورة للشركات الإفريقية لسهولة التصدير إلى بريطانيا والعالم وإيجاد شركاء استثمار. كما تقدم مزيدًا من المساعدة للشركات البريطانية لإيجاد شركاء تجاريين جدد، والاستفادة من فرص النمو الدولى في الأسواق الإفريقية، وسيكون هناك دعم إضافي متاح للشركات الراغبة في الجمع بين التنمية التجارية والتأثير الاجتماعي في إفريقيا.
7- إنشاء خدمة ترويج الاستيراد Trade Connect: وهي خدمة إلكترونية لدعم الشركات الإفريقية لزيادة وجودها في الأسواق الدولية، وكذلك دعم الشركات البريطانية للحصول على منتجات ذات جودة من إفريقيا، وذلك بتمويل يصل إلى 20 مليون جنيه إسترليني.
8- ندوة بعنوان: “مصر كمحور وبوابة للتجارة والاستثمار في إفريقيا”، نظمها مجلس الأعمال البريطاني، حيث قامت خلالها د. هالة السعيد (وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري) بعرض التجربة المصرية في الإصلاح الاقتصادي، وأهم الفرص الاستثمارية في مصر باعتبارها بوابة للقارة الإفريقية.
أبرز مكاسب القمة البريطانية الإفريقية
حققت القمة العديد من المكاسب التي من شأنها أن تعود بالنفع على الأفراد والشركات في جميع أنحاء إفريقيا والمملكة المتحدة، وقد انعكست هذه المكاسب في الصفقات التجارية بين الشركات البريطانية والشركاء الأفارقة التي تم الإعلان عنها في القمة والتي أبرمت مع 11 دولة إفريقية، وبلغت قيمتها أكثر من 6.5 مليارات جنيه إسترليني، وتشمل قطاعات البنية التحتية، والطاقة، وتجارة التجزئة والتكنولوجيا.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت حكومة المملكة المتحدة عن أكثر من 1.5 مليار جنيه إسترليني من المبادرات الممولة من المساعدات البريطانية والتي من المتوقع أن توفر مئات الآلاف من فرص العمل، وتعبئة أكثر من 2.4 مليار جنيه إسترليني من الاستثمارات الخاصة الإضافية للقارة، فضلًا عن إطلاق عدد من المبادرات لتسهيل تمويل البنية التحتية في كل من أوغندا ومصر وكينيا وإثيوبيا وغانا ونيجيريا. ويذكر أن مبلغ 3.5 ملايين جنيه إسترليني من المساعدات البريطانية التي تم الإعلان عنها خلال القمة مخصص للتمكين الاقتصادي للمرأة في إفريقيا.
كما شهدت القمة توقيع مذكرة تفاهم بين شركة “أكتيس” البريطانية والصندوق السيادي المصري، حيث وقَّع الطرفان مذكرة تفاهم للاستثمار المباشر في الأسواق الناشئة، والتعاون الاستراتيجي بين الطرفين للاستثمار بعدة قطاعات في مصر، أبرزها: البنية التحتية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والصحة، والتعليم. وتتضمن المذكرة الاتفاق على ضخ استثمارات بنحو 3 مليارات جنيه إسترليني لمصر على مدار 3 سنوات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن “أكتيس” أنجزت في مجال الطاقة 23 مشروعًا في إفريقيا حتى الآن، بقدرة 4 جيجاوات، وتدير استثمارات طويلة الأجل قيمتها 3.4 مليارات دولار في القارة الإفريقية.
أخيرًا، فإن تعزيز النمو الاقتصادي والاستفادة من فرص الاستثمار والتجارة بالقارة الإفريقية الواعدة، كان سببًا رئيسيًا في أن تسعى دول العالم لإطلاق منصات تعاون مشترك مع القارة الإفريقية، لمحاولة تعزيز التواجد الاقتصادي، سواء بالاستثمار في الصناعة أو التجارة، الأمر الذي يفسر حرص ألمانيا والصين واليابان وروسيا على تدشين كلٍّ منها منصة تجمعها بالقارة الإفريقية، وتأتي قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية كأحد مظاهر ذلك التنافس المستمر بين دول العالم على التواجد في إفريقيا، والذي تسعى دول القارة جاهدة لتحقيق أقصى استفادة من ورائه، بما يخدم أولوياتها القارية ويسهم في تنفيذ استراتيجياتها الوطنية وأجندة إفريقيا 2063.