بينما يزيد الجدل بشأن إصلاح التعليم، بما في ذلك الانتقادات الموجّهة لجوانب عدة من السياسة التعليمية؛ إلا أنّ الصورة الكلية لواقع التعليم تُظهر تحسنًا ملحوظًا عادةً ما تعجز عن ملاحظته العين المشغولة بملاحظة جوانب جزئية وتفصيلية من الصورة العامة. هذا هو ما بينه التقرير السنوي لمؤشر المعرفة العالمي الصادر في نوفمبر 2019، والذي تصدره مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/ المكتب الإقليمي للدول العربية، حيث تقدمت مصر في إجمالي المؤشر من المرتبة 99 في تقرير 2018 إلى المرتبة 82 في تقرير 2019. ويعد التقدم الذي أحرزته مصر نتاج التحسن في المؤشرات الفرعية السبعة التي من بينها التعليم قبل الجامعي، وهو ما سيتم تناوله هنا بالتفصيل.
بناء مؤشر المعرفة العالمي
أُطلق مؤشر المعرفة العالمي في عام 2017، وهو المؤشر الوحيد الذي يقيس المعرفة على مستوى العالم، ويغطي 136 دولة. وقد راعى المؤشر التطورات التكنولوجية المتسارعة وتأثيراتها على القطاعات المعرفية المختلفة، ليتناول سبعة مؤشرات قطاعية هي: التعليم قبل الجامعي، التعليم التقني والتدريب المهني، التعليم العالي، البحث والتطوير والابتكار، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الاقتصاد، البيئات التمكينية. ويمثل كل قطاع من هذه القطاعات نسبة مئوية من المؤشر الإجمالي هي 15%، عدا قطاع البيئات التمكينية الذي يمثل 10% فقط.
ويتكون كل مؤشر قطاعي من مجموعة من المحاور تشتمل على عدد من المتغيرات كما يلي:
1- التعليم قبل الجامعي: يضم محوري رأس المال المعرفي (8 متغيرات خاصة بالالتحاق والإتمام والنواتج)، والبيئة التمكينية التعليمة (9 متغيرات خاصة بالإنفاق على التعليم وبرامج الطفولة المبكرة والبيئة المدرسية).
2- التعليم التقني والتدريب المهني: ويضم محوري التكوين والتدريب المهني (7 متغيرات خاصة بالتدريب المستمر وبنية التعليم التقني)، وسمات سوق العمل (5 متغيرات خاصة بمؤهلات القوى العاملة ورأس المال البشري وبنية سوق العمل).
3- التعليم العالي: ويضم محوري مدخلات التعليم العالي (7 متغيرات خاصة بالإنفاق والالتحاق والموارد البشرية)، ومخرجات التعليم العالي وجودته (9 متغيرات خاصة بالتخرج والعمل بعد التخرج وجودة الجامعات وكفاءة الطلاب).
4- البحث والتطوير والابتكار: ويضم ثلاثة محاور هي البحث والتطوير (11 متغيرًا خاصًّا بمدخلات ومخرجات البحث والتطوير)، والابتكار في الإنتاج (8 متغيرات خاصة بمدخلات ومخرجات الابتكار في الإنتاج)، والابتكار المجتمعي (9 متغيرات خاصة بمدخلات ومخرجات الابتكار المجتمعي).
5- تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: ويضم محوري مدخلات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (6 متغيرات خاصة بالبنية التحتية وتنافسية القطاع)، ومخرجات تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات (14 متغيرًا خاصًّا بالاشتراكات واستخدامات الأفراد واستخدامات الحكومة والمؤسسات والتأثير التنموي).
6- الاقتصاد: ويضم ثلاثة محاور؛ التنافسيّة المعرفية (11 متغيرًا، خاصة البنية التحتية الاقتصادية والمنافسة والمقومات التنافسية)، والانفتاح الاقتصادي (5 متغيرات خاصة بالاقتصاد الإبداعي والتبادل التجاري)، والتمويل والقيمة المضافة (6 متغيرات خاصة بالتمويل والضرائب والقيمة المضافة المحلية).
7- البيئات التمكينية: ويضم ثلاثة محاور هي؛ السياسة والمؤسّسات (5 متغيرات خاصة بالاستقرار السياسي واستقلال القضاء وجودة الإطار التنظيمي) والاقتصاد والمجتمع (8 مؤشرات خاصة بتكافؤ الجنسين والتمكين) والصحّة والبيئة (5 متغيرات خاصة بمتوسط العمر المتوقع وانبعاثات الغازات وإنتاج واستهلاك الطاقة).
متغيرات التعليم قبل الجامعي وموقع التعليم المصري
حققت مصر تقدمًا ملحوظًا في مؤشر قطاع التعليم قبل الجامعي في تقرير عام 2019، حيث وصلت إلى المرتبة 94 بعد أن كانت في المرتبة 110 في تقرير عام 2018. ويضم هذا المؤشر عددًا من المتغيرات التي تحدد القيمة التي حصلت عليها كل دولة وترتيبها ضمن 136 دولة، وتم تقسيمه إلى محورين أساسيين هما:
الأول: رأس المال المعرفي، ويركز على الإحصائيات المتعلقة بالتحاق الطلاب بالتعليم قبل الجامعي، وإتمام الدراسة بهذه المرحلة، ونواتج التعلم في العلوم والرياضيات والقراءة. وقد حققت مصر المرتبة 92 في هذا المحور منفردًا بعد أن كانت في المرتبة 91 في تقرير 2018. وجاء ترتيب مصر في كل متغير كما يلي:
1- فيما يتعلق بالالتحاق، تراجع ترتيب مصر في إجمالي مؤشر الالتحاق من المرتبة 61 عام 2018 إلى المرتبة 65 عام 2019 بسبب التغير في المتغيرات التالية:
– الالتحاق الإجمالي بالتعليم الأساسي: تقدمت مصر من المرتبة 40 إلى 38.
– الالتحاق الإجمالي بالمرحلة العليا من التعليم الثانوي: تراجعت مصر من المرتبة 80 إلى المرتبة 81.
– الأطفال خارج الدراسة في سن المرحلتين الأساسية والثانوية: تقدمت مصر من المرتبة 50 إلى المرتبة 44، وذلك بعد أن ارتفعت القيمة التي حصلت عليها من 91.6% عام 2018 إلى 96.2% عام 2019، وهو ما يعني أن مصر تمكنت من استبقاء عدد أكبر من الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة حتى إتمام المرحلة.
2- فيما يتعلق بالإتمام، حققت مصر تقدمًا كبيرًا في هذا المؤشر، حيث تقدمت من المرتبة 82 عام 2018 إلى المرتبة 55 في عام 2019، ويرجع ذلك إلى تحسن ترتيب مصر في المتغيرات التالية:
– التخرج الإجمالي من التعليم الأساسي: تقدمت مصر من المرتبة 60 إلى المرتبة 21.
– التخرج الإجمالي من المرحلة العليا من التعليم الثانوي: تقدمت مصر من المرتبة 69 إلى المرتبة 50.
– معدلات البقاء حتى الصف الأخير من المرحلة الثانوية الأولى: تقدمت مصر من المرتبة 80 إلى المرتبة 66.
3- فيما يتعلق بالنواتج، حافظت مصر على نفس الترتيب في العامين 2018/2019 وهو 77، لعدم توافر البيانات الخاصة بأداء الطلاب (15 عامًا) في الرياضيات والعلوم والقراءة، وثبات تحصيل طلاب الصف الثامن في الرياضيات والعلوم عند المرتبة 50.
الثاني، البيئة التمكينية التعليمية، حيث تقدمت مصر من المرتبة 115 عام 2018 إلى المرتبة 103 عام 2019، ويرجع ذلك إلى التغير في المتغيرات التالية:
1- الإنفاق على التعليم: تقدم مصر مركزين فقط من المركز 113 إلى 111 في إجمالي الإنفاق على التعليم، وذلك بسبب تحسن الإنفاق الحكومي على التعليم الأساسي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من المرتبة 77 إلى 75، وتحسن الإنفاق الحكومي على التعليم الثانوي من المرتبة 83 إلى 82.
2- برامج الطفولة المبكرة: حققت مصر طفرة ملحوظة في برامج الطفولة المبكرة، حيث تقدمت من المرتبة 104 عام 2018 إلى المرتبة 78 عام 2019، ويرجع ذلك إلى التقدم في ترتيب الالتحاق الإجمالي ببرامج الطفولة المبكرة من 94 إلى 36، في حين لم تتوافر البيانات الخاصة بنسبة الطلاب الجدد في الصف الأول أساسي ممن ارتادوا برامج الطفولة المبكرة.
3- البيئة المدرسية: أحرزت مصر تقدمًا في تحسين البيئة المدرسية، حيث جاءت في المرتبة 92 في 2019 بعد أن كانت في المرتبة 103 عام 2018. ويرجع ذلك إلى ثبات الترتيب في متوسط عدد الطلاب لكل معلم في مرحلة التعليم الأساسي عند 86، ومتوسط عدد الطلاب لكل معلم في مرحلة التعليم الثانوي عند 70، وتحسن الترتيب في نسبة المعلمين المدربين في مرحلة التعليم الأساسي من المرتبة 67 إلى 62، ونسبة المعلمين المدربين في مرحلة التعليم الثانوي من المرتبة 49 إلى 44.
التحسن في التعليم قبل الجامعي
تحسن ترتيب التعليم قبل الجامعي المصري في مؤشر المعرفة العالمي 2019 بمقدار 16 مركزًا عن عام 2018، ويرجع ذلك إلى التحسن الكبير في ثلاثة مؤشرات فرعية بعينها هي: إتمام الدراسة، والالتحاق ببرامج الطفولة المبكرة، ونسبة المعلمين المدربين في التعليم الأساسي والثانوي، وذلك على النحو التالي:
أولًا- التحسُّن في نسب الطلاب الذين أتموا الدراسة في مراحل التعليم قبل الجامعي
يوضح الجدول التالي التطور في نسبة الطلاب الذين أتموا مراحل التعليم الثلاث وفقًا لكتاب الإحصاء السنوي الصادر عن وزارة التربية والتعليم المصرية. ويحتوي الكتاب السنوي الصادر في عام 2018 على إحصاءات العام الدراسي 2016/2017. أما الكتاب الصادر في عام 2019 فيحتوي على إحصاءات العام الدراسي 2017/2018، في حين لا تتوافر إحصاءات العام الدراسي 2018/2019 حيث إنها ستصدر في الكتاب السنوي الذي سيصدر في 2020.

ويتضح من الجدول حدوث تحسن في جميع المراحل التعليمية، وأن التعليم الثانوي حقق النسبة الأكبر من التحسن، حيث بلغت نسبة التحسن 5.8%، تلته المرحلة الابتدائية بنسبة تحسن 3.5%، ثم المرحلة الإعدادية بنسبة 1.2%.
ثانيًا- التوسع في حلقة رياض الأطفال وزيادة عدد التلاميذ الذين التحقوا بهذه المرحلة
يوضح الجدول التالي الزيادة في أعداد الفصول والمدارس والتلاميذ لمرحلة رياض الأطفال في عامي 2018، 2019، حث بلغ عدد التلاميذ الملتحقين برياض الأطفال في مصر للعام الدراسي 2018/2019 قرابة المليون و390 ألف تلميذ، بزيادة تخطت 87 ألف تلميذ عن العام الدراسي 2017/2018. كما زاد عدد المدارس والفصول لاستيعاب الزيادة في أعداد التلاميذ. وتجدر الإشارة إلى أن النظام التعليمي الجديد، والذي يرمز له بالكود (2.0) تضمن تطوير مرحلة رياض الأطفال، واستخدام مناهج جديدة تقوم على الأنشطة التي تنمي الأطفال معرفيا ووجدانيا بعيداُ عن التلقين، وهي أسباب منطقية لتحسن ترتيب التعليم المصري في هذا المؤشر، حيث يتم التطوير ببعديه الكمي (بزيادة أعداد المدارس واستيعاب الزيادة في أعداد التلاميذ) والكيفي (بتطوير المناهج وطرق التدريس).

ثالثًا- ارتفاع نسبة المعلمين المدربين في جميع مراحل التعليم
يرجع الفضل في ارتفاع نسبة المعلمين المدربين إلى البدء في تنفيذ النظام التعليمي الجديد، وما ارتبط به من تدريب المعلمين في جميع المراحل التعليمية. فقد وصل عدد المعلمين الذين تلقوا التدريبات إلى 100 ألف معلم، من بينهم جميع معلمي مرحلة رياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي. ورغم أن هذا العدد لا يمثل سوى أقل من 10% من إجمالي عدد المعلمين في المدارس الحكومية المصرية، ورغم أن المؤشر لا يقيس مدى جودة التدريب الذي حاز عليه المدرسون، إلا أن تدريب 100 ألف معلم خلال عام واحد كان كفيلا بتحسين ترتيب مصر في مؤشر تحسين البيئة المدرسية الذي يشتمل على محور تدريب المعلمين.ما زال التعليم في مصر يحتاج إلى مزيد من التطوير، لكن المؤكد أن هناك جهودا يتم بذلها، وأن هناك تحسن يحدث؛ والأمل معقود على تحسن الوضع الاقتصادي، وما يتيحه ذلك من زيادة الإنفاق على التعليم للتوسع في بناء المدارس وتحسين أوضاع المعلمين وتدريبهم. بالإضافة إلى ذلك فإنه من الضروري تركيز أكبر على الكيف، وعدم الاكتفاء بالكم. فمعظم المتغيرات التي يتضمنها مؤشر التعليم قبل الجامعي، والتي حققت مصر فيها تحسنًا ملحوظًا هي مؤشرات كمية، لا تقيس جودة التعليم الذي يتلقاه التلاميذ، أو جودة التدريب المقدم للمدرسين. ويتعزز نفس الاستنتاج لو لاحظنا عدم حدوث تقدم في تحصيل طلاب الصف الثامن في الرياضيات والعلوم عن العام الماضي، وبقيت درجة مصر على هذا المؤشر عند 50، وترتيب مصر عند المرتبة 77 في مستوى أداء الطلاب.
رئيس وحدة دراسات القضايا الاجتماعية